المسيحي والمسيح
هذا جميعه بسيط لأن مقام المسيحي في المسيح, وإذا كان له في المسيح شيء فله كل شيء. فأنا لست في المسيح لأجل البر فقط ومن جهة القداسة خارج عنه- لا, بل المسيح بري وقداستي معاً. ولا شأن لأعمال الناموس معي لا للبر ولا للقداسة بل بالنعمة بالإيمان كل شيء لي في المسيح, لأن الكل في المسيح. ومتى أتى الخاطئ إلى المسيح وآمن به فقد انتقل من وجوده الأول في الجسد ومتعلقاته وأصبح في المسيح, والله لا يعود يراه إلا في المسيح ومثله. لأنه أصبح واحداً معه "كما هو هكذا نحن" (1يو4) هذا هو مقام أصغر طفل في عائلة الله ومركزه الأبدي, لأنه لا يوجد لأولاد الله سوى مقام واحد وكل أعضاء المسيح لهم مركز واحد. نعم إن معارفهم واختباراتهم وقوتهم ومواهبهم وذكاءهم يختلف ولكن المقام واحد. فلهم البر والقداسة لأنهم في المسيح. وإذا كانت قداستهم ناقصة فبرّهم ناقص ولكن (1كو1: 30) يعلمنا صريحاً أن المسيح صار لنا هذا وتلك. لأنه لا يقول أنه صار لنا مقداراً من القداسة. ونحن ليس لنا حق أن نضيف شيئاً لا على القداسة ولا على البر. لأن الروح القدس لم يقل ذلك. فكلاهما كامل وكلاهما لنا في المسيح. ولا يوجد شيء مثل نصف تبرير كما أنه لا يوجد نصف تقديس والذي يتصور أن عضواً في جسد المسيح له التبرير الكامل ولكن تقديسه غير كامل إنما يضاد الكلمة الله على خط مستقيم.
على أنه يجوز أن يكون سبب التشويش الموجود في الأذهان من جهة التقديس منشؤه تعود البعض أن يخلطوا بين أمرين مختلفين بالكلية أعني بهما المقام والسلوك أو المركز والحالة. لأن مقام المؤمن كامل وثابت وإلهي وغير متغير, أما سلوكه فناقص ومتغير بسبب الضعف. نعم إن مركزه راسخ ولكن حالته العملية يعتريها النقص لأنه لا يزال في الجسد الذي تحيط به ظروف تؤثر عليه من يوم إلى يوم. وإذا كان مقام المؤمن يقاس على سلوكه, ومركزه على حالته أي ما هو أمام الله بما هو أمام الناس, بالطبع تكون النتيجة فاسدة. لأني إذا قست نفسي بما أنا في ذاتي لا بما أنا في المسيح فلا شك إني أصل إلى نتيجة غير صحيحة.
وهذا ما يجب أن نلتفت إليه جيداً لأننا معرضون أن نتدرج بالقضية من تحت إلى فوق عوضاً عن تتبعها من فوق إلى تحت, أي من الله إلى الإنسان. لأن الله لا يرى شعبه أو يتكلم عنهم إلا بمقتضى مقامهم في المسيح لأنه هو الذي أعطاهم هذا المقام. وهو الذي صنعهم لهذا عينه, فهم عمله, وإذا كانوا لك يتبرروا أو يتقدسوا تماماً فالإهانة تُلصق بالله.
هذه الملاحظة تقودنا إلى برهان آخر متين نبنيه على ما جاء في (1كو6: 11). فالرسول كان سبق له في الأعداد السابقة أن رسم صورة الإنسان الساقط ووصف حاله ثم يقول لأهل كورنثوس "هكذا كان أناس منكم" وهذا كلام لا يحتاج إلى تأويل. لأنه يتكلم عن حقيقة "هكذا كان أناس منكم" "ولكن اغتسلتم بل تقدستم بل تبررتم باسم الرب يسوع وبروح إلهنا".
وما أعظم الفرق بين وصف أهل كورنثوس قبل وبعد "لكن", فمن الجهة الواحدة نقرأ عن صفات الإنسان الساقط وحالته الأدبية ومن الجهة الأخرى نقرأ عن مقام المؤمن الثابت أما الله وياله من فرق عجيب. ومما يجدر بنا ذكره أن انتقال النفس من المركز الأول إلى الثاني إنما يتم في لحظة واحدة "كذا كان" "ولكنكم" الآن تغيرتم وبمجرد قبول الإنجيل قد اغتسلتوا أو تقدسوا أو تبرروا فأصبحوا أهلاً لدخول السماء في الحال إذ لولا ذلك لعُدّ عمل الله ناقصاً.
- عدد الزيارات: 3580