Skip to main content

تذليل الصعوبات - مشاكل شخصية: الحزن والألم

الصفحة 6 من 6: مشاكل شخصية: الحزن والألم

مشاكل شخصية: الحزن والألم

ليس القائد معفى من المشاكل الشخصية في الحياة. فهو كغيره من البشر قد يتعرّض لمصاعب مالية، كما قد يواجه تجارب قاسية مع أولاده. قد تحلّ به الأمراض وقد يتعرض لهجمات شخصية بسبب ميوله أو أخلاقه أو استقامته. وبالتالي فإن زوابع الحياة قد تعصف به فيبدو وكأنها قد تغلَّبت عليه وسحقته في عنفها. فالغم والقلق والحيرة ليست بعيدة عن رجل في مركز القيادة.

ولقد تكلم بولس الرسول عن ذلك. "وليس ذلك فقط بل نفتخر أيضاً بالضيقات، عالمين أن الضيق يُنشئ صبراً والصبر تزكية، والتزكية رجاء، والرجاء لا يُخزي، لأن محبة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المعطى لنا" (روميه 5: 3- 5).

عندما أقرأ هذا المقطع يهزني قول بولس "نفتخر بالضيقات". لماذا؟ ما هو الجميل الرائع في الضيقات؟ ولماذا يفتخر بذلك رجل عادي عاقل؟ من المنتظر أن يتجنّب الناس الوقوع في الضيقات، لكن الكلام هنا يدور حول الافتخار بها. أوليس هذا تناقضاً غريباً؟ فالضيقات تعني الهم والقلق.

إن كلمة "ضيقات" هذه التي ترددت هنا تأتي من كلمة يونانية قديمة تعني الآلة التي كانوا يخبطون بها قش الحنطة فيفصلون بذلك بين القمح والتبن. فالضيقات تنقّي المؤمن كتنقية القمح من التبن، ولذلك يفتخر بولس بها. ولم يكن بولس وحده يقف هذا الموقف بل شاركه فيه الرسولان بطرس ويعقوب. يقول بطرس "أيها الأحباء لا تستغربوا البلوى المحرقة التي بينكم حادثة لأجل امتحانكم كأنه أصابكم أمر غريب" (1 بطرس 4: 12). وكتب يعقوب "احسبوه كل فرح يا أخوتي حينما تقعون في تجارب متنوعة، عالمين أن امتحان إيمانكم يُنشئ صبراً وأما الصبر فليكن له عمل تام لكي تكونوا تامين وكاملين غير ناقصين في شيء" (يعقوب 1: 2- 4).

إنه أمر غريب. إني عادةً أفرح عندما أخرج من ورطة أو تجربة وقعت فيها. أفرح عندما أخرج وليس عندما أقع فيها.

قال بولس الرسول لأهل كولوسي أن يواجهوا الآلام المتواصلة بفرح وشكر. "متقوِّين بكل قوة بحسب قدرة مجده بكل صبر وطول أناة بفرح شاكرين الآب الذي أهَّلنا لشركة ميراث القديسين في النور" (كولوسي 1: 11- 12).

عند قراءة هذه الآيات نرى لماذا يجب مواجهة التجارب والمشاكل بالفرح والشكر لأنه من خلالها يبني الله الأخلاق المسيحية. فقوة الاحتمال وصدق العزيمة ينموان في حياتنا. إن علينا ألا ننسى أن هذه هي طريقة الله في العمل. إن الصبر صفة أساسية لابد منها للقيادة. وهذا هو أسلوب الله لجعلها جزءاً منا. إن الشجرة التي تكبر وتنمو في المشتل الدافئ تكون سليمة لكنها رفيعة ضعيفة. أما الشجرة التي تنبت حيث الريح الشديدة فإنها تضرب بجذورها عميقاً في الأرض وتكون صلبة قويّة. إن هذا ما يحتاجه القائد. إذ عندما تأتي التجارب فإنها تقوّي إيماننا، وهذا الاختبار يوجد فينا الثقة بالله للمستقبل.

