Skip to main content

كيفية الهرب من الأهواء

إن الهرب من الأهواء يجب أن يكون فورياً دون تلكؤ أو تهاون، لأن المطلوب هو قطع العلاقة نهائياً معها. أما مسايرتها إلى حد ما، أو الابتعاد عنها بخطوات متباطئة، حتى مع عدم التفاعل معها، فلا يدلان على الرغبة في الهرب منها، بل بالعكس يدلان على التعلق بها والميل إليها. وحالة مثل هذه تعرض صاحبها لأخطار كثيرة، إذ تسلبه الشهية الروحية للصلاة والتأثر بأقوال الله، كما تثير فيه الميل إلى فعل الخطيئة، فيضعف أمامها ويسقط. وقديماً أخذت امرأة لوط في الهرب مع أسرتها من سدوم وعمورة طاعة لأمر الله، ولكنها التفتت إلى الوراء لتعلق قلبها بهاتين المدينتين وتحسرها على مفارقة ما بهما من ملذات، فأصابها ما أصابها من بلاء (تكوين 19: 26)، عبرة للذين لا يطيعون الله إلى النهاية، ولذلك يحذرنا الرب بالقول: "اذكروا امرأة لوط" (لوقا 17: 32).

وإذا كان الأمر كذلك، يجب أن يكون موقفنا إزاء الأهواء لا موقف الرخاوة بل موقف الصلابة والصرامة وأن يكون لسان حال كل منا عند الهرب منها "فإني أفعل شيئاً واحداً. إذ أنا أنسي (نهائياً) ما هو وراء، وأمتد إلى ما هو قدام. أسعى نحو الغرض لأجعل جعالة دعوة الله العليا في المسيح يسوع" (فيلبي 3: 14). و"إلى الوراء لا أرتد. قد جعلت وجهي كالصوان، وعرفت أني لا أخزى" (أشعياء 50: 5- 7)، ذلك لأن من يضع يده على المحراث وينظر إلى الوراء لا يصلح لملكوت السموات (لوقا 9: 62).

وطبعاً لا يراد بالهرب من الأهواء مجرد الانصراف من مكانها، بل يراد به قبل كل شيء تحويل القلب عنها. لأنه لا سبيل للنجاة منها إذا كانت العين بعيدة عنها لكن القلب متجهاً إليها. ولا نقصد بذلك أنه لا ضرر من النظر إلى ما يثير الأهواء، إذا كان القلب بعيداً عنها، كلا. لأن النظر إليها من شأنه أن يؤثر على القلب، ويبعث فيه الميل إليها عاجلاً أو آجلاً. بل نقصد أنه إذا كان القلب طاهراً، وتصادف أن وقعت العين على ما يثير الأهواء، فإن ذلك لا يبعث فيه خاطراً نجساً في الحال. لأن القاعدة العامة هي أنه كما يكون القلب، هكذا تكون العين. وحيث يكون القلب، تكون العين أيضاً. فإذا كان القلب طاهراً، تكون العين طاهرة. وإذا كان القلب في السماء، تكون العين كذلك هناك والعكس بالعكس.

أما إذا عجز المؤمن عن تحويل قلبه عن منظر يثير الأهواء فيه، فعليه أن يحول نظره عنه أو ينصرف من مكانه. وعليه أن يفعل هذا أو ذاك يكل ما أوتي من سرعة، لأن الدقيقة الواحدة في هذا الوقت لها قيمتها. إذ أنها تستطيع مساعدته على النجاة إذ انتهزها، أو تهيئته للسقوط إذا أهملها.

كما أن الأهواء التي تتسرب إلينا بسبب تفكيرنا فيها بيننا وبين أنفسنا في الباطن، ليست بأقل خطراً من تلك التي تتسرب إلى نفوسنا من المناظر التي نشاهدها في الخارج. ومن ثم على المؤمن أن لا يسمح لتلك الأهواء أيضاً بالبقاء لحظة في نفسه، بل عليه أن ينصرف عنها على الفور فتنصرف عنه على الفور كذلك. أما إذا رحب بها في نفسه، فإنها تنمو وتتشعب فيها، وبذلك يقوى سلطانها ويصبح من المتعذر عليه التخلص منها. إذ أنها كالنبات الذي يمكن انتزاعه من الأرض بكل سهولة عندما يكون في أوائل ظهوره أما إذا ترك وشأنه، بعث بجذوره فيها، وقوى جذعه وصار شجرة كبيرة، لا يمكن قطعها بسهولة. وحتى إذا قطعت تظل جذورها في الأرض أعواماً ودهوراً.

