الفصل السابع: عونٌ في الجهاد اليومي
"كذلك أنتم أيضاً احسبوا أنفسكم أمواتاً عن الخطية لكن أحياء لله بالمسيح يسوع ربنا" (رومية 6: 11).
رأينا في الفصل الخامس كيف خلّصنا الله من مملكة الخطية وسلطانها بواسطة اتحادنا بالمسيح في موته. كنا عبيداً للخطية، وتحت نير هذه العبودية كنا نرتكب الشرور. وقد نمت فينا عادات شريرة وإن سمت أخلاقنا. لكن يسوع المسيح جاء إلى هذا العالم الشرير وناب منابنا على صليب الجلجثة. وهو قد مات للخطية، ونحن باتحادنا معه قد متنا أيضاً للخطية. والآن قد تحررنا من سلطان الخطية، فلم نعد عبيداً لها. فينبغي أن نحسب حساب هذه الحقيقة الواقعة ونقاوم الخطية لئلا تملك في أجسادنا الفانية.
ورأينا في الفصل السادس أن الخطية ما زالت موجودة، وتشن علينا "حرب العصابات" عبر الشهوات الشريرة وخداع عقولنا. وقد يبدو كأن بصيص الأمل في بلوغ القداسة، ذاك الذي لاح لنا في الفصل الخامس، قد خبا في الفصل السادس. حتى إنك قد تسائل النفس قائلاً: "ما الفائدة في أن يقال لي إن المسيح قد كسب الحرب مع الخطية بموته على الصليب، وأنا ما زلت أعاني في قلبي مناوشات الخطية؟"
لكي نختبر القداسة العملية يومياً، علينا أن نقبل الحقيقة الواقعة في كون الله بحكمته اللا متناهية قد ارتأى مناسباً أن يسمح بهذا الجهاد اليومي ضد الخطية. ولكنه، تعالى، لا يتركنا نخوض المعركة منفردين. فكما سبق أن خلّصنا كلياً من سيادة الخطية، هكذا أعد لنا كامل العدة لكي نفوز في الجولات اليومية التي تشنها علينا الخطية.
وهذا يفضي بنا إلى النقطة الثانية في رومية 6: 11، والتي ينبغي أن نضعها نصب أعيننا ونحسب حسابها. فنحن لسنا فقط "أمواتاً عن الخطية"، كما رأينا في الفصل الخامس؛ بل إننا أيضاً "أحياء لله". ذلك أننا لم نُنقذ فقط من سلطان الظلمة بل نُقلنا أيضاً إلى ملكوت المسيح. ويقول بولس أننا أصبحنا "عبيداً للبر" (رومية 6: 18). فإن الله لا يتركنا معلقين في حالة حياد، لأنه إذ يحررنا من سلطان الخطية ينقلنا إلى ملكوت ابنه الحبيب.
فما معنى أن نكون أحياء الله؟ كيف يعيننا هذا في سعينا وراء القداسة؟ إنه يعني في المقام الأول، أننا متحدون بالمسيح في كل قوته. فمن الصحيح يقيناً أننا لا نستطيع أن نحيا حياة مقدسة بقوتنا الشخصية. لأن المسيحية ليست عملاً تقوم به بنفسك.
لاحظ موقف بولس الرسول في رسالته إلى أهل فيلبي (4: 11- 13). فقد كان يُصرح كيف تدرب أن يكون مكتفياً في جميع الظروف، في السعة أو العوز، في الشبع أو الجوع، وهو يقول إنه يستطيع ذلك في المسيح الذي يقويه. كيف يصح هذا المبدأ على مسألة القداسة؟ إن رد فعلنا على الظروف جزء من مسيرتنا في القداسة. فالقداسة ليست قائمة من المحرمات والمحللات، بل هي التكيف وفقاً لسجايا الله، والطاعة لمشيئته. فعندما أرضى، بكل قناعة، بأي حال يسمح بها الله في حياتي، أقوم بقسط حيوي من مسيري في حياة القداسة.
