Skip to main content

الفصل الثامن عشر: وأخيراً... السلام

"ذو الرأي الممكَّن تحفظه سالماً سالماً لأنه عليك متوكل" (أشعياء 26: 3)

تعرف الآن ما معنى أن يكون المرء في سلام مع الله، وأن يكون مسيحياً. كما تعرف ما هو الثمن الذي ينبغي أن يدفعه الإنسان ليحصل على السعادة والسلام. وكثيرون من الناس يودون أن يدفعوا مبالغ طائلة مقابل الحصول على السلام. ملايين من الناس يبحثون عنه. وكلما أوشكو أن يبلغوا السلام الذي لك مع الله في المسيح يتدخل إبليس فيبعدهم عنه ويعمي بصائرهم. أما أنت فقد وجدت السلام وتمتلكه إلى البد وبذلك أدركت سر الحياة.

لا شك أن ثمة أشياء كثيرة يعسر عليك فهمها، وثمة أسرار ومسائل كثيرة تحيرك، ولكن في أعماق نفسك تسيطر الراحة ويسود السلام الذي يملأ حياتك بالثقة والطمأنينة. كذلك من المؤكد أنك وجدت في المثل الأعلى المسيحي مزايا ستّان بينها وبين المفاهيم الفلسفية!

وفي ما يلي ذكر لبعض هذه المزايا.

أولاً: التبني. إنك حالما تقبل المسيح مخلصاً لك تصبح ابناً في عائلة الله، ويصبح لك ما للأمراء من امتيازات ومسؤوليات وتبعاً لذلك يجري في عروقك الدم الملكي لأنك أصبحت عضواً في عائلة ملك الملوك ورب الأرباب.

ثانياً: التمتع بالإرث. بولادتك الجديدة أصبحت وارثاً لله، وارثاً مع المسيح. فأنت إذاً وارث لكل شيء.

ثالثا": السلام. لا يمكن الحصول على السلام الحقيقي إلا بعد أن تنال العفو الإلهي وتتصالح مع الله وتحصل على التوافق الداخلي مع نفسك ومع قريبك ومع الله. "ليس سلام قال إلهي للأشرار"[1]. ولكن المسيح إذ سفك دمه على الصليب حقق السلام بيننا وبين الله. وصار هو نفسه سلامنا. إننا حين يدخل المسيح إلى قلوبنا يطهرها من كل خطية، ويصبح بإمكاننا أن نتطلع إلى الآخرين بوجه طافح بالثقة لأننا تخلصنا من كل شعور بالدينونة وعدم الجدارة. وينطبق علينا عندئذ القول: "إذا أرضت الرب طُرقُ إنسان جعل أعداءه أيضاً يسالمونه[2]. وفضلاً عن ذلك نستطيع في ساعة الموت أن تقف أمام الله بقلوب يملأها الطمأنينة والسلام.

رابعاً: الحياة الروحية. "أتيت لتكون لهم حياة وليكون لهم أفضل"[3]. وقال بولس بالوحي "إن كان أحد بالمسيح فهو خليقة جديدة. الأشياء العتيقة قد مضت. هوذا الكل قد صار جديداً[4].

خامساً: فرح الشركة مع الله بالمسيح. إن يسوع المسيح هو الصديق الوحيد الذي يعرف ويفهم كل أفكارنا ويحس بكل مشاعرنا. والذي له شركة مع المسيح لا يمكن أن يشعر بالوحدة، والذي يحل المسيح في قلبه في المكانة اللائقة به لا يمكن أن يستولي عليه شعور بالانفصال عن الله.

سادساً: اتباع المسيح يكسب الإنسان قوة جديدة. لا يستطيع الإنسان بقواه أن يصل إلى المستوى الخلقي الذي يحدده لنفسه، فكيف يبلغ المستوى الذي يحدده له الله؟ كانت الشريعة الموسوية تمثل الحد الأدنى للسلوك المرضي أمام الله. لكنك مع ذلك أضعف من أن تصل، بدون معونة إلهية، حتى إلى هذا الحد الأدنى.

ما زال الإنسان على مر الأعوام والعصور يتخذ قراراته الواحد تلو الآخر وهو يرجو أن تتوفر لديه القوة اللازمة لتنفيذها ولكن جل ما استطاع التوصل إليه لم يكن إلا إصلاحاً موقتاً جزئياً. أما التغير الجذري الشامل الكامل فهو عاجز عن تحقيقه.

إن الولادة الجديدة في المسيح هي السبيل الوحيد لا إلى تغيير نمط الحياة فحسب بل إلى خلق شخصية جديدة. فهي التي جعلت من شاول الطرسوسي بولس الرسول. لقد دخل المسيح إلى حياته فقلبها رأساً على عقب. وهكذا انقلب العدو اللدود المدمر إلى رسول وأي رسول!

ليس فلسفة بشرية تستطيع أن تحدث مثل هذه التغيرات أو تمنح مثل هذه القوة التي هي في متناول يدك في جميع الأوقات. قال الله "لا تخف لأني معك. لا تتلفت لأني إلهك. قد أيدتك وأعنتك وعضدتك بيمين بري"[5]. فمهما كانت الظروف أو الحاجة أو الواجب أو الثمن أو الضحية التي تواجهك فستجد قوته ملك يمينك ساعة تطلبها.

سابعاً: يكسب المسيحي مزايا جسدية بفضل حياته المسيحية. إن الخطيئة وعدم الثقة بالنفس يتلفان قوى العقل والجسد. وشعورنا بعدم الطهارة الجسدية وبالفساد الجسدي، وشعور الكراهية للآخرين، وإحساسنا بعد كفاءتنا وفشلنا وعدم قدرتنا على الوصول إلى الأهداف التي نطمح إليها؛ كل هذه تشكل الأسباب الحقيقية لما يصيبنا من أمراض جسدية وعلل عقلية. وشعور الإنسان الطبيعي بخطيئته وذنوبه يصيره عاجزاً عن إتمام واجباته.

