الفصل التاسع: إماتة الخطية
"فأميتوا أعضاءكم التي على الأرض الزنا النجاسة الهوى الشهوة الردية الطمع الذي هو عبادة الأوثان" (كولوسي 3: 5).
لا يدع العهد الجديد مجالاً للشك في أن القداسة تقع ضمن نطاق مسؤوليتنا. فإذا أردنا أن نجدّ في إثرها نقوم بعمل حاسم. باحثتُ ذات مرة شخصاً في أمر خطية معينة تورط فيها، فقال: "طالما صليتُ حتى يحثني الله كي أقلع عن هذه الخطية". يحثه لكي يُقلع؟ إن ما قاله هذا الشخص بالفعل هو أن الله لم يقم بكامل واجبه. فمن السهل جداً أن نطلب إلى الله أن يعمل شيئاً بعد، لأن ذلك يؤخر تحملنا لمسؤوليتنا.
أما الخطوة التي يجب أن نتخذها فهي أن نميت أعمال الجسد الفاسدة (رومية 8: 13). ويستعمل بولس العبارة عينها في رسالة أخرى: "فأميتوا أعضاءكم التي على الأرض" (كولوسي3: 5). فما معنى الفعل "أميتوا"؟ معناه: "أبطلوا قوة الشيء وحيويته ونشاطه الوظيفي، عطلوه واجعلوه عقيماً". فأن نميت أعمال الجسد يعني أن نُبطل قوة الخطية وحيويتها في محاولتنا للسيطرة على أجسادنا.
وعلينا أن ندرك أن الإماتة، ولو أنها عملية نقوم نحن بها، لا يمكن إنجازها بقوتنا الذاتية. وقد أحسن جان أوين (John Owen) البيورتاني إذ قال: "إن إماتة الخطية الصادرة عن القوة الذاتية، والمنفذة بطرق يبتدعها المرء بنفسه للبلوغ إلى البر الذاتي، هي جوهر كل ديانة كاذبة ومادتها". فهذه الإماتة ينبغي أن تُنفَّذ بقوة الروح القدس وإرشاده.
ويقول أوين أيضاً: "الروح وحده قادر على أداء هذا العمل. وكل طريقة أو وسيلة من دونه هي عديمة الجدوى. فهو الفعّال الأعظم وهو الذي يهب جهودنا الحياة والقوة”.
ومع أن هذه الإماتة يجب أن تتم بقوة الروح القدس وإرشاده، فهي أيضاً عمل يجب أن نقوم به نحن. إذاً لا تتم هذه الإماتة بمعزل عن قوة الروح القدس، ولكن ما لم نعمل نحن بقوته لن تكون إماتة أيضاً.
هنا السؤال الحاسم إذاًَ: "بأية طريقة نُبطل قوة الخطية وحيويتها؟" إذا ابتغينا القيام بهذا العمل الشاق فلا بد لنا أولاً من الاقتناع الراسخ. فيجب أن نقتنع تماماً بأن حياة مقدسة بحسب إرادة الله لكل مسيحي مؤمن هي أمر فائق الأهمية. ويجب أن نثق بأن السعي وراء القداسة يستحق الجهد والألم المطلوبين لإماتة آثام الجسد. ويجب أن يترسخ في ذهننا أنه بغير قداسة "لن يرى أحد الرب" (عبرانيين 12: 14). وليس علينا أن نكوّن قناعة بشأن حياة مقدسة بشكل عام فقط، بل في نواح محددة تنبغي فيها الطاعة أيضاً.
ومثل هذه القناعات تتأتى لنا من خلال تعرضنا لنور كلمة الله. فقد اعتادت عقولنا لوقت طويل قيم هذا العالم. حتى بعد أن نصير مسيحيين حقيقيين، يحاول العالم من حولنا باستمرار أن يجعلنا مشاكلين لنظام قيمه. فتنهال علينا إذ ذاك التجارب من كل حدب وصوب حتى نطلق العنان لطبيعتنا الخاطئة. لهذا قال بولس: "لا تشاكلوا هذا الدهر بل تغيروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم" (رومية 12: 2).