ولكن لا يفوتنا أن بولس قال إنه يستطيع أن يكون راضياً بكل حال لأن المسيح هو الذي يمنحه القوة لفعل ذلك. ونلاحظ ذلك مرة أخرى عندما صلى بولس من أجل أهل كولوسي طالباً أن يتشددوا "بكل قوة بحسب قدرة مجده لكل صبر وطول أناة بفرح" (كولوسي 1: 11). فمن أين الصبر وطول الأناة؟ من تقوّينا بقوة الله التي تشددنا.
ولنأخذ بعين الاعتبار صلاة أخرى ترد في الرسالة إلى أهل أفسس، حيث خاطبهم بولس قائلاً إنه يصلي من أجلهم "لكي يعطيكم بحسب غنى مجده أن تتأيدوا بالقوة بروحه في الإنسان الباطن" (أفسس 3: 16)، ثم ختم هذه الصلاة باعترافه أن الله هو "القادر أن يفعل فوق كل شيء أكثر جداً مما نطلب أو نفتكر بحسب القوة التي تعمل فينا" (أفسس 3: 20).
ذلك هو أول معنى علينا أن ندركه متضمناً في كوننا "أحياء لله". فنحن متحدون بذاك الذي يعمل فينا ويقوينا بقوته وقدرته. لقد ذقنا كلنا طعم اليأس المروع الذي تسببه قوة الخطية. فكم قرّرنا مرة بعد مرة ألا نستسلم لتجربة معينة، إلا أننا وقعنا فيها مرغمين من جديد. ومن ثم كان إبليس يأتي ويهمس في آذاننا: "الأفضل لك أن تكف عن المقاومة، فلن تتغلب أبداً على هذه الخطية". صحيح أن ليس بإمكاننا الإفلاح وحدنا. لكننا أحياء لله ومتحدون بذلك الذي نستمد منه قوتنا. فإذا ما حسبنا حساب هذا الأمر باعتباره حقيقة واقعة، فلا بد أن نختبر القوة اللازمة لمقاومة تلك التجربة.
يقول الدكتور مارتن لويد جونز (Martin Lioyd Jones): "إن إدراكنا لهذا الأمر يبدد ذلك الشعور القديم باليأس الذي نعرفه كلنا ونشعر به بسبب قوة الخطية الفظيعة.... كيف يتم هذا؟ إنه يتمم على النحو التالي: يمكن تبديد هذا الشعور باليأس إذ أقول لنفسي إنني ما عدت ضمن نطاق سلطان الخطية وحسب، بل أضحيت تحت سيادة قوة أخرى لا يثبط شيء عزيمتها. ومهما بلغ ضعفي، فقوة الله هي العاملة في داخلي".
هذا التعليم ليس مجرد نظريات نرتبها فوق رفوف عقولنا ونعجب بها، لكن يعوزها النفع العملي لنا في جهاد القداسة اليومي. فالانطلاق من واقع كوننا أمواتاً عن الخطية وأحياء لله هو عمل فعلي يجب أن نقوم به.
لذلك يجب أن نكتسب عادة التنبه الدائم لكوننا أمواتاً عن الخطية وأحياء لله. ونحن نتمم ذلك عملياً إذ نقاوم هجمات الخطية وتجاربها إيماناً منا بكلمة الله. كما أننا نُدخلُ في حسابنا واقع كوننا أحياء لله عندما نتوجه إلى المسيح بالإيمان لكي يسلّحنا بالقدرة اللازمة للمقاومة. فلا بد للإيمان من أن يستند دوماً على واقع فعلي. و(رومية 6: 11) حقيقة واقعة بالنسبة إلينا.
أما المعنى الثاني المتضمن في كوننا أحياء لله فهو أنه قد وهبنا روحه القدوس ليسكن في داخلنا. والواقع أن هذا ليس نتيجة ثانية بل هو وجهة أخرى للنظر إلى اتحادنا بالمسيح، لأن الروح القدس هو العامل في هذه الوحدة. فهو الذي يعطينا الحياة الروحية ويمنحنا القوة لنحيا هذه الحياة (رومية 8: 9- 11). وهو العاملُ فينا أن نريد وأن نعمل من أجل المسرة (فيلبي 2: 13).
يقول بولس: "لأن الله لم يدعُنا للنجاسة بل في القداسة. إذاً من يرذل إنساناً بل الله الذي أعطانا أيضاً روحه القدوس" (1 تسالونيكي 4: 7 و 8).
