التغذية
" وجدت كلامك فأكلته فكان كلامك لي للفرح ولبهجة قلبي "
(إر 15 : 16)
"ما احلى قولك لحنكي احلى من العسل لفمي"
(مز 119: 103)
قال علماء التغذية: أنت ما تأكل أي إذا أردت أن تعرف نفسك فأنظر ماذا تأكل!
وفي هذا التعبير كثير من الحق. فإذا أكلت طعاماً خالياً من الحديد لابد أن تصاب بنوع من الأنيميا .... وإذا أكلت كثيراً ستُصاب بالتخمة والبدانة. وإذا امتنعت عن الطعام فسوف تُصاب بالهُزال والنحول.
منذ بضع سنوات نشرت وسائل الإعلام أخبار مجاعات رهيبة ينكسر لها القلب، حدث هذا في بعض البلاد الفقيرة. ووصفت وصوٌرت المجلات كثيرين من الأطفال الجوعى وقد أصابهم الهُزال الشديد، وعيونهم غائرة وضلوعهم بارزة. لقد تألمنا كثيراً من أجلهم، وكثيرون منا ساهموا بكرم وسخاء لهذه البلاد. ومع ذلك فهناك بيننا مشكلة أخطر كثيراً جداً من المجاعات الجسدية، ولكن لا يبدو علينا التأثر والاهتمام بها. وأنا طبعاً أقصد المجاعات الروحية. وفي الوقت الذي تحتاج فيه المجاعات الجسدية إلى أموال ضخمة ومبالغ باهظة لعلاجها (ومن الواجب علينا أن نساهم بسخاء في مثل هذه الأمور)، فإن الغذاء الروحي لا يتطلب منا أكثر من الرغبة فيه. ويجب علينا أن ندرك مدى خطورة نقص التغذية الروحية، والأمراض التي قد نتعرض لها بسببها. طبعاً غير المؤمنين لا يمكنهم إدراك هذه الحقيقة.
منذ بضع سنوات كان لي مناقشة مع شخص عند الحلاق، وكان يتحدث في موضوع المجاعات الموجودة في العالم. وقد وافقته بأن هذا أمر مؤلم حقاً ولكنني أضفت أن الأسوأ من هذا هو أن يهمل الإنسان خبز الحياة، الأمر الذي لم يوافقني عليه مطلقاً. وفي زيارتي التالية للحلاق أفادني بأن هذا الرجل قد سقط ميتاً أثناء فتحه باب منزله! وكم أتمنى أن يكون الرجل قد قبل الرب كمخلصه قبل موته.
ماذا ينبغي أن آكل؟ وما هي أنواع الأطعمة اللازمة للمؤمن؟ هذه الأسئلة هامة جداً. فالأم التي على وشك الولادة تريد أن تعرف أنسب الأطعمة لطفلها المنتظر. إن الطفل الوليد يحتاج إلى لبن الأم أو الأطعمة الخاصة بالرضٌع، ولكن عندما يكبر يحتاج إلى طعام أقوي. يهتم الوالدين بهذا الأمر جداً في الوقت الذي لا يُبدون فيه اهتماماً يُذكر بالمسائل الروحية. مع أنه بالنسبة للطعام الروحي إن كان لبناً للأطفال أو طعاماً للبالغين، نجده كله في كلمة الله ... الكتاب المقدس.
إرميا النبي – ذو القلب الرقيق – الذي كان يعيش في إسرائيل في زمن كانت فيه كلمة الله تكاد تكون منسية، قال للرب "وُجد كلامك فأكلته. فكان كلامك لي للفرح ولبهجة قلبي" (إر 15 : 16). ومزمور 119 كما نعلم هو أطول المزامير (بل هو أطول إصحاح في الكتاب المقدس) وبه 176 عدداً، منها على الأقل 170 ذُكرت فيها كلمة (الله). وفي ع 103 يقول " ما أحلى قولك لحنكي أحلى من العسل لفمي". وهو أيضاً طعام لازم للحياة. وفي علم التغذية هناك عناصر لازمة، بمعنى أنه في حالة غيابها لا يمكن لوظائف الجسم أن تتم بطريقة صحية سليمة، ولا يمكن للجسم تصنيعها من مواد أخرى. والرب يسوع قد أكد أنه "ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله" إذا فالكتاب المقدس (كلمة الله) هو طعام الله لأولاده، وهو طعام حلو ومُعط للحياة.