وكتب بولس: "فقال لي تكفيك نعمتي لأن قوّتي في الضعف تكمل فبكل سرور أفتخر بالحري في ضعفاتي لكي تحل عليّ قوة المسيح. لذلك أسرّ بالضعفات والشتائم والضرورات والاضطهادات والضيقات لأجل المسيح. لأني حينما أنا ضعيف فحينئذ أنا قويّ" (2 كورنثوس 12: 9- 10). يجب أن نواجه الواقع وهو أن الله مهتّم بنضجنا أكثر من اهتمامه براحتنا. إن رغبته هي تنعكس على حياتنا ومن الجوانب العديدة، أشعة جمال المسيح.

هل دخلت مرة إلى مصنع خزف؟ عندما توضع قطعة الخزف في التنور تكون ألوانها باهتة وقاتمة ولكن عندما تخرج من نار التنور تكون ذات ألوان برّاقة. إن النار هي التي تكسبها ذلك الجمال. وهكذا الحال في حياتنا، فإن نيران الحياة تظهر جمال حياة المسيح فينا.

السيدة ليلي تروتمان زوجة مؤسس "الملاحين" واجهت في حياتها صعوبات كثيرة، ولكن عندما تدخل هذه السيدة أي مكان فإن الحاضرين يشاهدون النور يضيء في وجهها. إنه نور جمال المسيح يشع من خلال روحها.

إن هذا بالطبع يحدث فقط عندما نواجه ضيقات الحياة في نور صليب المسيح. وإلا فإن الشدائد تستطيع أن تدق وتداً من العداء بيننا وبين الرب. فقد نصبح متهوِّرين. وعليه يجب أن نواجه متاعبنا ونثق بالله كي يستخدمها لإكمال مشيئته وعمل إرادته فينا.

بالإضافة إلى إظهار جمال المسيح يمكن أن تصبح الضيقات وسيلة لبيان قدرة الله. فقد ضُرب بولس وسيلا وألقيا في السجن ووضعت أرجلهما في المقطرة. ورغماً عن أن حقوقهما المدنيّة قد اغتصبت وكانا يعاملان خلافاً للقانون فكيف تجدهما يتصرفان؟ كانا يرنّمان. هل كانت ترانيم احتجاج؟ لا ، بل كانت ترانيم الانتصار وتمجيد الله.

لقد مارس بولس في مدينة فيلبي ما علَّم به في رسالته إلى كولوسي. فعندما ضُرب هو وسيلا بالعصيّ وأهينا كان ردّهما الفرح والشكر لله. كان هذا إظهاراً لقوة الله المجيد فيهم. "متقوِّين بكل قوة بحسب قدرة مجده بكل صبر وطول أناة بفرح" (كولوسي 1: 11).

هناك اختلاف في الآراء حول كيفية إظهار الله قوته في حياة الإنسان. يقول لنا بولس أن الإنسان إذا اجتاز وسط نار الصعوبات بروح الفرح والشكر فتلك قوة.

وكما نظر موسى، وإذا علّيقة تتوقَّد بالنار والعلّيقة لم تكن تحترق، فكان في ذلك تحدٍّ له، فقال أميل لأنظر هذا المنظر العظيم، هكذا يشعر الناس بالتحدي عندما يرون إنساناً يجتاز وسط نيران الصعوبات وهو يشكر الرب ويحمده.

إن أكثر ما يجب الاحتفاظ به في أذهاننا من الكتاب المقدس خلال أيامنا الصعبة هو ما أعطاه لنا أشعياء. "لأن أفكاري ليست أفكاركم ولا طرقكم طرقي يقول الرب. لأنه كما عَلَت السماوات عن الأرض هكذا علت طرقي عن طرقكم وأفكاري عن أفكاركم". (أشعيا 55: 8- 9). عندما نصلي طالبين من الرب أن ينقذنا يجب أن نذكر أن لله وقته الذي عيَّنه وله طرقه الخاصة للعمل. نرى مثالاً على هذا في اختبار بولس الرسول في أنطاكية بولاية بيسيديا حيث طُرد إلى خارج المدينة (أعمال 13: 50). ثم ذهب من هناك إلى أيقونية حيث حاولوا رجمه ولكنه هرب إلى لسترة (أعمال 14: 5- 6). وفي لسترة ثارت عليه الجموع ورجموه وتركوه على أساس أنه مات (أعمال 14: 19). وهكذا نجا بولس من ثلاثة أخطار المرة تلو المرة. وهذا في ذاته حسن مع أن كلاّ من هذه الحوادث كان يكفي للقضاء على بولس لو سمح الله بذلك.

