التلاميذ هم وكلاء
روى الرب مثل وكيل الظلم ( لوقا16 :1-31 ) للتلاميذ، وفيه بيَّن لهم المبادئ التي تنطبق على التلاميذ في كل العصور. أليس التلاميذ وكلاء عهد الرب إليهم العناية بماله ومصالحه هنا على الأرض؟
وهذا المثل عسر الفهم ويبدو في الظاهر أنه يمتدح الخداع والالتواء. لكن إذا فهم على حقيقته فهو مليء بتعاليم ذات أهمية كبرى جدا.
وقصة هذا المثل تتلخص في أن رجلا ثريا أستأجر وكيلا عهد إليه بالإشراف على أعماله. وبعد مضي مدة من الزمن عرف السيد أن وكيله كان يبذر أمواله فاستدعاه في الحال وطلب منه أن يقدم حساب وكالته، مع تدقيق كامل في دفاتره، وأعطاه إنذارا بإنهاء خدمته وأدرك الوكيل أن مستقبله كئيب مظلم. فقد كان متقدما في السن بحيث لا يستطيع أن يقوم بعمل يدوي متعب، وكان خجولا يستحي بأن يستعطي. وسرعان ما خطر له خاطر يضمن له أصدقاء في أيام المحنة القادمة. فذهب إلى واحد من مديوني سيده وسأله: "كم عليك لسيدي" ؟ فأجاب: "مئة بث زيت " أي ما يعادل ثلاثة آلاف لتر من الزيت. قال الوكيل: "ادفع ما يعادل النصف ونضبط الحساب ".ثم مضى إلى مديون آخر من مديوني سيده وسأله السؤال نفسه : " كم عليك لسيدي" فأجاب: "مئة كرّ قمح " أي ما يعادل ثمانية وعشرين ألف كيلو غرام من القمح فقال له ادفع "ثمانين كرّ قمح "_ أي ما يعادل أثنين وعشرين ألف كيلو غرام من القمح _ "ونسدِّد الحساب "
وأغرب من تصرف هذا الوكيل غير الأمين التعليق الذي يليه: فمدح السيد وكيل الظلم إذ بحكمة فعل. لأن أبناء هذا الدهر أحكم من أبناء النور في جيلهم" (لوقا16 :8 ).
كيف نفهم نحن هذا المديح الذي يبدو وكأنه يشجع الخداع والخيانة في المعاملات؟
هناك أمر مؤكد لا شك فيه وهو أن سيد وكيل الظلم وسيدنا المبارك لم يمتدحا هذا الخداع وعدم الأمانة. بل أن عدم الأمانة هي التي سببت، بالدرجة الأولى، طرده من العمل.وهل يمكن أن نجد شخصا مستقيما يشجع على الغش أو يمتدح الخيانة؟ فمهما حوى هذا المثل من تعاليم فليس فيه أية إشارة تبرر الاختلاس أو السرقة على أية حال من الأحوال.
أنما هناك شيء واحد يستحق أن يمتدح عليه وكيل الظلم وهو تخطيطه أو تدبيره للمستقبل. فقد اتخذ خطوات ليؤمن لنفسه أصدقاء بعد انتهاء وكالته. لقد عمل للمستقبل لا للحاضر.
هذه هي النقطة المركزية في المثل: أن أهل العالم يتخذون خطوات جديدة لتأمين مستقبلهم _ أي زمن شيخوختهم وأعوام تقاعدهم. فهم يعملون بكل جد واجتهاد ليضمنوا لأنفسهم راحة، عندما لا يستطيعون العمل والربح وهم لا يتركون سبيلا ولا بابا إلا ويطرقونه ليحصلوا على ضمان اجتماعي.
من هنا نقول أن غير المخلصين أحكم من المسيحيين. أما السبب في ذلك فلأن مستقبل المسيحي هو في السماء وليس على هذه الأرض. هذا هو بيت القصيد. فأن مستقبل غير المؤمن ينحصر في الوقت الذي يقع بين حاضره والقبر. أما مستقبل المؤمن فهو الأبدية التي تقضى مع المسيح.
ويعلمنا هذا المثل أن غير المتجددين هم أحكم وأنشط في الاستعداد لمستقبلهم على الأرض من المسيحيين في الاستعداد لمستقبلهم في السماء.
وفي هذه المناسبة يقدم لنا الرب يسوع التطبيق العملي لهذا المثل فيقول: "وأنا أقول لكم اصنعوا لكم أصدقاء بمال الظلم حتى إذا فنيتم يقبلونكم في المظال الأبدية " ويعني بمال الظلم هنا الثروة والممتلكات الدنيوية، فهذه تمكننا أن نستخدمها لربح النفوس للمسيح. والنفوس التي نربحها بواسطة أمانتنا في استعمال المال تسمى في المثل "أصدقاء ". وسيأتي يوم يدركنا الموت أو نخطف في السحب لملاقاة الرب في الهواء، الأمر الذي سيتم سواء كنا راقدين أم أحياء، ويكون أن "الأصدقاء " الذين ربحناهم بحكمتنا في استعمال أموالنا يكونون معنا في المظال الأبدية.
