التلمذة والزواج
"يوجد خصيان خصوا أنفسهم لأجل ملكوت السموات"
إحدى المسائل الرئيسية التي يواجهها كل تلميذ هي: هل دعاه الله إلى حياة الزواج أم إلى حياة العزوبة؟ وهذا بالطبع مسألة شخصية بحتة يتوخى فيها الفرد إرشاد الرب. فلا يقدر أحد أن يشرع لغيره في هذا الموضوع أو يتدخل في أموره لأن التدخل خطر.
تعليم الكتاب المقدس واضح في هذا الصدد، فالزواج فريضة رتبها الله للجنس البشري لأغراض عدة منها ما يلي:
1-للشركة والبهجة، فأن الله قال "ليس جيدا أن يكون آدم وحده".(تكوين2: 18).
2-لبقاء الجنس البشري. وهذا واضح من قول الرب "اثمروا وأكثروا وأملأوا الأرض" (تكوين1: 28).
3-لحفظ العائلة والمجتمع من الفساد "لسبب الزنا ليكن لكل واحد امرأته (1كورنثوس 7: 2).
وليس في كلمة الله ما يشير إلى أن الزواج نقيض لحياة الطهارة والولاء والخدمة للمسيح. بل بالحري يذكرنا الكتاب أن الزواج ينبغي أن يكون مكرما والمضجع غير نجس (عبرانيين13: 4) ويقول الوحي "من يجد زوجة يجد خيرا "(أمثال 18: 22). وكلمات الجامعة "اثنان خير من واحد" (جامعة4: 9). قد تطبق على الزواج لا سيما إذا كان الاثنان يرتبطان معا في خدمة الرب. ولعل التأثير الفعال للعمل المشترك الذي يشير إليه سفر التثنية حيث يقول "يطرد واحد ألفا ويهزم اثنان ربوة" (تثنية32: 30) يصلح أكثر ما يصلح في موضوع الزواج.
ومع ذلك، ولو أن الزواج هو إرادة الله للجنس البشري عامة، فلا يعني ذلك بالضرورة أنه إرادة الله لكل فرد. فمع أن الزواج حق لا نـزاع فيه لكل تلميذ للمسيح، فأن للتلميذ أن يتنازل باختياره عن هذا الحق لكي يقدم خدمة للمسيح لا ينازعه فيها منازع.
ولقد لاحظ الرب يسوع أن ملكوته سيضم أناسا يرغبون بمحض إرادتهم أن يكونوا خصيانا فقال: "يوجد خصيان ولدوا هكذا من بطون أمهاتهم. ويوجد خصيان خصاهم الناس ويوجد خصيان خصوا أنفسهم لأجل ملكوت السموات. من استطاع أن يقبل فليقبل" (متى 19: 12).
وهكذا كما هو واضح عهد شخصي تطوعي يأخذه الشخص على نفسه نتيجة عاملين:
1-شعوره بأن الله يرشده إلى عدم الزواج.
2-رغبته في أن يبذل نفسه بأكثر ما يمكن في عمل الرب، بدون أن يعوقه ارتباطه بمسؤوليات عائلية.
لابد إذا لمن يقدم على أمر كهذا أن يكون متأكدا ومقتنعا بإرادة الله ودعوته(1كورنثوس7:7) فبهذا الاقتناع وحده يستطيع التلميذ أن يتأكد أن الرب سيمنحه النعمة التي يحتاج إليها للعفة.
ثانيا: لابد لمن يقدم على هذا العمل أن يقدم عليه متطوعا مختارا. فإذا صارت العزوبة إلزاما كنسيا تعرضت الطهارة والخلق لخطر جسيم. وأظهر الرسول بولس أن غير المتزوج ينصرف أكثر لخدمة الرب، فقال: "غير المتزوج يهتم في ما للرب كيف يرضي الرب. وأما المتزوج فيهتم فيما للعالم كيف يرضي امرأته" (1كورنثوس7: 32و33).
