كبرياء الجسد
وإذ يكشف لنا الرب عدم إيمان الجسد، فإنه يعمل بالقوة في طرد الروح الشرير. ويتخذ الرب الفرصة ليحذرنا من صورة أخرى للجسد- وهي كبرياء الجسد- التي تنتهز الفرصة بإعلان القوة لتمجيد نفسها (ع43و 44). وإعلان القوة هذا يقودنا إلى الفكر بأن المسيح له كرامة في هذا العالم، فنتناسى أنه مرفوض في هذا العالم. والرب يغربل هذا الفكر بقوله لتلاميذه "ضعوا أنتم هذا الكلام في آذانكم. إن ابن الإنسان سوف يُسلّم إلى أيدي الناس". كان التلاميذ يتطلعون إلى الملكوت بالقوة، بينما كان أمام الرب الصليب الذي يُظهر الضعف. كان أمام التلاميذ فكر تمجيد ذواتهم في ملكوت المجد والقوة، بينما كان أمام الرب في فكر تواضعه أن يتذلل حتى الموت. كان التلاميذ يتطلعون إلى إعلان القوة أمام الناس بينما كان أمام الرب رفضه من الناس. إن الملكوت سيأتي بالقوة، كما يرينا مشهد الجبل بكل تأكيد، ولكنه سيتحقق من خلال رفض الناس وآلام الصليب.
وفضلاً عن ذلك، فمن وراء كبرياء الجسد هناك جهالة الجسد، كما نقرأ، "وأما هم فلم يفهموا" (ع45) وكم كانت كلمات الرب قليلة التي فُهمت من مسيحيين أتقياء. وما أكثر المجهودات لدفع الناس للمسيحية بإعلان القوة الخارجية- قوة المباني الفخمة، وقوة الموسيقى، وقوة الفصاحة، وقوة الدراسات الأكاديمية. ولكن ما أقل ما أعددناه لقبول الصليب ورفض المسيح واتخاذ المكان الخارجي للتعيير والضعف، في رفقة الفقراء والضعفاء والمرذولين في هذا العالم.
كذلك فمن وراء جهل الجسد هناك ارتياب الجسد. فليس جهل التلاميذ فحسب، ولكن نقرأ "وخافوا أن يسألوه". كان ينقصهم الثقة في المسيح التي تقودهم أن يُعبّروا عن مصاعبهم ويأتوا بها للمسيح. ويا للأسف فغالباً ما نكون نحن مثل بطرس في العُليّة، أي لسنا قريبين من الرب بدرجة كافية لنخبره عن كل مصاعبنا. فإذا كنا مثل يوحنا فإننا نستريح في محبته، وكم يكون سهلاً أن نأتي إليه بكل أسئلتنا الصعبة.
لهذا ففي النص القصير الذي أمامنا رأينا الجسد في عدم إيمانه وفي كبريائه وفي جهله وفي ارتيابه. لم يكن للتلاميذ إيمان بقوة المسيح ونعمته، فجهلوا فكر المسيح، وكان ينقصهم الثقة في قلب المسيح. وبالرغم من ذلك، فإنه لتعزيتنا نرى أن المسيح يستخدم أحزان البرية ليكشف لقلوبنا بغرض أن يعلن نعمته لقلوبنا. فإذا انكشف شرنا فإنما يكون ذلك في وجود النعمة القادرة أن تواجه كل شيء.
- عدد الزيارات: 3348