مقارنة بين أوجه الغفران الثلاثة
ومن المفيد, قبل أن نصل إلى ختام هذا الموضوع الهام, أن نعطي القارئ تلخيصاً موجزاً للأوجه الثلاثة للغفران. ونسرد هذه القصة التي تشرح لنا التباين بين هذه الأوجه الثلاثة. أب لعائلة كبيرة, وهو ناجح في تربية أولاده, وقد تعلّم أولاده أن تكون بينهم روابط أخوية معاً, وأن يطيعوا والديهم. فأظهر الآب لهم رغبته في أن يستمتعوا باللعب داخل حدود الحديقة الملاصقة للبيت. وألا يتعدوها خارجاً أملاً في طاعتهم.
وفي إحدى الأمسيات جاء أمين الشرطة إلى المنزل وطلب الآب, فأخبره أن ابنه "والتر" قد ألقى حجراً فكسر زجاج واجهة محل "السوبر ماركت" الذي أمام البيت. وبحثوا عن "والتر" لكنهم لم يجدوه في الحديقة مع الأولاد, فاضطرب الآب لهذا الموقف. وذهب مع أمين الشرطة إلى صاحب محل السوبر ماركت, ووجد فعلاً الواجهة الزجاجية قد تهشمت وبشهادة كثيرين قيل أن "والتر" هو الذي ألقى الحجر. وصمم صاحب المحل أن يدفع الأب قيمة التلفيات وإلا يتخذ الاجراءات القانونية لتقديم والتر للمحاكمة.
"وكم قيمة التلفيات؟ سأل الأب الرجل المتضرر, وحدد صاحب المحل القيمة, وسدد الأب كل القيمة في الحال. واستلم إيصالاً بالتسديد وعاد إلى بيته.
والآن هل يستطيع أحد أن يستدعي الولد إلى المحاكمة بسبب خطئه؟ طبعاً لا أحد. فقد تسدد المبلغ كله, وانتهى الأمر مع من أضير, هكذا الأمر مع من آمن بالرب يسوع المسيح.
فالخاطئ خائف ومرتعد
والله لا يستطيع أن ينسى
فذاك الذي سدد الكل محى الدين من ذاكرته.
فلا شيء آخر استطاع أن يحررنا
أو يجعل نفوسنا قريرة
إنما عملك لأجلنا يا ربنا يسوع
الذي ضمن لنا إطلاقاً كاملاً.
وإذا عدنا إلى القصة ثانية, فإن الآب وابنه المخطئ لم يلتقيا, مع أن العلاقة قائمة بينهما. لكن الموقف متوتر والشركة منقطعة بينهما. وعند وصول الآب إلى بيته, بدأ يتولى هذه المهمة المؤلمة لكي يدعو ابنه المحبوب كثيراً ليحاسبه. إنه يتعامل معه كآب ولا بد له أن يواجه مثل هذه الإرادة العاصية. ثم يخبره أنه لن يخرج مرة أخرى مع أخوته في المساء ما لم يسمح له أبوه بذلك وأمره أن يصعد إلى غرفة نومه.
وجاء أخوه يتوسل إلى أبيه لكي يسمح لوالتر أن يأتي ويراه. وقبل أبوه طلبه, وروى والتر المسكين وهو يتنهد ويبكي قصته المؤسفة.
"ولكن أكثر من هذا, يا أبي, فقد عصيتك كثيراً. هل تسامحني؟ "هكذا قال الولد المضطرب. لقد وجد الأب أن ابنه يدين نفسه معترفاً بكل عصيانه. فقدم له النصيحة بكل عطف, مؤكداً له, قبل ذهابه إلى حجرة نومه غفران قلبه الكامل. وهنا تُسترد الشركة بينهما, ويتضح هنا معنى استرداد الغفران عند المؤمن.
وفي الأمسية التالية, وبعد العشاء استعد بقية الأولاد للخروج إلى الحديقة للعب والجري كالمعتاد, وعندما سأل والتر أباه إن كان له أن يخرج معهم.
- "لا يا بني"
- "ولكن يا أبي أنا أظن أنك سامحتني!"