هنا يربط بولس إعطاء الروح القدس بعيشنا حياة القداسة. فاسمه الروح القدس وقد أُرسِلَ أساساً كي يقدّسنا، ليجعلنا موافقين لطبيعة الله الأدبية. والترابط بين هاتين الفكرتين، أي سُكنى الروح القدس فينا وحياة القداسة، نجده في شواهد أخرى، مثلاً، علينا أن نهرب من الزنى لأن أجسادنا هي هياكل للروح القدس (1 كو 6: 18 و 19). كما نُفادُ أيضاً أننا لسنا تحت سيطرة الجسد، بل الروح، إن كان روح الله ساكناً فينا (رومية 8: 9). ونقرأ في (غلاطية 5: 16): "اسلكوا بالروح فلا تكمّلوا شهوة الجسد".
لماذا يسكن الروح القدس في داخلنا ويشددنا للقداسة؟ لأننا أحياء لله. فنحن الآن تحت سيادة الله الذي يوحّدنا بالمسيح ويعطينا الروح القدس حتى يقطن في داخلنا[1].
والروح القدس يقوّينا لكي نسلك في القداسة إذ يرينا أولاً حاجتنا للقداسة. فهو ينير عقولنا حتى نعي مقياس الله للقداسة. ثم يقودنا لندرك أية نواحٍ معينة من الخطية تظهر في حياتنا. فإن واحداً من أشد أسلحة الشيطان فتكاً هو أن يعمي بصيرتنا الروحية لئلا نرى كم نحن مطبوعون على الشر. تقول كلمة الله: "القلب أخدعُ من كل شيء وهو نجيس من يعرفه" (إرميا 17: 9). ولا أحد يعرفه ويكشفه إلا الروح القدس.
حتى المسيحي المؤمن الذي يستوعب تعاليم الكتاب المقدس قد ينخدع بأمر خطاياه الشخصية. فنحن نشعر بطريقة ما أن قبول تعليم الكتاب المقدس يوازي الطاعة. وقد نسمع نقطة عملية في عظة أو ربما نكتشفها من خلال قراءتنا أو دراستنا الشخصية للكتاب المقدس، فنقول: أجل هذا صحيح؛ هذا شيء أحتاج لأن أعمل بموجبه". ولكن ينتهي الأمر عند هذا الحد. ويقول يعقوب أننا إذا عملنا هذا نخدع أنفسنا (يعقوب 1: 22).
وكلما تقدمنا في الحياة المسيحية واجهنا خطراً متزايداً من السقوط في الكبرياء الروحية. فنحن نعرف العقائد الصحيحة، والوسائل المناسبة وما يليق عمله أو الامتناع عنه، لكننا قد نَعمى عن رؤية الفقر الذي تُعاني منه شخصيتنا الروحية، فنغضّ الطرف عما فينا من روح انتقاد وعدم تسامح، أو عادة اغتيابٍ للآخرين أو نزعةٍ إلى الحكم عليهم، وبذلك تكون حالتنا أشبه باللاودكيين الذين يقول لهم الرب: "تقول أني أنتا غني وقد استغنيت ولا حاجة لي إلى شيء ولستَ تعلم أنك أنت الشقي والبئس وفقير وأعمى وعريان" (رؤيا 3: 17).
وقد تصرف داود على هذا النحو عندما ارتكب خطيئة الزنى مع بثشبع ومن ثم دبّر مقتل زوجها حتى يستر خطيئته الأولى (2 صموئيل 12: 1- 13). فهل ندم على أفعاله المنكرة وتذلل؟ كلا البتة. فالواقع أنه كان مستعداً حتى لأن يدين رجلاً آخر ويحكم عليه بالموت بسبب خطية أقل فظاعةً من خطيته هو (2 صمو 12: 5). ولأي سبب عمل هذا؟ لأنه كان أعمى البصيرة روحياً. فهو لم يدرك شناعة خطيته وفظاعتها حتى قال له ناثان النبي: "أنت هو الرجل".
