الطبيعتان في المؤمن
نرى إذن كيف أن الرب يستحضر أمام نيقوديموس ضرورة الولادة ثانية وضرورة قبول الحياة الجديدة، كما يرينا أن الطبيعة القديمة لا يمكن أن تتغير- فالطبيعة القديمة تسمى الإنسان العتيق- (انظر أفسس4: 21- 24) "إن كنتم قد سمعتموه وعُلّمتم فيه كما هو حق في يسوع: أن تخلعوا من جهة التصرف السابق الإنسان العتيق الفاسد بحسب شهوات الغرور وتتجددوا بروح ذهنكم وتلبسوا الإنسان الجديد المخلوق بحسب الله في البر وقداسة الحق". وأيضاً في (كولوسي3: 3و 4) "لأنكم قد متم وحياتكم مستترة مع المسيح في الله. متى أُظهر المسيح حياتنا فحينئذ تُظهرون أنتم أيضاً معه في المجد". كذلك في (1يوحنا3: 9) "المولود من الله لا يفعل خطية لأن زرعه يثبت فيه، ولا يستطيع أن يخطئ لأنه مولود من الله". والآن في إنجيل يوحنا 3 رأينا ضرورة الميلاد الثاني، وفي هذه الأجزاء نرى الله يتكلم باعتبار "الإنسان القديم" و"الإنسان الجديد".
والآن ما هي نتيجة الولادة من الله؟ فإنك بعدما وضعت ثقتك في الرب يسوع المسيح فإن جسدك يصبح كبيت به مستأجران يقيمان فيه. كنت قبلاً لك طبيعة واحدة وهي الطبيعة الساقطة التي ولدت بها في هذا العالم. ولكن الرب يسوع قال إن لم نولد ثانية فلن نقدر أن ندخل ملكوت الله. ولذلك عندما نضع ثقتنا في الرب يسوع يعطينا حياة جديدة، هذه الحياة كما سبق واقتبسنا في الأعداد السابقة "المخلوق بحسب الله في البر وقداسة الحق". إنها حياة المسيح التي لا تخطئ. أليس هذا أمراً عجيباً حقاً! ولكن لا يعني ذلك أن "الإنسان العتيق" يتحسن، فهو لا يزال "الفاسد بحسب شهوات الغرور" كنا قرأنا، فهو لا يزال بنفس صفاته "لأن المولود من الجسد هو جسد"، ومرة أخرى قال الرب يسوع "الروح هو الذي يُحيي أما الجسد فلا يفيد شيئاً" (يوحنا6: 63). ونحن نرى أن "الإنسان العتيق" (أو المستأجر القديم) عندما يسيطر على أجسادنا فإننا نخطئ. والله لا يسكت أو يتهاون في ذلك ولكنه يمدنا بالمؤونة لرد النفس. إن الله قد وضع على عاتقه حالتنا كلها أمامه سواء من جهة خطايانا أو من جهة الطبيعة التي تفرخ الخطايا، وهو يريدنا أن نعرف ونُسّر بنعمته التي أعطتنا هذه المؤونة.
وفي رومية 6 نقرأ عما فعله الله بالارتباط مع طبيعتنا القديمة والتي نسميها أحياناً "الجسد" أو "الإنسان العتيق" أو "الخطية" أو "الخطية في الجسد". ونقرأ في عدد 6 "أن إنساننا العتيق قد صلب معه... كي لا نعود نستعبد للخطية". فالخطية هي الأصل والخطايا هي الثمرة، مثل شجرة التفاح وثمار التفاح على الشجرة. وطبيعة شجرة التفاح أن تنتج ثمار التفاح. وبمقدورك أن تُلقي بعيداً ثمار التفاح ولكن في السنة التالية ستعود وتنتج لك الشجرة ثمارها مرة أخرى لأنك لم تُغير طبيعة تلك الشجرة. والرب يسوع "حمل خطايانا في جسده على الخشبة" (1بط2: 24). ولكن من الضروري أن يفعل شيئاً تجاه "الإنسان العتيق" الذي يجعلني أُخطئ- وهنا نجد ما فعله. فـ "إنساننا العتيق قد صُلب معه" ولذلك وصل إلى نهايته بموته على الصليب. والمعمودية هي صورة ذلك الموت كما قيل "مدفونين معه بالمعمودية للموت" (ع4). إن "الإنسان العتيق" قد أُدين (رومية8: 3) وصلب (رومية6: 6) ودُفن (رومية6: 4). وفي صليب الجلجثة لم يحمل الرب يسوع فقط خطاياي ولكن كان موته نهاية وجودي في آدم أمامه. فإن الله لم يعد يرى المؤمن كابن آدم الساقط، إذ قد متنا عن ذلك المركز القديم ودخلنا إلى مركز جديد أمامه بقيامة ربنا يسوع (رومية6: 9- 11).