- "ألم تُسامَح فعلاً؟ هل جاء صاحب السوبر ماركت أو أمين الشرطة
ليطالبك اليوم بشيء؟""
- "لا يا أبي"
- "لماذا؟"
"لأنك سددت عني كل الدين الذي جلبته على نفسي عندما رميت الحجر
على واجهة المحل"
- إنك قد سومحت في هذا الأمر. ثم ألم أقبلّك كالمعتاد في هذا الصباح؟ وألم
تتخذ مكانك كالمعتاد على المائدة؟ كذلك ألم تأخذ نصيبك من الطعام والاهتمام كأغلى الأولاد عندي؟"
- "نعم يا أبي"
- هل عاملتك ببرودة وأظهرت لك أي صورة مختلفة من التعامل معك, أو
هل حتى أسمعتك في الليلة الماضية ذكر تلك الحادثة؟
"لا". ويكمل الأب: "علاقتنا الشخصية استردت الليلة الماضية, لكنني لا أقدر, من جهة حكمي في البيت, أن أتناول ما حدث بخفة, وهذا ليس لأجلك فقط, ولكن لأجل إخوتك وأخواتك. لهذا السبب لا تقدر أن تخرج في المساء حتى أفكر جيداً في الأمر"
وبدأ الولد المسكين يغتاظ ويبوز, ولكن الأب كان يصر ويؤكد بكل لطف أنه لن يخرج خارج المنزل بعد العشاء.
ولكن بعد ذلك انشغل والتر ببعض الواجبات المنزلية, وكان خاضعاً لحكم أبيه في البيت, وليلة بعد الأخرى بدأ يذاكر دروسه جيداً, وكان التقرير الأسبوعي لأستاذه في المدرسة أنه حصل على الدرجات النهائية في مواده الدراسية في فصله.
وفي الليلة التالية, قال الأب, "والآن تستطيع يا ابني أن تخرج مع أخوتك لتجري في المساء". إنه لم يُرَ فقط أنه كان خاضعاً لأوامر أبيه وسلطانه. ولكنه أظهر تفوقاً في أعماله بصورة إيجابية ولهذا فإنه أُعطي غفراناً سياسياً أو تدبيرياً.
هكذا الأمر معنا. فإنه لا يكفينا أن تُسترد شركتنا مع الأب وابنه بالروح. بل يجب أن نخضع ليد الله في الحكم. فقد دعينا لنُخضع أنفسنا تحت يد الله القوية لكي يرفعنا في حينه. ولنسلك أيام غربتنا هنا بكل خوف, فإننا ندعو "الآب الذي يحكم بغير محاباة حسب عمل كل واحد" (1بطرس1: 17). إنه ليس خوف العبيد, بل كما ترينا الرسالة عينها أن نُلقي كل همنا عليه. لأنه هو "يعتني" بنا (1بطرس5: 7).
إنه يريدنا أن نكون غيورين في سلوكنا, وألا نسقط في خداع أنفسنا, من الخطأ ثم الاعتراف به متصورين أن الأمر ينتهي عند هذا الحد. "لأن إلهنا نار آكلة" (عبرانيين12: 29). فلا شيء بخلاف شفاعة المسيح التي تؤكد لنا رد شركتنا. ولكن نتحقق من أن الله لن يسمح لنا بأن نتلاعب مع الخطية ونفلت من العقاب. إنه بكل تأكيد, لا ينفعنا أن نتمرد على حكمه فهي يده القوية. ليتنا لا ننسى أن هنا محبة قوية وجبارة خلف يده التي تحكم كل لحظة. وهل فكرة يد الله التي تحكم تخفى قلب الله بالنعمة من نحونا؟ ومن ناحية أخرى ليتنا لا نسمح بأن تكون معرفتنا بنعمته التي نعترف بها ترتبط بانحلال سلوكنا ورخاوتها وعيشتنا العالمية. أو نخدع أنفسنا بفكرة أن سلوكنا هذا يتغاضى الله عنه عندما نوجد في الأقداس. إننا لن نحصد دائماً بالرحمة. وفي السر فإن مرارة النفس التي تحصد غالباً ما زرعناه- وبلا شك كلما تعمقت فينا الاختبارات الداخلية كلما كانت الضربة أخف- ولكن بحسب الحكم يجب أن يترك الكل معه "الذي يحكم بغير محاباة حسب عمل كل واحد" (1بطرس1: 17).
ليت الرب يهب غنى بركته لكل من القارئ والكاتب لهذه الصفحات. ويعمق في نفوسنا الشعور بقداسته ومحبته, حتى نسلك بأكثر سهولة أمامه لنقترب بالأكثر منه ولنعمل بقلب كامل نحوه حتى نصل إلى الغرض الذي نسعى إليه.
جورج كتنج
- عدد الزيارات: 3271