لهذا السبب عبّر الرسول عن رغبته في أن يقتدي غير المتزوجين والأرامل به، أي أن يلبثوا غير متزوجين (1كورنثوس7: 8). أما الذين سبق لهم أن تزوجوا فيشدد عليهم الرسول أنه بسبب قصر الوقت، يجب أن يجعلوا كل شيء ثانويا بالنسبة إلى العمل العظيم، وهو تقديم المسيح للجميع. وقد قال في هذا الصدد:
"فأقول هذا أيها الأخوة، الوقت منذ الآن مقصر، لكي يكون الذين لهم نساء كأن ليس لهم. والذين يبكون كأنهم لا يبكون، والذين يفرحون كأنهم لا يفرحون، والذين يشترون كأنهم لا يملكون. والذين يستعملون هذا العالم كأنهم لا يستعملونه. لأن هيئة هذا العالم تزول" (1كورنثوس7: 29-31).
هذا لا يعني بالطبع أن يتنصل الإنسان من مسؤولياته العائلية، ويترك زوجته وأولاده ، ويذهب مرسلا إلى البعيد. لكنه يعني أنه يجب عليه ألا يعيش لإشباع ملذات الحياة البيتية، وألا يتخذ من زوجته وأولاده مبررا لإعطاء المسيح المكان الثاني في حياته.
كان شارلي استاد يخشى أن تعطيه زوجته المكان الأول في حياتها عوضا عن الرب يسوع.
وقد كتب بولس الرسول "الوقت مقصر" واستطرد يقول "لكي يكون الذين لهم نساء كأن ليس لهم..."
أن المأساة الأليمة هي أن التسرع في الزواج أو الاندفاع إليه دون إرشاد إلهي أكيد، كثيرا ما يصبح فخا يستخدمه الشيطان ليعطل التلميذ الغيور عن العمل ويثنيه عن الخدمة المكرسة لسيده. وكم من رواد طموحين افسد الزواج المتسرع خدمتهم لسيدهم.
قال ويلي غوستافسون:
"الزواج.... عدو لدود لإتمام إرادة المسيح الذي يريد أن يسمع الجميع رسالته. صحيح أن الزواج مرتب من الله، لكن عندما يعترض سبيل إتمام إرادة الله، يصبح وبالا خطيرا. وفي استطاعتنا أن نذكر عددا كبيرا من الناس _رجال ونساء_ أهملوا الدعوة عند سماعها نـزولا عند رغبة أحد الأقارب أو شريكة الحياة أو شريكها. فتعطلت دعوتهم وأهملوا غرض الله في حياتهم فخسروا نفوسا كثيرة ماتت بلا مسيح وكان بإمكانهم ربحها.. وكم من نفوس تموت اليوم بلا مسيح. فلعله من الأفضل لخدام الكلمة ألا يتزوجوا."
قال أحدهم: " على الرجال والنساء الذين في المقدمة كطليعة الجيش، أن ينكروا أنفسهم ويحرموها حتى من ضروريات الحياة، فضلا عن متعها ولذاتها ولو كانت شرعية. ويقضي عليهم الواجب أن يحتملوا المشقات، كجنود صالحين، وأن لا يرتبكوا بأمور الحياة، وأن يطرحوا كل ثقل كأبطال رياضيين مدربين ...ليس عملهم ألا دعوة ورسالة، وتكريسا لخدمة خاصة. "
وقد وعد جميع من يسمعون الدعوة ويلبونها بمكافأة خالدة أكيدة، فقد وعد الرب تلاميذه قائلا:
"الحق أقول لكم...كل من ترك بيوتا أو أخوة أو أخوات أو أبا أو أما أو امرأة أو أولادا أو حقولا من أجل اسمي يأخذ مئة ضعف ويرث الحياة الأبدية" (متى19: 28و29).
- عدد الزيارات: 3636