Skip to main content

الانفصال عن المؤمنين

تحدثنا بشأن الانفصال عن غير المؤمنين وعن الأوجه المتنوعة الواردة في 2كورنثوس6, ولكن نأتي الآن إلى مسألة سلوكنا بين أولاد الله. إننا نتكلم حقاً بكل انكسار, متحققين من الحالة الخربة لكنيسة الله وأننا جميعاً مشتركون بقدر ما في هذه النتيجة. ولا أحد فينا يمكنه أن يرفع رأسه متعالياً على الآخر, فحكم الله هو "لكي لا يفتخر كل ذي جسد أمامه" 1كو1: 29. ولكن الله رسم لنا- على الرغم من هذه الحالة- في كلمته طريقاً لنسلك فيه, فمن جهة أمانته لا يفشل مهما عظم الفشل وازداد الانحراف في كنيسة الله. والسؤال هنا ماذا علينا أن نفعل عندما نرى شخصاً "مدعواً أخاً" يعيش في الخطية وهو لا يبالي؟ هل علينا أن نستمر معه لأننا نظن أنه مُخَلّص مع أن عيشته تهيمن الرب ؟ إننا نجد هذا السؤال في 1كو5. إذ نقرأ عن شخص كان يكسر الخبز ليذكر الرب في كنيسة كورنثوس, ولكنه كان يعيش في خطية علنية. وقد استخدم الروح القدس الرسول بولس في هذه المناسبة ليعطينا المبدأ التعليمي الذي نتصرف به في مثل هذا الموقف. إنه يُعَلّم الكنيسة أن تعزله من وسطها, ويخبر المؤمنين في كورنثوس بألا تكون لهم شركة معه ولا يؤاكلوه (أو يأكلوا معه). إنه يجب عليهم أن ينفصلوا عنه لسيره في طريق الشر. ومن المحتم بأنه لو لم تعزل الكنيسة في كورنثوس هذا الإنسان من بينها فلا بد أنهم كانوا قد اختمروا بالشر الذي سمحوا به, لأن "خميرة صغيرة تخمر العجين كله" (1كو5: 6). غير أن هناك جماعات مختلفة لا تتصرف هكذا. ويقولون ليس علينا أن نحكم, بل ليحكم كل مؤمن على نفسه. هذا القول صحيح من جهة ذلك- أن المؤمن الحقيقي يدين نفسه قبل أن يذكر الرب في موته (1كو11: 28-32), ولكن هذا لا يعفي الكنيسة من مسؤوليتها لكي تحكم على الشر, بحسب مل جاء في 1كو5: 11-13. لتتنقى منه. فإن لم تفعل ذلك فسيتنجس الجميع بهذا الشر ويصبحون عجيناً مختمراً. قد يكون هناك فرد ما في جماعة معينة يتصف بالإخلاص والغيرة والإيمان الصريح والعيشة التقوية ولكنه مختمر بالشر الموجود فيها, فإن بقي في مكانه دون أن يحكم على الشر يصبح مسئولاً إما أن "يتجنب الإثم" أو يصبح مشتركاً في هذا الشر الظاهر غير المحكوم عليه في هذه الجماعة. وتلك نقطة هامة يجب أن تُؤخذ في الاعتبار.

هذه النقطة تأتي بنا إلى جزء كتابي آخر بصدد الانفصال في 2تيموثاوس2: 15-22 ولا نجد في هذا الجزء الشر الأدبي بل بالحري الشر التعليمي. فالبعض قد نادى بأن "القيامة قد صارت" وبذلك فإن أساسيات الإيمان تُهاجَم. فهل كان على هؤلاء الذين يرغبون في إرضاء الرب أن يستمروا معهم؟ وعندما يوصيهم الرسول بما يعلموه فإنه يقارن المسيحية ببيت كبير به آنية للكرامة وآنية للهوان. وجميع الذين في هذا البيت الكبير من المسيحية يستغلون اسم الرب والبعض منهم هم أواني الهوان لأن التعاليم التي يُعَلِّمونها تهين المسيح وعمله. فإذا أراد أحد أن يكون إناء للكرامة فأي طريق للطاعة يجب عليه أن يسلك؟ إنه لا يقدر أن يترك "البيت الكبير" وهذا صحيح, ولكنه يستطيع أن يُطهِّر نفسه بالانفصال عن أواني الهوان. ويقال له أن "يتجنب الإثم". فربما يكون شخص ما يُعَلِّم تعاليم شريرة وهو مؤمن حقيقي. إذ "يعلّم الرب الذين هم له", ولكن هذا لا يُبَدِل من مسئولية الذي يريد أن يكون طائعاً, فلننفصل عن الذين يحتضنون تعاليماً شريرة, وإذا فعلنا ذلك فسننفصل بالضرورة عن مؤمنين حقيقيين لأنهم اختاروا البقاء في أماكن بها شرور تعليمية أو أدبية, وهم يشعرون أنهم قادرون أن يفعلوا أشياء حسنة. ولكن الشخص الطائع الذي ينفصل يُقَدِّر ولاءه للمسيح أكثر من ولائه لأصدقائه وأكثر من خدمته. فالانفصال لا يجعله يقيم روابط مع ما يخالف الكتاب. إنه الآن "مستعد لكل عمل صالح" فيالها من حرية مفرحة حقاً.

