الفصل الخامس: الخطية وحلولها
القراءة من الكتاب المقدس:
"طوبى للذي غُفر إثمه وسترت خطيته. طوبى لرجل لا يحسب له الرب خطيّة ولا روحه غشّ. لما سكتُّ بَلِيَت عظامي من زفيري اليومَ كله. لأن يدك ثقلت عليّ نهاراً وليلاً، تحوّلت رطوبتي إلى يبوسة القيظ. أعترف لك بخطيتي ولا أكتم إثمي. قلت أعترف للرب بذنبي وأنت رفعت أثام خطيتي. لهذا يُصلّي لك كل تقي في وقت يجدك فيه، عند غمارة المياه الكثيرة إياه لا تُصيب. أنت سترٌ لي، من الضيق تحفظني، بترنم النجاة تكتنفني. أعلّمك وأرشدك الطريق التي تسلكها، أنصحك. عيني عليك. لا تكونوا كفرسٍ أو بغلٍ بلا فهم، بلجام وزمام زينته يُكَمُّ لئلا يدنو إليك. كثيرة هي نكبات الشرير، أما المتوكِّل على الرب فالرحمة تحيط به، افرحوا بالرب وابتهجوا يا أيها الصديّقون واهتفوا يا جميع المستقيمي القلوب" (مزمور32).
"لأنه ماذا يقول الكتاب. فآمن إبراهيم بالله فحُسب له براً. أما الذي يعمل فلا تُحسب له الأجرة على سبيل نعمة بل على سبيل دَينٍ. وأما الذي لا يعمل ولكن يؤمن بالذي يُبرّر الفاجر فإيمانه يُحسب له براً. كما يقول داود أيضاً في تطويب الإنسان الذي يحسب له الله براً بدون أعمال. طوبى للذين غُفرت آثامهم وسترت خطاياهم. طوبى للرجل الذي لا يحسب له الرب خطية" (رومية4: 3- 8).
عنوان هذا الفصل هو "الخطية وحلولها"، مع العلم أن الخطية لها حل واحد لا غير. ولكني استعملت لفظة "حلول" في صيغة الجمع لأني أريد أن أستعرض معكم الحلول التي يقدمها الناس عادة ويظنّون أنها شافية وافية وكافية في حين أنها ليست كذلك لأنها من صنع الأرض لا من صنع السماء. وزيادة على هذا، إن الحلول البشرية تزيد الحالة تعقيداً وسوءاً على غرار ما حدث في قصة الفتاة الصغيرة التي اشترت لها أمُها فستاناً جديداً، فلما جاء وقت الطعام جلست الفتاة لتأكل كالعادة مع والديها، وما هي إلا لحظات حتى كان شيء من الطعام قد سقط على الفستان. فقالت الأم لابنتها: انتظري حتى آتي بمنديل رطب أمسح له الفستان لئلا يتلطخ. فقالت الصغيرة: "لا داعي لذلك يا ماما، فأنا أنظفه". ثم مسحت الطعام بيدها المتّسخة (بحسن نية طبعاً) وإذا بالفستان ملوث من فوق إلى أسفل.
هكذا الحلول البشرية. فهي (مع حسن النية) كالمرهم الذي يوضع على السرطان. وكلمة الله تقول في نبوة إرميا: "هل يغيّر الكوشي جلده والنَّمِرُ رُقَطّه؟" والجواب طبعاً لا. لأن الزنجي لا يقدر أن يغير لون جلده ولا النمر رقطه. وإن كان هذان لا يستطيعان شيئاً فكذلك الإنسان لا يستطيع شيئاً إزاء الخطية. ومع ذلك لا يكف عن محاولاته واشتراكه في تقديم الحلول.
ومن بين الحلول التي يقدمها الإنسان لمشكلة الخطية أولاً، أنه يبررّها.... بحجة أن كل الناس يفعلونها، وهو لا يريد أن يختلف عن الناس حتى ولو كانوا على خطأ. فالتمسك بالحق والوقوف في وجه التيار يتطلب جرأة وشجاعة وهو لا يملك هذه الجرأة. وهناك من يبرر الخطية على أساس الفلسفة الشيطانية القائلة: "نفعل السيئات لكي تأتي الخيرات". وبعضهم يبررها لأنه تعلّم خطأ أن هناك خطايا عرضية تستوجب المطهر وأخرى مميتة تستوجب الجحيم. وآخرون أيضاً يبررونها بحجة أنهم ضعفاء أو أنهم يعترفون بها كلما فعلوها. فالحل الأول إذاً هو أنه يبررها. ثانياً، إنه يحقّرها، أي أنه يلجأ إلى تصغير الخطية وإظهارها بمظهر الغلطة البسيطة، ولذلك يعتبر أن الحديث عن شناعة الخطية وفظاعة الخطية هو تضخيم للحقيقة. وإذا لم يصغر فإنه يصغر نفسه كخاطئ، فيقول: أنا خاطئ صغير بالنسبة للفارق في الشر، أو إن أخطائي أقل من أخطاء غيري بكثير. بكلمة أخرى إنه يقابل نفسه بالناس وليس بالله، ويبني حياته ومصيره على كلام الناس وليس على كلام الله.
