Skip to main content

الفصل الأول: الخطية ومدلولها

القراءة من الكتاب المقدس:

"وكانت الحية أحيل جميع حيوانات البرّية التي عملها الرب الإله. فقالت للمرأة: أحقاً قال الله لا تأكلا من كل شجر الجنة؟ فقالت المرأة للحيّة: من ثمر شجر الجنّة تأكل، وأما ثمر الشجرة التي في وسط الجنّة فقال الله لا تأكلا منه ولا تمسّاه لئلا تموتا. فقالت الحيّة للمرأة: لن تموتا. بل الله عالم أنه يوم تأكلان منه تنفتح أعينكما وتكونان كالله عارفَيْنِ الخير والشر. فرأت المرأة أن الشجرة جيّدة للأكل وأنها بهجة للعيون وأن الشجرة شهية للنظر. فأخذت من ثمرها وأكلت وأعطت رجلها أيضاً معها فأكل. فانفتحت أعينهما وعلما أنهما عريانان. فخاطا أوراق تين وصنعا لأنفسهما مآزر" (تكوين3: 1- 7).

"كل من يفعل الخطية يفعل التعدّي أيضاً. والخطية هي التعديّ. وتعلمون أن ذاك أُظهر لكي يرفع خطايانا وليس فيه خطية. كل من يثبت فيه لا يخطئ. كل من يخطئ لم يبصره ولا عرفه" (1يوحنا3: 4- 6).

"لأن الخطية وهي متخذة فرصة بالوصية خدعتني بها وقتلتني. إذاً الناموس مقدس والوصية مقدسة وعادلة وصالحة. فهل صار لي الصالح موتاً؟ حاشا بل الخطية، لكي تظهر خطيةً منشئةً لي بالصالح موتاً لكي تصير الخطية خاطئة جداً بالوصية" (رومية7: 11- 13).

"لماذا ارتجّت الأمم وتفكّر الشعوب في الباطل؟ قام ملوك الأرض وتآمر الرؤساء معاً على الرب وعلى مسيحه قائلين: لنقطع قيودهما ولنطرح عنّا ربطهما. الساكن في السموات يضحك. الرب يستهزئ بهم. حينئذ يتكلم عليهم بغضبه ويرجفهم بغيظه" (مزمور2: 1- 6).

من دون لف أو دوران، اسمح لي أن أصارحك بأن عالمنا مريض ومرضه خطِرٌ للغاية. ومع أن الأطباء كثيرون حسب الظاهر فإن تشخيص المرض هو في معظم الحالات إمّا مغلوط وإمّا غير دقيق. مع العلم أن تشخيص الداء إذا صح هو نصف العلاج. فبعضهم يقول إنّ العلّة سياسية، وبعضهم إنها اقتصادية، وبعضهم الآخر إنها اجتماعية أو علمية أو طائفية أو أخلاقية، في حين أن العلة هي في أساسها روحية أدبية. بكلمة أخرى العلة هي الخطية التي وصفها بولس بأنها خاطئة جداً. والخطية هي الموضوع الذي سيدور حوله البحث في هذا الكتيّب الذي بين يديك.

سأتناول الموضوع تحت العناوين التالية:

أولاً، الخطية ومدلولها

ثانياً، الخطيّة ودخولها

ثالثاً، الخطيّة وشمولها

رابعاً، الخطيّة وذيولها

خامساً، الخطيّة وحلولها

أبدأ أولاً بالخطيّة ومدلولها.

والحق يُقال إنّ لها مدلولات عدة: فهي تُشير قبل كل شيء إلى عدم الإيمان. ففي الحوار الذي دار بين الحيّة وحواء في جنّة عدن نجد أنّ الشيطان ينصب فخاً محكماً لأمِّنا الأولى، وإذا بها تسقط في الشك وعدم الإيمان. فقد شككها العدو بثلاثة أمور: أولاً بكلام الله، ثانياً بعقاب الله، وثالثاً بمحبة الله. ففي البداية قال لها "أحقاً قال الله؟" وبعد ذلك قال "لا لن تموتا" وختم قائلاً: "إن الله عالم أنه يوم تأكلان منه تنفتح أعينكما وتكونان كالله عارفين الخير والشر".

