مقيمين في المجد
وليس هذا كل شيء، فإن الجبل يميط اللثام عن مشهد لسر آخر. فإننا لن نشارك المجد ونتأهل له فحسب، ولكننا سنكون مقيمين في المجد أيضاً. إذ نقرأ عن موسى وإيليا أنهما "كانا يتكلمان معه".
هذا يرينا علاقة القديسين المقدسة والسعيدة في المجد. هل كُتب فقط أنه تكلم معهم؟ فلو كان كذلك لتوقعنا أنهم كانوا يصغون له بسرور صامتين له. والحال أنهما كانا يتكلمان معه، بعد أن تلاشت كل المسافات وبطلت كل التحفظات. لقد كان التلاميذ يقيمون في علاقة حلوة مع المسيح عندما كان هنا على الأرض. ولكن هذه العلاقة أحاطها قدراً من التحفظ والقيود في بعض الأحيان. ولكن في المجد ستكون هناك علاقة مقدسة وسعيدة بالرب دون أي أثر للتحفظ.
هذا وبالإضافة إلى ذلك، فلن نرى في المجد الشركة الحرة والسعيدة فحسب، بل نتعلم كذلك الموضوع العظيم لتلك العلاقة السماوية. "وتكلما عن خروجه (موته) الذي كان عتيداً أن يُكمله". وقبل مشهد الجبل كان الرب يشير إلى موته (ع22و24)، وبعد الجبل تكلم الرب عن موته، ولكننا نقرأ في ع45 "لم يفهموا". في السهل كانوا متباطئي المسامع، أما على الجبل فكان لهم الذكاء الإلهي في فهم الأمور السماوية وما يجول بقلب يسوع. فقد كان موسى وإيليا في شركة مع المسيح عما يملأ قلبه. إنه لا يجول بخاطرهم عداوة الناس، ولم يفكروا في موت المسيح بأيدي أثمة، بل بالحري عن (موته) خروجه الذي كان عتيداً أن يكمله". لا شك أن ما قام به الإنسان ضد الرب كان يستدعي وقوع القضاء على العالم. ولكن موت المسيح منح الخلاص للأرض. وفضلاً عن ذلك فقد رأيا أن موته سيكمله "في أورشليم". وكم هو غريب على اليهودي أنه في ذات المكان حيث سيملك المسيا ويكون له التاج والعرش، أنه فيه كذلك يتمم فيه موته ويقبل الصليب والقبر. ولكن على الجبل يتكلمون عن مثل هذه الأمور المدهشة دون تعجب. وكل شيء على الجبل واضح ومفهوم. ومجد الملكوت يتأسس على البر. ولمواجهة مطاليب بر الله فلا بد من أن يتمم موته. والآلام يجب أن تسبق المجد. والبر يلزم أن يتواجه مع موت المسيح في أورشليم حتى تنساب نعمة الله إلى كل العالم "مبتدأ من أورشليم" (لوقا24: 47).
وموسى الذي أُعطي الناموس، هو وحده الذي عرف جيداً فشل الأمة فشلاً تحت الناموس. كذلك إيليا الذي أُقيم لكي يسترد إسرائيل لعبادة يهوه، هو الذي برهن على حالتها الميئوس منها. أما المسيح الذي أتى مملوءأً نعمة وحقاً فقد رُفض رفضاً تاماً. فموسى وإيليا وفوق الكل المسيح نفسه هم شهود لذنب الأمة، ولهذا كانت الضرورة ملّحة وعميقة لآلام المسيح حتى تصل الأمة إلى مجد الملكوت. إن موسى دعا الشعب "المردة"، كذلك إيليا إنهم بني إسرائيل بأنهم تركوا عهدهم وهدموا مذابحهم وقتلوا أنبياءهم. إنهما تطلعا على ما وراء الأمة وشر الناس فرأوا المسيح والموت الذي سيتممه والأمجاد التي ستتبعها. لقد تطلعا حقاً إلى ما وراء المجد من خلال موت المسيح. ونحن نتطلع للوراء من المجد إلى الموت الذي أكمله، وكان هذا هو موضوعهم على الجبل، والذي سيصبح ترنيمتنا نحن في المجد، والذي كان الجبل هو العربون المبارك له.
- عدد الزيارات: 4184