بكلمة الله وحدها تتجدد أذهاننا وقيمنا. فلما أعطى الله تعليمات بخصوص أي ملكٍ يُقام على إسرائيل مستقبلاً، قال أن نسخة من شريعته الإلهية "تكون معه ويقرأ فيها كل أيام حياته لكي يتعلّم أن يتّقي الرب إلهه ويحفظ جميع كلمات هذه الشريعة وهذه الفرائض ليعمل بها" (تثنية 17: 19). وقد قال الرب يسوع: "الذي عنده وصاياي ويحفظها فهو الذي يحبني" (يوحنا19:41). فالطاعة هي السبيل إلى القداسة، ولكننا لا نستطيع أن نطيع وصاياه ما لم تكن عندنا. يجب أن تترسخ كلمة الله في عقولنا بقوة حتى تصبح صاحبة التأثير المسيطر على أفكارنا ومواقفنا وتصرفاتنا. وإحدى الطرق الأكثر فعالية للتأثير في أذهاننا هي استظهار الآيات. وقد قال داوود: "خبأتُ كلامك في قلبي لكيلا أخطئ إليك" (مزمور 119: 11).
ولاستظهار الآيات جيداً لا بد لك من خطة ما، تتضمن نخبة من الآيات مختارة بدقة، ونهجاً عملياً لحفظها، ونظاماً مرتباً لمراجعتها كي تبقى راسخة في ذاكرتك، وقواعد سهلة لمتابعة استظهار الآيات بمفردك.
أنا أعرف من خبرتي الشخصية مدى أهمية خطة كهذه. وقد وعيتُ بالفطرة أهمية كلمة الله في حياتي وأنا بعد شاب على مقاعد الدراسة، فكنت أستظهر بعض الآيات على نحو متقطع وكيفما اتفق، دون أن أجني فائدة تُذكر، إلى أن عرَّفني أحدهم ذات يوم "خطة الاستظهار الموضوعية" التي يتبعها "الملاحون"، فشرعت باتباع نهج منتظم لاستظهار الآيات من هذه الخطة البسيطة الفعالة في خبء كلمة الله في قلبي.
طبعاً، إن الهدف من حفظ الآيات هو أن نطبق تعليم الكتاب المقدس في حياتنا اليومية. وبتطبيق كلمة الله على مختلف نواحي الحياة، نكتسب قناعة راسخة تساعدنا في مواجهة التجارب التي يسهل أن نتعثر بفخاخها.
لسنوات خلت كنت أعيش وزوجتي في مدينة كنساس التابعة لولاية ميسوري، وأعمل في الضفة الأخرى من النهر، في مدينة كنساس التابعة لولاية كنساس. وباعتباري موظفاً في ولاية كنساس كانت ضريبة الدخل لتلك الولاية جارية عليّ، ولكن لأني كنت أقطن في ولاية ميسوري فلم يكن واجباً أن أؤدي الضريبة قبل نهاية السنة. ثم انتقلنا ذات سنة إلى ولاية كولورادو في شهر تموز، وفي نهاية السنة تذكرتُ أني مدين لولاية كنساس بضريبة دخل لسبعة أشهر. وأول ما تبادر إلى ذهني أن أنسى هذا الأمر، ثم أن المبلغ كان ضئيلاً نسبياً وما كان أحد ليلحقني إلى كولورادو لجبايته. غير أن الروح القدس أعاد إلى ذاكرتي آية حفظتها في السابق. "فأعطوا الجميع حقوقهم. الجزية لمن له الجزية" (رومية 13: 7). وهكذا أقنعني الله في قلبي بواجبي في تأدية الضريبة الواجبة لولاية كنساس بدافع الطاعة لله. في ذلك اليوم أعطاني الرب بخصوص الضرائب قناعة راسخة أثّرت فيّ وتحكمت في تصرفاتي منذ ذلك الحين.
تلك هي الطريقة التي بها نكتسب القناعات- باستحضار ما تقوله كلمة الله بشأن مواقف شتى تنشأ في حياتنا، وتحديد مشيئة الله في هذه المسألة أو تلك في ضوء كلمته.
يتناول الكتاب المقدس بصراحة كثيراً من القضايا المتعلقة بالحياة العملية ونفعل حسناً عندما نستظهر آيات تدور حول هذه القضايا. مثلاً، تتجلى بوضوح المشيئة الإلهية بخصوص الاستقامة والصدق: "لذلك اطرحوا عنكم الكذب وتكلموا بالصدق كل واحد مع قريبه... لا يسرق السارق في ما بعد" (أفسس 4: 25-28). كذلك أيضاً توصف بصراحة مشيئة الله في ما يتعلق بالامتناع عن الزنى: "لأن هذه إرادة الله قداستكم. أن تمتنعوا عن الزنا" (1 تسالونيكي 4: 3). فمن اليسير أن نكوّن قناعات في مثل هذه القضايا المذكورة بمنتهى الوضوح، إذا كنا نرغب حقاً في إطاعة الله.