دعنا الآن نناقش أمراض التغذية. وباختصار هناك أربع مشاكل في التغذية:
1- نقص التغذية
2- البدانة (التخمة)
3- سوء التغذية
4- التسمم الغذائي
1- نقص التغذية
لا شك أن نقص التغذية هو من أخطر المشاكل وأكثرها انتشاراً بين المؤمنين في هذه الأيام. وبعكس نقص التغذية الجسدي فهي ليست بسبب ندرة الطعام، إذ أن رغبة قلب الله أبينا هي أن أولاده يتغذون غذاءً كافياً. قال الروح القدس على لسان بولس الرسول "لتسكن فيكم كلمة المسيح بغنى" (1كو 3 : 16). وسفر المزامير يُفتتح بتطويب رجل يعطي ثمره في أوانه، لأن هذا الرجل يلهج في كلام الرب نهاراً وليلاً.
لماذا إذا يعاني كثير من المؤمنين من مرض نقص التغذية؟ إذا كنت من الذين قد تعودوا أن يلوموا إبليس في أي ظرف ... فأنت بلا شك مُحق تماماً في هذا الأمر أيضاً، فالشيطان لا يريدك أن تتغذى بكلمة الله، فهو يعلم جيداً أن هذا يدمر كل أسالبيه. فبثلاثة أعداد فقط من كلمة الله لقى هزيمة ساحقة من الرب يسوع في البرية (متى 4 : 1 – 11)، وهو يعلم أن "سيف الروح الذي هو كلمة الله" (أف 6 : 17) لابد أن ينتصر في كل وقت. وهذا بلا شك هو السبب في أن الشيطان قد حاول باستماتة أن يمحو كلمة الله على مر العصور، ولكنه فشل تماماً. وهو وإن كان قد نجح في حجبها على الناس لفترات معينة، ولكنه فشل في ذلك أيضاً في النهاية.
كيف إذاً يتمكن الشيطان من أن يحرم أولاد الله من التغذي بكلمة الله مع أنها حلوة المذاق وضرورية لصحتهم الروحية؟
الإجابة هي:
أ- بقتل شهيتهم: هل رأيت شاباً قوياً على مائدة الطعام وأمامه وجبته المفضلة ومع ذلك لا يمكنه أن يأكل بشهية؟ ألا تستنتج فوراً أن شيئاً ما قتل شهيته؟ إذا ملأ طفل معدته بمأكولات تافهة فلن يجد مكاناً للطعام الجيد، أي الطعام المغذي اللازم له. واعتقد أن هذه الحقيقة أخطر بكثير مما يتصور كثير منا.
هذا الطعام التافه (الرمرمة) قد يكون في حد ذاته غير ضار، مما قد يؤدي إلى الاعتقاد بأننا لا يجب أن نقف ضده بصرامة .... وتدريجياً يصبح هو طعامنا الرئيسي. وهناك أنواع كثيرة من هذه (الرمرمة) فبعضها مثلا حريف وأخر له نكهة لذيذة، ولكن كلها صفة واحدة وهي أنها تملأ المعدة ولا تغذي الكيان.
ولما كان الشيطان يعرف أمزجة كل الأشخاص فقد جهز لكل شخص طعاماً خاصاً حسب نقطة الضعف التي فيه. فللبعض جهٌز قصصاً وروايات بريئة ولطيفة. وللآخرين جلسات التسلية أو لمسك سيرة الآخرين، والبعض الآخر جعل لهم برامج تليفزيونية مُسلية ومسلسلات مُثيرة ... والنتيجة قتل الشهية.
ب- التأجيل: حيلة أخر يستعملها العدو معنا، وهي التأجيل – تأجيل الوجبة الروحية في قراءة كلمة الله. نفس الحيلة التي يستخدمها مع غير المؤمنين بتأجيل قبول المسيح كمخلص. وإذ وجد أن الخطة ناجحة، استخدمها مع المؤمن أيضاً. فهو يقول لربة البيت مثلاً بأن تقوم بالانتهاء من أعمال البيت أولاً . ثم يذكرها – إذا شرعت في قراءة الكتاب – بأمور أخرى هامة يجب انجازها، نعم إنه يستطيع أن يعرض اقتراحات كثيرة لكل شخص والنتيجة واحدة: تعطيله عن قراءة كلمة الله.