فلنهرب إذن بكل سرعة ليس من المنظر المثير فقط، بل ومن الفكر المثير أيضاً. لأن الفكر يولد التصور، والتصور عندما يستبد بالمرء، يقوده إلى الفعل، فخميرة صغيرة تخمر العجين كله (1 كورنثوس 5: 6). فضلاً عن ذلك فإن تأثير الأهواء لا يزول بانتهاء الفعل الخاص بها. بل يبقى في النفس أمداً طويلاً، ويدفعها إلى عمل الخطيئة من وقت لآخر. ولذلك فلنهرب من الأهواء بكل سرعة في كل وقت نتعرض فيه لها كما ذكرنا، حتى يصبح الهرب منها عادة من العادات المتأصلة فينا، متخذين درساً من الإبرة المغناطيسية، التي إذا انحرفت مرة عن اتجاهها الأصلي لسبب ما، سعت بطبيعتها للعودة إلى هذا الاتجاه على الفور.

وإذا وجدنا أنه لضعفنا لا نستطيع التخلص من فكر مثير استبد بنا، يجب أن لا نستسلم للضعف، بل أن نرتفع فوقه بأية وسيلة من الوسائل، فنأخذ مثلاً كتاباً دينياً أو علمياً أو أدبياً حسبما يروق لنا. وأن نقرأ ونحصر أفكارنا فيما نقرأ. أو أن نأخذ قلماً وورقاً ونكتب موضوعاً عن سبيل النجاة من التجارب. وإذا لم يتوافر لدينا كتاب أو ورق في هذا الظرف، يمكن أن نغني أغاني روحية أو نفكر في آيات خاصة بالقداسة والطهارة وذلك بكل مثابرة ونشاط. وإذا غابت وقتئذ عن أذهاننا هذه الأغاني والآيات، يمكن أن نقوم بأي عمل يدوي، كالأشغال المنزلية أو الفنية أو الألعاب الرياضية. وبذلك نتيح لنفوسنا الفرصة للتحول عن الأهواء، والعودة إلى حياة الشراكة مع الرب الذي دعينا إليه، وطبعاً بالروح القدس على البقاء فيها.

وإذا وسوس عدو الخير في آذاننا وقتئذٍ أنه بابتعادنا عن الرب، ابتعد هو عنا، فلا نخف. فالخوف أخطر الأسلحة التي يستعملها العدو ضدنا لكي يضعف ثقتنا في النصرة. وقد سبق الرب وحذرنا من الخوف، فقال لكل منا ".. أنا الرب إلهك الممسك بيمينك القائل لك: لا تخف أنا أعينك" (أشعياء 41: 13). ولا غرابة في ذلك فقد سبق ونقش أسماءنا على كفه (اش 49: 16). وأعلن لنا أنه لا ينسانا أبداً (اش 49: 15). وأنه يحبنا محبة أبدية، وأنه لذلك يديم لنا الرحمة (أرميا 31: 3)، ويكون معنا كل الأيام إلى انقضاء الدهر (متى 28: 20).

وإذا انحرفنا عنه، لا يتركنا له المجد وشأننا، لأنه يعرف ضعفنا الطبيعي حق المعرفة، ومن ثم يعطف علينا كل العطف ويردنا بكل سرعة إليه، طالما كانت لنا الرغبة الصادقة في مواصلة السير معه. وقد اختبر داود النبي هذه المعاملة الكريمة فقال عن الله: "يرد نفسي، يهديني إلى سبل البر (ليس من أجل اسمي أو مقامي أو أعمالي، بل) من أجل اسمه" (مزمور 23: 3). فهو لا يعسر عليه أمر (أرميا 32: 27)، وغير المستطاع لدى الناس، مستطاع لديه (مرقس 1: 27). ومن ثم يمكن أن ينقذنا من التجربة، حتى إذا كانت قد أحاطت بنا من كل الجوانب، وفقدنا نحن الأمل في النجاة منها بحسب نظرتنا البشرية. فقد أنقذ تلاميذه مرة عندما أحاطت بهم الأمواج والعواصف من كل النواحي، وفقدوا كل أمل في النجاة، وذلك بطريقة لم تكن تخطر لهم ببال، إذ أتاهم له المجد ماشياً على الأمواج (متى 14: 25- 31). وهكذا يكون الحال معنا. فحيث لا توجد نافذة للنصرة أمامنا، توجد أمام الله نوافذ عدة فقد قال الوحي عنه أن له، حتى في الموت، ليس مخرجاً واحداً، بل مخارج (مزمور 68: 20).

