الانفصال عن غير المؤمنين
وأريد أن نتأمل بشيء من التفصيل في 2 كورنثوس6: 11-18, بالارتباط مع موضوعنا هذا, فمكتوب:
"فمنا مفتوح إليكم أيها الكورنثيون, قلبنا متسع. لستم متفقين فينا, بل متفقين في أحشائكم. فجزاء لذلك (أقول كما لأولادي كونوا أنتم أيضاً متسعين. لا تكونوا تحت نير غير متكافئ) مع غير المؤمنين: لأنه أية خلطة للبر والإثم؟ وأية شركة للنور مع الظلمة؟ وأي اتفاق للمسيح مع جليعال؟ وأي نصيب للمؤمن مع غير المؤمن؟ وأية موافقة لهيكل الله مع الأوثان؟ فإنكم أنتم هيكل الله الحي, كما قال الله إني سأسكن فيهم وأسير بينهم, وأكون لهم إلهاً وهم يكونون لي شعباً. لذلك اخرجوا من وسطهم واعتزلوا يقول الرب, ولا تمسوا نجساً فأقبلكم, وأكون لكم أباً, وأنتم تكونون لي بنين وبنات, يقول الرب القادر على كل شيء".
إننا غالباً ما نسأل إلى أي مدى ننفصل؟ وهنا قرأنا "كونوا أنتم أيضاً متسعين" لم يقل "مقيدين" بل "متسعين"! فمتى كان القلب متسعاً للمسيح وراغباً في أن يسير بحسب ما يسره, فإن الانفصال يصبح النتيجة. وعندما يتسع القلب للمسيح فإن العالم يضيق. إذن لا تصبح المسألة "إلى أي مدى يكون انفصالنا؟" بل بالحري إلى أي مدى يصبح متسع للعالم داخل قلوبنا حتى اتسع القلب للمسيح؟ ويا له من سؤال فاحص لنا! كما كتب واحد (يوحنا داربي) في تعليقه على هذا الجزء: "الشيء المرعب الذي يفوق كل حد أن نجد القديسين وقد تراخوا في تمسكهم بالمبادئ الإلهية وأصبحت حياتهم عالمية ... إنني أشدد بكل قوة على الشهادة التي تجعلني أقف ضد كل ما هو نير غير مقدس ومدان. فالنص ينطبق على الزواج, أو الشركة, حيث أنها تنطبق على أي شيء يتفق عليه الناس ليسيروا معاً بموجب مبدأ عام. وأما المسيحي فعليه أن يستحضر المسيح كالشخص الوحيد والمحرك لكل شيء".
لاحظ هنا في البداية أنه يقول: "لا تكونوا تحت نير (متخالف) مع غير المؤمنين". ويفيدنا أن نعرف أن النير أو الارتباط بين مؤمن وغير مؤمن هو نير متخالف. فالمؤمن يحب الرب يسوع, وغير المؤمن لا يحبه. المؤمن له حيلة جديدة وغير المؤمن ليست له, المؤمن يطلب بدرجة ما (على الأقل) أن يفعل إرادة الله أبيه, بينما غير المؤمن يطلب طريقه المستقل- مهما كان غير المؤمن هذا عطوفاً أو محباً أو متصفاً بأي صفات إنسانية أخرى, وطالما له طريقه الخاص فليس له قلب على المسيح. فكيف يمكن لإثنين من الناس غير متفقين في أكثر الأشياء أهمية, أن يتحدا في علاقة أو رابطة معاً؟ كيف يمكن أن تقوم مثل هذه الرابطة لمجد الله؟ ولكن هذه الأعداد لا تعني أننا نخرج من هذا العالم تماماً, فنحن لا نقدر طالما نعيش في الأرض. إنها بالحري تعلمنا كيف نعيش في هذا العالم سواء كنا في المدرسة أو العمل, مع أصدقائنا, أو في أي ارتباطات أخرى. فهذه الأعداد تشير كما لاحظنا إلى علاقة بين المُخلَّصين من جهة بعض الروابط أو العلاقات أو في العبادة المشتركة. وهذا سنراه بوضوح عند التأمل بعناية أمام الرب في أجزاء كلمته التي تغطي كل نقطة نحتاجها, فلنتأملها واحدة تلو الأخرى.
"لأنه أية خلطة للبر والإثم"؟ فالمؤمن يُسَّر بالبر بينما غير المؤمن لا يُسَّر به. فكيف يمكن أن يستمرا معاً كشركاء في عمل واحد؟ المؤمن له ضمير ليعمل بالبر وكشهادة للمسيح, ولكن غير المؤمن ليست له مثل هذه الدوافع, أما إذا اجتمعت معاً تلك الدوافع في الشركاء فإنهم يعملون كشخص واحد ويتشاركون في الفوائد معاً. وبالطبع فإنه يمكن لواحد أن يعمل عند شخص غير متجدد, وهذا شيء يختلف عن أن تتشارك مع آخر غير مؤمن- الذي معناه نير متخالف, سواء كنت عضواً نشيطاً في هذه الشركة أم لا, فأنت شريك فيها.