من بين الذين يحقّرون الخطية جماعة تُعرف باسم "الشموليين". وهؤلاء ينادون بالفلسفة القائلة أن الله سيخلّص جميع الناس في نهاية الأمر، وأن أحداً من الناس لن يهلك. ولكن هذه مجرد أماني "وليس كل ما يتمنى المرء يدركه، تجري الرياح بما لا تشتهي السفن". فالحل البشري للخطية هو أولاً أنه يبررها وثانياً أنه يحقّرها.
وثالثاً، إنّه ينكِرُها، وحبذا لو أنّه يستنكرها. ولكن الإنكار سهل من جهة، وبرهان عمى روحي من جهة أخرى، فإن أنكر الأعمى وجود الشمس فذلك لا يعني أن الشمس غير موجودة. لأن إنكار حقيقة لا يبطل وجودها. وإنكار الخطية هو خدمة كبيرة للشيطان وخِداع للذات وتكذيب لكلمة الله. هناك بدعة (تسمي نفسها "العلم المسيحي") تزعم أن الخطية والمرض والموت وَهْمٌ. ولكن كلمة الله تعلّم العكس تماماً. والاختبار يبرهن العكس تماماً. يقول الرسول يوحنا في الإصحاح الأول من رسالته الأولى "إن قلنا أنه ليس لنا خطية نُضِلُّ أنفسنا وليس الحق فينا"، ثم كرر العبارة في صيغة الماضي فقال "إن قلنا أننا لم نخطئ نجعله كاذباً وكلمته ليست فينا...." فالعلاج عند الإنسان هو أولاً أنه يبررها وثانياً أن يحقّرها وثالثاً أنه ينكرها ورابعاً أنه يسترها. فالإنسان بطبعه يحب الاستتار والتستير ولكن هيهات أن يستتر الإنسان أمام عيني الخالق. فقد حاول آدم الاستتار خلف أشجار جنة عدن ولكن الله الذي يرى في الخفاء، رآه فناداه ثم عاتبه وحاسبه، لأن الله قدوس وعادل ولا يرجع عما خرج من فمه. ولكن لغاية الآن ما زال الإنسان يلجأ إلى تغطية الشرور والفضائح وإلى لفلفة الأمور التي يخشى أن تُسلَّط عليها الأضواء. فهو أحياناً يحاول التكفير عن الخطية إما بالأعمال أو بالمال أو بالآمال أو بالنضال أو بالخصال وأحياناً بالأقوال. بالمناسبة التكفير معناه التستير. قال لي أحد المساجين مرة "عسى أن تؤدي آلامي في السجن إلى التكفير عن خطاياي.." وفي الكتاب المقدس توجد أمثلة كثيرة عن أناس حاولوا ستر خطاياهم بطرقهم الخاصة. ففي العهد القديم نقرأ عن عاخان الذي سرق وأخفى مسروقاته في الخيمة. ولماذا أخفاها؟ لأنه أراد ستر عمله عن عيون الناس ونسي (أو تناسى) أن الله يراه. وفي العهد الجديد نقرأ عن حنانبا وسفيرة أنهما اختلسا جزءاً من ثمن الحقل وحاولا ستر الخطية بالكذب ولكن الرسول بطرس فضح خطيتهما وكانت النتيجة عقاباً صارماً لكليهما. وماذا نقول عن الكتبة والفريسيين الذين كانوا يتسترون وراء ريائهم وكبريائهم... ولكن المسيح وبخهم بشدة قائلاً لهم: "ويل لكم أيها الكتبة والفريسيّون المراؤون...." فالرب يرى ما لا يُرى ويعرف الخفايا والنوايا.
نعم هذه بعض الحلول البشرية التي لا تجدي نفعاً، ولذلك سأختم بالحديث عن الحل الإلهي الوحيد. فالله واحد وطريق الخلاص والغفران واحد. وليس كما يقول الناس أن كل الدروب تؤدي إلى الطاحون. فالحل لكل جيل هو الإنجيل، وعندما نتحدث عن إنجيل المسيح فإننا نتحدث عن مسيح الإنجيل ولهذا يقول بولس في رسالة رومية: "لست أستحي بإنجيل المسيح لأنه قوة الله للخلاص لكل من يؤمن" فالإنسان خاطئ "وأجرة الخطية موت". فلو لم يمت المسيح لكان يجب أن نموت نحن جسدياً وأبدياً. ولكن المسيح مات بديلاً عنا حتى بالإيمان به ننال الحياة وننجو من الهلاك. فالإيمان بالمسيح هو وسيلة نوال الخلاص. ليس الإيمان مع الأعمال بل الإيمان وحده. أما الأعمال فهي ثمر الإيمان وبرهان صحته. ولهذا نقرأ في الكتاب المقدس: "فآمن إبراهيم بالله فحسب له براً". وفي رسالة رومية نقرأ عن الإنسان "الذي يحسب له الله براً بدون أعمال". وفي رسالة أفسس يقول الرسول: "ليس من أعمال كيلا يفتخر أحد". إني أشجعك على قبول الحل الإلهي لأن الإيمان بالرب يسوع يبرّر ويحرّر ويغيّر.
- عدد الزيارات: 4015