Skip to main content

الفصل الرابع: الخطية وذيولها

القراءة من الكتاب المقدس:

"وسمعا صوت الرب الإله ماشياً في الجنّة عند هبوب ريح النهار، فاختبأ آدم وامرأته من وجه الرب الإله في وسط شجر الجنة. فنادى الرب الإله آدم وقال له أين أنت، فقال سمعت صوتك في الجنة فخشيت لآتي عريان فاختبأت. فقال من أعلمك أنّك عريان، هل أكلت من الشجرة التي أوصيتك أن لا تأكل منها. فقال آدم المرأة التي جعلتها معي هي أعطتني من الشجرة فأكلت. فقال الرب الإله للمرأة ما هذا الذي فعلت، فقالت المرأة الحيّة غرّتني فأكلت. فقال الرب الإله للحيّة لأنك فعلت هذا ملعونة أنت من جميع البهائم ومن جميع وحوش البرية. على بطنك تسعين وتراباً تأكلين كل أيام حياتك. وأضع عداوة بينك وبين المرأة وبين نسلك ونسلها، هو يسحق رأسك وأنت تسحقين عقبه. وقال للمرأة تكثيراً أكثّر أتعاب حملك بالوجع تلدين أولاداً وإلى رجلك يكون اشتياقك وهو يسود عليك. وقال لآدم لأنّك سمعت لقول امرأتك وأكلت من الشجرة التي أوصيتك قائلاً لا تأكل منها ملعونة الأرض بسببك، بالتعب تأكل منها كل أيام حياتك. وشوكاً وحسكاً تُنبت لك وتأكل عشب الحقل. بعرق وجهك تأكل خبزاً حتى تعود إلى الأرض التي أخذت منها لأنك تراب وإلى ترابٍ تعود. ودعا آدم اسم امرأته حواء لأنها أمّ كل حي. وصنع الرب الإله لآدم وامرأته أقمصة من جلد وألبسهما. وقال الرب الإله هوذا الإنسان قد صار كواحد منّا عارفاً الخير والشرّ. والآن لعلّه يمدّ يده ويأخذ من شجرة الحيوة أيضاً ويأكل ويحيا إلى الأبد. فأخرجه الرب الإله من جنة عدن ليعمل الأرض التي أخذ منها. فطرد الإنسان وأقام شرقي جنة عدن ولهيب سيف متقلّب لحراسة طريق شجرة الحيوة" (تكوين3: 8- 24).

وكلّم قايين هابيل أخاه. وحدث إذ كانا في الحقل أنّ قايين قام على هابيل أخيه وقتله. فقال الرب لقايين أين هابيل أخوك. فقال لا أعلم أحارس أنا لأخي. فقال ماذا فعلت صوت دم أخيك صارخٌ إليَّ من الأرض. فالآن ملعونٌ أنت من الأرض التي فتحت فاها لتقبل دم أخيك من يدك" (تكوين4: 8- 11).

"فمات المسكين وحملته الملائكة إلى حضن إبراهيم، ومات الغني أيضاً ودُفن. فرفع عينيه في الهاوية وهو في العذاب ورأى إبراهيم من بعيد ولعازر في حضنه. فنادى وقال يا أبي إبراهيم ارحمني وأرسل لعازر ليبلّ طرف إصبعه بماء ويبرّد لساني لأني معذّب في هذا اللهيب" (لوقا16: 22- 24).

"ولا تخافوا من الذين يقتلون الجسد ولكن النفس لا يقدرون أن يقتلوها، بل خافوا بالحري من الذي يقدر أن يُهلك النفس والجسد كليهما في جهنم" (متى10: 28).

بعد الحديث عن "الخطية ومدلولها" و "الخطية ودخولها" و "الخطية وشمولها" نأتي الآن إلى "الخطية وذيولها". وبمجرد أن نفكر في ذيولها ومفعولها لا يسعنا إلا أن نقول:

ما أشرها- وما أمرها- وما أضرها!

ما أبشعها- وما أخدعها- وما أفظعها!

ما سفهها- وما أسخفها- وما أسفلها!

