التقديس بحسب الكتاب
يتكلم البعض عن التقديس كأنه أمر تدريجي من مقتضاه تتحسن الطبيعة العتيقة إلى أن تتقدس بالتمام, وفضلاً عن ذلك فهم يظنون أن الإنسان لا يصبح أهلاً للدخول إلى السماء إلا إذا وصل إلى التقديس الكامل. ويقصدون بذلك التقديس وصول الطبيعة الإنسانية الساقطة إلى قمة التقديس العملي.
ولكن هذا الرأي بعيد جداً عن حق الإنجيل ومضاد لاختبارات جميع المؤمنين بالمرة فكلمة الله لا تعلمنا مطلقاً أن غرض الروح القدس هو إصلاح الطبيعة العتيقة لا دفعة واحدة ولا تدريجياً- تلك الطبيعة التي ورثناها بالولادة من أبينا آدم الساقط. بل يقول لنا الرسول بالوحي صريحاً "أن الإنسان الطبيعي لا يقبل ما لروح الله لأن عنده جهالة ولا يقدر أن يعرفه لأنه إنما يحكم فيه روحياً" (1كو2: 14) وهذا الشاهد وحده واضح وفيه الكفاية لأنه إذا كان الإنسان الطبيعي "لا يقبل" "ولا يقدر أن يعرف" "ما لروح الله" فكيف يمكن لذلك "الإنسان الطبيعي" أن يتقدس "بالروح القدس", أما هو الظاهر أن مجرد الكلام عن "تقديس الطبيعة" مخالف للتعاليم الوارد في (1كو2: 14). إن الكتاب المقدس مشحون بالآيات العديدة التي تثبت أن الروح القدس ليس من قصده إصلاح ولا تقديس الجسد ولكنه لزوم الآن لسرد الشواهد الكثيرة إذ من العبث محاولة إصلاح ما خرب. ومهما فعلت بالخرب فيبقى خرباً ولا شك أن الروح القدس لم ينزل من السماء لتقديس الجسد وإصلاح ما خرب بل قصده أن يأتي به إلى يسوع. وعوضاً عن تقديس الجسد نقرأ أن "الجسد يشتهي ضد الروح والروح ضد الجسد وهذان يقاوم أحدهما الآخر" (غلا5: 17) فهل يمكن أن الروح القدس يشهر خرباً مع ما يُنتظَر إصلاحه تدريجياً ويبقى الإثنان يقاوم أحدهما الآخر؟ وهل تبطل الحرب بمجرد بلوغ الإصلاح المطلوب؟ ولكن الاختبار المسيحي لا يقول بأن الحرب قد انتهت ما دام موجوداً في الجسد.
ولكن هذا الفكر يقودنا إلى الاعتراض الثاني على فكرة التقديس التدريجي لطبيعتنا العتيقة أعني به اختبار كافة المؤمنين الحقيقيين. فهل القارئ مؤمن حقيقي؟ وإذا كان كذلك فهل اختبر تحسيناً في طبيعته العتيقة؟ وهل طبيعته اليوم أفضل منها يوم قبل الإيمان وأخذ في السير في طريقه المسيحية؟ يجوز أنه بالنعمة قدر أن يقمعها ولكن هل تحسنت؟ لأنه إذا لم يُمتها فلا بد أن تظهر بأشنع صورها, والجسد في المؤمن لا يختلف ذرة عن الجسد في غير المؤمن, وإذا نسي المؤمن هذه الحقيقة فلا يعلم النتيجة سوى الله. أن المسيحي الذي لا يحفظ في باله أنه لا بد من الحكم على الذات دائماً فلا بد له أن يختبر مرارة تأثير وجود الطبيعة العتيقة فيه لا سيما إذ يتعلم أنها باقية كما هي عليه لم تتغير في شيء.
- عدد الزيارات: 3719