العلاج
يجب تحاشي هذه الحالة الخطيرة. وإذا حدثت فيجب معالجتها بسرعة.
في العهد القديم أعطى الرب وصايا في هذا الموضوع، فقال لموسى "ولتكن هذه الكلمات التي أنا أوصيك بها اليوم على قلبك، وقصها على أولادك وتكلم بها حين تجلس في بيتك وحين تمشي في الطريق وحين تنام وحين تقوم"
(تث 6 : 6، 7)
هل رأيت؟! إلى هذا الحد يجب أن تكون هذه التغذية مستمرة. وهذه التنبيهات تكررت مرات ومرات. والرب وعد إسرائيل أن هذا سيجعل أيامهم "كأيام السماء على الأرض" تث 11 : 21
وفي العهد الجديد هناك تحريضات كثيرة لكي نزاد اشتهاءاً لكلمة الله. فالرسول بطرس يحرضنا ويعطينا نصيحة بأن نشتهي اللبن العقلي العديم الغش، كما يشتهي الرضيع لبن الأم. عندما يشتهي الرضيع اللبن ... يصرخ طالباً إياه ولا يمكن إسكاته أو ملاهاته عن طلبه هذا، ولا يهدأ حتى يحصل عليه. فالدمى والمناغاة وغيرها لا يمكن أن تصرفه عنه حتى يجده لكي ينمو به. ولكن بكل أسف فإن البالغين المؤمنين يمكن صرفهم عن غذائهم الروحي بكل سهولة.
وعندما نعتاد الطعام التافه سيجد الشيطان سهولة في تقديم وجبات كاملة من النفاية أو كما وصفها الطبيب الحبيب لوقا "الخرنوب الذي تأكله الخنازير"
كثيرون من الآباء والأمهات سوف ينزعجون لو علموا أن أولادهم قُدمت لهم أطعمة من القمامة، في الوقت الذي يختلف فيه الأمر تماماً عندما يكون هذا بالنسبة للغذاء الروحي وهو الأهم.
قد يمتعض بعض القراء من هذا الكلام .... ولكن هذه هي المرة الحقيقية المؤلمة ... بدون أدنى مبالغة.
تحذيرات
أحذر المأكولات التافهة
احذر من تأجيل وجبتك الروحية
"كم أحببت شريعتك. اليوم كله هي لهجي"مز 119 : 97
هكذا نرى الأهمية العُظمى في أن ننمي شهيتنا وشعورنا بالجوع إلى كلمة الله لكي يمكننا أن نتمتع بالصحة الروحية. وكلما ازدادت قراءتنا وتأملنا في كلمة الله، كلما ازداد تمتعنا بها وازدادت رغبتنا أكثر في القراءة والتأمل.
"اكشف عن عيني فأرى عجاب من شريعتك" مز 119 : 18
وعلى الجانب الآخر فإن الطعام التافه الذي يقدمه لنا العالم والشيطان يبدو مقبولاً جداً للطبيعة البشرية. عندما كان بنو إسرائيل في البرية اشتهوا طعام مصر الأول: القثاء والثوم والبصل (عد 11 : 5). أنا أقدر مشاعرهم تماماً لأني ولدت في مصر وبقت فيها 28 عاماً، وبعدها استمر شوقي إلى طعامها حوالي سنة حتى تعودت على الطعام الجديد. فطعام مصر لذيذ بالفعل وله نكهة خاصة، ولكن معظمه قليل الفائدة الغذائية. وأكثر من هذا فإن الثوم والبصل يعطيان رائحة نفاذة غير مُحببة لفم الآكلين. كذلك طعام إبليس. فكلامك سيفضحك أمام إخوتك وسيعرفون على التو أنك لم تكن مع يسوع "فإنه من فضلة القلب يتكلم الفم" مت 12: 34.
هذا بعكس حال بني إسرائيل عندما كانوا يتمتعون بكنعان .... لم يشتاقوا إلى طعام مصر.
لاشيء يصرفنا عن الطعام التافه نظير الشركة مع المسيح والتغذي المستمر بكلمته.