وقد قال فيها أحدهم مرة: "الخطية تنجس وتجرّس وتفلّس". وقال فيها رسول الأمم بولس: "الخطية خاطئة جداً". وعندما تحدث عن ذيولها قال: "بإنسان واحد دخلت الخطية إلى العالم وبالخطية الموت وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس إذ أخطأ الجميع". قال هذا في ضوء قول الله لأبوينا الأولين: "يومَ تأكلان منها موتاً تموتا". فلما أكلا وقعا تحت حكم الموت ووقعنا نحن معهما لأننا تراب وإلى تراب نعود. هذه هي النتيجة الأولى للخطية. كل ما عداها هو في المرتبة الثانية.

السؤال الآن هو: ما المقصود بالموت؟ وفي ضوء كلمة الله يمكننا القول إن الموت لا يعني الزوال والاضمحلال بل بالحري الانفصال. والموت الذي يعنيه الكتاب المقدس هو:

1-الموت الجسدي

2-الموت الأبدي

الموت الجسدي هو انفصال الروح عن الجسد.

وهو آخر عدو يبطل. ولأنه عدو للإنسان فهو قاس ومرّ ومكروه ومخوف. حتى الملوك يخافون الموت، ويبكون عند ساعة الموت. يخبرنا إشعياء النبي أن الملك حزقيال خاف وبكى لما سمع حكم الله عليه بالموت. ولذلك صلّى بدموع إلى الرب فاستجاب الله صلاته وأطال عمره خمس عشرة سنة. والحق يقال إن كأس الموت يمر على ربع مليون نسمة يومياً في العالم. ويمكننا أن نتصوّر مقدار الدموع التي يذرفها الوالدون والوالدات، والأزواج والزوجات، والبنون والبنات، والأقرباء والأصدقاء والزملاء. فبعد أن يكون المرء مالئاً الدنيا وشاغلاً الناس إذا به جثة هامدة جامدة لا حياة فيها ولا حراك. أول من اختبر الموت هو هابيل بن آدم، وبموته حصد أبواه أول نتائج السقوط. نعم الموت الجسدي هو من ذيول الخطية وكأسه مُرّة. ومع ذلك يبقى الموت الجسدي سهلاً أمام الموت الأبدي الذي يبدأ بالموت الروحي في الدنيا. فإن كان الموت الجسدي هو انفصال الروح عن الجسد فالموت الروحي هو انفصال الروح عن الله. وبهذا المعنى قال يسوع في الإصحاح الخامس من إنجيل يوحنا: "الحق الحق أقول لكم تأتي ساعة وهي الآن حين يسمع الأموات صوت ابن الله والسامعون يحيّوْن". فالأموات هنا هم الأموات روحياً، أو كما قال بولس الرسول في رسالته إلى كنيسة أفسس إنهم "الأموات في الذنوب والخطايا". هذا هو الاختبار الذي مرّ به آدم أثر سقوطه. فقد صارت خطاياه فاصلة بينه وبين إلهه، ولهذا نقرأ في نهاية الإصحاح الثالث من سفر التكوين العبارة التالية: "فأخرجه الرب الإله من جنة عدن ليعمل الأرض التي أخذ منها. فطرد الإنسان وأقام شرقي جنة عدن الكروبيم ولهيب سيفٍ متقلب لحراسة طريق شجرة الحياة".

وعندما يكون المرء في عداوة مع الله ومنفصلاً عنه فماذا تكون النتيجة؟ أولاً إنه يتعرى من البراءة والنور ويعيش في ظلام روحي وفكري. هذا هو المقصود بعبارة "وانفتحت أعينهما". قبل هذا الوقت كان آدم وحواء يتمتعان ببراءة كاملة لأنهما كانا متسربلين بثوب من النور والطهارة. أما الآن فقد انتهى عهد النور وعهد الطهارة والبساطة. فاختبأا وسط الأشجار.

ثانياً، إنه يحس بالخزي والخجل والعار.

فلما أخطأ آدم وحواء "انفتحت أعينهما وعلما أنهما عريانان. فخاطا أوراق تين وصنعا لأنفسهما مآزر" لكي يسترا عريهما أمام الله. فالخطية مجلبة للعري والعار. منذ مدة قريبة ألقي القبض على جماعة خارجة على القانون. وفي الأخبار المصورة على التلفزيون كنت ترى كلَّ واحد منهم وقد غطى وجهه بيديه شعوراً منه بالخزي والذلّ. ولكن ليس المهم أن تتغطى أمام الناس بل أمام الله... وأوراق التين لا تكفي لأن تسترنا أمام قداسة الخالق. فهي تجف وتيبس وسرعان ما تتساقط عنا. ولهذا نقرأ في الإصحاح نفسه من سفر التكوين أنّ الله "صنع لآدم وامرأته أقمصة من جلد وألبسهما". والجلد طبعاً هو جلد الذبيحة، لأنه بدون سفك دم لا تحصل مغفرة. هكذا هو الحال معنا، فبدون ذبيحة الصليب لا خلاص لنا ولا تكفير ولا غفران. التكفير معناه التستير. ودم المسيح وحده يسترنا من غضب الله.

