Skip to main content

واجبنا بعد الهرب من الأهواء

إن الهرب من الأهواء، وإن كان يحفظنا من السقوط في الخطيئة، إلا أننا إذا وقفنا عنده، فقد تلحق بنا الشهوات، أو نضعف نحن ونميل إليها. فعلينا إذاً أن لا نكتفي بالهرب منها، بل أن نقوم أيضاً ببعض الأعمال النافعة لنحفظ قلوبنا وأفكارنا في حصن حصين من هذه الشهوات، كما ذكرنا فيما سلف.

ولذلك إذا رجعنا إلى الكتاب المقدس، نرى أنه بعد ما قال: "أما الشهوات الشبابية فاهرب منها"، قال: "واتبع البر والإيمان والمحبة والسلام، مع الذين يدعون الرب من قلب نقي" (2 تيموثاوس 2: 22) – مما تجدر ملاحظته في هذه الآية أنها توصينا بالهرب من الشهوات، قبل القيام بالأعمال الروحية المذكورة. وهذا ما يتفق مع الاختبار العملي كل الاتفاق. لأننا نعلم بالاختبار أنه لا يتسنى لنا القيام بهذه الأعمال بالحالة التي ترضي الله وتمجده، إلا إذا كانت قلوبنا خالية من الأهواء والشهوات خلواً تاماً. وللفائدة نتكلم عن كل عمل من الأعمال المذكورة، على قدر ما يتسع المجال:

أولاً – البر

البر الذي يطلب الكتاب المقدس أن يتوافر لدينا نوعان: الأول هو البر الشرعي أو الاكتسابي، وهو البر الذي نناله من الله "بالتوبة الصادقة عن الخطيئة، والإيمان الحقيقي بالمسيح"، وذلك بناء على كفاية كفارته له المجد لإيفاء مطالب عدالة الله عوضاً عنا[1]. وهذا البر هو الذي يمنحنا امتياز القبول أمامه تعالى إلى الأبد. وقد أشار الرسول إليه في قوله "متبررين[2] مجاناً بنعمته بالفداء الذي بيسوع المسيح" (رومية 3: 25- 28). وقوله "وأما الآن فقد ظهر بر الله[3] بالإيمان بيسوع المسيح، إلى كل وعلى كل الذين يؤمنون[4]" (رومية 3: 21-22). وقوله: "وأما الذي لا يعمل[5]، ولكن يؤمن بالذي يبرر الفاجر، فإيمانه يحسب له براً" (رومية 4: 5).

والثاني هو البر الشخصي أو العملي. وهو الأعمال الصالحة التي يجب أن نقوم بها، بعمل الروح القدس في نفوسنا، لأجل مجد الهنا الذي أحبنا[6] (متى 15: 26). وهذا البر وإن كان لا شأن له في تهيئتنا للقبول الأبدي أمام الله، لأننا مهما أكثرنا منه نكون عبيداً بطالين (لوقا 17: 10)، غير أنه تعالى يكافئنا عنه بالمكافأة المناسبة، أما في الزمن الحاضر أو في الأبدية، أو في كليهما معاً (1 كو 3: 14). وقد أشار الرسول إلى البر المذكور فقال: "لأن ثمر الروح هو في كل صلاح وبر وحق" (أفسس 5: 9). وقال عن أبطال الإيمان أنهم "صنعوا براً" (عبرانيين 11: 23). وقال لنا: "قدموا ذواتكم لله كأحياء من الأموات وأعضاءكم آلات بر لله" (رومية 6: 13).

ولما كان تيموثاؤس حاصلاً على البر الشرعي أو الإكتسابي مثل غيره من المؤمنين الحقيقيين، لذلك فإن البر الذي كان الرسول يحرضه على القيام به، هو البر العملي أو بالحري الأعمال الصالحة. مثل: مد يد العون للفقراء والمعوزين، وتخفيف آلام المرضى والمتألمين، ومواساة الحزانى والمنكوبين، وإرشاد الجهال والضالين، والأخذ بناصر الضعفاء والمساكين، وتقديم رسالة الخلاص للخطأة البائسين. وهذه الأعمال فضلاً عن أنها تحوز رضى الله، فهي تسمو بنفوس المؤمنين وتجلب إليهم سروراً يفوق كل سرور، لأنهم بقيامهم بها يشاركون الله في محبته للبشر وعطفه عليهم واهتمامه بأمرهم – هذا مع العلم بأن البر الاكتسابي يجب أن يكون مقترناً بالبر العملي كل الاقتران، فليس هناك مؤمن حقيقي مبرر أمام الله، إلا وهو تحت الالتزام بالقيام بكل الأعمال الصالحة التي يستطيع القيام بها[7].