2- البدانة
من المعروف الآن أن البدانة أو زيادة الوزن من أخطر الأمور على الصحة. ومن المؤكد أنها تزيد من خطورة أمراض كثيرة مثل ارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب، وهناك مؤسسات كثيرة مهمتها فقط مساعدة الناس على إنقاص وزنهم. ولكن تُرى ما هو سبب البدانة؟ السبب الرئيسي أنك تأكل أكثر مما تستهلك.
وأظن التطبيق الروحي واضح جداً. وهو درس هام لنا. والرسول بولس يقول "العلم ينفخ" ولكنه يقول "ولكن المحبة تبني" (1كو 8 : 1) فإذا كنا نقرأ الكتاب لمجرد حشو رؤوسنا بالمعلومات ... فإننا سننتفخ.
فالمؤمنون في كورنثوس كانوا أغنياء في العلم وفي المواهب، ولكن لما عُرفت بينهم الفضيحة الأخلاقية (1كو5) لم يفعلوا شيئاً اتجاهها. كانت معلوماتهم في رؤوسهم فقط. ويقول لهم الرسول "أفأنتم منتفخون؟" (1كو 5: 2)
فالخطر للمؤمن ليس في زيادة التغذية من كلمة الله ولكن في عدم استخدمها في الحياة اليومية. فكمية الطعام التي تجعل الشخص كسول بديناً، هي نفسها التي تنمي العضلات لشخص أخر كثير الحركة والعمل. ولذلك: "فكما قبلتم المسيح يسوع الرب. اسلكوا فيه" (كو 2: 6)
كانت رغبة الرسول بولس للمؤمنين في كولوسي صحية جداً:
"لتسلكوا كما يحق للرب في كل رضى مُثمرين في كل عمل صالح. ونامين في معرفة الله" (كو 1 : 10)
سلوك، عمل، معرفة
سلوك: كما يحق للرب
عمل: صالح ومُثمر
معرفة: الله
النتيجة: متقوين بكل قوة
تحذير
لا تنتفخ بالمعرفة
"خبأت كلامك في قلبي لكيلا أخطئ إليك" مز 119 : 11
3- سوء التغذية
منذ سنوات بعيدة لوحظ أن البحارة عندما يتغيبون طويلا في رحلاتهم البحرية، يحدث لهم مرض الإسقربوط حيث يُلاحظ كثرة النزف من اللثة، كما لوحظ أنه في حالة أخذهم كميات كبيرة من البرتقال لا تظهر عليهم أعراض الإسقربوط. وهذا أدى – كما نعرف – إلى اكتشاف فيتامين ج. هؤلاء البحارة لم تكن مشكلتهم نقص التغذية بل سوء التغذية، فعندهم ما يكفي من الطعام ولكن تنقصهم عناصر غذائية معينة لازمة لهم لكي يتمتعوا بالصحة الجيدة.
أثناء تدريبي في كليات الطب، رأيت كثيراً من المرضى يبدو عليهم كأنهم أكثر صحة من الأطباء الذين يفحصونهم. ولكن بعد عمل الاختبارات والفحوص اللازمة تبين أن عندهم أمراضاً ناتجة عن نقص أنواع من الفيتامينات التي إن لم تُعالج بسرعة قد تقود إلى مشاكل صحية خطيرة. ومع أن هناك فرقاً واضحاً بين نقص التغذية وسوء التغذية، ولكي نقص التغذية الشديد لابد أن يؤدي إلى ظهور نفس مشاكل سوء التغذية.
هناك أمثلة كثيرة لسوء التغذية في الحياة الروحية. فمثلا المؤمن الذي يهمل أجزاء معينة من كلمة الله مثل النبوات (كأن "ما لابد أن يكون عن قريب" رؤ 1 : 1 ليس بالأمر الهام)، لابد بمثل هذا المؤمن أن يعاني من سوء التغذية. حقيقة هناك أجزاء وفصول معينة صعبة الفهم. ولكن هذا لا يعني أن نهملها بالكلية. فالشخص الراغب بإخلاص أن يفهم هذه الفصول الصعبة يستطيع أن يستعين بالشروحات والتفاسير المتوفرة بالفعل. ومن الجانب الآخر فإن المؤمن الذي يعرف كيف يفسر أسابيع دانيال السبعين (دا 9: 24) ولكن لا يعرف حقيقة مركز المؤمن وثباته في المسيح فهو يعاني من نوع خطير جداً من سوء التغذية.