بهذه الطريقة يخطط الوكلاء "الحكماء " للمستقبل _لا بأنفاق حياتهم في السعي الباطل للحصول على ضمانات في الأرض، بل في السعي النشيط المتحمس للحصول على أصدقاء في السماء، أصدقاء ربحناهم بأموالنا. فعندما يتحول المال إلى كتب مقدسة وأناجيل وأجزاء من الكتاب المقدس ونبذ روحية ومطبوعات دينية أخرى،وعندما ينفق على خدَّام المسيح والكلمة من مرسلين وغيرهم، أو ينفق لتمويل برامج الإذاعات المسيحية وسائر النشاطات المسيحية الأخرى الجدير بالتشجيع، وبعبارة مختصرة: عندما يستخدم المال لنشر الإنجيل في العالم، عندئذ يتحول المال إلى أصدقاء يرحبون بنا في السماء. فالمال الذي ينفق على عمل الرب في هذا العالم هو نفسه المال الذي يكنـز في السماء.
عندما يرى المؤمن أمواله وممتلكاته الزمنية وقد استخدمت لخلاص النفوس الثمينة، يفقد محبته للأشياء المادية وتضيع لذته في الترف والثروة والمظاهر المادية الجذابة، فلا يعود يستسيغها ولا يحبذها، ويشتاق إلى أن يرى مال الظلم يتحول بكيمياء إلهية إلى عبّاد للحمل يسجدون له إلى أبد الآبدين. وعند ذلك تستأ سره فكرة القيام بعمل في حياة البشر يؤول إلى مجد دائم لله وسعادة مقيمة له ولشعب الله. وكل ما في العالم من ماس وجواهر ولآلئ، وودائع في البنوك، وبوليصات التأمين، وقصور ويخوت وسيارات فاخرة، تصبح في عينيه "مال الظلم " أن استخدمها المرء لنفسه وحسب، فلا فائدة منها، أما أن أنفقت لأجل المسيح تحوّلت إلى غنائم وأرباح تبقى إلى الأبد.
والطريق التي بها نستخدم أموالنا وممتلكاتنا، والمدى الذي به نتمسك ونتعلق بها هو محك أخلاقنا. وقد أكد المسيح ذلك في العدد العاشر بقوله:"الأمين في القليل أمين أيضا في الكثير. والظالم في القليل ظالم أيضا في الكثير".
و"القليل" المذكور في هذا العدد هو وكالتنا في الأشياء المادية. فالرجل الأمين هو الذي يستخدمها لمجد الله وبركة أخوته. و"الظالم" هو الذي يستخدمها لراحته الشخصية ولتنعمه الذاتي وتمتعه الأناني. فإذا كان المرء غير أمين ولا يمكن أن يعهد إليه بالقليل أي بالأشياء المادية، فكيف يمكن أن يعهد إليه بالكثير أي بالأشياء الروحية؟ وإن كان غير أمين في مال الظلم، فكيف ننتظر منه أن يكون أمينا كخادم للمسيح وكوكيل سرائر الله (كورنثوس الأولى 4 :1 )؟ ويشدد المخلص على هذا بشكل أكثر فيقول :"أن لم تكونوا أمناء في مال الظلم فمن يأتمنك على الحق " (11).
الغني الحقيقي ليس هو في الكنوز الأرضية، لأن قيمتها محدودة ووقتية. لكن الكنوز الروحية هي الغني الحقيقي لأن قيمتها ل يمكن أن تقاس أو تحد. وإذا لم يكن الإنسان أمينا في استعمال الأشياء المادية، فهل يقدر أب يكون أمينا في الأمور الروحية؟
ثم يخلص المسيح في مثله إلى القول: "أن لم تكونوا أمناء في ما هو للغير فمن يعطيكم ما هو لكم" (12).
أن مقتنياتنا المادية ليست لنا، بل هي أمانة من الله، وكل ما نملكه ليس ألا وكالة مقدسة يأتمننا لله عليها. وأما ملكنا الحقيقي فهو ما نبذله من جهود لنكون أمناء في وكالتنا في سبيل المكافأة التي سنحصل عليها نتيجة لأمانتنا في الديار الأبدية. فأن لم نكن أمناء في التصرف بمال الله، فلا نقدر أن نتفهم حقائق كلمة الله العميقة، ولا يجوز أن ننتظر المجازاة في الحياة الأبدية، وأن كانت الحياة الأبدية نفسها من نصيبنا.
وبعد ذلك نصل إلى الذروة إذ يلخص المسيح التعليم الذي ينطوي عليه المثل قائلا: "لا يقدر خادم أن يخدم سيدين لأنه أما أن يبغض الواحد ويحب الآخر. أو يلازم الواحد ويحتقر الآخر. لا تقدرون أن تخدموا الله والمال".
لا يمكن أن يكون هناك ولاء منقسم، فالتلميذ لا يستطيع أن يخدم معلّمين، والوكيل أما أن يحب الله أو المال. فأن أحب المال فقد ابغض الله.
واذكر، يا أخي، أن هذا الكلام موجّه للتلاميذ، لا لغير المخلّصين.
- عدد الزيارات: 4481