عندما ذكر بولس هذه الأحداث فيما بعد صرّح تصريحاً مذهلاً. "وأما أنت فقد تبعت تعليمي وسيرتي وقصدي وإيماني وأناتي ومحبَّتي وصبري واضطهاداتي وآلامي مثل ما أصابني في أنطاكية وأيقونية ولسترة، أية اضطهادات احتملت، ومن الجميع أنقذني الرب (2 تيموثاوس 3: 10- 11). هل كان بولس يعني حقاً أن الرب أنقذه "من الجميع"؟ لقد أنقذه في أنطاكية، وأنقذه أيضاً في أيقونية. أما في لسترة فوقع في أيدي جمع حاقد فرجموه وظنوا أنه مات.

لكن مع هذا يقول بولس "ومن الجميع أنقذني الرب"، وفي هذا حقيقة جميلة. لقد أنقذ الرب بولس مرّتين من الرجم فلم يرجمه المضطهدون، لكنه سمح في المرة الثالثة أن يُرجم. ومع أنه رُجم لكن الرب أنقذ حياته. لقد كان الرب المنقذ في المرات الثلاث. طبعاً كان بولس يتمنى لو أن الرب جنّبه الرجم في المرة الثالثة كما جرى في المرتين الأوليين، لكن طرق الله ليست دائماً طرقنا. المهم هو أن بولس اجتاز هذه الاختبارات وهو يشهد بفرح لقوة الله التي تنقذ وتحفظ. "وسينقذني الرب من كل عمل رديء ويخلصني لملكوته السماوي، الذي له المجد إلى دهر الدهور. آمين" (1 تيموثاوس 4: 18).

"ونحن نعلم أن كل الأشياء تعمل معاً للخير للذين يحبون الله الذين هم مدعوُّون حسب قصده" (روميه 8: 28). من السهل فهم حقيقة هذه العبارة، لكن من الصعب ممارستها في الحياة اليومية. يجد القائد صعوبة في رؤية الخير وهو يحسّ بحرارة أتون التجارب.

أُلاحظ وأنا أكتب هذه الكلمات كيف تقوم زوجتي بعمل فطيرة بالتفاح. فلو أنها قدَّمت إليّ طبقاً من التفاح المدهون بالزبدة لرفضت قبوله، وكذلك لو أعطتني كأساً مملوءة بالطحين والخميرة. ولكن عندما تجمع كل هذه المواد وتمزجها بآلة المزج، وتضع العجينة الناتجة في الفرن لفترة وجيزة، فإن ما يخرج بعد ذلك يكون فطيرة تفاح شهيّة.

إن هذا ما يفعله الله كثيراً في حياتنا. فهو يمزج معاً الأوقات الطيبة والأوقات الصعبة، ويعرف بالضبط النسبة الصحيحة التي يجري بها المزج. ثم نمر في نار التجارب، وإذ تكتمل العملية نخرج من كل ذلك أناساً أفضل مما كنا. إن السرّ هنا هو أن ندرك ما الله فاعله ونفتخر ونفرح في الضيقات ونستجيب بالشكر والفرح.

وعليه فعندما تجد نفسك في مأزق، أو محتاراً، أو مضطهداً، أو مطروحاً فافرح. ذلك أن الله ينشئ فيك صبراً ورجاء. "لكي تكونوا تامّين وكاملين غير ناقصين في شيء" (يعقوب 4: 1). فإذا كنت الآن تواجه أياً من هذه الأشياء فافرح لأنك في صحبة أحسن الرفاق. كتب بولس يقول: "مكتئبين في كل شيء لكن غير متضايقين، متحيِّرين لكن غير يائسين، مضطهدين لكن غير متروكين، مطروحين لكن غير هالكين" (2 كورنثوس 4: 8-9). بالإضافة إلى ذلك كان بولس يواجه الموت دائماً "لأننا نحن الأحياء نُسلَّم دائماً للموت من أجل يسوع لكي تظهر حياة يسوع أيضاً في جسدنا" (2 كورنثوس 4: 11).

