حياة الإنسان السماوي على الأرض
تُعدّ هذه الكلمات "لي الحياة هي المسيح" بمثابة مفتاح للرسالة إلى أهل فيلبي. وكل إصحاح من إصحاحاتها الأربعة ليس سوى نشر الحق الذي تتضمنه هذه الكلمات وتحتويه. وما تعلنه لنا هذه الرسالة هو حياة الإنسان السماوي على الأرض أو بتعبير آخر الحالة التي يجب أن يكون عليها كل مسيحي في الحياة. فحري بنا إذن أن نرى أنفسنا في نور الحق المعلن فيها. لأنه ليس لدى كل مسيحي أقل من الإمكان بالقول "لي الحياة هي المسيح" ولا يفوتنا أن الرسول كتب هذه الكلمات عن نفسه مسوقاً بالروح القدس وقد يعترض البعض بحجة أن بولس كان رسولاً ولكن لا مكان لهذا الاعتراض مطلقاً لأنه لم يكتب هذا عن نفسه باعتبار أنه رسول بل كمؤمن بالرب يسوع فقط. كمؤمن محوط بظروف مؤلمة تجمّعت عليه لتذله وتضعفه في خدمته التي دُعي إليها. غير أنه إذ كان في قوة الروح القدس ارتفع على كل صعوبة وغابت نفسه من أمام عينيه فكان يفكر فيما يؤول لمجد المسيح وعظمته. لأنه كرّس نفسه بجملتها للمسيح. لأن المسيح كان له كل شيء. والرسول في هذه الحالة قدوة لجميع المؤمنين. وما أحوجنا أن نعرف أولاً معنى هذه الكلمات "لي الحياة هي المسيح" لنرى كيف أنها كانت تتم وتتمشى في حالة الرسول نفسه. لا شك أنك تقول أيها القارئ بأن هذه الكلمات لم تصدر إلا من قلب متأثر. وما أجدر أن نعرف حالة هذا القلب. حقاً إنه كان قلباً مسوداً ومحصوراً بمحبة المسيح. هذه هي المحبة التي استطاعت أن تُكوّن في قلب الرسول حباً عميقاً نحو سيده. فيا ليتنا نتحقق كل حين أن التكريس التام لله لا ينبع إلا من قلب مملوء بالحب الفائض للمسيح كما أن هذا الحب لا يفيض إلا من قلب مغمور بمحبة المسيح.
وعندما ما نطق الرسول بهذه الكلمات "لي الحياة هي المسيح" لم يعنِ أقل من أن المسيح كان المحرك له كما أنه كان الغرض الموضوع أمامه. وهذا يتشابه كثيراً مع قوله "فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيّ" فما أحياه الآن في الجسد فإنما أحياه في الإيمان إيمان ابن الله الذي أحبني وأسلم نفسه لأجلي. هذه هي الحياة المسيحية الكاملة. الحياة التي غابت منها الذات وغاياتها ولم يبق أمامها إلا يسوع وحده. إن حياة مجيدة هذه صفاتها هي مُقدّمة لكل مسيحي بدون استثناء.
- عدد الزيارات: 4171