المؤمن لابد أن يُصاب بسوء التغذية إذا أهمل بالكُلية جزءاً من كلمة الله.
طبعاً هناك أجزاء من كلمة الله يلزم أن نقرأها ونلهج بها ونتأمل فيها أكثر من غيرها، ولكن لا يوجد جزء من كلمة الله يمكن الإصرار على تجاهله تماماً.
مثال آخر لسوء التغذية هو الروح الناموسية، وربما لا يوجد أصعب من الحياة مع مؤمن ناموسي. هذا الشخص هو في الحقيقة (قاتل للبهجة). ومع أن الناموسية مرض خطير، فإن ضحيته عادة ما يكون لديه نوع من الشعور بأنه يتمتع بصحة روحية أفضل من الذين حوله. ويتعجب لأن الآخرين لا يشاركونه في هذا الرأي عن نفسه. والاسم الطبي لهذه الحالة هو (يوفوريا Euphoria) أي توهم الإحساس بسعادة غير حقيقية زائدة عن الحد.
فمثلا إن كنت تعلم أن من يذهب إلى هذا المكان أو يشاهد ما يُعرض على جهاز التليفزيون لا يمكن أن يكون مؤمناً حقيقياً، أكون ناموسياً. ولكن إن كنت أتحاشى هذه الأشياء لكي استفيد روحياً بالوقت وأشجع المؤمنين على إتباع هذا بروح المحبة، فهذه ليست روحاً ناموسية. يلزمنا كثيراً من الحكمة واللياقة في هذه الأمور. ولكن عموماً، القاعدة السليمة هي أن أكون صارماً – ما استطعت – مع نفسي، وأكون متحملاً للآخرين بقدر الإمكان وفي الحدود الكتابية طبعاً.
بعض حالات سوء التغذية تكون بسبب أن بعض العناصر الغذائية (مثل الفيتامينات) تحتاج إلى مواد أخرى (كالدهنيات) لكي يتمكن الجسم من امتصاصها. والبعض الأخر حتى بعد امتصاصه لا يمكن أن يؤدي إلى التأثير المطلوب إلا في وجود عناصر أخرى. وهكذا أيضا في الروحيات، فضرورة التوازن السليم هو أمر هام جداً حتى في الروحيات.
أمثلة أخرى:
"ها أنا آتي سريعاً" (رؤ 22 : 7) + "تاجروا حتى آتي" (لو 19: 13)
فوعد مجيئه يعطينا الفرح والتشجيع أثناء خدمتنا للرب ونحن في هذا العالم. وأمثلة أخرى:
"الله محبة" (1يو 4 : 8) + "الله نور" (1يو 1 : 5)
"لأن إلهنا نار آكلة" (عب 12: 29) + "إله كل تعزية" (2كو1 :3)
أظن أن أهمية هذه الثنائيات واضحة جداً. فالواحدة بدون الأخرى إما أن تحرمنا من سعادتنا أو من فاعلية عملنا وتأثيرنا وفي النهاية سنفقد الاثنين معاً.
أحد مظاهر سوء التغذية المٌحزنة التي تُصيب كثيراً من أولاد الله الأعزاء هو سوء الفهم الشائع عن ماهية الانفصال عن الشر. فكثير من المؤمنين المُصابين بسوء التغذية، وبحسن نية، قد أخذوا مواقف انفصالية وانعزالية عن أخوتهم الذين قد يكونون أقل منهم في كلمة الله، وبذلك فإنهم يحرمون أنفسهم – بلا داع حقيقي – من التمتع بالشركة الحلوة مع كثير من أولاد الله الأعزاء. وبذلك أيضاً تتعطل الشهادة للرب يسوع المسيح.
تنبيه
هل وجباتك متوازنة جيداً؟
وختاماً نقول أنه لكي نتجنب سوء التغذية، علينا أن نهتم بكلمة الله كلها وأن ندرسها جيداً ونطيعها.