ثالثاً، إنه يقع فريسة للخوف.

تقول كلمة الله "فاختبأ آدم وامرأته من وجه الرب الإله في وسط الجنة. فنادى الرب الإله آدم وقال له: "أين أنت؟ فقال سمعت صوتك في الجنة فخشيت (أي خفت) لأني عريان فاختبأت".

والخوف، أيها القارئ الكريم، هو عدو مرّ. فمن يقع فيه تُشَلُّ إرادته وتتعطل قدرته على التفكير وتخور قُواه الجسدية وفي بعض الأحيان يصير الخوف هاجساً ومرضاً ويتسبب في القضاء على حياة الكثيرين. فالخوف يسبب قرحة في المعدة وارتفاعاً في ضغط الدم وشحوباً في الوجه ويعطل الحركة والإنتاج وأسوأ الكل إنه يجعل المرء عبداً ذليلاً للشيطان.

رابعاً، التعب والعرق.

قال الله لآدم: "ملعونة الأرض بسببك، بالتعب تأكل منها كل أيام حياتك، بعرق وجهك تأكل خبزاً حتى تعود إلى الأرض التي أخذت منها، لأنك تراب وإلى تراب تعود". ولكن دعني أبشرك- قارئي العزيز- بأن الموت الروحي والانفصال عن الله له علاجه! هذا إن كنت ترغب في استخدام العلاج. فالحياة أقوى من الموت، والحياة هي بيسوع القائل: "أتيت لتكون لهم حياة... أنا هو الطريق والحق والحياة". قال يوحنا في الإصحاح الأول من إنجيله: "فيه كانت الحياة والحياة هي نور الناس". نعم حالة الانفصال يمكن أن تتغير والبعيد عن الله يمكن أن يصير قريباً منه. فلا داعي للاستمرار في حالة العداوة مع الخالق، لأن المسيح مات لكي يقربنا إلى الله بدم صليبه. يقول بولس الرسول للمؤمنين في هذا الصدد: "أنتم البعيدين صرتم قريبين بدم المسيح". وقد أخبرنا المسيح نفسه قصة الابن الضال والشر، ولكنه لما عزم على العودة إلى أبيه، بالتوبة والندامة إلى أبيه وجد أن أباه كان في انتظاره فرّحب به وذبح له العجل المسمّن. والله الآب يا عزيزي هو أيضاً في انتظارك. فهل تأتي؟

هناك المزيد من ذيول الخطية. فإن الموت الروحي وانفصال الإنسان عن الله أدّى إلى نتائج وخيمة ومنها انفصال الإنسان عن نفسه. فمنذ اللحظة الأولى للسقوط بدأ الإنسان يشعر بصراع مع نفسه. بدأ يحسّ بحرب أهلية داخلية في كيانه، ولذلك فَقَدَ سلامه وهناءه وصار يبحث عن ملجأٍ يستره. "ولكن لا سلام قال الله للأشرار". وقد ظهر هذا الصراع نفسُه في قايين الابن البكر لآدم وحواء. فلما ارتكب جريمته إذا به شعر أنه صار في عداوة مع الله ومع نفسه. فمع أن الناموس لم يكن قد أعطي بعد ولا كانت هناك وصية تقول: "لا تقتل" فإنه شعر بالذنب، فقال للرب: "ذنبي أعظم من أن يُحتمل". ومنذ ذلك الحين لم يعرف قايين طعم الراحة. ويصح الشيء نفسه على كل البشر ولم يكن الأمر كذلك فلماذا كل الأمراض والمشاكل النفسية والاجتماعية؟ لماذا كل هذا العدد من المنتحرين سنوياً؟ حتى نسبة المنتحرين بين العجزة صارت عالية جداً. وقد عبّر رسول الأمم بولس عن هذا الانفصام الروحي والصراع الداخلي خير تعبير في الإصحاح السابع من رسالته إلى رومية، إذ كتب يقول: "لست أفعل ما أريده بل ما أبغضه فإياه أفعل". ثم قال: "لست أفعل ذلك أنا بل الخطية الساكنة فيّ... فالإرادة حاضرة عندي وأما أن أفعل الحسنى فلست أجد، لأني لست أفعل الصالح الذي أريده بل الشر الذي لست أريده فإياه أفعل". وأخيراً صرخ يقول: "ويحي أنا الإنسان الشقي". وطبعاً هذا الصراع يجعل الإنسان شقياً تعيساً. ثم تساءل قائلاً: "من ينقذني من جسد هذا الموت؟" فكان الجواب: "أشكر الله بيسوع المسيح ربنا" لماذا؟ لأن المسيح هو الجواب، والإنجيل هو الحل الوحيد لكل جيل.

