Skip to main content

الفصل السابع عشر: مستقبل المسيحي

"أنا أمضي لأعد مكاناً. وإن مضيت وأعددت لكم مكاناً آتي أيضاً وآخذكم إليَّ حتى حيث أكون أنا تكونون أنتم أيضاً". (يوحنا 14: 2- 3)

إن كل ما في العالم يؤكد لنا أننا نحيا اليوم في فترة حاسمة هائلة. يتنبأ البعض بنكبات داهمة فظيعة، ويقول آخرون أن الجنس البشر منجرف نحو الفناء. كثيرون يعتقدون أن حضارتنا أمست على شفير الاضمحلال. هناك كتب عديدة محشوة بالتنبؤات المريعة في المستقبل، وهناك أيضاً الصحف والمجلات تعلن في افتتاحياتها عن خطورة الساعة التي نحن فيها. "عن العلم قد أورثنا القدرة على تدمير أنفسنا" هذا ما قاله أحد العلماء. ويذكر وليام فوجت (William Vogt) في كتابه (طريق البقاء) "أننا نحيا في عصر حاسم خطير يتوجب علينا فيه تقرير المصير، عصر الاختيار بين الصالح والطالح، بين الخطأ والصواب، بين الخير والشر، بين الموت والحياة. فإذا أخطأنا الاختيار فمن المحتمل أن نكون نحن آخر جيل بشري يحيا على هذه البسيطة".

ويضيف البروفسور سوروكين "أننا نحيا في إحدى أفظع الأزمات التي عرفها التاريخ، إذ لسنا نواجه الحرب والجوع والأوباء والثورات فحسب، لكننا نواجه حشداً هائلاً من النكبات المروعة يزحف على عالمنا برمته. فالقيم متزعزعة والمقاييس محطمة وكأن الإنسانية نفسها أمست مشوهة الصورة.

إن الأزمة تشمل كل مكان في العالم، وتحيق بثقافتنا ومجتمعنا من كل جانب. فهي تتجلى في الفنون الجميلة والعلوم والفلسفة والدين والخلاق والقانون، وتطرقت إلى أعماق المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، بل تغلغلت طريقة التفكير والحياة. ونرى أنفسنا مسوقين إلى الاعتقاد بأن عواقب هذه الأزمة ستكون اشد هولاً وأوسع نطاقاً بكثير مما عرفته عصور التاريخ".

عندما نتصفح المجلات والصحف يهولنا فيها وصف التجارب الذرية والهيدروجينية والنووية. ونندهش إذ نرى أن الأدب أصبح يستعمل الآن تعابير الكتاب المقدس. يقول الدكتور ويلبر سميث (Wilbur Smith) "إن أفلاطون وسنيكا وأرسطو وباقي الفلاسفة العظماء لم ينقبوا فعلاً في أعماق المستقبل ولم يحاولوا بر أغواره". أما الكتاب المقدس فهو الكتاب الوحيد الذي يتفرد ببحث شؤون الآخرة. فأسفار الكتاب، ابتداءً من سفر التكوين حتى سفر الرؤيا، تذكر الأحداث التي ستتم عند بلوغ التاريخ أوجه. لقد كان قادة الكنائس لسنوات خلت يخشون المغالاة في مناقشة أحداث المستقبل، أما الكنيسة فقد بدأت تنظر اليوم نظرة جديدة إلى ما ورد في الكتاب المقدس بهذا الشأن.

إن الذين يجهلون الكتاب المقدس يسرعون، والهلع ينهشهم، إلى الأنبياء الكذبة والعرافين والمتصلين بالأرواح والمبصّرين بالفنجان وسواهم من أصحاب الخزعبلات، وينفقون مبالغ طائلة من المال في سبيل معرفة ما يخبئه لهم المستقبل فلا تجدي مساعيهم نفعاً. أما الكتاب المقدس فيزيح ستار الغموض حول هذا الموضوع الخطير فهو ينبئنا بأن لعالمنا الحالي نهاية، ويؤكد لنا أن التاريخ البشري سيبلغ ذروته عند مجيء يسوع المسيح ثانية، ويشير إلى أروع تتويج لم تعرف له العصور مثيلاً، تتويج المسيح ملك الملوك ورب الأرباب.

إنني أعرف ان هذا الموضوع مثار نقاش، وكثيراً ما يساء فهمه. ومن المؤسف أن كثيرين من الغلاة قد جابوا البلاد في السنوات الأخيرة يحددون تآريخ وأوقاتاً فأصابوا تلك الحقيقة المجيدة بالتشويش والتعقيد.