ولعلنا نحاول أن نشرح هذا المركز الجديد بتغيير الجنسية (أو المواطنة). فلو أنك عبرت حدود بلدك التي ولدت فيها إلى بلد آخر فإنه عليك أن تُظهر جواز سفرك الذي يحدد نوع مواطنتك. ولكن لو افترضنا أنك طلبت تغيير مواطنتك وقُبل طلبك وأصبحت مواطناً من الدولة الأخرى، فعندما تدخل حدود هذه الدولة فإنه سيصبح لك مركزاً جديداً بالكلية في عيني ضباط الحدود. فإنهم لن يروك بعد في مواطنتك القديمة بل في مركزك ومواطنتك الجديدة. والآن فإن الله يراك في مركز مختلف تماماً منذ أن ولدت ثانية ودخلت إلى عائلة الله. ومع أن "الإنسان القديم" لا يزال فيك فإن المستأجرين باقيان في جسدك. والله وحده يراك في هذا المركز الجديد أمامه. إنه يراك كشخص قد مت عن مركزك القديم وأصبحت "خليقة جديدة في المسيح" (2كو5: 17).
ثم يرينا الله الجانب العملي لهذا المركز الجديد في الأعداد التالية. إذ علينا أن نحسب أنفسنا أمواتاً عن الخطية ولكن أحياء لله (ع11). قبل أن نخلص كانت أيدينا تعمل ما تريده طبيعتنا القديمة وكانت أعيننا ترى الأشياء التي تريدها طبيعتنا القديمة (الإنسان العتيق)، ذلك لأن أجسادنا كانت محكومة بالإنسان العتيق. أما الآن فبعدما أعطى الله المؤمن حياة جديدة "الإنسان الجديد"، هذه التي تريد أن تُسّر الله، فإنه يقول "احسبوا أنفسكم أمواتاً للخطية ولكن أحياء لله". وعندما تأتينا التجربة يمكننا أن نقول: (كلا، فنحن قد متنا عن هذه الأشياء التي تربطنا برغائب الطبيعة الساقطة) ونحن نسلّم أعضاءنا لنفعل رغائب الإنسان الجديد والأشياء التي تُسّر الرب. دعني أقول أنه ما لم نجد في أنفسنا الرغبة لنُسّر الرب فلسنا مؤمنين على الإطلاق، لأنني إذا كنت مولوداً ثانية فإن حياة المسيح نفسه في داخلي.
ولكنك تقول أحياناً أريد أن أفعل أشياء خاطئة! هذه ليست الحياة الجديدة التي تريد أن تفعل الخطأ، ولكنها الطبيعة القديمة أو الإنسان العتيق أو المستأجر القديم النشيط الذي تسمح له بذلك. يقول الله "احسبوا أنفسكم أمواتاً للخطية ولكن أحياء لله بيسوع المسيح ربنا". أي أن الإنسان العتيق ليست له حقوقاً على الجسد إطلاقاً. يقول الله قد متنا للخطية. ولذلك نقرأ في (2كو 4: 10) "حاملين في الجسد كل حين إماتة الرب لتُظهر حياة يسوع أيضاً في جسدنا". إن الكثير من المؤمنين يحملون شكوكاً من جهة خلاصهم لأنهم لم يتعلموا "ما هو حق في يسوع" (أف4: 21). ويتعجبون أنه من بعد خلاصهم لا يزالوا يريدون أن يفعلوا الأشياء الخاطئة. ولذلك يقول الشيطان (ربما لم تخلص على الإطلاق لأن بعضاً من الرغائب القديمة لا تزال موجودة)، ولكن ألم يقل الرب: "المولود من الجسد جسد هو" (يو3: 6)؟ وقال الرسول بولس "لا يسكن فيّ (أي في جسدي) شيء صالح" (رو7: 18) فلا تزال فيه الطبيعة الساقطة حتى بعدما خلص بسنين كثيرة.
