Skip to main content

الفصل الثاني: الخطية ودخولها

القراءة من الكتاب المقدس:

"وكان إليَّ كلام الرب قائلاً: يا ابن آدم ارفع مرثاةً على ملك صور وقل له: هكذا قال السيّد الرب، أنت خاتم الكمال ملآن حكمة وكامل الجمال. كنت في عدن جنة الله، كلُّ حجر كريم ستارتك... أنت الكروب المنبسط المظلَّل وأقمتك. على جبل الله المقدس كنت. بين حجارة النار تمشّيت. أنت كاملٌ في طرقك من يوم خُلقت حتى وجد فيك إثم" (حزقيال 28: 11- 15).

"كيف سقطت من السماء يا زهرة بنت الصبح. كيف قطعت إلى الأرض يا قاهر الأمم. وأنت قلت في قلبك اصعد إلى السماوات، أرفع كرسيّ فوق كواكب الله وأجلس على جبل الاجتماع في أقاصي الشمال. أصعد فوق مرتفعات السحاب أصير مثل العلي. لكنك انحدرت إلى الهاوية إلى أسافل الجب. الذين يرونك يتطلعون إليك، يتأملون فيك: أهذا هو الرجل الذي زلزل الأرض وزعزع الممالك؟ (إشعياء14: 12- 16).

بعد أن تكلمت عن الخطية ومدلولها آتي الآن إلى الفكرة الثانية "الخطية ودخولها". فمن أين جاء الشر وكيف دخلت الخطية إلى عالمنا التعيس هذا؟

قبل الإجابة عن هذا السؤال أريد أن أؤكّد على الأمور الآتية: أولاً، إن الشر حقيقة وليس وهماً أو من نسج الخيال كما زعم بعضهم، لأنه مكتوب "إن قلنا إنه ليس لنا خطية تضل أنفسنا..." ثانياً، إن الشر ليس أزلياً ولا هو نابع من عند الله. فالله نور وليس فيه ظلمة البتة، على حد قول يوحنا الحبيب. ثالثاً، الشر ليس سببه محدودية الإنسان. رابعاً، ليس ناتجاً من الشهوة الجنسية. خامساً (وهنا الجواب) الشر نشأ وبدأ في رأس الشيطان وقلبه قبل خلق الإنسان بمدة لا يعلمها إلا الله، وبعد ذلك انتقل إلى الإنسان. تفاصيل سقوط إبليس نجدها في نبوتي إشعياء وحزقيال في العهد القديم وفي رسالتي بطرس الثانية ويهوذا في العهد الجديد.

يخبرنا الإصحاح الثامن والعشرون من سفر حزقيال أن إبليس كان أصلاً واحداً من رؤساء الملائكة المعروفين بالكروبيم. وقد وصفه بأنه "كروب منبسط مظلّل" وأنه كان كاملاً وجميلاً لدرجة أن الرب أمر حزقيال أن يقول له: "أنت خاتم الكمال... وكامل الجمال... أنت كامل في طرقك من يوم خُلقْتَ حتى... (حتى ماذا؟) حتى وُجد فيك إثم..." والإثم، كما ذكرت سابقاً هو الخطية التي تنشأ في الفكر ثم توضع موضع التنفيذ. إنها الخطية عن سابق تصور وتصميم. لذلك قال له الله: "سأطرحك إلى الأرض..." لأنك "قد نجست مقادسك بكثرة آثامك".

أما إشعياء فيقول في الإصحاح الرابع عشر من نبوّته إن الفكر الشرير الذي خطر ببال إبليس وأدى إلى سقوطه هو فكر التعالي والكبرياء واختلاس مركز الألوهة، ولهذا يقول له الله: "كيف سقطت من السماء يا زهرة بنت الصبح (أي لوسيفورس)؟ كيف قطعت إلى الأرض يا قاهر الأمم؟ وأنت قلت في قلبك: أصعد إلى السموات أرفع كرسيّ فوق كواكب الله... أصعد فوق مرتفعات السحاب... أصير مثل العلي". نعم إبليس أراد أن يصير مثل العلي (لا تنسَ هذه الفكرة)، ولكنه انحدر إلى الهاوية إلى أسافل الجب. وفي العهد الجديد يشير بطرس ويهوذا إلى "الملائكة الذين يحفظوا رئاستهم بل تركوا مسكنهم" وكانت النتيجة أن الله "طرحهم مقيدين بسلاسل أبدية تحت الظلام". مما يدل بوضوح على أن إبليس لم يسقط منفرداً بل سقط مع فرقته الملائكة الذين تحت إمرته.