"وأية شركة للنور مع الظلمة"؟ فالمؤمن هو ابن للنور بينما غير المؤمن يحب الظلمة أكثر من النور. فكيف يمكن لفتى أو فتاة في مدرسة أن يكون أو تكون عضواً في نادي أو جماعة للترفيه أو الرياضة؟ إنه لا يقدر إذا أراد أن يرضى الرب أن يفعل نفس الأشياء أو تكون له ذات الأهداف مثل بقية أعضاء الجماعة غير المؤمنين. إنه يريد أن يحضر اجتماع في نفس الوقت الذي يريد بقية الأعضاء أن يخططوا لوقت ترفيهي عالمي. إنه بالتأكيد نير متخالف!
"وأي اتفاق للمسيح مع جليعال"؟ وهذه لغة صريحة حقاً, فالمسيحي هو للمسيح, أما غير المؤمن فهو جزء من هذا العالم الذي يحتاطه ذراعي الشرير أي إبليس (1يو5: 19). فكيف يتفقان معاً؟! إن الرب يسوع التقى بالشيطان في البرية, وقدم له إبليس كل ممالك العالم إن كان يخر ويسجد له. فهل قبل الرب يسوع الأمجاد الأرضية بهذه الطريقة؟ وهل غَيّر الحجارة خبزاً بدون كلمة من عند الآب؟ كلا فهو الإنسان الطائع, وقال "ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله" متّى4: 4. فهل نتجه نحن لنقيم رابطة أو اتحاد مع أولئك الذين هم في حضن إبليس لأجل امتيازات نتحصل عليها أو لأجل ضرورات نراها؟ إنني أوجه القارئ إلى إجابات المسيح في التجربة ليعرف أن فرحه في عمل إرادة أبيه, ولو كان الطريق مؤلماً.
"وأي نصيب للمؤمن مع غير المؤمن"؟ قد يتردد سؤال بسيط من شاب صغير مؤمن مجرب فيقول هل أصادق فتاة غير مؤمنة وأخرج معها؟ أي نصيب للمؤمن مع غير المؤمن؟ إن طبيعتك الجديدة لا تقدر أن تستمتع بهذه الأشياء لأن غير المؤمن مهما كان حلواً في نظرك لا تهمه هذه الأمور الحيوية فهو ميت في خطاياه (أف2: 1). فغير المؤمن يعيش بدون إيمان حي. ربما لكي يرضيك يقول إنه مؤمن. ولكن الكتاب يخبرنا عن أولئك الذين يؤمنون بعقولهم فقط (يوحنا2: 23-25, أعمال8: 13و21, يعقوب2: 19), ولكنه لا يكفي , فلو تم زواجكما, وغالباً ما تنتهي هذه الصداقة بالزواج, فإنك سترتبط بشخص ليست له محبة حقيقية لذاك الذي تحبه بالأكثر وهو الرب يسوع المسيح. وبالتالي فهو لا يريدك أن تسير بالإيمان, وهكذا في أقرب وأغلى نصيب لك في الحياة لا يقدر أن يشترك معك فيه. وياللأسف-فهو نير متخالف حقاً! هذه حالة الكثيرين من الشباب! تستطيع أن تنفصل من هذه الصداقة الآن إن كنت لا تزال فيها, ولكن بعد الزواج تصبح مرحلة متأخرة والموقف معقداً.
"وأية موافقة لهيكل الله مع الأوثان"؟وهنا يشير بصفة خاصة إلى النير الديني أو الروحي. فالمؤمن هو حجر حي في بناء الله أما غير المؤمن فليس كذلك, بل يسميه هنا وثنى, مع أنه قد يكون عضواً في كنيسته, إذ أمامه شيء آخر بخلاف المسيح. وهذا هو المعنى الحقيقي للوثنية. ربما يجد لذته في بناء فخم لكنيسة, أو في بلاغة مبشر فصيح, ربما يحب الموسيقى الدينية أو الترنيم, ولكن طالما هو غير مخلص فهو عدو للمسيح في قلبه. ولا يهمه أن يسمع منك عن عمل كنسي أو تعاليم طالما ليست له محبة شخصية للرب يسوع المسيح الذي تحبه أنت, لأنه لم يولد ثانية. وقد تكون مسرته في الأمور الدينية- لا تزيد عن كونها أفكاراً مجردة تماماً مثل الوثني الذي يُعجب بهيكل الوثن ويتحمس لها بشدة. إنه أمر خطير في أيامنا هذه عندما نجد المخلصين وغير المخلصين مرتبطين معاً في عبادة مشتركة, فكم تصبح الكلمات التي نطق بها الرب يسوع ملائمة "يقترب إلى هذا الشعب بفمه ويكرمني بشفتيه وأما قلبه فمبتعد عني بعيداً. وباطلاً يعبدونني وهم يعلمون تعاليم هي وصايا الناس" متّى15: 8و9.
