الكلمات العشر
ولنرجع الآن إلى الإصحاح 20 من سفر الخروج حيث كان إسرائيل تحت ناموس الله المهيب، "الكلمات العشر" (خر34: 28)، التي أُعطيت لموسى عند جبل سيناء. ونريد أن نتتبع هذه الكلمات العشر إذ نجدها تتكرر في العهد الجديد. وفي هذه الوصايا العشر تأتي ثماني منها في صيغة النفي. كما نجد تسع منها وصايا أدبية. ووصية واحدة طقسية.
إن طبيعة الله لا تخضع للتغيير ولذلك نجد أن تسع وصايا في الأساس تأخذ الطابع الأدبي وتتكرر هذه الصورة في المسيحية ودعونا نتتبعها الآن: فالوصية الأولى نراها في (خروج20 والعدد3) "لا يكن لك آلهة أخرى أمامي". هذه الوصية تقف على رأس القائمة. فهي في الأساس وتمثل الجزء الحيوي في التدبير اليهودي. كذلك أيضاً في الإعلان المسيحي فإنه يحتفظ بهذا الحق دون أدنى مساس. وإذا رجعنا إلى 1(كورنثوس8) والجزء الأخير من عدد4 "وأن ليس إله آخر إلا واحداً" ويا لها من جملة واضحة لا لُبس فيها ولا غموض. ولنقرأ عدد6 "لكن لنا إله واحد الآب الذي منه جميع الأشياء ونحن له. ورب واحد يسوع المسيح الذي به جميع الأشياء ونحن به". ولذلك إذا قرع بابك واحد من شهود يهوه ليتحدى اعترافك بالمسيح أنه هو الله فاقرأ له 1كورنثوس8: 4-6. فنحن نعترف بإله واحد وقد سُرّ هذا الإله الواحد أن يُعلن عن نفسه في ثلاثة أقانيم. وأنتم تذكرون فيلبس عندما سأل الرب يسوع "يا سيد أرنا الآب وكفانا" فكم كانت إجابته مدهشة وعجيبة "الذي رآني فقد رأى الآب أنا في الآب والآب فيّ" (يو14: 8-11). نعود أيضاً إلى رسالة يوحنا الأولى الإصحاح الأخير والعدد العشرين "ونعلم أن ابن الله قد جاء وأعطانا بصيرة لنعرف الحق. ونحن في الحق في ابنه يسوع المسيح. هذا هو الإله الحق والحياة الأبدية". فيا له من تحديد واضح وجلي تلك الأقوال، يسوع هو الله. نعم ففي المسيحية نعرف إلهاً واحداً- في بعض الأوقات يظهر كالآب وأوقات أخرى يُظهَر كالابن وأوقات غيرها يُظهَر كالروح القدس (انظر أع5: 3و4). وهكذا في المسيحية نجد أنفسنا في توافق قلبي مع أولى وصايا موسى "لا يكن لك آلهة أخرى أمامي".
ولنعُد إلى خروج 20 حيث الوصية الثانية، ونقرأ من ع4 "لا تصنع لك تمثالاً منحوتاً ولا صورة ما مما في السماء من فوق وما في الأرض من تحت وما في الماء من تحت الأرض. لا تسجد لهن ولا تعبدهن لأني أنا الرب إلهك إله غيور أفتقد ذنوب الآباء في الأبناء في الجيل الثالث والرابع من مُبغضيّ وأصنع إحساناً إلى ألوف من محبيّ وحافظي وصاياي". "لا تصنع لك تمثالاً منحوتاً" لنرجع إلى (1كورنثوس10: 14) "لذلك يا أحبائي اهربوا من عبادة الأوثان". ولنقرأ أيضاً ع7 "فلا تكونوا عبدة أوثان كما كان أناس منهم. كما هو مكتوب جلس الشعب للأكل والشرب ثم قاموا للعب". نحن الآن نعيش في فترة تتهيأ لظهور "إنسان الخطية" (2تس2: 3). فالعالم يندفع متهوراً إلى أدنى حالات الانحطاط في العبادة الوثنية التي عرفها من قبل. واليهود أنفسهم سيغرقون في أشد أوحال الوثنية والتي يتكلم عن حالة ارتدادها عندما يسكن فيها سبعة أرواح أشر من الروح (الوثنية) التي كانت فيها قبلاً (انظر مت12: 43-45)، وسيتبع الباقي من العالم هذه العبادة. ويتضح هذا الاتجاه اليوم. أفلا ترى الازدياد السريع لإنتاج التماثيل الصغيرة المعروضة للبيع بأشكال عديدة ومختلفة في الأسواق والمخازن؟ إنك ترى صورة حقيقية من الوثنية المنتشرة. ويشعر المرء بأن كل هذا يتحرك في اتجاه العبادة الوثنية أو عبادة صورة الوحش (رؤ13). وعندما يترك الإنسان معرفة الله الحقيقية المعلنة في كلمة الله فإنه على استعداد أن يسقط في الوثنية. فمن وراء ما يبدو من وثن بريء مصنوع من الطين أو الخشب تكمن القوة الشريرة وحضور الشيطان. فهي حقاً عيادة شيطانية قارن(1 كورنثوس10: 20) (انظر رؤ9: 20). ولذلك نجد في الإصحاح العاشر من كورنثوس الأولى تحذيراً خطيراً لنا نحن المسيحيين لنهرب من أي شيء يدخل حدود الوثنية. ولذلك فالانحناء للصور لا مكان له في المسيحية وهذا يتفق تماماً مع الوصية الثانية.