إن الدكتور س. لويس (lewis) العلامة البريطاني المشهور والأستاذ في جامعة أكسفورد يعلن بصراحة قائلاً: "يبدو لي من المستحيل المحافظة على الإيمان بلاهوت المسيح وحقيقة الإعلان المسيحي إذا كنا نحاول أن نهمل أو نحذف الوعد بمجيء المسيح ثانية".

هذا ويقبل الدكتور لويس حرفياً تعريف بولس للرجاء المسيحي، كما أنه يذعن للكتاب المقدس مؤمناً بأنه يحتوي على كلمة الله والحق. ويخلص العلامة، في تلخيص اعتقاده الراسخ حول هذا الموضوع، إلى القول بأن ثمة ثلاثة أسباب لموقف السخرية الذي يقفه الناس من فكرة عودة المسيح إلى الأرض.

أولاً: يدّعي كثيرون من "المسيحيين بالاسم" أن تعليم المجيء الثاني هو تعليم زائف لأن مجيء المسيح لم يحدث حين تنبأت عنه الكنيسة الأولى. ويرد بولس لويس على ذلك بقوله: صحيح أن المسيحيين الأوائل كانوا ينتظرون مجيء الرب في أيامهم؛ ولكن ثمة تنبؤات أخرى يوردها الكتاب، ينبغي بالضرورة أن تسبق عودة المسيح.

ثانياً: يشير الدكتور لويس إلى أن التعليم الكتابي عن مجيء المسيح الثاني يفسد على ملايين الناس خططهم وأحلامهم فهم يريدون أن يأكلوا ويشربوا وينغمسوا في الملذات دون أن يعكر انغماسهم هذا معكر. هذا هو السبب الذي دفع معاصري نوح إلى السخرية منه وإلى عدم الإيمان بالطوفان. لم يشاؤوا أن يحدث أي شيء من شأنه أن يفسد خططهم الأنانية المتعلقة بالمستقبل. أما يؤكد لنا الكتاب المقدس "أنه سيأتي في آخر الأيام قوم مستهزئون سالكين بحسب شهوات أنفسهم وقائلين أين هو موعد مجيئه لأنه من حين رقد الآباء كل شيء باقٍ هكذا منذ ابتداء الخليقة" (2 بطرس 3: 3: - 4)؟

ولو أن الرب يسوع حدد، عند انطلاقه إلى السماء، موعد رجوعه إلى الأرض لضاعت كل الغاية التي يهدف إليها في تحذيره وفي وعده بالرجاء. بما أننا لا نعرف موعد رجوعه إلى الأرض يجب أن نكون مستعدين لاستقباله في كل حين.

كان مودي الواعظ الشهير يقول "إنني لا ألقي أية عظة دون أن أفكر أن الرب يمكن أن يجيء قبل أن ألقي العظة التالية". ويقول الدكتور كامبل مورغان: " إنني لا أباشر عملي اليومي صباحاً دون أن أفكر في أنه يمكن أن يقاطعني الرب ويوقف عملي لكي يتمم عمله الخاص. لست أنتظر الموت لكنني الرب".

هكذا ينبغي أن يحيا المسيحي في توقع دائم لعودة المسيح. ولو كنا نحيا كل يوم كأنه اليوم الأخير السابق للدينونة الأخيرة لكان فرق عظيم في حياتنا كلها! ولكننا لا نريد أن نفكر في ذلك ولا نود أن تجيء أبواق الله فتعترض خططنا المنظمة ومشاريعنا المدروسة الطويلة الأمد. أننا منغمسون في شؤوننا الصغرى الخاصة بحيث لا نستطيع احتمال فكرة تفسد علينا خططنا وتدابيرنا. كثيرون يقولون: "إن نهاية العالم لم تأت بعد فلماذا نفكر بها. ألا يحتمل أن يتأخر مجيئها ألف عام مثلاً"؟! قد يكون ذلك، كما أنه قد يحدث بالعكس. أما أنا فحاشا لي أن أتنبأ عن موعد نهاية العالم. من المؤسف أن كثيرين من الناس ذوي النية الطيبة قد فعلوا ذلك، فأساؤوا خدمة القضية المسيحية. وكثيرون من الرواد والغلاة المسيحيين تنبأوا بتلك النهاية فجعلوا الإيمان المسيحي موضوع هزء وسخرية.