ولكن ما العمل بالنسبة إلى الأمور التي لا تحدَّد صراحة في الكتاب المقدس: كيف نعرف مشيئة الله ونكوِّن القناعات في مثل هذه النواحي؟
وصف لي صديق منذ زمن بعيد ما أسماه "قاعدتي في تمييز الحق من الباطل". وهذه القاعدة تطرح أربعة أسئلة ترتكز على ثلاث آيات من رسالة كورنثوس الأولى.
- "كل الأشياء تحل لي لكن ليس كل الأشياء توافق" (1 كورنثوس 6: 12).
* السؤال الأول: هل هذا الأمر موافق أو نافع جسدياً وروحياً وعقلياً؟
- "كل الأشياء تحل لي لكن لا يتسلط عليَّ شيء"(1 كورنثوس 6: 12).
* السؤال الثاني: أمن شأن هذا أن يتسلط عليَّ؟
- "لذلك إن كان طعام يعثر أخي فلن آكل لحماً إلى الأبد" (1 كورنثوس 8: 13).
* السؤال الثالث: هل يؤذي هذا الآخرين؟
- "فإذا كنتم تأكلون أو تشربون أو تفعلون شيئاً فافعلوا كل شيء لمجد الله" (1 كورنثوس 10: 31).
* السؤال الرابع: هل هذا لمجد الله؟
قد تبدو هذه الوصفة بسيطة، لكنها فعالة في تكوين القناعات إذا شئنا استعمالها. وقد تتطلب هذه الأسئلة بحثاًََ جدياً. ولكن طرحها واجب إذا أردنا اتباع القداسة سيرة لنا في كل شيء.
فلنطبق هذه المبادئ على بعض القضايا النموذجية ولنأخذ مثلاً برامج التلفزيون التي تشاهدها. هل هي نافعة جسدياً وروحياً وعقلياً؟ قد يأتي الجواب "نعم" لبعض البرامج، و"لا" لغيرها إذا جاوبت بإخلاص، وعندئذ يجدر بك أن تمتنع عن مشاهدة هذه الأخيرة.
أما السؤال: أمن شأن هذا أن يتسلط عليَّ؟ فقد تطبّقه فوراً على عادات منكرة كإدمان الخمر وتعاطي المخدرات أو التدخين، وتشعر أن هذا لا يسري على حالتك. ولكن لنرجع إلى جهاز التلفزيون. هل خلبت بعض البرامج لُبَّك فأضحيتَ حريصاً على ألا تفوتك؟ وإذا كان الأمر كذلك فإن هذه البرامج قد تسلطت عليك. وإليك مثلاً آخر: أعرف سيدة مسيحية مؤمنة كانت في سن المراهقة بطلة في كرة المضرب وقد تعلقت بهذه الرياضة حتى أصبحت محور حياتها مع كونها شابة مؤمنة. وعندما أخذتْ تفكر مليَّاً بمطالب التلميذة المسيحية، أدركتْ أن كرة المضرب تتسلط عليها وتعوقها عن اتباع المسيح كلياً. فاتخذت قراراً أن تضع جانباً مضرب الكرة حتى تكسر شوكة سلطتها عليها. ولم تستأنفْ هذه الرياضة إلا بعد سنوات، وبعدما كان انجذابها إليها قد زال نهائياً، وذلك لمجرد الترفيه وبكل راحة ضمير.
هذا المثل الإيضاحي عن لاعبة كرة المضرب يشدد على حقيقة مهمة. فربما لا يكون النشاط بحد ذاته خاطئاً، ولكن الخطية تكمن في استجابتنا لهذا النشاط. ويقيناً أن لعبة كرة المضرب غير مضرة أخلاقياً. وفي ظل الظروف المناسبة تكون مفيدة جسدياً. لكن لأن هذه المرأة جعلتها صنماً في حياتها، أضحت خطية بالنسبة إليها.