ولذلك فكل ما يجب علينا عمله في وقت التجربة، هو أن نثبت أنظارنا في الرب واثقين كل الثقة فيه، فيحفظنا له المجد من السقوط في الخطيئة. فقد قال الوحي: "انظروا إليه واستناروا ووجوهم لم تخجل" (مزمور 24: 5). كما قال: "ذو الرأي الممكن تحفظه (يا رب) سالماً لأنه عليك متوكل" (أشعياء 21: 3). وقد اختبر أحد القديسين فائدة الثقة بالله، ولذلك أعلن أنه ينتصر على كل التجارب لأنه يواجهها بسلاح مثلث الجوانب. جانبه الأول هو الثقة بالله، وجانبه الثاني هو الثقة في الله، وجانبه الثالث هو الثقة في الله، عاملاً بقول الوحي: "لا تطرحوا ثقتكم التي لها مجازاة عظيمة" (عبرانيين 10: 35) – والثقة في الله وحصر الفكر فيه، يجب أن لا تكون أقوالاً نرددها فقط بأفواهنا، بل أعمالاً روحية نقوم بها بين نفوسنا وبين الله، فنتهيأ حقاً للإفادة من قوته ومعونته.

وإن نسيت لا أنسى موقفاً من المواقف، لو توافرت فيه الثقة الكاملة في الله والرغبة الأكيدة في النصرة الكاملة، لكان الفوز عظيماً مبيناً. ذلك أن أحد الملوك القدامى ذهب مرة إلى اليشع النبي باكياً خوفاً من أعدائه. فقال له اليشع: خذ قوساً وسهاماً، ففعل... ثم قال له بعد ذلك: اضرب على الأرض (رمزاً إلى مقاتلته لأعدائه) فضرب ثلاث مرات ووقف. فغضب اليشع وقال له: لو ضربت خمس أو ست مرات، لضربت حينئذٍ أعداءك إلى الفناء (2 ملوك 13: 14- 25).

كما أننا إذا رجعنا إلى سيرة ربنا يسوع المسيح، نرى أنه لم يكن يمنح الشفاء للمرضى، إلا إذا توافرت لديهم الثقة الكاملة في قوته والرغبة الخالصة في الحصول على شفائه (متى 9: 20- 22). فمرة أتاه رجل مع ابن مريض، وقال للمسيح: "إن كنت تستطيع شيئاً فتحنن علينا". فقال له المسيح "إن كنت تستطيع أن تؤمن، كل شيء مستطاع للمؤمن". ولما وجد الرجل أن العيب فيه، صرخ بدموع قائلاً: "أؤمن يا سيد، فأعلن عدم إيماني". وفي الحال أحسن المسيح إلى ابنه بالشفاء.