والشيطان لم يتغير. فهو ما زال يشكك الناس بصحة الكتاب وبصرامة العقاب وبصلاح الآب. والناس ما زالوا يقعون في فخ عدم الإيمان. "وكل ما ليس من الإيمان فهو خطيّة"، لأن عدم الإيمان هو عدم الثقة بالله، وعدم الثقة بالله هو أكبر إهانة لله، وإهانة الله هي الخطيّة لأن الخطية هي ضد الله قبل أن تكون ضد أي شيء أو شخص آخر.

قال الرب يسوع في الإصحاح السادس عشر من إنجيل يوحنا: "متى جاء ذاك (أي الروح القدس) يبكت العالم على خطيّة وعلى بر دينونة. أما على خطيّة فلأنهم لا يؤمنون بي". فالخطيّة هي عدم الإيمان بالرب. وقد أكدّ يسوع على الحقيقة ذاتها في حديثه لمضطهديه قائلاً: "إن لم تؤمنوا أني أنا هو تموتون في خطاياكم". وبناءً عليه نقول إن الإيمان هو الخطوة الأولى من جانب الإنسان في الاتجاه الصحيح. فهل أنت مؤمن بما يقوله الكتاب: "بدون إيمان لا يمكن إرضاء الله". والإيمان هو الائتمان. أي أننا نأتمن الرب على نفوسنا وأجسادنا ونستودعه إياها. ومتى فعلنا نلنا منه الحياة والغفران والخلاص الأبدي. وهكذا يطهر القلب ويصير صالحاً لسكنى الروح القدس فيه.

المدلول الثاني للخطيّة هو التعدي. يقول الرسول يوحنا في الإصحاح الثالث من رسالته الأولى: "كل من يفعل الخطيّة يفعل التعدي أيضاً. والخطيّة هي التعدي" والتعدي هنا هو كسر وصايا الله والخروج من الحدود المرسومة لنا. ففي المقطع الذي ورد في مستهل كلامي رأينا بوضوح عما فعلته حواء بكامل وعيها وإرادتها وكيف كسرت وصيّة الرب القائلة: "يوم تأكلان منه موتاً تموتا.." وكان أنها أخذت من الثمر وأكلت وأعطت رجلها أيضاً معها فأكل... فسقطت وكان سقوطها مريعاً. يقول الرسول بولس في الإصحاح الثاني من رسالة تيموثاوس الأولى أن حواء "أغويت فحصلت في التعدي". في بلاد الغرب كثيراً ما تقع عيوننا على لوحات أو لافتات معلقة عند سياجات الأملاك الخاصة أو أملاك الدولة مكتوب عليها "لا تتعدّى" أو "ابقَ بعيداً". ويُقصد بها تنبيه المارة إلى أن تجاوز الحدود المرسومة هو تعدٍّ على أملاك الغير. والمتعدي يطاله القانون. هكذا هو الحال معنا. فعندما نخطئ نحن نكسر شريعة الله ونتجاوز حدودنا فنقع تحت طائلة قانون السماء والعدالة الإلهيّة.

طبعاً الإنسان يكره الحدود والقيود، ويظن أن الحرية هي الإباحيّة، أي أن كل شيء مباح له، وأنه حر أن يفعل ما يشاء حتى على حساب الله والغير. ولكن هذا مفهوم خاطئ مبني على الأنانيّة وحب الذات. فمن منا يرضى بالتعدّي على أملاكه أو حقوقه أو حدوده؟ قال الرب يسوع: "كل ما تريدون أن يفعل الناس بكم افعلوا هكذا أنتم أيضاً بهم" (متى7: 12).

فالحدود التي رسمها لنا الله، والوصايا التي أوصانا بها إنما هي لخيرنا في الدنيا والآخرة، إن كنا نراعيها ونعمل بها. لماذا نقبل بالقيود والقوانين التي تفرضها علينا الدولة ولا نقبل بقوانين الله والحدود التي يضعها لنا؟ فكما أن قوانين السير هي للمحافظة على أرواح الناس، هكذا قوانين الله. فالدولة تحاول أن تحفظنا من الموت الجسدي أما الله فيحفظنا من الموت الأبدي. وشتّان ما بين الأبدي والجسدي!