ثانياً – الإيمان

والإيمان، الذي يريد الكتاب المقدس أن يتوافر فينا، نوعان: الأول هو الإيمان الحقيقي بالمسيح الذي به نولد من الله (1 يوحنا 5: 1)، ونحصل على طبيعته الأدبية (2 بطرس 1: 3- 4)، ونخلص أيضاً من قصاص خطايانا إلى الأبد. وقد أشار الرسول إليه في قوله: "بالنعمة أنتم مخلصون بالإيمان، وذلك ليس منكم، هو عطية الله" (أفسس 2: 8). وقوله "آمن بالرب يسوع المسيح، فتخلص أنت وأهل بيتك" (أعمال 16: 31). وقوله: "إن اعترفت بفمك بالرب يسوع وآمنت بقلبك أن الله أقامه من الأموات، خلصت" (رومية 10: 9).

والثاني هو الإيمان الذي نسلك به في العالم، وقد أشار الرسول إليه في قوله: "لأننا بالإيمان نسلك لا بالعيان" (2 كورنثوس 5: 7). وقوله "ونحن غير ناظرين إلى الأشياء التي ترى، بل إلى التي لا ترى. لأن التي ترى وقتية، وأما التي لا ترى فأبدية" (2 كورنثوس 4: 18). وقوله: "ناظرين إلى رئيس الإيمان ومكمله يسوع، الذي من أجل السرور الموضوع أمامه احتمل الصليب مستهيناً بالخزي، فجلس في يمين عرش الله" (عبرانيين 12: 2).

وهذا الإيمان من شأنه أن يحول أنظارنا عن الاهتمام بالأمور الأرضية الزائلة ويحصرها في الأمور الروحية التي يدوم أثرها إلى الأبد[8].

ولما كان لتيموثاوس إيمان الخلاص مثل غيره من المؤمنين الحقيقيين، لذلك فالإيمان الذي كان الرسول يحرضه على إظهاره، هو إيمان السلوك الذي يحفظ النفس في علاقة حقيقية مع الله، ويعدها لخدمته وعمل مشيئته بقوة في العالم الحاضر – هذا مع العلم بأن إيمان الخلاص يجب أن يكون مقترناً بإيمان السلوك كل الاقتران، فليس هناك مؤمن حقيقي خلص بنعمة الله من قصاص الخطيئة، إلا وهو تحت التزام بأن يحيا بالإيمان مع الله كل أيامه على الأرض.

ثالثاً – المحبة

والمحبة، التي يريد الكتاب المقدس أن نختبرها أو نمارسها أربعة أنواع: الأول هو محبة الله لنا ظهرت في تجسد المسيح وقيامه بفدائنا. وقد وردت في القول: "هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية" (يوحنا 3: 16). والقول: "في هذا هي المحبة، ليس أننا نحن أحببنا الله، بل هو أحبنا وأرسل ابنه كفارة لخطايانا" (1 يوحنا 4: 10). والقول: "انظروا أية محبة أعطانا الآب حتى ندعى أولاد الله... ولم يظهر بعد ماذا سنكون، ولكن نعلم أنه إذا أظهر (المسيح) نكون مثله، لأننا سنراه كما هو" (1 يوحنا 3: 1).

والثاني هو محبتنا نحن لله بسبب محبته لنا. وقد وردت في القول: "نحن نحبه لأنه هو أحبنا أولاً" (1 يوحنا 14: 19). والقول: "تحب الرب إلهك من كل قلبك، ومن كل فكرك، ومن كل قدرتك، ومن كل نفسك" (متى 22: 37). والمحبة لله لا يراد بها مجرد القيام بالصوم أو الصلاة أو تقديم بعض المال للفقراء. إذ من الجائز أن يقوم إنسان بهذه الأعمال دون أن تكون في قلبه محبة حقيقية لله، بل أن المراد بهذه المحبة، قبل كل شيء: السرور العميق في الشركة معه، والطاعة المستمرة له، والسلوك بالقداسة أمامه، والتضحية لأجل اسمه، والشوق الحار لتمجيد اسمه الكريم.

