دوام المحبة
(لوقا 10: 38- 42)
رأينا كيف أن المحبة للمسيح قد استيقظت، وأنه لشيء مبارك حقاً، في بداية الحياة المسيحية أن يُربح القلب للمسيح. والآن علينا أن نتعلم كيف أن القلب الذي أُيقظت المحبة فيه، يمكنه أن يحتفظ بالمحبة الأولى في صورتها النشيطة كما كانت في البداية.
ألسنا نعلم جميعنا، أنه مع مرور الوقت، قد تزحف أشياء كثيرة لتقف بين النفس وبين المسيح؟ وليست بالضرورة دائماً الأشياء الكبيرة، التي تقاوم النفس بما تجلب من تعاسة وشقاء، ولكن الأشياء الصغيرة وفي مظهرها ليست مؤذية، إنها "الثعالب الصغيرة المفسدة للكروم"، فتترك الحياة غير مثمرة. إن السماح لهذه الأشياء الصغيرة أن تدخل تترك العواطف باردة وبالتدريج تصبح كتلة ثلجية على القلب. ويقول الرب لنا "تركت محبتك الأولى". وتتباين الأسباب التي نجد البعض أن محبتهم للمسيح تستيقظ وآخرين نجد نموهم في الإدراك بطيئاً، وآخرين إدراكهم ينمو بعمق في فكر الرب وهنا نبادر بالسؤال كيف يمكن للمحبة التي أيقظت أن تدوم؟
ألا يسعفنا منـزل "بيت عنيا" ليعطينا الإجابة؟ فإننا نجد هناك أختين قديستين استيقظت محبتهما للمسيح بصورة صحيحة. ففي واحدة نرى صورة مؤمن ينمو في النعمة وفي معرفة ربنا يسوع، بينما في الأخرى نرى صورة لشخص آخر متعوقاً بالذات ومقيداً بالخدمة.
إن محبة مرثا نراها في سعيها لكي تسدد حاجات الرب الطبيعية كإنسان لكن محبة مريم نراها تجتهد في إشباع حاجات قلبه وأشواقه العميقة بسماع كلماته.
كانت مرثا مشغولة بأشياء كثيرة، ونهاية هذه الأشياء هي الموت. أما مريم فمشغوليتها "شيء واحد" ولا يمكن للموت أن يأخذه منها. وكما قال واحد: "بلا مجاملة، فإن تلك التي أحبت- ذاك الذي أتى متجسداً، فإنها لا تقارن بأي أمور أخرى. أما الأشياء الكثيرة فتنتهي حتماً بالفشل والموت، ولا تقدر هذه- الأشياء أن تقودها إلى الحياة الأبدية، تلك التي تنبع من كلمات يسوع الصادرة عن قلب منكسر ولكن تتدفق منه أنهار الحياة".
وإذا أردنا أن نعرف كيف تستيقظ المحبة، علينا بالروح أن نفتقد بيت سمعان، ولكن هل نعرف كيف تدوم المحبة فلنفتقد معاً بيت عنيا. إن الوقوف عند قدمي مخلصنا في بيت سمعان يجعل المحبة تستيقظ في قلب الخاطئ، أما الجلوس عند قدمي السيد في بيت مرثا يجعل المحبة تدوم. عند قدميه نكون في شركة معه، وفي الشركة معه نسمع كلماته، وكلماته تعلن ما في قلبه. وهناك نتعلم في مدرسة المحبة. ترى كم تعلمنا من النصيب الصالح الذي نالته مريم- وتحولنا عن مشغولية الحياة اليومية وأنشطة الخدمة لننفرد بيسوع. فالاقتراب منه يرينا محبته أكثر؟ إن الرب يحب شركتنا معه، إنه قد يستغني عن خدمتنا، ولكنه لا يعمل بدوننا. ولهذا فقط فإن المحبة الأولى يجب أن تدوم، وإن تركناها فلنعود إليها ثانية. إننا لا نقدر أن نعيش على الماضي. والاختبارات الماضية قد توقظ المحبة، أما الشركة في الحاضر فهي وحدها تجعل المحبة باقية.
- عدد الزيارات: 3947