إذاً يا عزيزي كلما أخطأت كسرت قوانين الله، ومن يكسر نواميس الله يُكسر، ويُخطئ الهدف الذي وُجد من أجله في هذه الدنيا. فالله قد خلقنا لمجده والتلذذ بالشركة معه أو كما قال أغسطينوس: "أن الله خلقنا لنفسه، وقلوبنا لا تجد راحة إلاّ فيه، لا شيء يحيد بنا عن هذا الهدف إلاّ الخطيّة. والخطيّة هي تعدٍ وتحدٍ له. وأنت لا تستطيع أن تتحدّى الله، لأنك إن فعلت تكون كناطح صخرة وكمن يرفس مناخس".

المدلول الثالث، هو الإثم، يقول الرسول يوحنا في العدد السابع عشر من الإصحاح الخامس من رسالته الأولى: "كل إثم هو خطية". والإثم ليس مجرد عصيان لكلمة الله بل هو تمرّد وثورة على شخصه. والأثيم هو كالمراهق الذي لا يرفض سلطة أبوية فقط بل يتحداها ويتطاول عليهما عن سابق تصور وتصميم. فالإثم هو ثورة تبدأ في الفكر قبل أن تُترجم إلى عمل. ومن أوضح الصور لهذه النقطة هو ما ورد في المزمور الثاني حيث يقول داود: "لماذا ارتجت الأمم وتفكّر الشعوب في الباطل. قام ملوك الأرض وتآمر الرؤساء معاً على الرب وعلى مسيحه قائلين: "لنقطع قيودنا ولنطرح عنا ربطهما". وفي العدد الرابع نقرأ: "الساكن في السموات يضحك. الرب يستهزئ بهم". لماذا؟ لأنّ "فكر الحماقة خطية" على حد قول سليمان في سفر الأمثال.

لكي تفهم هذه النقطة جيداً ارجع بفكرك إلى قايين وأبشالوم والكتبة والفريسيين، وعندئذ تعرف لماذا قتل قايين أخاه وثار أبشالوم على أبيه ولماذا فضح المسيح الكتبة والفريسيين قائلاً لهم: "لماذا تفكّرون بالشر في قلوبكم؟"

فالإثم يكون فكراً ثم ينمو فيصير عملاً. بكلمة أخرى، الإثم هو نواة الخطية. ولذلك نقرأ في المزامير أن الشرير "يتفكر بالإثم على مضجعه" وأن الله "يراقب الأثام" ويبغضها لأنها ضد قداسته من جهة، وضدنا نحن من جهة أخرى. "فالزارع إثماً يحصد بلية". وقد قال داود في المزمور السادس والستين: "إن راعيت إثماً في قلبي لا يستمع لي الرب". ويقول إشعياء: "إن آثامكم صارت فاصلة بينكم وبين إلهكم حتى حجبت وجهه عنكم". ولهذا فهو يدعونا إلى الاعتراف بآثامنا والانصراف عن آثامنا: "ليترك الشرير طريقه ورجل الإثم أفكاره وليتب إلى الرب فيرحمه وإلى إلهنا لأنه يكثر الغفران". ويقول يوحنا الحبيب في الإصحاح الأول من رسالته الأولى: "إن اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل حتى يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل إثم". وكل ذلك إكراماً للمسيح الذي "وضع عليه الآب إثم جميعنا" يوم مات عنا على الصليب. إن كنا لا نتوب ولا نعترف بآثامنا لا سمح الله فسنسمع في يوم الدين حكمه القائل: "اذهبوا عني يا فاعلي الإثم".

المدلول الرابع للخطية هو الإهمال أو عدم العمل. فهناك خطايا نرتكبها بالأفعال وخطايا نرتكبها بالإهمال. خطايا الأفعال هي التي نكسر بها وصايا الله الصريحة كما فعل آدم وحواء. قال لهما الله لا تأكلا .... فأكلا.... و "من يفعل الخطية هو عبد للخطية" قال يسوع.