والثالث هو محبة المؤمنين بعضهم للبعض الآخر. وقد وردت في القول: "ولكن قبل كل شيء لتكن محبتكم بعضكم لبعض شديدة" (1 بطرس 4: 8). و"أحبوا بعضكم بعضاً من قلب طاهر بشدة" (1 بطرس 1: 22). و"وادين بعضكم بعضاً بالمحبة الأخوية" (رومية 12: 10).

والرابع هو محبة لكل الناس، مهما كان موقفهم بالنسبة إلينا. وقد وردت في القول: "أحبوا أعدائكم، باركوا لاعنيكم، أحسنوا إلى مبغضيكم، وصلوا من أجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم[9]" (متى 6: 44). والقول: "لتصر كل أموركم في محبة" (1 كورنثوس 13: 11) – والمحبة ليست عاطفة تظهر فقط في كلام طيب، بل وأيضاً في كل عمل طيب. فمن يحب الناس يعمل كل ما في وسعه لخيرهم، فيمد يد العون إليهم في كل ظرف من الظروف، دون أن ينتظر شكراً أو تقديراً.

ونظراً لأن تيموثاوس كان متمتعاً بمحبة الله له مثل باقي المؤمنين الحقيقيين، لذلك فإن المحبة التي كان الرسول يحرضه على إظهارها، هي المحبة لله وللمؤمنين ولكل الناس. والحق ما أسعد المؤمنين الذين تفيض قلوبهم بهذه المحبة. لأن البغضة والكراهية والرغبة في الانتقام والأخذ بالثأر، والغيرة والحسد، والأنانية ومحبة الذات، بالإضافة إلى أنها تمنع المؤمنين من التوافق مع الله والقيام بخدمته، فإنها أقسى المعاول التي تهدم صرح السعادة والهناء فيهم. لذلك قيل عن المحبة أنها رباط الكمال (كولوسي 3: 14)، وأنها تكميل الناموس (رومية 13: 10)، وأنها أعظم الوصايا وأولها (مرقس 12: 28، 71) – هذا مع العلم بأن هذه الأنواع الأربعة من المحبة مرتبطة بعضها بالبعض الآخر، لأن المحبة لا تتجزأ، فالمؤمن الحقيقي الذي تمتع بمحبة الله وخلاصه الثمين، يجب أن يحب الله من كل قلبه، وأن يحب جميع المؤمنين الحقيقيين بشدة، وأن يحب أيضاً الذين يسيئون إليه، ذلك لأن الله، الذي نعبده، هو محبة (1 يو 4: 8)، وأن محبته قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس (رومية 5: 5)، وإذا كانت العين الواحدة لا تخرج مرة ماء عذباً ومرة ماء آسناً، كذلك فإن القلب الذي امتلأ بمحبة الله، لا يمكن إلا أن تصدر منه المحبة في كل ظرف من الظروف.

رابعاً – السلام

والسلام، الذي يريد الكتاب المقدس أن يتوافر لدينا، ثلاثة أنواع: الأول هو السلام لنا من الله على أساس كفاية كفارة المسيح، التي وفت مطالب عدالته تعالى إلى الأبد. وقد ورد في القول: "فإذ قد تبررنا بالإيمان، لنا سلام مع الله بربنا يسوع المسيح" (رومية 5: 1). والقول: "ولكن الكل من الله الذي صالحنا لنفسه بيسوع المسيح، وأعطانا خدمة المصالحة. أي أن الله كلن في المسيح مصالحاً العالم لنفسه غير حاسب لهم خطاياهم. لأنه جعل الذي لم يعرف خطيئة (وهو المسيح) خطيئة (أو بالحري ذبيحة خطيئة) لأجلنا، لنصير نحن بر الله فيه[10]" ( 2 كورنثوس 5: 19- 21).