ولننظر في السؤال التالي: "هل يؤذي هذا الآخرين؟" في إطار قصة لاعبة المضرب عينها، لنفترض أن مؤمناً مسيحياً آخر يستمتع بممارسة هذه الرياضة فقط للترفيه عن النفس، وأصر لهذه المرأة أن لا ضرر في هذه الرياضة. فقد يكون على حق من الناحية التقنية، لكنه إنما يشدد على وجهة نظر تضر بهذه السيدة في حياتها الروحية. هكذا الحال في العديد من النشاطات التي قد تكون بحد ذاتها غير مضرة أخلاقياً، ولكن لسبب ما قد يكون من ارتباط لها في الذهن لا أخلاقي بحياة المرء الماضية، فهي تسبب ضرراً ولو إلى حين. وينبغي للذين لا يعانون من وطأة مثل هذا الارتباط غير الأخلاقي أن يراعوا شعور الآخرين حتى لا ينزلقوا ثانية في نشاطات تضر بهم.
ولكن ما هي الحال بالنسبة إلى النواحي التي تختلف فيها آراء المؤمنين المسيحيين في قناعاتهم بخصوص الإرادة الإلهية في شأن ما؟ يتناول بولس هذه المسألة في رومية 14، حيث يعالج موضوع تناول بعض الأطعمة. وهو يرسي ثلاثة مبادئ عامة تهدينا في هذا الأمر. المبدأ الأول ألا ندين الذين تختلف قناعاتهم عن قناعاتنا (الأعداد 1-4). والمبدأ الثاني أن قناعاتنا، كائنة ما كانت، يجب أن تكون "للرب"، أي أن تكون مكونة بدافع من الطاعة لرب (الأعداد 5-8). أما المبدأ الثالث فهو الثبات على القناعات التي تكونت لدينا بالنظر لطاعة الرب (العدد 23). ونحن نخطئ إذا خالفنا هذه القناعات رغم أن الآخرين قد يصطنعون لأنفسهم الحرية التامة في المجال عينه.
مضت سنوات وأنا أجاهد السؤال كيف أحافظ وعائلتي نهار الأحد بوصفه يوم الرب. ففي بداية حياتي المسيحية تعلمت أن نهار الأحد هو يوم مقدس، وأن علينا أن نكيف نشاطاتنا وفق هذا المبدأ. على أني أدركت سريعاً أن بين المؤمنين المسيحيين المخلصين اختلافاً في الرأي عميقاً حول كيفية حفظ يوم الأحد. فتطبيقاً لمبادئ رومية 14 على هذه المسألة، علي أولاً ألا أدين الذين لا يوافقونني على رأيي في حفظ الأحد. وثانياً، مهما كانت قناعاتي ينبغي أن تكون نابعة من استجابتي الصادقة بالطاعة لكيفية إرشاد الله لي. وأخيراً، بعد أن أكون قناعاتي الخاصة، علي أن أحرص على ألا أخالفها، بغض النظر عما قد يعمله غيري من المؤمنين المسيحيين.
والسؤال الواجب طرحه في السعي الجدي وراء حياة القداسة هو التالي: "هل أنا مستعد لأن أكون قناعاتي الخاصة من الكتاب المقدس وأن أعيش بموجبها؟". هنا يكون المحك في الأغلب. فنحن نتردد في أن نواجه ببسالة المقياس الإلهي للقداسة في ناحية معينة من حياتنا، لأننا نتعلم أن هذه الخطوة تقتضي طاعة لا ننوي تقديمها.
وهذا يقودنا إلى الصفة الثانية التي يجب أن نتحلى بها إذا أردنا أن نميت أعمال الجسد، ألا وهي الالتزام. قال يسوع: "كل واحد منكم لا يترك جميع أمواله لا يقدر أن يكون لي تلميذاً" (لوقا 33:14). فيجب أن نواجه بإخلاص وصدق هذا السؤال: "هل أنا مستعد للتخلي عن تصرف أو عادة تعيقني عن القداسة؟ عند هذا الحد من مواجهة الالتزام يخفق معظمنا. فنحن نميل لأن نداعب الخطية ونلاعبها محاولين ألا نتردى في مهاويها العميقة.
إننا نشكو من تلك العلة المعبر عنها بالقول: مرة واحدة بعد، فنود أن نلقي بعد نظرة واحدة لا غير قطعة حلوى كبيرة قبل أن نبدأ نظام حمية أو نشاهد بعد برنامجاً تلفزيونياً آخر قبل أن نباشر دراسة الكتاب المقدس. وفي هذه الحالات كافة، نحن نؤجل موعد الالتزام الذي فيه نقول للخطية "كفى".