أما خطية الإهمال فهي كالتي تكلم عنها يعقوب في الإصحاح الرابع من رسالته حيث يقول: "من يعرف أن يعمل حسناً ولا يعمل فذلك خطية له" أو كما قال موسى في نبوته عن المسيح: "كل نفس لا تسمع لذلك النبي تباد من الشعب" أو كما قال الله لحزقيال النبي: "إن لم تتكلم لتحذّر الشرير من طريقه، فذلك الشرير يموت بذنبه أما دمه فمن يدك أطلبه". نلاحظ هنا أن خطية الإهمال هي عدم فعل ما يجب فعله سواء باليد أو بالأذن أو بالفم أو بأية وسيلة أخرى. قال يسوع في مثل الأب وابنيه أن الأب قال لابنه الأول: "يا ابني اذهب اليوم واعمل في كرمي" فأجاب وقال: "لا أريد" ولكنه ندم أخيراً ومضى. ثم جاء الأب إلى الثاني وقال له القول عينه، فأجاب وقال: "ها أنا يا سيد. ولكنه لم يمضِ" أي أنه أهمل العمل بأمر أبيه، في حين أن أخاه ندم وعمل إرادة الأب.

نعم خطايا الإهمال كثيرة. ففي وسع المرء أن يهمل التوبة. قال يسوع في الإصحاح الثالث عشر من إنجيل لوقا: "إن لم تتوبوا فجميعكم كذلك تهلكون". وفي وسع المرء أن يهمل الإيمان. قال إشعياء: "إن لم تؤمنوا فلا تأمنوا" وقال يسوع: "من لم يؤمن يُدَنْ" ومن يهمل التوبة والإيمان يهمل خلاصه ويخسر نفسه. فكيف ننجو نحن إن أهملنا خلاصاً عظيماً بهذا المقدار؟

خامساً وأخيراً يتحدث الكتاب المقدس عن الخطية بلغة العصيان. يقول بولس في الإصحاح الخامس من رسالته إلى كنيسة رومية ما يلي: "كما بمعصية الإنسان الواحد (أي آدم) جُعل الكثيرون خطاة هكذا أيضاً بإطاعة الواحد (أي المسيح) سيُجعل الكثيرون أبراراً" وفي الإصحاح الثاني من رسالته إلى مؤمني أفسس، يخبرنا الرسول نفسُه أن الشيطان هو "الروح الذي يعمل الآن في أبناء المعصية" لماذا؟ لأن إبليس نفسه عاصٍ وهو الذي أوقع الإنسان في العصيان، وأبناء العصيان هم أبناء الغضب إذا استمروا في عصيانهم. ألا يخبرنا الكتاب المقدس عن الشعب الذي خرج من مصر إلى الأرض التي وعدهم بها الرب أنهم "لم يدخلوا لسبب العصيان" أمّا إذا تاب المرء عن عصيانه قائلاً مع داود "حسب كثرة رأفتك امحُ معاصيّ" فإنه ينال الصفح والمغفرة إكراماً للمسيح "المجروح لأجل معاصينا... المسحوق لأجل آثامنا" ومتى نلنا الخلاص والغفران صرنا من أولاد الطاعة. وما هو واجبنا كأولاد الطاعة؟ يجيب بطرس قائلاً في الإصحاح الأول من رسالته الأولى: "كأولاد الطاعة لا تشاكلوا شهواتكم السابقة في جهالتكم، بل نظير القدوس الذي دعاكم كونوا أنتم أيضاً قديسين في كل سيرة".

أختم هذا الفصل بكلمة تذكير وتحذير. أذكِّرك بأن خطيتك وخطيتي هي التي صلبت المسيح، وأحذِّرك من الابتسام في وجه الخطية أو كتمانها لأنْ "من يكتم خطاياه لا ينجح ومن يقرّ بها ويتركها يُرحم".

  • عدد الزيارات: 4561