وإذا بحثنا في تاريخ الأديان رأينا أن كثيرين من الأنبياء الكذبة قد خلقوا هستيريا في نفوس الجماهير. وإليكم مثلاً على ذلك:

في عام 1843 تنبأ وليام ميللر بأن نهاية العالم ستكون في تمام منتصف ليلة 21 آذار من تلك السنة. وفي متصف الليلة المحددة أعلن ذلك المدعي أن الأبواق ستصّوت في دويّ هائل والسموات ستنشق وسيظهر المسيح ثانية. وتجمع الذين صدقوا نبوة ميللر بدلاً من أن يصدقوا الكتاب المقدس، تجمعوا ليلتئذ وانتظروا على غير طائل. وعند الفجر انسحبوا يجرون أذيال القنوط والخجل. ما كانوا ليقفوا مثل هذا الموقف العلني المضحك لو أنهم تذكروا قول يسوع: "اسهروا إذاً لأنكم لا تعلمون متى يأتي رب البيت أمساء أم نصف الليل أم صياح الديك أم صباحاً. لئلا يأتي بغتة فيجدكم نياماً. وما أقوله لكم أقوله للجميع اسهروا"[1].

ويقول واحد: "هل لك برهان به تثبت لنا حقيقة رجوع المسيح ثانية؟ هل لك برهان يثبت أنه ينبغي أن نعيش في يقظة دائمة بانتظار ذلك اليوم المجيد"؟ - نعم أن الكتاب المقدس هو البرهان، وكفى به دليلاً وبرهاناً. فيه يرد ذكر المجيء الثاني مراراً كثيرة. هل عرفت أن الكتاب المقدس يذكر رجوب الرب أو يشير إليه ثلاثمئة وثماني عشرة مرة؟ هل عرفت أن هذا هو موضوع اسفار الأنبياء في العهد القديم، وموضوع الرسالتين إلى تسالونيكي، وموضوع إصحاحات بكاملها من الإنجيل (متى 24؛ مرقس13؛ لوقا 21)؟

يشدد الكتاب المقدس كثيراً على حقيقة مجيء المسيح ثانية. نقرأ في أشعياء (66: 15) "هوذا الرب بالنار يأتي ومركباته كزوبعة ليردّ بحموٍّ غضبه وزجره بلهيب نار".

ويقول أرميا أن أورشليم، عند مجيء الرب ثانية، ستدعى مجد الله وتجتمع فيها باسمه باقي الأمم.

ويتحدث حزقيال عن أورشليم التي سيعاد مجدها ويعاد بناء هيكلها. وعن الأرض التي ستحيا ويغمرها الرجاء والخير.

ويذكر دانيال كيف أبصر في رؤيا المسيح قادماً كالملك والديّان.

ويقول هوشع أن في الأيام الأخيرة عندما يجيء الرب سوف يقبله بنو إسرائيل ملكاً ورباً.

ويصف يوئيل جيوش العالم متأهبة للعراك ضد جنود السماء ويظهر عاموس عرش داود مثبتاً في أورشليم من جديد.

ويقدم عوبدياً تحذيرات خطيرة تتعلق بمجيء ملك الملوك.

ويعلن ميخا زوال الحروب عندما يطبع البشر سيوفهم سككاً ورماحهم مناجل.

ويذكر ناحوم أن الجبال تميد تحت قدمي المسيح وأن الأرض تشتعل من حضوره.

ويصور لنا حبقوق مجيء الملك الذي يقيس مملكته الجديدة بصولجانه بينما تنحني أمامه الشوامخ.

ويكتب لنا صفنيا الأغنية الجديدة التي سوف يعلمها المسيح لشعبه المختار.

أما حجي فيخبرنا أن كل الأشياء ستزلزل، ولا يبقى إلا ما هو من الله.

ويرسم لنا زكريا صورة قدم الرب مرتكزة من جديد على جبل الزيتون.

ويختم ملاخي نبوات العهد القديم مشبّهاً هذا المجيء بنار الصائغ وأشنان القصار وبشمس العدالة تسطع فتملأ الأرض من مجده.

أما في أسفار العهد الجديد فيشبه البشير متى مجيء الرب يسوع بمجيء العريس ليأخذ عروسه. ويشبّه مرقس برب بيت غاب في رحلة طويلة بعد أن أسلم عبيده مهمات معينة ريثما يعود. أما لوقا فيصور يسوع إنساناً كريم المحتد سافر لبعض أشغاله إلى بلد بعيد وترك أمواله في أيدي عبيده ليشغلوها ويتجروا بها ريثما يجيء. ويقتبس يوحنا قول المسيح "أنا أمضي لأعد لكم مكاناً وسوف آتي أيضاً وآخذكم إليّ".

ويبدو لنا يسوع في الرسالة إلى أهل رومية منتصراً يضع جميع الأعداء تحت قدميه. ويخبرنا بولس الرسول في رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس أن الرب يسوع سيأتي ليقيم الأموات. وأما الرسالة الثانية إلى أهل كورنثوس فتتحدث عن البيت السماوي الذي سنمتلكه بعد أن يفنى بيتنا الأرضي.

