الربح والخسارة
وهكذا كان الحال مع الرسول بولس إذ عندما ظهر له المسيح بمجده أعلن نفسه لقلبه فأصبح الرسول أسيراً خاضعاً عند قدمي سيده. هناك في نور مجد ذاك الذي ظهر له قاسى كل شيء كان له ربحاً فرأى الكل نفاية ففضل معرفة الرب يسوع المسيح جعله يُلقي كل شيء جانباً ولهذا قَبِلَ بسرور خسارة كل الأشياء وحَسِبها نفاية لكي يربح المسيح وحده. وفضلاً عن هذا فقد رأى بأن بره الذاتي الذي كان يسعى باجتهاد لتكميله ما هو إلا خِرق بالية ورغب في أن يوجد في المسيح وليس له بره الذي من الناموس بل الذي بإيمان المسيح البر الذي من الله بالإيمان. وأكثر من ذلك فإن قلبه أصبح مُستأسراً بذاك الذي بنعمته قد اجتذبه إليه. وصار جل ما يبتغيه هو أن "يعرفه وقوة قيامته وشركة آلامه متشبهاً بموته لعله يبلغ إلى قيامة الأموات" نعم!! قيامة الأموات لقد كان هذا هو الغرض الوحيد المجيد الذي كان يتلألأ أمام نفس الرسول إذ سيصبح على صورة جسد مجد ذاك الذي أعلن نفسه له وفي طريق الوصول إلى هذا الغرض هان على الرسول أن يترك كل شيء ويحتمل كل شيء حتى الموت شهيداً كاسطفانوس. هذه الاعتبارات تُظهر مقدار شدة الغيرة الروحية التي كانت كامنة في قلب الرسول والتي بدونها ما كان في مقدوره أن يقول "لي الحياة هي المسيح" فقد كان التأمل في المسيح ممتلكاً عليه حتى أن نفسه كانت مشتعلة رغبة للسعي وراءه حتى يدركه ويُصبح مثله. وفي هذا يقول "ليس أني قد نلت أو صرت كاملاً ولكني أسعى لعلي أدرك الذي لأجله أدركني المسيح يسوع" فقد كان الرسول في كمال الشركة والاتصال بنفس الغرض الذي كان يقصده المسيح من تجديده فعلاوة على أن غرض دعوة الرب له كان للخدمة فإن المقصد الإلهي كان تغيير أول الخطاة هذا ليكون على صورة ابن الله. فلم يكن هذا غرض الله وحده ولكنه كان غرض الرسول أيضاً. وفي هذا الاتفاق يكمن سر النمو الروحي. لأننا إن كنا لا نتفق مع الله في أفكاره من جهتنا لا نستطيع الوصول إلى مستوى دعوتنا. وما عمله الرسول يظهر في العددين الآتيين: "أيها الأخوة أنا لست أحسب نفسي إني قد أدركت ولكنني أفعل شيئاً واحداً إذ أنا أنسى ما هو وراء وأمتد إلى ما هو قدام أسعى نحو الغرض لأجل جعالة دعوة الله العليا في المسيح يسوع" هنا نرى الرسول ليس أمامه سوى الغرض المجيد متناسياً كل ما حوله مستخدماً مواهبه بقوة الروح في السعي كمن يجري للوصول إلى نهاية آماله.
- عدد الزيارات: 3836