إن السلام مع الله، وسلام الله، وفرح الشركة مع المسيح إذا ما امتلأ بها قلب الإنسان كان لها أثرها الواضح على صحة الجسم والعقل، وعلى حفظ قواهما وتنميتهما. وهكذا يقدم المسيح أجزل الفائدة للجسم والعقل والروح، بالإضافة إلى القوة والسلام الداخل وفرح الشركة معه. هذه المزايا والبركات جميعاً هي نتائج الولادة الثانية.

وأخيراً ثمة بعض امتيازات يتمتع بها المسيحي الحقيقي. ومنها امتلاك الحكمة والإرشاد الإلهيين بصورة دائمة حسب قول الكتاب "إن كان أحدكم تعوزه حكمة فليطلب من الله الذي يعطي الجميع بسخاء ولا يعير فسيعطى له"[6]. ويتمتع المسيحي أيضاً بثقة تامة أن كل الأشياء تعمل معاً لخير المؤمن في النهاية. ولذلك فهو ينظر إلى العالم فيكتشف فيه أموراً تخفى على سواه.

يرى بوضوح مقاصد الله والغاية التي تسير نحوها جميع الأشياء. وبالرغم من حرب الإنسان ضد أخيه، وبالرغم من قوى الطبيعة المدمرة التي يبدو أنها تمسكنا بين براثنها، بالرغم من ذلك فإنه يرى بيقين تام أن الله ما يزال مستوياً على العرش، وهو الآمر الناهي في السماوات والأرض. ويرى الشيطان ملجوماً لا يستطيع أن يمارس تأثيره الشرير إلا بإذن منه تعالى وخلال المدة التي يحددها له.

وتبين الأسفار المقدسة أن خطة الله الشاملة لا تهتم فقط بكل أحقاب التاريخ وكل أمم الأرض بل بكل فرد من الأفراد. وآخر جزء من هذه الخطة الكونية الشاملة هو عودة الرب يسوع المسيح، وتثبيت دعائم ملكه.

إن الحياة كما يراها المسيحي، تستند على خطة محدودة وإلى يقين ثابت، وهو أن الله سينتصر في النهاية على كل إثم وظلم.

ونحن إذ نخلص إلى القول إن الحياة المسيحية تتفوق على كل أنواع الحياة الأخرى، لا يسعنا التغاضي عن المزايا العظمى التي يجنيها المسيحي، لا في هذه الحياة الدنيا فحسب بل في الأبدية أيضاً. كان أيوب يتساءل قائلاً: " إن مات رجل أفيحيا" (بعد موته؟)[7] ثم يعود فيجيب "أما أنا فقد علمت أن وليّي حيّ"[8].

يا للمستقبل الرائع والرجاء المجيد والحياة الدافقة مياهها أبداً! إنني لا أقبل عن حالي التي أنا فيها بديلاً مهما كانت المغريات. أفضّل على كل شيء أن أظل ابن الملك الأعظم ووارثاً مع المسيح، وعضواً في العائلة الملكية السماوية.

إنني أعرف من أنا، وسليل من أنا، ولماذا أنا هنا، وأين سأمضي. وفوق ذلك كله إنني أتمتع بالسلام الحقيقي- سلام الله الذي يملأ قلبي ويغمر روحي حتى الفيضان.

كانت العاصفة تزأر والبحر الصاخب يقذف الصخور بأمواجه العاتبة. كانت البروق تلمع والرعود تقصف والرياح تزمجر... لكن العصفور الصغير كان نائماً في فجوة الصخر وقد ستر رأسه بجناحيه، آمناً مطمئناً. هذا هو السلام.. السلام هو أن نقدر على النوم في قلب العاصفة.

في المسيح لنا الراحة والطمأنينة والسلام مهما كان يحيط بنا في هذه الحياة من حيرة وتشويش ومشاكل معقدة. العاصفة تزأر وتهيج لكن قلوبنا هادئة ومطمئنة.

لقد وجدنا السلام... أخيراً!

السلام مع الله

1 بِرُّ سَلامٌ مع سُرورْ أوصافُ مُلْكِ الباري

تَبقى إلى دهرِ الدُّهورْ للمؤمنِ المختارِ

قرار

هذا سلامُ المؤمنين من ربّهم حلوٌ ثمينْ

سَلامٌ سلامٌ سلامٌ كلَّ حينْ

2 لا تقدرُ الدُّنيا تنيل هذا السلام الأسمى

كلاّ ولا عنّا تُزيلْ تلك العطايا العظمى

3 هذا سلامٌ لي شراهْ ربُّ الفِدَى بالصَّلبِ

كالنَّهرِ يَجري في صفاهْ يروي ظماءَ القلبِ

4 أَلأَمنُ فيهِ والهجوعْ هذا السّلامُ الباقي

فإنما المُعطي يسوعْ باقٍ على الميثاقِ

5 إن تطمُ حولي النَّائبات كاللُّجِ وَسْطَ البَحرِ

يدمْ سلامي في ثباتْ أساسهُ في الصَّخرِ

[1] - أشعياء 57: 21

[2] - أمثال 16: 7

[3] - يوحنا 10: 10

[4] -2 كورنثوس 5: 17

[5] - أشعياء 41: 10

[6] - يعقوب 1: 5

[7] - أيوب 14: 14

[8] - أيوب 19: 25

  • عدد الزيارات: 1722