والآن في رومية إصحاح 7 نجد أنه يتناول موضوع هذا الصراع بطريقة عملية. فالشخص هنا في هذا الإصحاح يسعى نحو العتق وهو تحت الناموس. إنه ولد ثانية وامتلك حياة جديدة ولكنه ليس متمتعاً بمركزه الجديد. وروح الله يضع أمامنا هذه الحالة ليرينا طريق العتق من "الناموس" ومن "الإنسان العتيق". فالإصحاح من بدايته حتى العدد الثامن عشر نرى فيه أن الشخص يُسمى الإنسان العتيق "أنا"، ولكن من جانب آخر يُسمى "الإنسان الجديد" أنا- وهذا هو سبب الصراع لأنه يظن أن كلاً من "النـزيلين" أو "الساكنين" لهما حقوق متساوية ولكن الأمر ليس كذلك. "فالإنسان العتيق" لا بد أن يُحسب ميتاً و "الإنسان الجديد" هو الساكن القانوني الوحيد الذي له الأحقية في ذلك. وعلينا أن نعترف بأن "الإنسان الجديد" هو الوحيد الذي له الحق أن يقول ويتصرف طبقاً لما يجب عمله. وهذا هو "الإنسان الجديد" إنه حياة المسيح.
توجد ثلاثة أشياء هامة تُستحضر أمامنا هنا: أولاً- يجب أن نتعلم هذا الدرس العظيم والهام "لا يسكن فيّ (أي في جسدي) شيء صالح" (ع18). هل طرأت على ذهنك فكرة شريرة، وللحال قُلتَ لنفسك (لا يمكن لمسيحي حقيقي أن يفكر بهذه الطريقة). فإذا كنت تؤمن حقاً بهذا النص الكتابي (ع18) فلا يلزمك أن تتعجب، لأن الطبيعة القديمة (أو الإنسان العتيق) لم يتغير منذ وقت خلاصك، وهذا ما نحتاج أن نتعلمه، بل ونتحقق منه أيضاً. إن عدونا الذي يعمل في "الإنسان العتيق" يسعى جاهداً أن يُفشلنا ويُحبطنا فيورد على خاطرنا الأفكار الشريرة فتتجاوب معها الطبيعة القديمة. قال واحد عن خبرته السابقة الطويلة إنه تعلّم ألا يُحبط لأنه لا يثق في هذه الطبيعة. عزيزي هل تثق في طبيعتك القديمة لأنك خلصت؟ أتظن أنك تضع نفسك في طريق التجربة وتثق فيها؟ يقول الكتاب "من يثق في قلبه فهو جاهل" (امثال28: 26). إن تلك الطبيعة القديمة لا تتحسن مطلقاً. تذكّر ما قيل هنا "لا يسكن فيّ (أي في جسدي) شيء صالح" من قال هذا؟ بولس الرسول المحبوب، واحد من أكثر الناس الذين عاشوا بالتقوى هنا، إذ لم تكن طبيعته القديمة أفضل من أي مؤمن آخر.