صديقي العزيز: أي اتفاق يمكن أن يقوم بين هيكل الله مع هذه الأشياء؟ أيمكننا أن نستمر في الأشياء المختلطة التي نراها حولنا , والله يقول: "فإنكم أنتم هيكل الله الحي, كما قال الله, إني سأسكن فيهم, وأسير بينهم, وأكون لهم إلهاً, وهم يكونون لي شعباً. لذلك اخرجوا من وسطهم واعتزلوا, يقول الرب, ولا تمسوا نجساً فأقبلكم"؟. يا لها من تعاليم واضحة ومحددة, تعاليم لا تخطئ. فالمؤمن عليه أن يخرج خارجاً وينفصل, إذ ليس له نصيب في هذه الأشياء. فليس له أن يكون عضواً في جماعة تضم المخلصين وغير المخلصين المرتبطين معاً, ولكن عليه أن يتعلم ليس فقط ألا يمس الأشياء النجسة- (من المؤكد أنه يحب كل أولاد الله الحقيقيين, حتى هؤلاء الذين انضموا إلى الجماعات ذات المبادئ المختلطة, لأنهم ملك للرب)- بل أيضاً أن ينفصل عن المؤمنين إذا استمروا في تلك المبادئ المختلطة. قد يقال أننا لم نُوصَ بالانفصال عن المؤمنين الحقيقيين, ولكن إذا استمر المؤمنون الحقيقييون مع غير المؤمنين في عصيانهم لكلمة الله فماذا يفعل المؤمن الحقيقي؟ يجب عليه إذن أن يتركهم آسفاً في وضعهم الخاطئ وبنفسه يطيع دعوة الانفصال- دعوة فردية.
والحقيقة القائلة بأن الله في سيادته المطلقة يتحكم في أخطائنا وغالباً ما يستخدم المؤمن في وضعه الخاطئ, لا تغير هذه الحقيقة من كلمته. صحيح أنه استخدم نُعمى في أرض موآب لبركة راعوث, وصارت راعوث مؤمنة حقيقية وأُحضِرت إلى أرض الله, ولكن هذا لا يبرر خطأ نُعمِى ولا يضع ختم مصادقة الله على وجود نُعمِى في أرض موآب. كذلك فإن راحاب كذبت, واستخدم الله كذبها, ولكن هذا لم يبرر أنها قالت كذباً. إن نعمة الله تُحَد بفشلنا أو بضعفنا, وعلينا أن نحرص فلا نفعل شراً حتى يأتي الخير (رومية3: 8 ) إنه شيء خطير الزعم بأن نعمة الله تأتي عندما نعصى كلمته صراحة "فمن يعرف أن يعمل حسناً ولا يعمل فذلك خطية له" يعقوب4: 17.فلنتعلم أن نطيع ببساطة دون مجادلة لله ولكلمته, تاركين النتائج كلها معه. فلسنا مسئولين عن النتائج ولكن مسئوليتنا أن نطيع "هوذا الاستماع أفضل من الذبيحة" 1صموئيل15: 22.
والآن نأتي إلى الوعد الثمين لمن يتخذ خطوة الانفصال. إن الله أبينا يُقَدِّر تكلفة من ينفصل حقيقة. فهو لم يدعونا إلى خطوة كهذه دون إدراك كامل لما تعنيه هذه التكلفة, وهو يؤكد لنا أنه مهما كانت هذه التكلفة فإن الآب يعمل معنا. إننا لا نفشل إذ لنا كل قوته. وهذا هو المكان الوحيد في كل الرسائل التعليمية الذي يُتَخَذ فيه اسم " الرب القادر على كل شيء", فقوته كلها لحساب المسيحي الطائع. إنه يختبر إيماننا ولكنه لا يفشل. إنه يساعدنا في احتمال التعيير والآلام المرتبطة بهذه الخطوة, ويتبع هذا التحريض الثمين "إذ لنا هذه المواعيد أيها الأحباء فلنطهّر ذواتنا من كل دنس للجسد والروح مكملين القداسة في خوف الله".
ترى ما هي استجابة قلبك وقلبي لكل هذا؟ هل نضع هذا جانباً ونقول أنا لا أحب الانفصال؟ أم أن محبة المسيح تحصرنا حتى أننا نرغب في جماعته وفي مصادقته فوق كل اعتبار آخر؟ ليتنا لا نتعلل بأسباب منطقية بل بإيمان الأطفال نقول: "علمني يا رب طريقي واهدني في سبيل مستقيم" مزمور27: 11.
- عدد الزيارات: 6135