Skip to main content

أمثلة عن فكر المسيح

وبكل اختصار نورد المثلين اللذين يذكرهما الرسول في خاتمة الإصحاح الثاني ليزيدنا وضوحاً عن فكر المسيح ولا يغرب عن بالنا أن الشيئين المميزين لفكر المسيح هما أولاً أنه لم يهتم بذاته بل أخلى نفسه وثانياً أنه أطاع حتى موت الصليب. هذان الشيئان نراهما على درجة ما في تيموثاوس وأبفرودتس فيقول الرسول عن الأول ليس لي أحد آخر (أي غير تيموثاوس) نظير نفسي يهتم بأحوالكم بإخلاص لأن الجميع يطلبون ما هو لأنفسكم لا ما هو ليسوع المسيح وعن أبفرودتس يقول أنه مرض قريباً من الموت والرسول لا يعترض لأي مؤمن في عدم إمكانيته الوصول لهذه الحالة ولكنه يضيف إلى قوله الأول "من أجل عمل المسيح قارب الموت".

وما أكبر الفرق الذي يجده كل متأمل بين التعبيرين "مرض قريباً من الموت" "وقارب الموت" والتعبير الثاني يتشابه مع ما قيل عن المسيح "أطاع حتى الموت" فأبفرودتس وصل إلى الموت ولكن كان من المستحيل عليه أن يصل إلى الدرجة التي وصل إليها الرب- إلى موت الصليب. ولرُبّ يعترض معترض على إيراد هذين المثلين هنا فالجواب لكي يدحض الرب حجة القائلين بأنه يستحيل أن نسير في نفس الطريق التي سار فيها السيد نفسه. وروح الله يقدّم لنا المسيح كمن صار في طريق الاتضاع هذه ليرينا بأنه يستحيل علينا أن نُظهر المسيح في حياتنا ما لم نسر في طريقه ونقتفي إثر خطواته. وبعبارة أخرى كما أسلفنا القول أنه لكي نُظهر المسيح ينبغي أن يكون فينا فكر المسيح وأمامنا رجلان سارا في هذه الطريق إلى أقصى حد يتناسب معهما.

وإذ نتقدم إلى الإصحاح الثالث نجد سر القوة لإظهار المسيح. وقد رأينا في الإصحاح الثاني المسيح في عُظم نعمته نازلاً من أعلى علاء في المجد إلى أدنى دركة في الاتضاع. ولاشك أن كل قلب يتأثر من هذا العمل العجيب بمجرد التفكير فيه. أما في الإصحاح الثالث فنرى يسوع كالممجد عن يمين الله وقد سطع على وجهه كل مجد الله أو بعبارة أوضح نراه الإنسان الممجد وقد ظهر بهذه الصورة لعبده بولس وهو مستعد في كل حين أن يُظهر ذاته لكل مؤمن. وما أحسن أن نعرف تأثير هذا الظهور على بولس لندرك ما له من قوة وفعل فبعد أن نتجاوز الأعداد الثلاثة الأولى نرى الرسول يتكلم عن نفسه بحسب الجسد وبعدد الامتيازات التي حصل عليها بولادته وتهذيبه وديانته وإنه لأمر عجيب أننا نرى الرسول خير نموذج لإنسان في الجسد وأبهى صورة لإنسان في المسيح وأفضل مثال لخادم الرب.

ولنسأل ما القوة التي تستطيع أن تفصل الإنسان عن مركزه الذي كان يشغله قبل التجديد. فإذا وُجد بيننا إنسان كالرسول مربوط بالناموس بربُط كثيرة ومعروف عند أقرانه من جهة البر ومن جهة الغيرة فأين نجد القوة التي تستطيع أن تجتذبه من وسط رُبُط قوية ومحبوبة كهذه؟ الجواب مدون في تاريخ تجديد الرسول ومتضمن في جملة واحدة يذكرها "ما كان لي ربح فهذا قد حسبته من أجل المسيح خسارة" وهو لا يقصد بهذا القول بأنه حسب كل الأشياء خسارة لكي يربح المسيح ولكن ظهور المسيح الممجد أراه نفاية هذه الأشياء التي كان يعيش فيها ويتفاخر بها. ومن ثم اجتذبه من بينها إلى خارج ليجعله ممتلكاً ذاك الذي ظهر له بمجد في طريقه إلى دمشق. ثم يقول بل إني أحسب كل شيء أيضاً خسارة من أجل فضل معرفة المسيح يسوع ربي الذي من أجله خسرت كل الأشياء وأنا أحسبها نفاية لكي أربح المسيح.

  • عدد الزيارات: 7482