ثم لاحظ الشيء الثاني في عدد 20 "فإن كنت ما لستُ أريد إياه أفعل فلستُ بعد أفعله أنا بل الخطية الساكنة فيّ". كان قد تعلّم أولاً أنه لا يوجد أي شيء صالح في جسده (الإنسان العتيق). ولكن نرى هنا شيئاً عجيباً يتمسك به، إنه لا يعترف بأن الإنسان العتيق هو "أنا". دعوني أشرح ذلك بهذه الطريقة: شخص ما خلص منذ وقت قريب تهاجمه الكثير من الخطايا القديمة ولكنه أصبح الآن يعيش في رضا الرب. وفي يوم جاء واحد يعرض عليه أمراً كان قبلاً يفعله وقد عرف بعد خلاصه بخطأ ما كان يفعله سابقاً. فيجيب (إني لا أريد أن أفعل ذلك مرة أخرى إذ قد صرتُ مسيحياً حقيقياً). وبعدما رفض أن يفعل هذا الأمر يهمس الشيطان في أذنه "أنت لم تقل الحق- فأنت تريد أن تفعل هذا الأمر وقد قلت لصديقك أنك لا تريد أن تفعله أنت كذبت عليه". ونحن نسأل: هل كذب فعلاً؟ كلا ولكنه جعل الساكن القانوني (وهو الإنسان الجديد) يتكلم ويعطي الإجابة للذي أراد أن ينتهر الفرصة ويدخل من الباب! هل كانت الحياة الجديدة فيه تريد أن تفعل ذلك؟ إطلاقاً. فما الذي كان فيه يريد أن يفعل هذا الخطأ؟ نعم- هذا ما قاله "فلستُ بعد أفعله أنا بل الخطية الساكنة فيّ". فلا تزال رغائب الطبيعة القديمة فينا. ولكن لندع الطبيعة الجديدة أن تجيب على من يسأل الدخول من الباب. نعم لقد قال الحق لأن "الإنسان العتيق" لم يعد هو "أنا" بل "الإنسان الجديد" هو "أنا" الحقيقي، إنها "حياة يسوع" في كل مؤمن، الحياة التي هي دائماً تُسّر الله ولا تخطئ مطلقاً. فلنترك "للإنسان الجديد" اتخاذ القرارات وستصبح قرارات صحيحة، ومع أن "الإنسان العتيق" لا يزال فينا ولا يتحسن، غير أنه ليس هو بعد "أنا". فيا له من عتق مبارك.
ثم نأتي إلى الشيء الثالث من (أعداد22- 25) "فإني أُسّر بناموس الله بحسب الإنسان الباطن، ولكني أرى ناموساً آخر في أعضائي يحارب ناموس ذهني ويسبيني إلى ناموس الخطية الكائن في أعضائي. ويحي أنا الإنسان الشقي من ينقذني من جسد هذا الموت. أشكر الله بيسوع المسيح ربنا". سبق له أن تعلّم الشيئين السابقين اللذين كنا نتأمل فيهما. ولكن الصراع في داخله لا يزال مستمراً وهو يريد أن يُرضي الرب غير أن هذا الصراع يجعله دائماً غير سعيد. وهذه الطبيعة الساقطة لا تزال تحاول أن تسحبه إلى الأمور الخاطئة. ولكن بعدما قال "ويحي أنا الإنسان الشقي"، يقول "من ينقذني؟" فيتطلع خارج نفسه إلى الرب يسوع المسيح لينقذه فتأتيه الإجابة للتو، فيبدأ يشكر. وهذا مهم جداً. هل حاولت أن تحارب الأفكار الشريرة التي تفاجأ بأنها عادت إليك بصورة أشد من قبل؟
ماذا يقول لنا الله هنا؟ يمكننا أن نتحول من هذه الأفكار الرديئة التي تأتينا من "الإنسان العتيق"، ونسمح لروح الله من خلال "الإنسان الجديد" أن يشغلنا بالمسيح. ونحن نشكر الله أنه من خلال عمل الرب يسوع استُحضرنا إلى مقام جديد أمامه حيث نحسب أنفسنا أمواتاً بالحق للخطية فيجد الإنسان الجديد أفراحه وعتقه بالتطلع بعيداً عن الذات إلى المسيح.
