Skip to main content

ضعفنا إزاء قوته

وعلى كل حالٍ، علينا أن نتعلم النعمة الفائقة النابعة من قلبه، كما علينا أن نكتشف ضعفنا لنستند على قوته، وكذلك حاجتنا لننجذب إلى نعمته. إنه هو الرب الذي يكتشف لتلاميذه ولنا نحن أيضاً صفة الجسد الحقيقية (ع41-45)، والصور المختلفة للأنانية (ع46-56)، وفي النهاية الطرق المختلفة التي يمكن أن نتعوق بها بحسب الطبيعة (ع57-62).

أولاً يستعرض أمامنا الجسد في عدم إيمانه (ع40-41). وأمام فشل التلاميذ في طرد الروح الشرير، يقول الرب "أيها الجيل غير مؤمن والملتوي إلى متى أكون معكم وأحتملكم؟" (ع41). وأمام الحاجة الشديدة التي نراها في حالة الولد المقيد بالروح الشرير، فإن النعمة موجودة لتسديد هذه الحاجة في شخص يسوع، وتلاميذ الرب المعترفين كانوا هناك أيضاً ولكن يا للأسف فالعالم يراهم بلا نفع. إنهم لا يقدمون المعونة بسبب الجسد في عدم إيمانه، وهم غير قادرين على استخدام قوة الرب مع أنها تحت تصرفهم، وهكذا فإن الجسد في انحرافه لا يمكنه أن يستفيد بكل الإظهارات العجيبة لقوة الرب ونعمته.

وفي جملة مختصرة يبين الرب فيها النتيجة الخطيرة لعدم إيمان تلاميذه المعترفين باسمه، فيسأل: "إلى متى أكون معكم وأحتملكم؟". إنها كلمات تتضمن أن فترة وجود الرب بالنعمة قاربت على الختام، والنهاية تقترب، وليس هذا بسبب شر العالم ولا بسبب قوى الشيطان المرعبة، ولكن بسبب أن الذين يعترفون باسمه غير قادرين على استخدام النعمة والقوة التي منحها المسيح بمجيئه إلى هذا العالم. فلم يقل الرب (أيها العالم غير المسكين إلى متى أكون معكم؟)، فالعالم المحتاج هو الذي استحضر المسيح، ولكنه يسأل التلاميذ غير المؤمنين "إلى متى أكون معكم وأحتملكم؟". ويا لها من كلمات ذات اعتبار لأنفسنا، ولا تنطبق إلا على زماننا وهو يوم النعمة الحاضر. إنه الفشل الذي صاحب الاعتراف باسم المسيح على الأرض، وهو سبب وصول التدبير إلى نهايته. كما نقرأ "وأما اللطف فلك (أي للمسيحية المعترفة)، إن ثبّت في اللطف، وإلا أنت أيضاً ستُقطع" (رو11: 22). لقد اُفتتح التدبير بالقوة وبلطف الله، وسينتهي بعدم مقدرة الذين اعترفوا باسم المسيح أن يستخدموا قوته ومجده.

وعلى كل حال، فإنه لأجل تعزيتنا، نلاحظ أن فشل أولئك المعترفين باسم المسيح قد ساهم في أن يستحضر للنور مصادر المسيح التي لا تفشل لمن لهم الإيمان به. إنه شيء مبارك جداً هذا المشهد الجميل الذي يأتي إلى النور. وبعدما تحدثنا عن عدم إيماننا وانحرافنا، فإن الرب يضيف للوقت "قدّم ابنك إلى هنا". إنه من نصيبنا المغبوط أن ننتفع به عندما نأتي باحتياجاتنا وأحزاننا ومصاعبنا وتدريباتنا للمسيح. إننا نستحضر كل ما نجتازه من اختبارات للمسيح. وأحياناً ما تبدو لنا أن المشكلة تزداد تعقيداً، كما في الحالة التي أمامنا، وإزاء الكلمة التي قالها الرب، أتوا بالولد ونقرأ "مزّقه الروح وصرعه". فلا شيء يجعل الشيطان ساخطاً وثائراً مثل قديس يأتي إلى الرب مصلياً. فقد تصبح هذه فرصة أن تُظهر مقاومة الشيطان وسخطه، عندئذ ينفجر غاضباً مما يجعلنا نضطرب أكثر عندما نريد أن نستبعده، ولكن في النهاية تُعظّم النعمة والقوة التي تعمل لتعزيتنا وراحتنا.

ولكن يا للأسف فإن إظهار الرب لنعمته وقوته تصبح فرصة نشيطة لكشف عدم إيمان القلب البشري، إذ نقرأ: "فبهت الجميع من عظمة (قوة) الله"، وأيضاً "إذ كان الجميع يتعجبون من كل ما فعل يسوع". ويا له من أمر مذلل هذا الاندهاش والتعجب!! فالناس في بعدها عن الله لا تتعجب من قوة الشرير بينما تُظهر اندهاشها أمام قوة الله! وإذ كان الله حاضراً في شخص يسوع كان يجب على الناس أن تندهش إذا لم يُظهر قوته. ونحن نتعجب فعلاً من قوة الشرير وضعف التلاميذ، فعدم الإيمان وحده هو سبب تعجب الناس من قوة الله العظيمة.

  • عدد الزيارات: 3151