بعد انفصال الإنسان عن نفسه نأتي إلى انفصال الإنسان عن أخيه الإنسان. فهذا أيضاً من ذيول الخطية. وإلا فلماذا الصراع بين الزوجين؟ لماذا ثغرة الجيل بين الوالدين والأولاد؟ لماذا الطلاق والفراق؟ لماذا الكراهية والخصومات بين الإخوة وبين الأخوات؟ لماذا المشاكل الاجتماعية والجرائم والسرقات والاعتداءات على الناس وأعراضهم؟ لماذا حمل الأسلحة والاقتتال والحروب؟ لماذا تقوم أمة على أمة ومملكة على مملكة؟ والجواب هو أن الخطية أحدثت هوة سحيقة بين الإنسان وأخيه.فآدم يضع اللوم في ما حدث على الله وعلى حواء، إذ حين سأله الله: "من أعلمك أنك عريان؟ هل أكلت من الشجرة التي أوصيتك أن لا تأكل منها؟" فأجاب آدم: "المرأة التي جعلتها معي هي أعطتني من الشجرة فأكلت". وحواء فعلت الشيء عينَه إذ أنْحَتْ باللائمة على الحية... فقال الرب للمرأة: "تكثيراً أكثّر أتعاب حبلك. بالوجع تلدين أولاداً. وإلى رجلك يكون اشتياقك وهو يسود عليك". وماذا قصد الرب بعبارة "إلى رجلك يكون اشتياقك وهو يسود عليك؟" طبعاً إن الله لا يتكلم عن الشوق الناتج عن محبة الزوجة لزوجها بل يتكلم عن شوق المرأة للسيطرة على الرجل. وبالمقابل قال الله لحواء: "هو يسود عليك" أي إن الرجل يحاول قمع هذه المحاولات لكي يبقى هو الرأس وهذا واضح ليس في البيت فقط بل أيضاً في الحركات النسائية في المجتمع. والنتيجة دائماً هي شجار وعراك وصياح، الأمر الذي يوسّع الهوة بين الطرفين في البيت وخارجه.

والخطية التي أحدثت ثغرة بين آدم وامرأته هي نفسها أحدثت عداوة بين قايين ابنهما البكر وهابيل أخيه، فقام عليه وقتله وصار المجرم الأول في تاريخ البشرية في حين صار أخوه أول شهيد للإيمان.

وبالإضافة إلى ما فعلته الخطية في البيت والمجتمع، فقد فصلت أيضاً بين الإنسان والطبيعة المحيطة به. فقد كان آدم يتمتع بما لذّ وطاب من الثمار، ويشرب ماء عذباً صافياً من الأنهار، ويستأنس بمنظر البهائم والأطيار، بل هو الذي أطلق سماءً على البهائم والأطيار. أما الآن- وقد سقط الإنسان- فقد لعن الله الحية ولعن الأرض بسبب الخطية، وقال لآدم: "شوكاً وحسكاً تنبت لك"، ولقايين قال: "ملعون أنت من الأرض... متى عملت الأرض لا تعود تعطيك قوتها". ومنذ ذلك الحين يصارع الإنسان ضد عوامل الطبيعة والزلازل والبراكين والآفات الزراعية والوحوش وسواها لكي يعيش ولا يموت من البرد أو الحر أو المرض أو الجوع أو الوحوش.

