الإنسان المصلي
وعندما ندخل إلى هذا المشهد من البركة فإننا نتواجه مع سر مقدس. فإن كل ثقل المجد الأبدي مقدّم لإنسان يصلي "وبعد هذا... أخذ بطرس ويوحنا ويعقوب وصعد إلى جبل ليصلي. وفيما هو يصلي، صارت هيئة وجهه متغيرة". إن أحزان الأرض تعود في الأساس إلى عصيان واستقلال إنسان واحد. وأمجاد العالم الآتي تبدأ بطاعة واستناد إنسان واحد. وأمجاد السماء الآتية تتركز وتدور حول إنسان مصلي على الأرض. وبسرور عظيم نتفرس في الرب المصلي، وقد سُمح لنا أن نرى الإنسان المصلي يتغير إلى الإنسان المجد. "صارت هيئة وجهه متغيرة ولباسه مبيضاً لامعاً". عندما صار الإنسان مستقلاً عن الله فقد كفّ عن تمجيد الله وأصبح إنساناً بلا كرامة (رو1: 21-31). وهنا نرى الشخص المستند على الله والممجد له، أنه هو بنفسه قد تمجّد. ويُذكرنا بطرس بأن مجد الإنسان على الأرض مثل زهر الحقل الذي يذبل، أما على الجبل فمع بطرس نجد منظر المجد الذي لا يغيب. نرى عظمته ومجده.
ولكن على الجبل تنكشف مشاهد أخرى مباركة، فهي لا تخبرنا فقط بأننا سنرى مجده ولكننا سنشارك فيها كذلك. إننا لن نصبح مسرورين بما سنشاهده فحسب، بل سيكون لنا امتياز المشاركة فيه. ولذلك نقرأ "وإذا رجلان يتكلمان معه". إن قلباً مغموراً بالأشواق العميقة لا تشبعه مجرد مشاهدة المجد الذي لا يوصف، ولا يكفيه مجرد مشاركة جزئية في مجد المسيح وهو غائب عنا. ولذلك فإن النعمة التي تقود للمجد، هي التي تجعلنا ننظر المجد، بل نشارك فيه، بل ونشاركه معه.
وفضلاً عن ذلك فإن الجبل يخبرنا عن حقيقة مباركة أخرى بأننا لن نكون معه فحسب، بل سنصبح أيضاً مثله. ولذلك لا نقرأ أن موسى وإيليا ظهرا معه فقط، ولكنهما "ظهرا بمجد". إننا نرى المجد ونشارك فيه فحسب، بل سنتأهل للمجد. لقد استغنى موسى عن عصا البرية، وإيليا طرح رداء النبوة عنه. لقد ولّت أيام مذلتها وصارت في خبر كان، وهما الآن يظهران بمجد. إنهما ليسا بعد فحسب مع المسيح ولكنهما أيضاً صارا مثل المسيح، وتأهلا ليكونا معه، لأنهما صارا مثل المسيح. لم يُظهر لنا بعد ونحن على الأرض ماذا سنكون، ولكن على الجبل نرى لمحة لما سنكون عليه عندما يُظهر. إننا سنكون مثله لأننا سنراه كما هو (1يو3: 2).
- عدد الزيارات: 3411