أنتقل الآن إلى المرحلة الثانية من قصة الشر والخطية. يخبرنا موسى في التكوين أن الله خلق الإنسان مميزاً إياه عن سائر المخلوقات، فقد جبله من تراب الأرض، ونفخ فيه نسمة حياة فصار آدم نفساً حية. وبعد ذلك صنع له الله شريكة لحياته من إحدى أضلاعه القريبة من قلبه، وأسكن كليهما في بقعة تتميّز بالجمال والكمال هي جنة عدن- تلك الجنة التي وفّر الله لهما فيها كل ما يشبعهما ويملآ فراغهما، بالإضافة إلى الشركة بينه وبينهما.

نعم الإنسان تاج مخلوقات الله وقد خُلق على صورة الله، بمعنى أن الله وهبه عقلاً يفكّر حسب فكر الله، وقلباً يحب حسب قلب الله، وإرادة تتصرّف في ضوء إرادة الله. بكلمة أخرى، إن الله لم يخلق إنساناً آلياً ولا حاسباً مبرمجاً غير مسؤول عن أعماله، بل خلق الله الإنسان معطياً إياه القدرة على الاختيار الحر المسؤول.

في الوقت نفسه نقرأ في سفر التكوين أن الله وضع في الجنة شجرتين هما شجرة الحياة وشجرة معرفة الخير والشر. وقد شاء، له المجد، أن يمتحن الإنسان ويضع حريته موضع الاختبار، فقال له ما معناه: اسمع يا آدم. لقد وهبتك عقلاً وعاطفة وإرادة، ووهبتك أيضاً كل أشجار الجنة ما عدا واحدة هي شجرة معرفة الخير والشر "فلا تأكل منها، لأنك يوم تأكل منها موتاً تموت".

وهنا تدخّل الشيطان، لأن الفكرة التي لعبت في رأسه وأدت إلى سقوطه لم تفارقه، فهو أراد أن يصير مثل الله وفشل، فلماذا لا يزرع الفكرة نفسها في رأس الإنسان؟ وهنا جاء إلى المرأة مستفرداً إياها وقال لها: "لن تومتا. بل الله عالم أنه يوم تأكلا منها تصيران مثل الله..." وهو يقصد ضمناً أن يشكّك المرأة في محبة الله وسموّ مقاصده، وكأنه يقول لها: لو كان الله يحبكما بحق لما كان يحرمكما من مساواته في المعرفة. وكانت النتيجة كما يقول الرسول بولس في العهد الجديد: "إن الحية خدعت حواء" وأوقعتها في فخ الإغراء والإغواء فحصلت في التعدي. وهكذا أكلت من الثمرة وأعطت رجلها فأكل معها. ومن تلك اللحظة بدأت المأساة البشرية وظهرت الخطية على حقيقتها. ولغاية اليوم ما زلنا نحصد نتيجة تلك السقطة.

يقول الرسول يوحنا في الإصحاح الثاني من رسالته الأولى: "كل ما في العالم شهوة الجسد وشهوة العيون وتعظم المعيشة"، وهذه هي الأشياء الثلاثة التي أدت إلى السقوط في الخطية. فإن حواء رأت أن الشجرة جيدة للأكل فانفتحت شهيتها، وإنها بهجة للعيون فتاقت إلى الحصول عليها، وإنها شهية للبصر والبصيرة فظنت أنها ستصير حكيمة تعرف الخير والشر، ولكن فألها خاب.

من هنا نرى أن الخطية ليست أصيلة بل دخيلة. إنها جسم غريب دخل إلى حياة الإنسان بإيعاز من الشيطان. ولهذا لما تجسّد المسيح، كلمة الله، أخذ من مريم العذراء جسداً كجسد آدم قبل السقوط- جسداً خالياً من الخطية. ولما جاءه المجرّب ظن أنه سيُفلح مع آدم الأخير كما أفلح مع آدم الأول. ولكن لا. فالمسيح أوقع به هزيمة نكراء، وكانت الهزيمة النهائية في معركة الصليب- وبهزيمة الشيطان هُزمت الخطية- لأن حمل الله مات لكي يرفع خطية العالم، "ولكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية".

هل تعلم يا عزيزي أن الله بحكمته السامية جعل الخطوات التي أدت إلى سقوط الإنسان وسيلة لخلاص الإنسان؟ فالمرأة سقطت عندما نظرت فأكلت فأعطت. وخلاص الإنسان هو بالنظر إلى الرب يسوع وبالتلذذ والاعتراف به. فهو القائل: "التفتوا إليّ واخلصوا يا جميع أقاصي الأرض". وهو القائل أيضاً: "أنا هو الخبز الذي نزل من السماء... لكي يأكل منه الإنسان ولا يموت". يا ليتك تقول عن اختبار: "ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب" غير أن هذا الاختبار لا يحصل لك بالعاطفة والطائفة والفلسفة بل كما يقول بولس في الإصحاح العاشر من رسالة رومية: "إن اعترفت بفمك بالرب يسوع وآمنت بقلبك أن الله أقامه من الأموات خلَصْتَ. لأن القلب يُؤْمَن به للبرّ والفم يُعترف به للخلاص".

  • عدد الزيارات: 3941