أخي القارئ، إلى هنا كان الكلام عن الموت الروحي الذي هو نقطة الانطلاق في الموت الأبدي الذي سيدور عليه الحديث لاحقاً. يهمني أن أقول الآن، إن الموت الروحي له علاج؛ وعلاجه هو المسيح. وقبول العلاج يجب أن يتم في الدنيا لا في الآخرة. فإذا فاتت الفرصة فاتت إلى الأبد. فالمسيح جاء خصيصاً لكي ينقذنا من ذلك المصير القاتم ومن الخطية التي هي علة العلل. وهو يدعوك الآن لكي تأتي إليه قائلاً: "من يقبل إليّ لا أخرجه خارجاً". هل تتوب وتثوب وتؤوب إلى الرب من كل القلب؟ لا داعي لأن تستمر في حالة الموت الروحي والمسيح مات لكي يحييك.

لما قال يسوع في الإصحاح العاشر من إنجيل متى: "لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد... بل خافوا بالحري من الذي يقدر أن يهلك النفس والجسد كليهما في جهنم" كان الرب يقصد أن يقول لنا أن نخاف الله لا الناس. فالناس يقدرون أن يميتوا الجسد أما الله فيقدر أن يهلك الجسد والنفس معاً في جهنم. من جهة أخرى، قصد الرب أن يعلمنا أن هلاك الجسد بالموت لا يقاس بالنسبة لهلاك النفس والجسد في الجحيم.

يخبرنا الكتاب المقدس أن النفس تبدأ تتعذب في اللحظة التي ينطفئ فيها سراج الحياة. ونقصد هنا طبعاً نفس الإنسان الذي يموت في حال الخطية بدون إيمان بالمسيح وبدون توبة قلبية حقيقية عن الخطية. وخير مثل على هذا هو ما قاله الرب في الإصحاح السادس عشر من إنجيل لوقا عن الغني الذي عاش لدنياه لا لآخرته. قال يسوع: "مات الغني ودُفن؛ فرفع عينيه في الهاوية في العذاب". وهناك أخذ ينادي إبراهيم قائلاً: "ارحمني وأرسل لعازر ليبلّ طرف إصبعه بماء ويبرّد لساني لأني معذّب في هذا اللهيب".

هذا بالنسبة لعذاب النفس في الهاوية، وهو- رغم فظاعته- عذاب غير مكتمل. فالعذاب لا يكتمل إلا بعد القيامة عندما تلبس الأرواح الأجساد وتمثل أمام الله للدينونة. بعد الدينونة مباشرة لا يبقى العذابُ عذابَ النفس فقط بل يصير عذاباً مزدوجاً يشمل كامل الإنسان روحاً وجسداً. والحق يُقال إن يوم الدين مرهب ومخيف جداً، لأنه يوم الغضب، والله نار آكلة. يقول الرسول بولس مخاطباً الذين قسّوا قلوبهم ورفضوا التوبة مستهينين بلطف الله وإمهاله، قائلاً: "من أجل قساوتك وقلبك غير التائب تذخر لنفسك غضباً في يوم الغضب واستعلان دينونة الله العادلة". وفي سفر الرؤيا الإصحاح العشرين يقدّم لنا يوحنا الرائي مشهداً موجزاً عن الدينونة، فيقول في العدد الحادي عشر: "ثم رأيت عرشاً عظيماً أبيض والجالس عليه الذي من وجهه هربت الأرض والسماء... ورأيت الأموات صغاراً وكباراً واقفين أمام الله وانفتحت أسفار.... ودين الأموات مما هو مكتوب في الأسفار حسب أعمالهم. وسلّم البحر الأموات الذين فيه وسلّم الموت والهاوية الأموات الذين فيهما ودينوا كل واحد بحسب أعماله. وطرح الموت والهاوية في بحيرة النار. هذا هو الموت الثاني (أي الانفصال الأبدي عن الله). وكل من لم يوجد مكتوباً في سفر الحياة طُرح في بحيرة النار".

بعض الناس لا يصدق بوجود شيء اسمه جهنم. وبعضهم يستخف بالفكرة ويسخر منها، قائلاً: "جهنم على الأرض، والفقير هو الذي يعاني من عذابها" ولكني أؤكّد لكم أيها السامعون أن هؤلاء متى وصلوا إلى هناك فسيتحولون إلى مؤمنين بحقيقة جهنم ولكن بعد فوات الفرصة. وحبذا لو أنهم يؤمنون بها منذ الآن.