"كل الكتاب هو موحى به من الله ونافع للتعليم والتوبيخ للتقويم والتأديب الذي في البر. لكي يكون انسان الله كاملا متأهبا لكل عمل صالح " (2تي 3 : 16 -17)
ولقد قال بولس في خطاب الوداع لشيوخ كنيسة أفسس " لاني لم أؤخر ان اخبركم بكل مشورة الله" (أع 20: 27)
4- التسمم الغذائي
حذر الرسول بطرس الإخوة من المعلمين الكذبة الذين يدسون بدع هلاك (2بط 2: 1 – 3). ويشبههم بالأنبياء الكذبة في العهد القديم الذين كان غرضهم تضليل الشعب وابعاده عن الرب وقيادته إلى الهلاك. بعضهم تكلم باسم آلهة غريبة وبعضهم تكلم باسم الرب بالكذب. ولكنهم جميعاً كان لهم ذات التأثير المُهلك والمُدمر.
ورغم أن الكنيسة قد حُذرت مقدماً، كما تنبأ بطرس وغيره بذلك، إلا أن كثيرين قد ضلوا وراء تعاليمهم الخبيثة. فبطرس مسوقاً من الروح القدس قال: "ولكن كان ايضا في الشعب انبياء كذبة كما سيكون فيكم ايضا معلّمون كذبة الذين يدسّون بدع هلاك واذ هم ينكرون الرب الذي اشتراهم يجلبون على انفسهم هلاكا سريعا. وسيتبع كثيرون تهلكاتهم.الذين بسببهم يجدف على طريق الحق. وهم في الطمع يتّجرون بكم باقوال مصنعة الذين دينونتهم منذ القديم لا تتوانى وهلاكهم لا ينعس" (2بط 2 : 1 – 3)
هذه الأعداد القليلة تمثل نبوة هامة وهي واحدة من الأدلة الكثيرة على وحي الكتاب المقدس. لقد درست بعض الديانات التي في العالم ولا أعرف واحدة منها تنبأت عن مستقبلها كما تفعل هذه النبوة!.
وبالتأكيد لو كان بطرس وباقي الرسل يحاولون تأليف دين جديد لما كتبوا مثل هذا الكلام! ومع ذلك فقد ذكر معظم كُتاب العهد الجديد نفس التحذير من الارتداد، وكذا من التعاليم المُخربة والمُضلة. لماذا؟ لأن التسمم الغذائي أمر خطير جداً.
ونظرة سريعة إلى كلمات الرسول بطرس السابقة تبين لنا الدافع والطريقة التي يتبعها هؤلاء المضلون. فالدافع هو الطمع، والطريقة هي أقوال مصنعة (أي غير صادقة). وهو فعلاً ما نراه حولنا في البدع الكثيرة المنتشرة في هذه الأيام. فأصحاب تلك البدع ينكرون حقيقة أو أكثر فيما يختص بربنا يسوع المسيح. ومهما اختلفت ضلالاتهم فكلها تتفق في إنكار الرب الذي اشتراهم. وقد تنبأ الرسول بطرس أيضا بأن كثيرين سيتبعون تهلكاتهم. الأمر الذي نراه بوضوح في هذه الأيام. ولكن النبوة لم تدع أصحاب تلك البدع ليتباهوا بالملايين التي تسير في ركابهم، إذ تنبأ بطرس أيضاً عن دينونتهم التي لا تتوانى وهلاكهم الذي ينعس.
في العالم الطبيعي، غالباً ما ينتهي التسمم الغذائي بالموت، وهذا ما يعطيه أهمية خاصة في علوم الصحة.
وأما من الناحية الروحية فيجب الاحتراس الشديد من التسمم الغذائي. صحيح نحن نشكر الله لأن الحياة التي أعطاها لنا الرب عندما ولدنا ثانية منه، هي حياة أبدية، وبالتالي فهي تستمر إلى الأبد ولا تضيع من المؤمن، ولكن مع ذلك فإن التسمم الغذائي للمؤمن يمكن أن يؤدي إلى حالة مرضية خطيرة قد تصل إلى أن يصبح هذا المؤمن معوقاً بالكُلية. لابد أنك سمعت عن هؤلاء الذين يعيشون بالتنفس الصناعي والمحاليل .... هؤلاء الأشخاص يصبحون عبئاً ثقيلاً على أحبائهم. إنهم غير مثمرين بالمرة، بل أحياناً لا يمكنك أن تجزم بمجرد النظر إليهم إن كانوا أمواتاً أم أحياء.