ذلك أن الروح القدس يُعنى بأن يجعلنا نرى فقرنا المدقع بسبب خطايانا فيأتي ويقول لنا: "أنت هو الرجل". ومع أن رسالة كهذه قد تأتينا على لسان أخٍ في المسيح مُحبّ لنا، فإن الروح القدس هو الذي يفتح لنا مغاليقَ قلوبنا ويقدّرنا على قبولها، فنقول مع داود: "قد أخطأتُ إلى الرب". إن الروح القدس ينفذ إلى أعماق قلوبنا ويمكّننا من رؤية الحمأة الخلقية الغائرة فيها، ومن هنا يبدأ بعمل تقديسنا.
والنتيجة الطبيعية لرؤيتنا المقياس الإلهي، وإدراكنا فساد طبيعتنا الساقطة هي أن يستيقظ في أعماقنا توقٌ إلى القداسة. وهذا أيضاً من أفعال الروح القدس وهو يعمل على تقديسنا. وهكذا نحزن من جراء خطايانا حزناً حسب مشيئة الله يفضي بنا إلى التوبة (2 كو 7: 10)، ونقول مع داود "اغسلني كثيراً من إثمي ومن خطيئتي طهّرْني.... طهّرني بالزوفى فأطهر. اغسلني فأبيض أكثر من الثلج" (مز 51: 2، 7).
يقول بولس: "لأن الله هو العامل فيكم أن تريدوا وأن تعملوا من أجل المسرة" (فيلبي 2: 13). فقبل أن نعمل، يجب علينا أن نريد. وأن نريد يعني أن نرغب ونعقد العزم. فعندما يكشف لنا الروح القدس فساد طبيعتنا الشريرة، فهو يعمل هذا ليقودنا لا إلى اليأس بل إلى القداسة. وهو يقوم بذلك إذ يخلق في أعمالنا بغضاً للخطية وتوقاً للقداسة.
ولا يثابر في السعي وراء القداسة، هذا العمل الشاق والمضني ببطئه، سوى من تحدوه الرغبة العارمة في القداسة. والإخفاق مروع ومتكرر، لأن عادات طبيعتنا القديمة وهجمات إبليس هي من القوة بحيث تثني عزمنا عن السعي، لولا كون الروح القدس عاملاً فينا كي يُوجد التوق إلى القداسة.
هذه الرغبة الشديدة يوجِدُها الروح القدس ليس فقط بأن يكشف لنا خطايانا، بل أيضاً بأن يبين لنا المقياس الإلهي لقداسة. وهو يعمي هذا من خلال الكتاب المقدس. فعند قراءتنا الكتاب المقدس ودراسته، أو سماع تعاليمه، يأسرنا الجمال الأدبي الذي يزين المقياس الإلهي للقداسة، حتى لو كان هذا المقياس يبدو بعيد المنال بالنسبة إلينا، فلا بدَّ أن ندرك أهميَّة الوصيّة ونستجيب لها لأنها "مقدسة وعادلة وصالحة" (رومية 7: 12).
وهنا أيضاً تميزٌ آخر ينبغي إجراءه بينما يعمله الله وما هو من واجبنا. فإن كان الروح القدس يستخدم كلمة الله ليظهر لنا حاجتنا ويثير فينا توقاً إلى القداسة، أفليس من واجبنا إذاً أن نعكف على التزود من كلمة الله كل حين؟ ألا يجب علينا أن نلجأ إلى الكلمة إما لسماع الوعظ بها وإما لدراستها دراسة شخصية، مصلين أن يفحص الروح القدس قلوبنا بحثاً عن خطية ما كامنة فيها (مزمور 139: 23و 24)؟
وبعد أن يكون الروح القدس قد مكَّننا من إدراك حاجتنا وأوجد في أعماقنا الرغبة في القداسة، يبقى ثمة عملٌ آخر يقوم به. إذ لا بدَّ أن يعطينا القوة الروحية لنعيش حياة القداسة.
يقول الرسول بولس: "أسلكوا بالروح فلا تكمِّلوا شهوة الجسد" (غلاطية 5: 16). وأن نسلك بالروح معناه أن نحيا حياة الطاعة للروح القدس، والاتكال عليه في الوقت عينه. إذاً يوجد توازن بين إرادتنا (ونعبّر عنها بالطاعة) وإيماننا (ونعبّر عنه بالاتكال). ونحن في هذا السياق نبحث في ناحية اعتمادنا على الروح القدس.