صديقي المؤمن: ليتك تتأمل هذا الأمر جيداً, فإن كانت لك روابط مع أناس تخدم أو تعبد معهم, وهم يدمجون الحق بالباطل فعلينا أن ننفصل عنهم. لا يهم إن كان البعض من هؤلاء مؤمنين ممتازين, فإننا دعينا للطاعة.إننا بكل يقين نحب كل أولاد الله الحقيقيين الذين في تلك الأماكن ولكن الأمانة للمسيح تأتي أولاً.

وإذ نخرج من دوائر التشويش منفصلين (وهذه دعوة فردية) فإن المؤمن الطائع سيجد آخرين قد سمعوا ذات الدعوة, "إن طهّر أحد نفسه من هذه", ومع هؤلاء يستطيع أن يعيش في شركة. إنه سيجد آخرين "يتبعون البرّ والإيمان والمحبة والسلام مع الذين يدعون الرب من قلب نقي". إنه لا يكون بمفرده لأن روح الله يدّرب آخرين أيضاً ويجمعهم من هذا التشويش إلى الاسم الغالي لربنا يسوع المسيح. إنه أمر بسيط وواضح, وتعزية حقيقية للقلب الذي انحصر لإتباع الرب بالطاعة.

وأمامنا الآن أيضاً ثلاثة أجزاء كتابية نرغب أن نتأمل فيها بالارتباط بموضوعنا: متى18: 20, 1كو10, أف4: 3و4. ومن المهم أن نرى أن الكنيسة ليست هي مجموعة من المؤمنين اجتمعوا بحريتهم الشخصية, ولكنهم قد جُمِعوا بالروح إلى اسم الرب يسوع. ويمكن لأي مجموعة أن تقيم مائدة مستقلة وتختار أي اسم أو حتى اسم الرب يسوع المسيح ولكن ليست هذه وحدانية الروح. بل إنها الاستقلالية. في1كورنثوس10: 17 نتعلم أن الرغيف الواحد الذي على مائدة الرب هو رمز لجسد المسيح الواحد الذي نجد فيه كل مؤمن في العالم يسكن فيه الروح القدس أنه عضو في ذلك الجسد. وهذا يغلق تماماً فكرة الاستقلالية. هناك جسد واحد وعلينا أن نجتهد "في حفظ وحدانية الروح برباط السلام".

وكما رأينا في كلمة الله ضرورة الانفصال عن غير المؤمنين, وعن الشرور الأدبية, وعن الشرور التعليمية. ولكن السير بمبدأ الاستقلالية حتى لو كنا صحيحين في الإيمان وفي التقوى, فليس هذا طريق الرب. هناك مجموعات مستقلة من المؤمنين لها أسماء متعددة وربما لها اسم الرب يسوع المسيح- كما أشرنا قبلاً- ولكن ليس هذا هو الطريق الكتابي للاجتماع. فالكنيسة الحقيقية تشمل جميع المؤمنين وهي جسد واحد. هذا الحق مُعَبَّر عنه في مائدة الرب. والشخص الذي يريد أن يكون بحق للمسيح يجد أنه لا يمكن أن يكون في شركة مع الجماعات المستقلة حتى لو ضمّت مؤمنين حقيقيين (2تس3: 14و15). إنه سلطان الرب وليس الترتيب البشري الذي يجب أن يُعتَرف به في وسط أولئك المجتمعين إلى الاسم الغالي لربنا يسوع المسيح. فقد يكون هناك ضعف شديد ظاهراً- أكثر من الاجتماعات البشرية- ولكن هذا يختبرنا إن كنا نرغب مع وجود القوة اليسيرة أن نحفظ كلمة المسيح ولا ننكر اسمه (رؤيا3: 8).