سؤال: ألا يقدر الذي صنع الشمس الملتهبة والبراكين المحرقة أن يصنع مكاناً اسمه الجحيم؟ منذ مدة نشرت وسائل الأعلام خبراً مفاده أن مدينة في ولاية بنسلفانيا الأميركية اسمها ترانسلفانيا تقوم على أتون نار في بطن الأرض يرسل دخاناً باستمرار. وقد مضى على هذا الوضع أكثر من عشرين سنة مما اضطرّ الحكومة أن تشتري المنطقة كلها لكي تتمكن من تدمير البيوت وحفر الأرض بحيث تتمكن من الوصول إلى النار وإطفائها. وأنا شاهدت المنظر بنفسي على التلفزيون.

مرة أخرى أسأل: ألا يقدر الله أن يصنع مكاناً يبقى مضطرماً مشتعلاً إلى أبد الآبدين؟ الكتاب المقدس يقول نعم. ولكنه يقول أيضاً إن الله أعدّ النار الأبدية لإبليس وملائكته. أما الأشرار فيذهبون إلى هناك لأنهم اختاروا الخطية والشيطان ورفضوا نعمة الله المخلّصة بالمسيح يسوع. ولذلك سيسمعون صوت الرب قائلاً: "اذهبوا عنّي يا ملاعين إلى النار الأبدية المعدّة لإبليس وملائكته". ومن يذهب إلى الجحيم يجد على الباب عبارة "أيها الداخلون اقطعوا الرجاء".

والسؤال الآن هو: من هو القاضي الديّان؟ يجيب يسوع في الإصحاح الخامس والعشرين من إنجيل متى قائلاً: "متى جاء ابن الإنسان في مجده وجميع الملائكة القديسين معه فحينئذ يجلس على كرسي مجده. ويجتمع أمامه جميع الشعوب..." إذاً القاضي هو الفادي. ومعنى هذا أن الحمل سيكون أسداً زائراً في ذلك اليوم العظيم الغضوب. وكل خاطئ سيقف أمامه للدينونة.

غير أن هذا لا يعني أن غضب الله مقصور أو محصور في الأبدية. ففي الإصحاح السادس من سفر الرؤيا، يقدّم لنا يوحنا الحبيب صورة جلية عن غضب الله الذي سوف ينصبّ على العالم في زمن الضيقة العظيمة التي قال يسوع لم يكن مثلها منذ ابتداء الكون. يقول يوحنا: "ونظرت لما فتح الختم السادس وإذا بزلزلة عظيمة حدثت والشمس صارت سوداء كمسيح من شعر والقمر صار كالدم ونجوم السماء سقطت إلى الأرض كما تطرح شجرة التين سقاطها إلى الأرض إذا هزتها ريح عظيمة. والسماء انفلقت كدرج ملتف، وكل جبل وجزيرة تزحزحا من موضعهما. وملوك الأرض والعظماء والأغنياء والأمراء والأقوياء. وكل عبد وكل حر أخفوا أنفسهم في المغاير وصخور الجبال. وهم يقولون للجبال والصخور اسقطي علينا واخفينا عن وجه الجالس على العرش وعن غضب الخروف لأنه قد جاء يوم غضبه العظيم ومن يستطيع الوقوف".

أخي القارئ، هذا وصف لغضب الله على الأرض وليس في الأبدية. وهذا يعني أن الدينونة الأبدية ستكون أشد وأدهى، فضلاً عن أن الحكم هناك غير قابل للاستئناف أو التمييز. والله إذا قال فعل.

هل فهمت الآن ما يقصده الكتاب المقدس بالموت الأبدي؟ إني أحذّرك وأنصحك أن لا تغامر ولا تقامر بنفسك. قال يسوع: "ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه؟" وفي الإصحاح الثاني والثلاثين من سفر التثنية نقرأ العبارة التالية: "لو عقلوا لفطنوا بهذه وتأملوا آخرتهم". وإني أصلّي أن يمنحك الله الحكمة والفطنة لكي تفكر بآخرتك ومصيرك. يسوع مات لكي لا تموت. انفصل عن الآب على الصليب لكي لا تذوق الانفصال الأبدي. قَبِلَ العذاب لكي لا تتعذب. أحبك وبذل نفسه لأجلك. فهل تبادله حباً بحب؟ وهل تكرس حياتك له؟ قل له ارحمني أنا الخاطئ تنل الخلاص فوراً.

  • عدد الزيارات: 4942