تعلموا مني
متى 11: 29و 30
تكون لنا معونة عظيمة عندما نتمم وصية الرسول "تتبعوا خطواته"، إذا كنا ننتبه إلى كلمات الرب "تعلموا مني". ولكي ما نتعلم من الرب فعلينا أن "نتفكر في الذي احتمل من الخطاة مقاومة لنفسه".
وفي الإصحاحات الأولى من إنجيل متى نرى الرب في وسط إسرائيل، وهو يتعامل بالنعمة والقوة لإطلاق الناس من كل عبودية يرزحون تحتها. فقد شفى المرضى وأطعم الجياع وألبس العرايا وحرر من سلطان إبليس وغفر الخطايا وأقام الموتى. ونتيجة ذلك أن الناس حاربته وقاومته بلا سبب، وكافأته شراً بدل خير وبغضاً بدل حبه (مزمور109: 5). وضحكوا استهزاءً به. وقالوا: "برئيس الشياطين يُخرج الشياطين" وأنه "إنسان أكول وشريب خمر" (متى 9: 20، 34، 11: 19).
وفي مواجهة مقاومات الخطأة التي أبغضته ورفضت بازدراء محبته، وأمام شرهم الذي احتقر إحسانه، فماذا عمل؟ إنه مع كل هذه العداوة نقرأ "أما أنا فصلاة" (مزمور109: 4) فبدلاً من أن يتحول إلى مقاوميه لكي يشتم الذين شتموه، فإنه يتحول إلى الله في الصلاة مستودعاً نفسه لمن يقضي بعدل.
ولهذا ففي المشهد العجيب الموصوف في متى 11 الذي يلخص لنا تأثير أعمال قوته في وسط إسرائيل، فقد يُسمح لنا أن نرى كيف يعمل الرب عندما يُحتقر ويُرفض من الناس. نراه يتحول إلى الآب في الصلاة، ونسمعه يقول "نعم أيها الآب لأن هكذا صارت المسرة أمامك". لقد خضع تماماً لإرادة أبيه وهو ينال كل شيء من يده ولذلك نراه أمامنا كالمثال الكامل، ونسمعه يقول "احملوا نيري عليكم وتعلموا مني".
وفي الكتاب "النير" صورة للخضوع لإرادة آخر. ومن البداية إلى نهاية طريقه العجيب في هذا العالم، فإن الرب كالإنسان الكامل كان هنا لأجل إرادة الآب. وعند مجيئه إلى العالم أمكنه أن يقول "هأنذا أجيء لأفعل مشيئتك يا الله" وفي عبوره هذا العالم أمكنه أن يقول: "لأني قد نزلت من السماء ليس لأعمل مشيئتي بل مشيئة الذي أرسلني". ومرة أخرى يقول "لأني في كل حين أفعل ما يرضيه". وعند خروجه من العالم قال عن الصليب "لتكن لا إرادتي بل إرادتك" (عبرانيين10: 9، يوحنا6: 38، 8: 29، لوقا 22: 42).
إن القليل الذي نتعرض له من ظروف متنوعة كيفما كانت مؤلمة ومحزنة في أوقات كثيرة، فهي لا تقاس إذا قورنت بما واجهه الرب نفسه. وعموماً فإننا نحرص بأن نحمل نير الرب هادئين وخاضعين لما يسمح به الرب.
وفضلاً عن ذلك، يقول الرب "تعلموا مني لأني وديع ومتواضع القلب". فهو ليس وديعاً ومتواضعاً في أسلوب حياته فقط. ولكنه وديع ومتواضع القلب، فالأسلوب الصحيح الذي يراه الناس يمكن أن يحاكيه المرء بسهولة، أما حالة القلب الصحيحة التي يراها الرب فقط فهي نتيجة التحول إلى الرب في الصلاة والخضوع لمشيئة الآب. ونحن بالطبيعة لسنا ودعاء ولا متواضعين، فبدلاً من الوداعة التي تقدم الآخرين عني فإننا نؤكد على أنفسنا، وبدلاً من أن تكون أفكارنا عن أنفسنا وضيعة فإننا بالطبيعة نميل إلى التأكيد على أهميتنا ولكي نصحح كل هذه الميول الطبيعية للجسد فإن الرب يشغلنا بنفسه كما يقول "تعلموا مني". فكلما تطلعنا إليه وتعجبنا من صفاته الجميلة هذه، فإننا دون أن نشعر نتحول ونتغير إلى صورته، ونصبح أدبياً مشابهين لذاك الذي كنا نتعجب منه، ولكن للأسف فالحقيقة أننا غالباً ما يكون تشبهنا به قليلاً، وهذا يكشف بوضوح أننا قليلاً ما تنشغل نفوسنا به وقليلاً ما نتعلم منه.
فإذا حملنا نيره وتعلمنا منه سنجد راحة لنفوسنا. وفي الظروف المؤلمة التي نواجهها حيث تتهيج نفوسنا من جراء الإهانات التي تنصّب علينا، فإن خيانة الأصدقاء الكذبة، وخبث الذين يحقدون علينا لا تجعلنا مستريحين. أما الخضوع لما يسمح به الآب والإمساك بجمال روح المسيح في كل وداعته وتواضعه كما نتعلم منه، فإننا نستمتع بالراحة التي كانت دائماً هي نصيب الرب في هذا العالم غير المريح.
وفضلاً عن ذلك، فإذا حملنا نيره، وخضعنا لإرادة الآب فسنجد نيره هين وحمله خفيف. ولذا ففي اتباع خطواته، لا نفعل خطية، ولا نتكلم بمكر، ونصمت في مواجهة الإهانات ونسلم أنفسنا لله، عندئذ تكون لنا مؤازرته ومعونته كمن نحمل معه النير في الخضوع لإرادة الآب، وهكذا في معونته وفي الشركة معه سنجد حقاً تلك الكلمات "نيره هين وحمله خفيف".
لذا عندما نقرأ هذه الكلمات في الكتاب. فإن بطرس لا يحرضنا على اتخاذ خطوات مستحيلة، ولم يطلب من الرب أن نتعلم دروساً مستحيلة فبطرس يحرضنا:
ألا نعمل خطية
ولا نكن ماكرين
وأن نصمت عندما تواجهنا الإهانات
وأن نستودع أنفسنا لله
أما الرب فيطلب منا أن نتعلم منه، بالخضوع لإرادة الآب، وبالوداعة التي تنشغل بالآخرين، وبالتواضع الذي لا يفكر في الذات.
- عدد الزيارات: 6708