والثاني هو السلام بيننا وبين أنفسنا. وقد ورد في القول: "وأما ثمر الروح فهو محبة، فرح، سلام، طول أناة. لطف، صلاح، إيمان، وداعة، تعفف" (غلاطية 5: 22). ولذلك فإن المؤمنين الحقيقيين يتلذذون في كثرة السلامة (مزمور 37: 11). أما الأشرار فلا نصيب له في هذا السلام (أشعياء 18: 12)، ومن ثم فإنهم يهربون ولا مطارد لهم (أمثال 28: 1).

والثالث هو السلام بيننا وبين الناس. وقد ورد في القول: "طوبى لصانعي السلام، لأنهم أبناء الله يدعون" (متى 5: 9). والقول: "عيشوا بالسلام" (2 كورنثوس 13: 11). والقول: "اتبعوا السلام مع الجميع" (عب 12: 14). والقول: "لأن من أراد أن يحب الحياة ويرى أياماً صالحة... ليطلب السلام ويجد في إثره" (1 بطرس 3: 10- 11).

ونظراً لأن تيموثاوس كان متمتعاً بالسلام مع الله ومع نفسه هو، مثل غيره من المؤمنين الحقيقيين، لذلك فالسلام الذي كان الرسول يحرضه على اتباعه هو السلام مع الناس. والحياة مع الناس بسلام هي في الواقع الحياة الوحيدة التي نشعر فيها بالهناء وراحة البال وهدوء الأعصاب. كما أنها هي المجال الذي نستطيع فيه القيام بعبادة الله وتنفيذ وصاياه بسهولة. هذا مع العلم بأنه لا يستطيع أن يحيا في سلام مع الناس جميعاً إلا الذين يتمتعون بسلام بينهم وبين أنفسهم، ولا يستطيع أن يتمتع بهذا السلام تمتعاً حقيقياً، إلا الذين لهم أولاً سلام مع الله.

خامساً – ملازمة أنقياء القلب

إن الرسول يدعونا أن نتبع البر والإيمان والمحبة والسلام مع الذين يدعون الله من قلب نقي. والقلب النقي هو القلب الذي تفتح للمسيح فاخترقته محبته الفادية. وبالإيمان الحقيقي به، تطهر من خطاياه أمام الله (أعمال 15: 9)، وأصبح مسكناً للروح القدس (1 كورنثوس 6: 19). وبوجوده تحت تأثير كلمة الله في كل حين يظل طاهراً من كل الشوائب، وبالتبعية يظل في علاقة صافية مع الله.

وأنقياء القلب وحدهم هم الذين يستطيعون أن يعاينوا الله (متى 5: 8). وقديماً تساءل داود النبي قائلاً: "من يصعد إلى جبل الرب، ومن يقوم في موضع قداسته؟"، ثم أجاب على ذلك بالقول: "الطاهر اليدين والنقي القلب" (مزمور 24: 4). ولذلك كان يصلي قائلاً: "قلباً نقياً أخلق فيّ يا الله، وروحاً مستقيماً جدد في داخلي" (مزمور 15: 5).

فضلاً عن ذلك فإن أنقياء القلب وحدهم هم الذين يستطيعون أن يشهدوا في كل مجال نعمة الله في المسيح، مبرهنين على صدق فعاليتها في نفوسهم بصياغتها في قالب القداسة والتقوى والصلاح. والرسول بتحريضه إيانا على ملازمة أنقياء القلب في العبادة وغيرها، يضع حداً فاصلاً بين الذين يتظاهرون بالتقوى، وبين الأتقياء فعلاً. فكثيرين ممن يدعون أنهم مؤمنون، لهم صورة التقوى أو مظهرها، لكنهم ينكرون قوتها (2 تيموثاوس 3: 5). والحال أن للتقوى الصحيحة قوة فعالة تقوض داعم الخطيئة، وليس هذا فقط، بل وتسمو أيضاً بالنفس للسلوك بالقداسة مع الله والقيام بالأعمال الصالحة التي يتطلبها تعالى.

