Skip to main content

الغفران الأبدي أو الفدائي

هناك أربعة أسئلة هامة ترتبط بهذا الوجه من الغفران ونجد في كلمة الله إجابة واضحة عليها:

1- كيف دبره الله لنا؟

2- كيف نحصل عليه؟

3- كيف نتيقن منه؟

4- وما هي نتائجه التي نتمتع بها؟

1- تجهيز الغفران:

1- كيف دبر الله لنا الغفران؟

وذلك بدم المسيح, وبدمه فقط ننال العفو, ولا يمكن أن يجهز الله غفراناً لخطايانا على أساس عادل بغير تتميم الكفارة لنا.

"الدم يُكفّر عن النفس" (لاويين17: 11 ,عبرانيين9: 22, متى26: 28, أفسس1: 7) فإذا كانت هناك طريقة أخرى لتدبير الغفران بخلاف ذلك, فما الذي دعا الله أن يبذل ابنه المبارك محتملاً العار والآلام, والمذلة ودينونة الصليب؟ وإذا كان الغفران نحصل عليه بالصلوات والصراخ والدموع أفلم تكن صلوات المسيح كافية لذلك؟. إذا كنت تقف في قفص الاتهام وقد صدر عليك حكم بالموت, فهل طلبك للعفو يجعلك تناله؟ وإذا كان مطلب العدالة في إجراء توقيع العقوبة أو تسديد الدين في المحاكم البشرية لا تصلح معه كلمات التوسل أو حسن النوايا أو الوعود الجميلة أو حتى الشعور بالأسف العميق, إذ لا تقدر هذه جميعها أن تبرئني أمام القانون البشري فكيف أتوقع أنني أنال العفو بهذه الطريقة أمام عرش الله؟

لقد قرر الله بنفسه هذا الأمر, إذ أعلن أنه "بدون سفك دم لا تحصل مغفرة" (عبرانيين9: 22). فحيث لا يسفك الدم فلا غفران. ولا شيء ينفع لتضمن غفران خطاياك سوى دم ذبيحة مقبولة.

إن الذي يطالب بالعدل هو بعينه الذي قد جهّز بالنعمة. ومعدات المذبح متساوية تماماً مع مطالب العرش. فالذي قال "الدم يكفر عن النفس" قال أيضاً "أنا أعطيكم إياه على المذبح" (لاويين17: 11). ولهذا أمكن للمؤمنين أن يقولوا "الذي فيه لنا الفداء بدمه غفران الخطايا حسب غنى نعمته" (أفسس1: 7).

إن نعمة الله هي المصدر, ودم المسيح هو وسيلة الغفران لنا. ونعمة الله أعدت الحمل وبدم الحمل تم تجهيز الغفران, وروح النعمة أعلنته باتساع وغنى للخطاة, وقلب الله كان يُسرّ أن يمنح الغفران للتائب والمنكسر القلب. إن الله يغفر كثيراً ويسامح بلا مقابل "وإذ لم يكن لهما ما يوفيان سامحهما جميعاً" (لوقا7: 42).

2- قبول الغفران:

إنه بالدم وحده أمكن لله أن يقدم لنا الغفران, وبالإيمان وحده يمكننا أن نقبله.

فالنعمة تمدنا به

والدم يقدمه لنا

والروح يعلنه لنا

والإيمان يخصصه لنا

"له يشهد جميع الأنبياء أن كل من يؤمن به ينال باسمه غفران الخطايا" (أعمال10: 43). "إنه بهذا (الإنسان) يُنادَى لكم بغفران الخطايا, وبهذا (الإنسان) يتبرر كل من يؤمن" (أعمال13: 38و 39). إنه ليس عن طريق أي استحقاق لنا في الماضي, ولا بأي وعد لنا في المستقبل يمكن أن نحصل على الغفران, ولكن ببساطة الإيمان بكفاية العمل والاستحقاق لهذا الشخص- الذي أقامه الله من الأموات, هذه القيامة التي برهنت على قبول الله لما فعله المسيح. "الذي قدمه الله كفارة بالإيمان بدمه, لإظهار برّه من أجل الصفح عن الخطايا السالفة بإمهال الله. ليكون باراً ويبرر من هو من الإيمان بيسوع" (رومية3: 25و 26).

وهذا معناه, أنه قبل موت المسيح, كان الله يتغاضى عن خطايا المؤمنين على أساس ما سيتم عمله, ومع هذا كان التغاضي بإمهال الله, وكان إمهاله عادلاً ومحقاً, على أساس التسديد الكامل الذي سيُقدم عنهم. أما منذ الصليب فالمؤمن ينال الغفران على أساس قيمة الدم الذي سُفك.

3- غفران مؤكد:

يمكننا أن نتحقق من أي شيء ونستريح بكل ثقة متى توفر الدليل الذي يركن إليه, ولذا لا بد أن تتوفر لنا البيانات التي نحتاج إليها, وعلينا أن نأخذها من مصدر موثوق فيه.

وعندما نأتي إلى شهادة الإنجيل, فلنضع في الاعتبار أن الله نفسه هو القائل بها "الله كلّم" (عبرانيين1: 1و2), "وأما كلمة الرب فتثبت إلى الأبد وهذه هي الكلمة التي بُشرتم بها" (1بط1: 25), إنه إنجيل الله, ولذلك كما قال الرسول للكورنثيين "لكن لأمين هو الله, إن كلامنا لكم لم يكن نعم ولا".