فليرسخ إذاً في أعماق نفوسنا أن الرب لا يتركنا في وقت التجربة، بل بالعكس يتطلع إلينا في أثنائها بصفة خاصة، منتظراً أن نظهر الرغبة الصادقة في الخلاص منها، بواسطة الاتجاه القلبي إليه. فقد قال: "ادعني في يوم الضيق أنقذك، فتمجدني" (مزمور 50: 1). كما قال: "تطلبونني فتجدونني، إذ تطلبونني بكل قلوبكم" (أرميا 29: 13). ولذلك يليق بكل منا في وقت التجربة أن يرنم قائلاً: "ولكنني أراقب الرب... أصبر لإله خلاصي. يسمعني إلهي. لا تشمتي بي يا عدوتي إذا سقطت أقوم. إذا جلست في الظلمة، فالرب نور لي" (ميخا 7: 7- 8). وأن يرنم هذه الترنيمة من أعماق قلبه مؤمناً إيماناًَ صادقاً بأنه لا بد أن ينتصر انتصاراً تاماً. وبذلك تهدأ عواطفه وتستقر أفكاره ويرى الرب بالإيمان واقفاً بجواره. وحينئذٍ لا يسعه إلا أن يهتف هتاف النصرة قائلاً: أين شوكتك أيتها الخطيئة؟ أين قوتك أيتها التجربة؟ لأنه يرى أنها في طريق واحد قد خرجت عليه، ولكن في سبعة طرق تهرب من أمامه (تثنية 28: 27).

والآن وقد تبددت الأهواء وانقشعت غيومها، أفليست في ثورتها هي مجرد كابوس أو حلم مفزع لا يبقى له أثر أمام الإيمان الوطيد، والرغبة الصادقة في السلوك بالقداسة!! فيجب أن نضع نصب أعيننا إذن، أنه ليست للخطيئة سلطان علينا، لأننا لسنا تحت الناموس الذي يأمرنا بحفظ الوصايا دون أن يمدنا بالمعونة اللازمة لحفظها، بل تحت النعمة التي تعضدنا في القيام بكل ما تطلبه منا من وصايا (رومية 6: 14). وكل ما في الأمر، أن عدو الخير ينصب حولنا شباكه هي في الواقع أوهى من خيوط العنكبوت، ثم يدخل في روعنا أننا محاطون بأغلال من حديد فيدب فينا (إذا كنا بعيدين عن الله) دبيب اليأس والفشل ونستسلم للخطيئة صاغرين!!

لكن لماذا يظهر عدو الخير أمام بعض المؤمنين بمظهر البطش، مع أنه لا حول له ولا قوة إزاءهم؟ الجواب: إنه يظهر أمامهم بهذا المظهر، لأنه يراهم يقفون منه موقف الضعف والمسكنة والاستعداد لتلبية ندائه. ولذلك يجب أن يضع جميعاً في قرارة نفوسنا أن هذا العدو لا يسعى وراءنا، إلا إذا دعوناه إلينا. ولا يحدثنا، إلا إذا أصغينا إلى صوته. ولا ينزع منا سلاحنا، إلا إذا ألقيناه بأنفسنا أمامه. ولا يغزو قلوبنا، إلا إذا فتحناها له. ولا يقودنا إلى الخطيئة، إلا إذا سلمناه أمرنا وسرنا وراءه. وأي ضعيف عاجز يستطيع أن يفعل بنا كل هذا، إذا سلكنا إزاءه مسلكنا إزاء عدو الخير. ولذلك يجب على كل منا أن يقول له: "اذهب عني يا شيطان" (متى 4: 10)، فيعدو من أمامه ويتوارى في الحال. فقد قال الكتاب "قاوموا إبليس فيهرب منكم" كما يفعل الجبان تماماً (يعقوب 4: 7)، ذلك لأن المسيح بموته الكفاري على الصليب نزع سلطان الشيطان عن المؤمنين الحقيقيين. فقد قال عنه: "رأيت الشيطان ساقطاً كالبرق" (لوقا 10: 18). كما قال الرسول عنه أن الله سيسحقه تحت أقدامنا سريعاً (رومية 16: 20).

فالأمر لا يستدعي إذن أن يرسل الله ملاكاً لكي يطرد الشيطان عنا، إذ أن في كلمته تعالى كل الكفاية لطرده، إنما يجب أن نستخدم هذه الكلمة ليس برخاوة بل بنشاط، وليس بشك بل بيقين، وبيقين كامل في قوة المسيح التي لا تقف قوة في الوجود أمامها. ذلك لأن الرخاوة لا تمسك صيداً (أمثال 12: 27)، ولأن الشك يسلب القدرة على الغلبة (مرقس 11: 22).