مما تقدم يتضح أنه يجب علينا أن نحرص على السلوك بالروح كما قلنا في فاتحة هذا الكتاب، وأن نثبت أنظارنا ليس في ما يرى، بل في ما لا يرى أو بالحري في من لا يرى، الذي هو رئيس الإيمان ومكمله يسوع (عبرانيين 12: 2). فنرى الأهواء قد بطل عجيجها، وزال طنينها، وأمحى خيالها، وأصبحت حياتنا بأسرها حياة الفرح والابتهاج، والنصرة على الخطيئة بكل أنواعها.

والرب العزيز المبارك هو القادر أن يحفظنا غير عاثرين، وأن يوقفنا أمام مجده بلا عيب في الابتهاج، الإله الوحيد الحكيم مخلصنا، له المجد والعظمة والقدرة والسلطان، الآن وإلى كل الدهور، آميـن (يهوذا: 24).


[1] درسنا هذا الموضوع بالتفصيل في كتاب "فلسفة الغفران في المسيحية".

[2] "متبررين" أي صرتم أبرراً أو مستقيمين.

[3] فهو ليس برنا نحن الناتج من الأعمال الصالحة التي نقوم بها، بل بر الله التابع من نعمته التي لا حد لها. وهناك فرق شاسع بين البرين، فالأول ناقص لأننا مهما اجتهدنا لا نستطيع أن نعمل كل البر، أما الثاني فكامل لأنه من عمل الله القادر على كل شيء.

[4] كون هذا البر "إلى كل المؤمنين" معناه أنه موجه إلى قلوبهم لكي يطمئنوا ويهنئوا. وكونه "عليهم" معناه أنه كرداء يستر خطاياهم حتى لا يبدو منها شيء (أشعياء 61: 10).

[5] إن الرسول بقوله هذا، لا ينفي ضرورة قيام المؤمنين الحيفيين بالأعمال الصالحة (كما يظن بعض الجهال)، بل ينفي كونها كافية لخلاص الخطاة لأنه بالإضافة إلى تلوثها بنقائض متعددة بسبب صدورها منهم، فإنها، مهما كثرت، فهي محدودة في قدرها، بينما حقوق الله التي أساؤوا إليها بخطاياهم لا حد لقدرها. والأشياء المحدودة في قدرها لا تفي مطالب أمور لا حد لقدرها.

[6] ولذلك فهذا البر يختلف عن البر الذاتي، الذي ينسبه البعض إلى قدرتهم الذاتية، فيفتخرون به على غيرهم، ويظنون أنه على أساسه لهم فض خاص لدى الله.

[7] أما من يهمل منهم القيام بهذه الأعمال، فإنه يعرض نفسه لتأديب الله في الزمن الحاضر، وتأديب الله ليس بالأمر الهين (مزمور 39: 11).

[8] أما الإيمان الأسمى، وهو مجرد الاعتراف بالمسيحية بسبب الولادة من أبوين مسيحيين والإيمان العقلي، وهو مجرد فهم الحقائق المسيحية وإمكانية البرهنة على صدقها، والإيمان العاطفي، وهو مجرد السرور بالحقائق المذكورة والتغني بها – هذه الأنواع وحدها لا تهيء أصحابها للقبول أمام الله، لأن الذي يهيئهم لذلك هو التوبة الحقيقية والإيمان القلبي، إذ بهما يولدون من الله ويحصلون على طبيعته الأدبية.

[9] وطبعاً ليس خوفاً منهم بل عطفاً عليهم، وذلك تشبهاً بالله الذي يشرق بشمسه على الأبرار والأشرار ويمطر على الصالحين والظالمين، وذلك يؤثر على قلوب الأشرار والظالمين ويصلح من شأنها.

[10] يفرق الساسة بين الصلح وبين السلام، فيقولون أن الغرض من السلام هو إيقاف الحرب، وأن الغرض من الصلح هو إعادة العلاقات الودية. وإذا كان الأمر كذلك، وإذا طبقنا هذا القول على الحقائق المسيحية، فإنه بسبب السلام الذي يتمتع به المؤمنون الحقيقيون مع الله، لا يمكن أن يأتوا إلى الدينونة الأبدية (يوحنا 5: 24)، وبسبب الصلح الذي تم بينه وبينهم يمكنهم التمتع بكل بركة روحية في السماويات مع المسيح (أفسس 1: 3).

  • عدد الزيارات: 3583