اسمحوا لي أن أشرح الأمر لأجعل هذه النقطة واضحة. سأفترض أنني وضعت خطة لبناء جراج لسيارتي، ولديّ كومة هائلة من الأخشاب أعددتها لهذا الغرض. وطلبت من أحد النجارين المهرة أن يقوم بعمل الجراج مستخدماً الأخشاب التي جمعتها. وألقى النجار نظرة على الخشب وفحصه جيداً وعاد إليّ يقول "عندي خبر لا يُسّرك، فقد فحصت الخشب ووجدته كله معطناً فاسداً ولا يصلح للاستخدام ولم أجد فيه قطعة واحدة نافعة". فماذا يفعل النجار عندئذ؟ لم يحاول تحسين الخشب التالف ولكنه حكم عليه. لاحظ أنه في رومية8 وعدد 3 هو بعينه ما فعله الله تجاه طبيعتنا العتيقة- فالإنسان العتيق، إذ "كان الناموس عاجزاً عنه في ما كان ضعيفاً بالجسد فالله إذ أرسل ابنه في شبه جسد الخطية ولأجل الخطية دان الخطية في الجسد". لقد استصدر النجار حكمه على هذه الكومة الهائلة من الخشب بفسادها وعدم نفعها. وعاد يقول "لديّ أخبار مفرحة لك فقد أحضرت الكمية المطلوبة من الخشب لبناء الجراج- ولن تتكلف مليماً واحداً فقد منحتها لك هبة". لم أكن سعيداً عندما عرفت منه فساد الخشب الذي خزنته، إذ كنت معتمداً عليه في بناء الجراج بحسب خطتي، ولكن تحول حزني إلى الشكر فقلت له شكراً جزيلاً. أيمكنك أن ترى قوة هذه الأعداد في رومية7 "ويحي أنا الإنسان الشقي!" وبعد ذلك "أشكر الله بيسوع المسيح ربنا" (ع24و 25). لقد تحولتُ في نظرتي من الذات إلى المسيح وسررت بما فعله إني مملوء بالامتنان له.
وهكذا نحتفظ بداخلنا بكم هائل من الخشب المعطن وهو "الإنسان العتيق". وكم من مسيحيين حقيقيين في يؤس بسبب تفكيرهم غير الصحيح إذ يعتقدون أنهم يحتاجون لانضباط كثير في أجسادهم. دعونا نتحول في نظرنا عن الذات ونعطي الشكر لله إذ يرانا "في المسيح". "إذاً لا شيء من الدينونة الآن على الذين هم في المسيح يسوع" (رومية8: 1). هل تدين نفسك لأن لك طبيعة ساقطة؟ يقول الله إنه يرانا "في المسيح يسوع" "قديسين وبلا لوم قدامه في المحبة" (أفسس1: 4). ويا له من اكتشاف مؤلم حقاً أن نجد مدى رداءة طبيعتنا القديمة وحقيقة شرها. ولكن هذا يقودنا لنكون أكثر شكراً لإنقاذنا وعتقنا، عالمين بموقفنا الجديد أمام الله بسبب هذا العمل المبارك الذي أُكمِل لأجلنا في الجلجثة.
وأريد أن أعود للشرح السابق بخصوص النجار إلى ما هو أبعد قليلاً. فبعدما ذهب بدأت أُعيد التفكير في كمية الخشب القديمة أحقاً صارت كلها فاسدة؟ لربما أجد بعضاً من القطع فيها- ولو كانت قليلة- لا تزال صالحة للاستخدام. فمنذ وقت طويل وأنا أعتمد عليها. وجاء النجار ووجدني أقلب بين الخشب القديم وسألني ماذا تفعل هنا؟ فطفقت أشرح له كم شعرت بالأسى عندما أخبرني بفساد الخشب القديم كله، ولكنني شعرت أنه ربما لا تزال توجد بعض الأجزاء السليمة التي تصلح للاستخدام. عندئذ قال: "ولماذا تبتئس لأجل أمور لا تنفع، أفما كان ينبغي أن تشكر لأجل كومة الخشب الجديدة بدلاً من البحث في الكومة القديمة عما ينفع منها؟".
قارئي العزيز أفلا تزال تتطلع إلى أشياء حسنة في الطبيعة القديمة؟ فقد تركها الله منذ زمن طويل، وأنت إن تركتها ستكون شخصاً سعيداً. بعد ذلك قام النجار ليضع فرشاً من المشمع على كومة الخشب الفاسدة وبالطبع فإن الخشب لن يتحسن بوضع المشمع عليه وهو يقول إن ذلك لكي نعتبره غير موجود بالمرة. وهذا هو معنى "احسبوا أنفسكم أمواتاً للخطية" (رومية6: 11). وأمكننا أن نقول أن الطبيعة القديمة- أو الإنسان العتيق- ليست "بعد أنا بل الخطية الساكنة فيّ". إن مقامنا الآن في المسيح أمام الله.
- عدد الزيارات: 5451