أذكر جيداً عندما كلمني الله بخصوص فرط شهيتي في تناول الحلوى. لم أكن بديناً، إنما لم يكن بمقدوري أن أرفض أي نوع من الحلوى يقدم إلي، فأنا دائماً من أولئك الذين يتناولون قطعة حلوى ثانية في أثناء فترات الشراكة في الكنيسة. وفي صبيحة يوم، وسط احتفالات عيد الميلاد، وقد كانت أصناف الفطائر والحلويات عديدة ومتنوعة كلم الرب قلبي بشأن هذا الموضوع. وكانت استجابتي الأولية: "انتظر يا رب مرور فترة العيد، ومن ثم أعالج هذه النقطة" فلم أكن مستعداً يومئذ لاتخاذ أي التزام.
ويفيدنا سليمان أن عيني الإنسان لا تشبعان (أمثال 20:27)، فنظرة نجسة أخرى أو قطعة حلوى أخرى لا تشبع أبداً. وفي الواقع أن ما يحصل هو العكس تماماً. فكل مرة نقول "نعم" للتجربة تجعل أصعب علينا أن نقول "لا" المرة الثانية.
علينا أن ندرك أننا قد اكتسبنا عادات نموذجية فغي الخطية. كأن نكون قد اكتسبنا عادة ستر الحقيقة عندما يكون ذلك لخيرنا، أو عادة الاستسلام إلى الكسل الذي يمنعنا من الاستيقاظ في الصباح. فينبغي لنا أن نبطل هذه العادات ولكن هذا لا يحصل ما لم نلتزم التزاماً أساسياً أن نسلك في القداسة دائماً دون أي استثناء. يقول الرسول يوحنا: "يا أولادي أكتب إليكم هذا لكي لا تخطئوا" (1 يوحنا 1:2)، فالهدف الذي يرمي إليه من كتابة رسالته أساساً هو ألا نخطئ. وفي أحد الأيام، بينما كنت أدرس هذا الإصحاح أدركت أن هدف حياتي في ما يختص بالقداسة كان أقل من مطلب يوحنا. فإن مؤدى قوله بالفعل: "اجعلوه هدفاً ألا تخطئوا". ولما فكرت بهذا، أدركت أن هدفي الحقيقي في صميم قلبي كان ألا أخطئ كثيراً. ووجدت من الصعب أن أقول: "نعم يا رب، من الآن فصاعداً سأجعل هدفي ألا أخطئ" وقد أيقنت أن الله كان يدعوني في ذلك النهار إلى مستوى من التزام القداسة أعمق مما كنت راغباً فيه قبلاً. هل نتصور أن جندياً يتأهب للمعركة وهو يأمل أن "لا يصاب كثيراً؟" إن مجرد افتراض كهذا هو سخيف. فإن هدفه هو ألا يصاب البتة. بيد أننا، ما لم نلتزم عهداً بالسلوك في القداسة دائماً وبلا استثناء، نشبه ذلك الجندي الذي يذهب إلى ساحة القتال وهو يهدف ألا يصاب كثيراً. فليتأكد لنا أنه إن كان هذا هدفنا سوف نصاب ليس برصاص بل بالتجارب مرة تلو الأخرى.
كان من عادة يوناثان ادواردز (Jonathan Edwards) وهو أحد كبار المبشرين في بداية تاريخ أمريكا، أن يتخذ قراراً بعد قرار. وكان واحداً منها: "صممتُ ألا أقوم بتاتاً بعمل أخاف أن أقوم به في آخر ساعة من حياتي" فهل نجرؤ نحن، مؤمني القرن العشرين المسيحيين، أن نتخذ قراراً مماثلاً؟ أنحن مستعدون للتعهد بممارسة القداسة دون استثناء؟ ليس من داع لأن نصلّي طلباً للانتصار على التجربة إذا لم نكن راغبين في التزام عدم الاستجابة لها.
فعندما نتعلم التنكر للتجربة، عندئذ فقط نميتُ أعمال الجسد. هذا التعلم هو عادة بطيء وشاق ويساوره الإخفاق. إذ من الصعب أن نقتلع عاداتنا القبيحة ورغباتنا القديمة، لأن التخلي عنها يقتضي مواظبة تحرز في الأغلب نجاحاً ضئيلاً. ورغم كل الآلام، يبقى هذا هو السبيل الوحيد الذي يجب أن نسير فيه.
- عدد الزيارات: 1849