أما الصلاة لله لكي يدفع عدو الخير عوضاً عنا لأنه أقوى منا، فغير مقبولة لديه تعالى، لأن مقاومة هذا العدو هي من عملنا كما يتضح من الآية المقتبسة من (يعقوب 4: 7). والله لا يعمل لنا عملاً طلب منا القيام به بأنفسنا، وذلك لكي تقوى حياتنا الروحية وتسمو، ولا نكون بعد أطفالاً بل رجالاً. ومن ثم فموقفنا إزاء عدو الخير يجب أن يكون موقف الرسول إزاءه، فهو لم يتضرع إلى الله أن يخرج روح العرافة من الجارية، بل قال له بسلطان: "أنا آمرك باسم يسوع المسيح أن تخرج منها" (أعمال 16: 16- 18). فخرج في الحال. ولذلك يمكن للمؤمن الحقيقي وهو في ملء اليقين بقوة الله العاملة فيه، أن يناجي نفسه قائلاً: "دوسي يا نفسي (على إبليس والخطيئة) بعز" (قضاة 5: 21). إذ أننا قادرون بالمسيح على قهرها معاً. فقد قال الرسول: "لأن الذي فينا أعظم من الذي في العالم" (1 يوحنا 4: 4). كما قال: "وهذه هي الغلبة التي تغلب (أهواء) العالم إيماننا. من هو الذي يغلب العالم إلا الذي يؤمن أن يسوع هو ابن الله" (1 يوحنا 5: 4). وأيضاً: "كتبت إليكم أيها الأحداث لأنكم أقوياء وكلمة الله ثابتة فيكم، وقد غلبتم الشرير" (1 يوحنا 2: 14).

فبربنا يسوع المسيح لا نخلص من قصاص الخطيئة فقط، بل وننتصر أيضاً عليها وعلى من يريد أن يسقطنا فيها، فقد قال الرسول: "يعظم انتصارنا بالذي أحبنا" (رومية 8: 37). كما قال أن روح الحياة في المسيح قد أعتقنا من ناموس الخطية والموت (رومية 8: 2). فلنتقوَّ إذاً بالرب، ونكسر سلاسل الخطية التي يحيطنا العدو بها، فروح الحياة موجودة فينا، وما علينا إلا أن نستثمره بالإيمان غير عابئين بوساوس هذا العدو، فننتصر، وننتصر انتصاراً عظيماً.

وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا نستسلم للضعف ولا نستثمر قوة المسيح المعطاة لنا، مع علمنا أننا إذا استثمرناها، يتغير الموقف تغيراً تاماً؟ ألم يقل المسيح لبولس الرسول عندما شعر هذا بضعفه وعجزه: "تكفيك نعمتي لأن قوتي في الضعف تكمل" (2 كورنثوس 12: 9). فحياة المسيح المنتصرة لا بد أن تظهر بقوة وباستمرار في جميع الذين يقبلون إليه. فلا نكون إذن أغبياء بل فاهمين مشيئة الله (أفسس 5: 17). فهو تعالى يريد أن ننتصر، وننتصر في كل حين. ومن ثم يجب أن لا نتراجع قيد أنملة عن تنفيذ مشيئته هذه، لأن هذا التراجع يضعف فينا الرغبة في مقاومة الخطيئة شيئاً فشيئاً حتى تنعدم، وإذا كان الأمر كذلك، فلننهض بشجاعة ولننفض عنا الضعف والتراخي إلى الأبد.

أخيراً نقول أن فرصة التجارب، هي الفرصة التي يمكن أن نظهر فيها مقدار طاعتنا لله ورغبتنا في حياة القداسة معه، حتى إذا تزكينا نكون أكثر أهلية لخدمته. فهذه الفرصة هي إذن فرصة ذهبية أمام كل مؤمن حقيقي، يجب أن يستغلها بكل وسيلة من الوسائل للنصرة الساحقة على الخطيئة، فيضيف بذلك إلى قدرته قدرة، وغلى مقامه لدى الله مقاماً، كما يجني من وراءها اختبارات روحية ثمينة. وحقاً لقد صدق من قال: "إن التجارب تهجم علينا هجوم الأسد على شمشون، ولكن بالانتصار عليها نجد بركة لنفوسنا، كما وجد شمشون بعد تمزيقه للأسد شهداً طيباً في أول الأمر".

  • عدد الزيارات: 3518