ما الذي جعل بولس مستمراً في مواجهة كل هذه الصعاب؟ أنه يذكر خمسة أشياء، أولها الإيمان "فإذا لنا روح الإيمان عينه حسب المكتوب: آمنت لذلك تكلمت، نحن أيضاً نؤمن ولذلك نتكلم أيضاً" (2 كورنثوس 4: 13). وثانيها الأمل "عالمين أن الذي أقام الرب يسوع سيقيمنا نحن أيضاً بيسوع ويحضرنا معكم" (2 كورنثوس 4: 14). وثالثها احتياجات الآخرين "لأننا إن صرنا مختلّين فلله، أو كنا عاقلين فلكم" (2 كورنثوس 5: 13). ورابعها مكسب حياتنا "لذلك لا نفشل، بل وإن كان إنساننا الخارج يفنى فالداخل يتجدد يوماً فيوماً" (2 كورنثوس 4: 16). وخامسها كان رؤيته لكل شيء على ضوء الأبدية "لأن خفة ضيقتنا الوقتية تنشئ لنا أكثر فأكثر ثقل مجدٍ أبدياً. ونحن غير ناظرين إلى الأشياء التي تُرى بل إلى التي لا ترى. لأن التي تُرى وقتية وأما التي لا تُرى فأبدية" (2 كورنثوس 4: 17- 18).

فلو أمكننا رؤية الأشياء كما هي في الحقيقة نجد أن الضيق الحالي الذي يبدو ثقيلاً وطويلاً، هو في الحقيقة خفيف وقصير، ويجب أن نواجه الصعوبة في ضوء الصليب ومن وجهة نظر السماء، وأن تتذكر بأنها تعمل لخيرنا وليس ضدنا.

ما هي بعض الخطوات العملية التي يمكن أن يتخذها القائد عندما يكون في وسط المتاعب والحزن؟ أولاً يستطيع أن يتمسك بكلمة الله بجدّية "ملقين كل همكم عليه لأنه هو يعتني بكم" (1 بطرس 5: 7).

لقد حفظت هذه الآية غيباً منذ أول إيماني، ولكني لم أتمكن من فهمها إلا أخيراً إذ أصبحت جزءاً من اختباري الشخصي. كنت أتحدّث مع الدكتور بل برايت من الحملة الجامعية للمسيح فذكرت له بعض الهموم والمصاعب التي كنت أمرّ فيها.

نظر إليّ وقال: لقد وجدت يا ليروي عزاء عظيماً في (1 بطرس 5: 7). لقد تبيّن لي في حياتي الخاصّة أنه، إما أن أحمل أحمالي أو يحملها المسيح عني. ولما كان من غير الممكن أن نحمل كلانا تلك الأحمال قررت أن أتركها له.

وتحدّاني الأخ برايت أن أجرّب ذلك. تركت غرفته في الفندق الذي كنا كلانا ننزل فيه، وكنت مرتبكاً وأنا أتساءل: هل تعني تلك الآية فعلاً ما تقوله؟ ذهبت بعد ذلك إلى غرفتي وبدأت أصلي. وطبّقت بقدر ما أعرف ما قاله لي الأخ برايت كنت أشعر طوال شهور كأن في معدتي عقدة، أما بعد ذلك فقد تركتني العقدة واختبرت إنقاذ الله. لا أقول لم تبقَ لدي مشاكل، فهي لم تزل حتى اليوم، ولكن الحمل قد انزاح. لم أعد أقضي ليالي بلا نوم، أو أن أبكي حتى أنام. أستطيع الآن مواجهة الحمل مع فرح الروح وشكر القلب.

خلال ارتحال بني إسرائيل "جاءوا إلى مارة ولم يقدروا أن يشربوا ماء من مارة لأنه مرّ لذا دُعيّ اسمها مارة" (خروج 15: 23). جاءوا بعد ذلك إلى ايليم حيث وجدوا مياهاً حلوة ونخلاً مثمراً. "ثم جاءوا إلى ايليم، وهناك اثنتا عشرة عين ماء وسبعون نخلة، فنزلوا هناك عند الماء" (خروج 15: 27).

إني أعرف ذلك في حياتي الخاصّة. فإن مياه مارة المرة تلتها شركة حلوة مع الرب وثمرٌ أوفر في خدمته.

الصفحة
  • عدد الزيارات: 13300