لا أحد يتغلَّب على فساد قلبه إلاّ إذا تقوَّى بقوة روح الله القدير. فقد قال بطرس أن الله "قد وهب لنا المواعيد العظمى والثمينة" لكي نصير "بها شركاء الطبيعة الإلهية هاربين من الفساد الذي في العالم بالشهوة" (2بطرس 1: 4). فإذ نصير "شركاء الطبيعة الإلهية" نهرب من الفساد، وما هذه الشركة إلا بالروح القدس الساكن فينا.
ونحن نعرب عن اتكالنا على الروح القدس لنحيا حياة مقدسة، بطريقتين. الطريقة الأولى هي الاغتذاء من كلمة الله بتواضع ومواظبة. فإذا كنا نرغب حقاً أن نحيا في مملكة الروح ينبغي لنا أن نُشبع عقولنا باستمرار من الحق الكتابي الذي يعلنه الروح. فمن الرياء الفاضح أن نصلّي طالبين نصراً على خطايانا ونحن نهمل تغذية نفوسنا بكلمة الله.
ومع ذلك، فمن الجائز أن نثبت على الاغتذاء بكلمة الله دون الاتكال على الروح القدس. يقول الرب: "وإلى هذا أنظر إلى المسكين والمنسحق الروح والمرتعد من كلامي" (اشعياء66: 2). فعلينا أن نُقبل على منهل كلمة الله بروح التذلل والانسحاق لعلمنا أننا خطاة بالطبيعة، وأننا غالباً ما نعمهُ دون رؤية خطايانا، وأننا نحتاج في قلوبنا إلى قوة الروح القدس التي تؤتينا البصيرة.
أمّا الطريقة الثانية التي بها نعرب عن اتكالنا على الروح القدس فهي أن نصلّي لأجل القداسة. وقد كان الرسول بولس يصلي كل حين لأجل عمل الروح القدس في حياة الذين كان يكتب إليهم. فكتب إلى أهل أفسس يقول إنه يصلّي طالباً أن يؤيدهم الله بالقوة بروحه في الإنسان الباطن" (أفسس3: 16). كما صلَّى لأجل أهل كولوسي كي يمتلئوا "من معرفة مشيئته في كل حكمة وفهم روحي" حتى يسلكوا "كما يحق للرب في كل رضى" (كولوسي 1: 9و 10). وكتب إلى أهل تسالونيكي: "وإله السلام نفسه يقدسكم بالتمام" (1تسالونيكي 5: 23). وأيضاً: "الرب ينميكم ويزيدكم في المحبة بعضكم لبعض وللجميع... لكي يثبّت قلوبكم بلا لوم في القداسة أمام بولس علم يقيناً أننا نعتمد على الروح القدس في أمر القداسة، وقد عبّر عن هذا الاعتماد بالصلاة.
لما كنت شاباً حديث العهد بالإيمان المسيحي، كنت أظنُّ أن كل ما عليّ أن أعمله لكي أسلك بالقداسة، هو أن أعرف من الكتاب المقدس ما يريد الله أن أعمله، فأمضي وأعمله. قد يضحك المؤمن الناضج من مثل هذا الافتراض الساذج، لكنني أرى بين المسيحيين المؤمنين شباناً يبدأون مسيرتهم متسلحين بالثقة الذاتية. إنما علينا أن نتعلّم الاتكال على الروح القدس القدير الذي يمدّنا بالقوة لارتقاء أية درجة من درجات القداسة. ومن ثم، إذ نلتمس معونته، لا بّد أن نختبر عمله فينا وهو يكشف لنا خطايانا، ويخلق فينا توقاً للقداسة، ويمدّنا بالقوة حتى نستجيب له بالطاعة.
[1] - صحيحٌ أيضاً أن الروح القدس هو الأقنوم الإلهي العامل على إحيائنا لله (يوحنا 6: 63)، على أننا هنا ننظر في نتائج إنقاذنا من سلطان الظلمة ونقلنا إلى ملكوت ابن الله، وما سُكنى الروح القدس فينا إلا نتيجة من هذه النتائج.
- عدد الزيارات: 1957