عندما يريد شخص أن يسمم الآخر، لا يذهب إليه قائلاً: ها هو الطعام المسمم .. هيا تناوله! بالعكس، فعادة ما يضع الشخص، السم في طعام شهي ويقدمه للشخص الآخر بطريقة جذابة. أليس هذا ما يحدث في هذه التعاليم المُضلة في هذه الأيام؟ فهؤلاء المعلمون الكذبة يُظهرون غيرة شديدة في عملهم وقد يقومون بزيارة كل جيرانهم، فلا تدع الأمر يخدعك. بل إنهم قد يكونون مثالييين في تصرفاتهم وكلامهم .... أكثر من بعض المؤمنين الحقيقيين! لكن إياك أن تنخدع من هذا أيضاً.
العلاج
أهم شيء هو تنجب هذه التعاليم، فدرهم وقاية خير من قنطار علاج. فقليلون جداً هو الذين بعد أن سقطوا في براثن تلك البدع أمكنهم الشفاء من ضلالاتها المُهلكة.
فكيف إذا نهرب من خطر التسمم الغذائي؟؟
يعطينا الرسول بطرس الإجابة في نفس رسالته الثانية، إذ يقول "لتذكروا الأقوال التي قالها سابقا الأنبياء القديسون ووصيتنا نحن الرسل وصية الرب والمخلّص " (2بط 3 : 2)
أثناء كتابتي هذا الفصل قرأت عنواناً في جريدتنا المحلية يقول: "الإحصائيات تدل على إن معظم الأمريكيين يؤمنون بالدين" واسترسل الكاتب يقول إن إحصائيات جالوب تقرر أن نصف سكان الولايات المتحدة يذهبون إلى الكنيسة في أيام الآحاد. ومعظم البيوت بها على الأقل نسخة واحدة من الكتاب المقدس، وأن الأمريكيين يحترمون الكتاب، ولكن نادراً ما يقرأونه. ثم يكرر القول بأن نسبة الذين يقرأون في الكتاب المقدس يومياً 12%.
هل غريب بعد هذا أن تنتشر التعاليم الفاسدة والمُضلة بين من يُسمون مسيحيين؟ وما أضعف المقاومة التي تجدها التعاليم – إن وجدت!
طبعاً أنا لا أتعجب من أن أغلب غير المؤمنين لا يقرأون الكتاب، ولكن الحقيقة المُحزنة للنفس هي أن كثيرين من أولاد الله يهملون الكلمة، لدرجة أنه لا يمكنهم الإلمام بالحقائق الجوهرية فيه.
إن تحريضات الرسول بولس المتكررة لابنه المحبوب في الإيمان تيموثاوس لا تحتاج بنا إلى تعليقة:
" اعكف على القراءة .... والتعليم" (1تي 4 : 13)
" لاحظ نفسك والتعليم..." (1تي 4 : 16)
"اجتهد ان تقيم نفسك للّه مزكّى عاملا لا يخزى مفصّلا كلمة الحق بالاستقامة. واما الاقوال الباطلة الدنسة فاجتنبها .... اللذان زاغا عن الحق قائلين ان القيامة قد صارت فيقلبان ايمان قوم " (2تي 2: 15 -18)
تحذير
احترس من المعلمين الكذبة
احترس من التسمم الغذائي
" وصيتك جعلتني احكم من اعدائي لانها الى الدهر هي لي" (مز 119: 98)
ولكن يجب أن نكون حريصين حتى لا نتهم كل الذين يختلفون معنا في الرأي في التفاصيل الدقيقة أو في معاني بعض الآيات بأنهم معلمون كذبة كالذين وصفهم بطرس الرسول. فالحقائق الجوهرية قد أُعطيت لنا في الكتاب بصورة واضحة لا لبس فيها حتى لأبسط المؤمنين. ومن بين هذه الحقائق الجوهرية لاهوت ربنا يسوع المسيح وكفاية عمل الفداء على الصليب. كذلك الإيمان المطلق بالوحي الكامل لكل الكتاب المقدس وكفايته وسلطانه. أما عدم فهم بعض التفاصيل النبوية مثلاً فلا ينبغي أن نعتبره تسمماً غذائياً.
نحن نحتاج إلى مداومة الدراسة في كلمة الله بروح الصلاة وباتضاع حتى نتغذى بها وحتى نُحفظ من التسمم الغذائي.
- عدد الزيارات: 13617