ومرة أخرى في (أعمال13: 38و39) "إنه بهذا (الإنسان) ينادى لكم بغفران الخطايا, وبه يتبرر كل من يؤمن, من كل ما لم تقدروا أن تتبروا منه"

إنه بالإيمان بالرب يسوع المسيح وبدمه الكريم, فإن الله يعلن أن الغفران معطى لك, وكما أن الله أمين كذلك فالغفران معطى لك.

لكن ربما تقول : أخشى أن يكون إيماني ضعيفاً جداً حتى أنال هذه البركة. ونحن نسألك هل هو كافي لكي يجعل المسح نفسه هو موضوع ثقتك؟ اهو موضوع إيمانك؟ وهل دمه الثمين هو حجتك الوحيدة؟ إذن سواء ظننت أنك بمقدورك أن تطالب أولاً, فإن كلمة الله تضمن لك هذه البركة. وبمقدورك الآن أن تقول آمين عندما تسمع "الذي يؤمن به ينال غفران الخطايا وبه يتبرر كل من يؤمن".

إننا لا نقدر أن نعتمد على مشاعر الفرد ولكن شهادة كلمة الله مؤكدة في هذا الأمر. فالواحد منا لا يمكنه أن يستند على مشاعره الداخلية للتأكد من الغفران. ولنأخذ مثالاً من التاريخ للتدليل على ذلك. فقد كان الدوق "سومرست" هو آخر الرجال الذين قطعت رؤوسهم على قمة برج هيل (وهي إحدى الأماكن الشهيرة), وكان هذا في فترة حكم الملك إدوارد السادس. وعندما اقتربت اللحظة المشئومة أتى رسول ممتطياً جواده من قبل الملك, وكان عضواً في المجلس وهو يتجه نحو المشنقة, وتبعه عدد من الضباط والجنود إلى ذلك المكان الكئيب عينه وهم يسرعون الخطى أما الجمهور المحتشد في الطريق فقد ظنوا خطأ أن هذا العضو قد أُرسل من الملك ليوقف تنفيذ حكم الإعدام. وابتدأوا يصيحون "العفو العفو". وارتفع الصياح حتى وصل إلى ساحة الإعدام, وسمعه الدوق المحكوم عليه وتورد خداه.

هل تتصور معي كيف كان شعوره عندما كانت تتردد تلك الصيحات على أذنيه في تلك اللحظة؟ وكيف كان صدره يجيش بالمشاعر لتلك الأخبار! وكيفما كانت مشاعره مرتفعة تسمو في أحلامها الوردية غير أنها لم تدم طويلاً, ومع أن الأخبار بدت جميلة لكنها بدون أساس. لقد كان الرأي العام مخطئاً. ومع أن آلاف الأصوات اشتركت في صيحة "العفو"! ومع أن مشاعر الدوق المحكوم عليه تجاوبت مع كلمات المديح التي قالها الجمهور عنه, غير أن الملك إدوارد لم يرسل رسالة العفو, وبدا أن كل هذا كان سخرية قاسية من صنع الخيال البشري. يا له من إعلان رائع وجميل, ولكنه كان يفتقر إلى شيء واحد.. وهو الشيطان الملكي.

فإذا كان يقيننا من الغفران راسخاً وصلباً فإننا نستخرجه حتماً من السلطة العليا- من كلمة الله, فإذا فعلنا ذلك فإننا نجد وراء هذا اليقين الراحة التي تتبعه ولكن أرجوك ألا تخلط بين اليقين وبين الراحة التي تصدر عنه. كذا لا تتخيل أن أي قدر من الشعور بالراحة يمكنها أن تعطيك اليقين الراسخ, وإن كان يجب بالضرورة أن ترافقه.

شيئين يجب أن تعرفهما:

لأن الله تكلم فإنني متيقن

ولأنني متيقن لذلك أشعر بالراحة

4- نتائج معرفة الغفران:

هناك على الأقل ثلاثة نتائج لمعرفة الغفران تتمتع بها النفس

أ‌- تجلب السعادة "طوبى (يا لغبطة) للذي غُفر إثمه وسُترت خطيته" وينتهي

هذا المزمور الذي يتحدث عن الإنسان الذي نال الغفران بالسعادة وبفرح الترنم (مز32: 1و11).

ب‌- تنشئ المحبة "الذي يُغفر له قليل يحب قليلاً".

أما المرأة التي كانت في المدينة فقد نالت غفراناً لـ "خطاياها الكثيرة لأنها

أحبت كثيراً" (لوقا7).

ج- تنشئ الخوف: إنه لا شيء يحرك النفس للاهتمام والغيرة المقدسة مثل محبة الله الغافرة في المسح "إن كنت تراقب الآثام يا رب, يا سيد فمن يقف؟ لأن عندك المغفرة, لكي يُخاف منك" (مز130: 3و4).

وهذا ليس خوفاُ استبدادياً وليس خوفاً من فقدان محبته, بل من إحزانه. إنه

ينبع أساساً من معرفة تلك المحبة التي ليس بمقدورها أن تتوقف أو تتغير. محبة بذلت نفسها لأجلي عندما كنت غارقاً وتائهاً وهالكاً. تلك المحبة التي شاركتني في كل شيء حتى أنني خلصت خلاصاً أبدياً.

فمن لا يخاف أن يحزن مثل تلك المحبة؟ من لا يخافك يا رب ويمجد اسمك؟.

  • عدد الزيارات: 4857