Skip to main content

الولادة من فوق

قال الرب يسوع المسيح "ينبغي أن تُولدوا من فوق" (يوحنا3: 7). وأريد أن أتحدث في هذا الموضوع الهام وعن الطبيعتين في المؤمن ولماذا يخطئ المؤمن. ويرينا الكتاب ذلك- فإنه شيء مبارك جداً لنا أن الله لم يمنحنا فقط غفران خطايانا، ولكنه كذلك استحضرنا إلى مركز جديد أمامه. ويشرح لنا الكتاب ما فعله الله بالارتباط مع تلك الطبيعة القديمة الساقطة التي حصلنا عليها بولادتنا الطبيعية. وكيف أعطانا طبيعة جديدة برغائب جديدة لكي نسلك أمامه في حرية مقدسة.

وفي الإصحاح الثالث من إنجيل يوحنا نجد الكثير عن ضرورة الميلاد الجديد. ويظن الكثيرون أن الميلاد الجديد هو نوع من التغيير الذي يتخذ مجراه في حياة الفرد. ولكن عندما يتكلم الإنجيل عن الميلاد الجديد فإن الله يعطيه حقاً لمن يؤمن بالرب يسوع، يعطي حياة جديدة. وهو ليس تحسيناً للإنسان القديم- ولكنه إنسان جديد- مولود من فوق- وهذا ما يستحضره الرب أمام نيقوديموس. إن الميلاد الجديد هو حياة جديدة من الله، وسنرى أن الحياة التي يمنحها الله هي حياة المسيح. ويعطيها لمن يؤمن. والنتيجة طبعاً هي التغيير لأن الحياة الجديدة تتطلب إرضاء الله.

كان نيقوديموس قد جاء إلى الرب على ظن أنه سيسمع منه بعض التعاليم. وبدون شك فإن الرب معلم عظيم، ولكن ما يحتاجه الخاطئ قبل كل شيء أن ينال الحياة الجديدة، وهكذا أجاب الرب "إن كان أحد لا يولد ثانية لا يقدر أن يرى ملكوت الله". كان الإنسان يتعلّم وهو تحت الناموس، "الناموس مقدس والوصية مقدسة وعادلة وصالحة" (رومية7: 12) وكانت كل الوصايا من الله للإنسان في العهد القديم، ولكنها لم تعطه حياة جديدة، لأن الكتاب يقول: "لأنه لو أُعطي ناموس قادر أن يحيي لكان بالحقيقة البر بالناموس" (غل3: 21). "يا ليت قلبهم كان هكذا فيهم حتى يتقوني ويحفظوا جميع وصاياي كل الأيام" (تث5: 29) ولم يكن الناموس قادراً أن يعطي الرغبة أو القوة للإنسان- إذ احتاج الإنسان إلى حياة جديدة. فلماذا أعطى الله الناموس؟ حسناً. فإنك لو تحدثت إلى العديد من النفوس فستجد أنهم لا يؤمنون بما يقوله الله عنا، وكان لا بد أن يرينا ذلك. قال الله: "القلب أخدع من كل شيء وهو نجيس" (أر17: 9). قال الرسول: "لا يسكن فيّ (أي في جسدي) شيء صالح" (رو7: 18). وفي حالتنا الطبيعية لا يوجد شيء فينا لله. وقلوبنا في عداوة مع الله كما يقول الكتاب. "لأن اهتمام الجسد (Carnal mind) هو عداوة لله إذ ليس هو خاضعاً لناموس الله، لأنه أيضاً لا يستطيع" (رو8: 7).

فماذا برهن الناموس؟ ولماذا كُتب على لوحين من الحجارة؟ إن الإنسان له قلب حجري، والله عرف أنه لا يقدر أن يعيش بالوصايا، وإن كان ظن الإنسان أنه يقدر. فإذا كان لديّ طفل وأمامه حقيبة ثقيلة يعتقد أنه بمقدوره أن يحملها، فكيف أبرهن له أنه لا يستطيع؟ أعطيه الفرصة لكي يُجرّب. ظن إسرائيل أنه يمكنه تتميم مطالب الله فقالوا: "كل ما تكلّم به الرب نفعل" (خروج19: 8) ولكنهم فشلوا كما نفشل نحن جميعاً.

وما يرينا إياه الرب في يوحنا 3 أنه يلزم أن يكون لله عمل في النفس. هناك عمل الله لأجلنا في صليب الجلجثة، ولكن هناك عمل يتم داخلنا لأن القلب الطبيعي في الإنسان لن يتجاوب مع مطالب الله. والرب يخبر نيقوديموس أنه يجب أن يولد ثانية- يولد من فوق، يلزمه أن ينال حياة جديدة، والله يستخدم كلمته الثمينة بالروح ليتمم ذلك، وهذا واضح جداً في( 1بطرس1: 22و 23) "طهروا نفوسكم في طاعة الحق بالروح... مولودين ثانية.. بكلمة الله الحية الباقية إلى الأبد". عندما كنا خطاة كانت لنا طبيعة ساقطة ولكن عندما استحضر الله كلمته إلى نفوسنا بقوة روح الله فإننا ولدنا ثانية، وحصلنا على الحياة الجديدة من الله. ذلك هو سبب حصولنا الآن على رغائب مختلفة.

ليس هذا تحسيناً للطبيعة الساقطة فينا. إن الله لا يُحسّنها بل يدينها كما نتعلم من (رومية8: 3) "الله إذ أرسل ابنه في شبه جسد الخطية، ولأجل الخطية دان الخطية في الجسد". صحيح إنه غفر خطايانا، ولكن غفران الخطايا مسألة تختلف عن نقطة الطبيعة الساقطة التي تجعلنا نخطئ. إنها ستبقى فينا طالما نحن أحياء على الأرض. فإذا خلص شخص ما وعاش خمسين سنة فإن طبيعته الساقطة لن تتحسن ذرة. وهذا هو السبب في أن المؤمنين يخطئون لأنهم يتركون الطبيعة الساقطة تعمل، وبمعونة الرب سنتناول أجزاء كتابية أخرى ترينا طريق الله للخلاص.

ونيقوديموس كرئيس في إسرائيل كان يجب أن يعرف تاريخ الأمة إذ تبرهن لدى الله بأنها أمة ذات قلب حجري ولم تتغير. ولكن في المستقبل عندما يحضرهم الله إلى البركة فإنه "ينـزع قلب الحجر من لحمهم ويعطيهم قلب لحم" (حزقيال11: 19). عندئذ ستولد الأمة دفعة واحدة (اشعياء66: 8). وعندما سأل نيقوديموس هنا "كيف يمكن أن يكون هذا؟" استحضر الرب شيئين في غاية الأهمية أولاً تحدث عن مجد شخصه فبينما كان يتكلم إلى نيقوديموس كان هو في السماء في ذات الوقت كما قال "وليس أحد صعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء ابن الإنسان الذي هو في السماء" (يوحنا3: 13). فهو الله وهو أيضاً إنسان، وقيمة عمله بسبب مجد شخصه. ولكونه هو الله فقد أمكنه أن يكون مُخلّصاً (اشعياء43: 10و 11) ثم يتحدث عن عمله على الصليب كابن الإنسان المرفوع لأجل الخطاة. وليست هناك بركة للإنسان الساقط بعيداً عن هذين الأمرين. وبعد ذلك يتكلم الرب يسوع هذه الكلمات المباركة والعجيبة "لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية" (يوحنا3: 16).

  • عدد الزيارات: 5345