نعود إلى خروج 20 والعدد7 "لا تنطق باسم الرب إلهك باطلاً لأن الرب لا يبرئ من نطق باسمه باطلاً. ولنرجع إلى (يعقوب5 والعدد12) "ولكن قبل كل شيء يا إخوتي لا تحلفوا لا بالسماء ولا بالأرض ولا بقَسَمٍ آخر. بل لتكن نعمكم نعم ولا كم لا لئلا تقعوا تحت دينونة". وكم يُثبِّت هذا القول وصية موسى الثالثة، ولنأتِ هنا إلى شيء أكثر من التفاصيل. وأنا لا أعتقد أنه يوجد بيننا هنا اليوم من يتعمد أن ينطق باسم الرب باطلاً، ولكن لنلاحظ أن يعقوب يتناول هذه المسألة في أدنى تحريم لها. "لتكن نعمكم نعم ولاكم لا لئلا تقعوا تحت دينونة". هل نشعر أننا أبرياء إزاء هذا التحريض؟ والكثير من أولاد الله يستخدمون ألفاظاً وعبارات تفيد معنى القَسم في تعاملاتهم وحياتهم اليومية. ليتنا نتحلى بالطاعة لكلمة الله في هذا الأمر ولتكن صلاة داود هي مطلبنا اليومي "لتكن أقوال فمي وفكر قلبي مرضية أمامك يا رب صخرتي وولييّ (أو فاديّ)" (مز19: 14). إني أفكر كثيراً فيكم يا أخوتي الشباب خاصة من جهة عادات الكلام وأنت شاب صغير يمكنك أن تستبعد ما هو فظ من حديثك وما فيه يدنس اسم الرب. ولا تسمح أن تجعل شيئاً من هذا النوع أن يزحف إلى أقوالك. لننتبه بكل حذر إلى كلمة الله. ولنحترس في أقوالنا في البيت والمدرسة والمصنع والمكتب. ولتكن كلماتنا طاهرة ونقية. وليتها تثبت في حضرة الرب وكأننا أمام كرسي المسيح.
نعود مرة أخرى إلى خروج 20 والعدد 8 إذ نتواجه مع الوصية الرابعة "اذكر يوم السبت لتقدسه". واعترف بأنني عاجز تماماً أن أستحضر ما يتوافق مع هذه الوصية في المسيحية. إنها غير موجودة وتذكّر أن كلمة "سبت" تعني "راحة" وأن أول استخدام لها في (خروج16: 23) بالارتباط مع بني إسرائيل في جمعهم للمن فلم يكن عليهم أن يجمعوه في يوم السبت أي اليوم السابع. فهذا اليوم تميز بأنه يوم الراحة. ولكن عندما نأتي إلى التدبير المسيحي فلا نجد هناك أية توجيهات لحفظ مثل هذا اليوم، فلم يُذكَر في رسائل العهد الجديد أية إشارة إلى "السبت" باستثناء مرة واحدة في (كولوسي2: 16) "فلا يحكم عليكم أحد في أكل أو شرب أو من جهة عيد أو هلال أو سبت"، ولكن لنلاحظ الجملة التي تليها "التي هي ظل الأمور العتيدة أما الجسد فللمسيح". والسبب الوحيد لذكر السبب هنا ليرينا أنه لا يُشكّل السبت أي جزء في الإعلان المسيحي بل على العكس فهو ظل للأمور الآتية. ونتعلّم من عبرانيين4 عن يوم الراحة "إذاً بقيت راحة لشعب الله" (ع9)، ولا يمكننا أن نقول أن يوم السبت تغيّر إلى يوم الأحد، فاليوم السابع من الأسبوع هو دائماً يوم السبت، ويوم الأحد هو اليوم الأول من الأسبوع ولذلك لا يمكن أن يأتي يوم السبت. أما نحن فإننا ننتظر يوم راحتنا عندما يأتي الرب ليأخذنا إلى بيت أبيه لنستريح في محبته. فالراحة في نهاية الرحلة.
- عدد الزيارات: 5192