التغذية - سوء التغذية
3- سوء التغذية
منذ سنوات بعيدة لوحظ أن البحارة عندما يتغيبون طويلا في رحلاتهم البحرية، يحدث لهم مرض الإسقربوط حيث يُلاحظ كثرة النزف من اللثة، كما لوحظ أنه في حالة أخذهم كميات كبيرة من البرتقال لا تظهر عليهم أعراض الإسقربوط. وهذا أدى – كما نعرف – إلى اكتشاف فيتامين ج. هؤلاء البحارة لم تكن مشكلتهم نقص التغذية بل سوء التغذية، فعندهم ما يكفي من الطعام ولكن تنقصهم عناصر غذائية معينة لازمة لهم لكي يتمتعوا بالصحة الجيدة.
أثناء تدريبي في كليات الطب، رأيت كثيراً من المرضى يبدو عليهم كأنهم أكثر صحة من الأطباء الذين يفحصونهم. ولكن بعد عمل الاختبارات والفحوص اللازمة تبين أن عندهم أمراضاً ناتجة عن نقص أنواع من الفيتامينات التي إن لم تُعالج بسرعة قد تقود إلى مشاكل صحية خطيرة. ومع أن هناك فرقاً واضحاً بين نقص التغذية وسوء التغذية، ولكي نقص التغذية الشديد لابد أن يؤدي إلى ظهور نفس مشاكل سوء التغذية.
هناك أمثلة كثيرة لسوء التغذية في الحياة الروحية. فمثلا المؤمن الذي يهمل أجزاء معينة من كلمة الله مثل النبوات (كأن "ما لابد أن يكون عن قريب" رؤ 1 : 1 ليس بالأمر الهام)، لابد بمثل هذا المؤمن أن يعاني من سوء التغذية. حقيقة هناك أجزاء وفصول معينة صعبة الفهم. ولكن هذا لا يعني أن نهملها بالكلية. فالشخص الراغب بإخلاص أن يفهم هذه الفصول الصعبة يستطيع أن يستعين بالشروحات والتفاسير المتوفرة بالفعل. ومن الجانب الآخر فإن المؤمن الذي يعرف كيف يفسر أسابيع دانيال السبعين (دا 9: 24) ولكن لا يعرف حقيقة مركز المؤمن وثباته في المسيح فهو يعاني من نوع خطير جداً من سوء التغذية.
المؤمن لابد أن يُصاب بسوء التغذية إذا أهمل بالكُلية جزءاً من كلمة الله.
طبعاً هناك أجزاء من كلمة الله يلزم أن نقرأها ونلهج بها ونتأمل فيها أكثر من غيرها، ولكن لا يوجد جزء من كلمة الله يمكن الإصرار على تجاهله تماماً.
مثال آخر لسوء التغذية هو الروح الناموسية، وربما لا يوجد أصعب من الحياة مع مؤمن ناموسي. هذا الشخص هو في الحقيقة (قاتل للبهجة). ومع أن الناموسية مرض خطير، فإن ضحيته عادة ما يكون لديه نوع من الشعور بأنه يتمتع بصحة روحية أفضل من الذين حوله. ويتعجب لأن الآخرين لا يشاركونه في هذا الرأي عن نفسه. والاسم الطبي لهذه الحالة هو (يوفوريا Euphoria) أي توهم الإحساس بسعادة غير حقيقية زائدة عن الحد.
فمثلا إن كنت تعلم أن من يذهب إلى هذا المكان أو يشاهد ما يُعرض على جهاز التليفزيون لا يمكن أن يكون مؤمناً حقيقياً، أكون ناموسياً. ولكن إن كنت أتحاشى هذه الأشياء لكي استفيد روحياً بالوقت وأشجع المؤمنين على إتباع هذا بروح المحبة، فهذه ليست روحاً ناموسية. يلزمنا كثيراً من الحكمة واللياقة في هذه الأمور. ولكن عموماً، القاعدة السليمة هي أن أكون صارماً – ما استطعت – مع نفسي، وأكون متحملاً للآخرين بقدر الإمكان وفي الحدود الكتابية طبعاً.
بعض حالات سوء التغذية تكون بسبب أن بعض العناصر الغذائية (مثل الفيتامينات) تحتاج إلى مواد أخرى (كالدهنيات) لكي يتمكن الجسم من امتصاصها. والبعض الأخر حتى بعد امتصاصه لا يمكن أن يؤدي إلى التأثير المطلوب إلا في وجود عناصر أخرى. وهكذا أيضا في الروحيات، فضرورة التوازن السليم هو أمر هام جداً حتى في الروحيات.
أمثلة أخرى:
"ها أنا آتي سريعاً" (رؤ 22 : 7) + "تاجروا حتى آتي" (لو 19: 13)
فوعد مجيئه يعطينا الفرح والتشجيع أثناء خدمتنا للرب ونحن في هذا العالم. وأمثلة أخرى:
"الله محبة" (1يو 4 : 8) + "الله نور" (1يو 1 : 5)
"لأن إلهنا نار آكلة" (عب 12: 29) + "إله كل تعزية" (2كو1 :3)
أظن أن أهمية هذه الثنائيات واضحة جداً. فالواحدة بدون الأخرى إما أن تحرمنا من سعادتنا أو من فاعلية عملنا وتأثيرنا وفي النهاية سنفقد الاثنين معاً.
أحد مظاهر سوء التغذية المٌحزنة التي تُصيب كثيراً من أولاد الله الأعزاء هو سوء الفهم الشائع عن ماهية الانفصال عن الشر. فكثير من المؤمنين المُصابين بسوء التغذية، وبحسن نية، قد أخذوا مواقف انفصالية وانعزالية عن أخوتهم الذين قد يكونون أقل منهم في كلمة الله، وبذلك فإنهم يحرمون أنفسهم – بلا داع حقيقي – من التمتع بالشركة الحلوة مع كثير من أولاد الله الأعزاء. وبذلك أيضاً تتعطل الشهادة للرب يسوع المسيح.
تنبيه
هل وجباتك متوازنة جيداً؟
وختاماً نقول أنه لكي نتجنب سوء التغذية، علينا أن نهتم بكلمة الله كلها وأن ندرسها جيداً ونطيعها.
"كل الكتاب هو موحى به من الله ونافع للتعليم والتوبيخ للتقويم والتأديب الذي في البر. لكي يكون انسان الله كاملا متأهبا لكل عمل صالح " (2تي 3 : 16 -17)
ولقد قال بولس في خطاب الوداع لشيوخ كنيسة أفسس " لاني لم أؤخر ان اخبركم بكل مشورة الله" (أع 20: 27)
- عدد الزيارات: 13613