والمجموعات المستقلة من المؤمنين حتى الذين لهم قدر كبير من الحق, فإنهم آجلاً أم عاجلاً سيتحولون إلى التنظيم البشري والخدمات المرتبة والموسيقى الدينية وكثير من الأشياء المقتبسة من اليهودية. فإن لم نرَ الحق المختص بالكنيسة باعتبارها جسد المسيح, والتعبير عنها في كسر الخبز, فإننا نميل إلى استخدام الوسائل الجسدية لجذب الناس معاً بدلاً من الاعتماد على روح الله الذي يجمعهم. هذه هي اليهودية التي فيها "قدس عالمي" عب9: 1. إن الإنسان تحت التجربة. وقد أعطى الله هذه الأشياء التي تُسِّر الطبيعة الدينية لتمتحنه. في اليهودية كان المخلصين وغير المخلصين يعبدون معاً, إذ لم يكن يتطلب الأمر من الإنسان أن يولد ثانية لكي يتمتع بهذه الطقوس الدينية والموسيقى الدينية. وعند الصليب كان أولئك الذين لهم هذه المظاهر الدينية هم الذين رفضوا وصلبوا ماسياهم. ولذلك فإن الله قد طرح جانباً ترتيب الأشياء القديمة المدعوة "المحلة", ودعا خاصته أن يخرجوا خارجاً إلى المسيح المرفوض حاملين عاره (عب13: 12). ليتنا ننتبه إلى دعوته ونقدّر مكان وامتياز اجتماعنا كأعضاء جسد المسيح لنتذكره بحسب الطريق الذي اختاره حتى يجيء.

وفي كتابة هذه السطور يتحقق المرء أنه شيء خطير أن نتكلم عن الانفصال. وبالتأكيد فإنه لا يقدر أي مؤمن أن يفتخر على أخيه بأنه أفضل منه, بل يمكنه أن يقول: "بنعمة الله أنا ما أنا" 1كو15: 10. والله يخبر شعبه إسرائيل أن كثيرين ممن يسيرون بتهاون يقولون: "قف عندك. لا تدنُ مني لأني أقدس منك" أش65: 5 إن هؤلاء دخان في أنفه. فعلينا أن نتضع أمام الرب بسبب فشلنا المتكرر ونقائصنا. ولكن كل هذا لا يغير كلمته, ولا طريق الطاعة البسيطة. نحن نجتهد أن نسير بالانفصال لا لأننا نظن أننا أفضل من الآخرين, بل لأننا ندرك جيدً أننا نحتاج إلى قوته الحافظة لنا. إنه وعدنا فقط أن يحفظنا في طريق الطاعة, والادعاء بأن نسلك في عدم الطاعة هو ادّعاء بأننا قادرون أن نحفظ أنفسنا.

ونحن نستودع هذه الأجزاء الكتابية التي توقفنا عندها والملاحظات التي أبديناها للقارئ طالبين منه أن يقرأها في روح الصلاة. وليتنا نكون مثل البقية في أيام عزرا 8: 21 "لنطلب منه طريقاً مستقيمة لنا ولأطفالنا ولكل ما لنا". وسنجد أن الطريق يقودنا إلى الانفصال من كل ما يهين ربنا المبارك ومخلصنا. ليتنا نفكر فيما احتمل لأجلنا ليجعلنا شعباً لنفسه, وقلوبنا ستنحصر بسرعة في تلك المحبة المنقطعة النظير لنتبعه, الذي قال: "قدسهم (أو افصلهم) في حقك كلامك هو حق" يوحنا17: 17.

احفظنا ثابتين إلى مجيئك,

واحفظنا سائرين في طرقك,

وعند ندائك لنا تجدنا مستعدين

فنتطلع إليك بفرح يا رب

وفي المجد نترنم ترنيمة أبدية

جوردن هاي هو

  • عدد الزيارات: 3426