والرسالة إلى أهل كولوسي (3: 4) تقول "متى أظهر المسيح حياتنا فحينئذ تُظهَرون أنتم أيضاً معه في المجد".

ويحثنا بولس في الرسالة الأولى إلى أهل تسالونيكي على انتظار مجيء ابن الله الذي سيأتي من السماء. أما في الرسالة الثانية فيرسم لنا صورة مجيدة عن مجيء الرب مع قديسيه. ونجد في الرسالة إلى تيموثاوس ما يفيد أن الرب سيجازي كل الذين "يحبون ظهوره". أما الرسالة إلى تيطس فتتحدث عن "الرجاء المبارك".

والرسالة إلى العبرانيين تتحدث عن مجيئه مرة ثانية "هكذا المسيح أيضاً.. سيظهر ثانية بلا خطية"[2]. ويطلب يعقوب من المؤمنين أن يصبروا إلى مجيء الرب. ويذكر بطرس أن يوم الرب يجيء كلص في الليل. ويقدم يوحنا الوعد العظيم "الآن نحن أولاد الله ولم يُظهَر بعد ماذا سنكون، ولكن نعلم أنه إذا أُظهر نكون مثله لأننا سنراه كما هو[3].

أما يهوذا فيقول: "هوذا قد جاء الرب في ربوات من قديسيه". وأخيراً نرى أن كتاب رؤيا يوحنا اللاهوتي قد خُصص برمته لعقيدة مجيء يسوع المسيح ثانية.

حقيقة مجيدة ورجاء مبارك ووعد صادق! وهل لعالمنا الذي يحيط به التشاؤم والحزن أروع وأمجد من هذا الرجوع المبارك الذي نتوقعه؟

عندما يسأل الناس "إلى أين المصير" يعطيهم الكتاب المقدس الجواب المباشر الأكيد مؤكداً أن ختام كل شيء سيكون مجيء المسيح ومجازاته لمختاري الله.

أما تحديد موعد هذا المجيء فأمر لا يهمنا كثيراً. ولكن الأمر البالغ الأهمية هو أن نكون مستعدين في كل لحظة لهذا المجيء. وهذا ما بينه يسوع للتلاميذ حينما قال لهم: "ليس لكم أن تعرفوا الأزمنة والأوقات التي جعلها الآب في سلطانه"[4].

إلا أن يسوع قال أيضاً أن ثمة علامات تدل على اقتراب ظهوره الثاني: "متى ابتدأت هذه تكون فانتصبوا وارفعوا رؤوسكم لأن نجاتكم تقترب. وقال لهم مثلاً: "انظروا إلى شجرة التين وكل الأشجار. متى أفرخت تنظرون وتعلمون من أنفسكم أن الصيف قد قرب. هكذا أنتم أيضاً متى رأيتم هذه الأشياء صائرة فاعلموا أن ملكوت الله قريب"[5].

 أما العلامات التي أخبرنا عنها يسوع فهي هذه: "تكون علامات في الشمس والقمر والنجوم. وعلى الأرض كربُ أممٍ بحيرةٍ. البحر والأمواج تضج. والناس يُغشى عليهم من خوف وانتظار ما يأتي على المسكونة لأن قوات السماوات تتزعزع"[6].

إن الزمن بحسب مقياس الملائكة يختلف كثيراً عن الزمن بحسب مقياس التقويم البشري فقد تبدو لنا السنوات السبعون التي نحياها على هذه الأرض فترة طويلة بالنسبة لفترة بقائنا عليها. ولكن مئات الأيام وألوف الأعوام التي تبدو لنا أمداً طويلاً أن هي في حساب الله إلا يوم واحد.

إن الذين يمنعون قراءة الكتاب المقدس وينظرون إلى الأحداث الجارية اليوم يشعرون بأننا نحيا في الأيام الأخيرة وأننا دخلنا الحقبة الأخيرة. ونحن الآن في الفصل الختامي من المأساة الكبرى التي بدأت في جنة عدن منذ آلاف السنين.

إن ما نراه اليوم من أحداث ينطبق على الصورة التي رسمها يسوع عندما قال: " كما كانت أيام نوح كذلك يكون أيضاً مجيء ابن الإنسان. لأنه كما كانوا في الأيام التي قبل الطوفان يأكلون ويشربون ويتزوجون ويزوجون إلى اليوم الذي دخل فيه نوح الفلك ولم يعلموا حتى جاء الطوفان وأخذ الجميع. كذلك يكون أيضاً مجيء ابن الإنسان. حينئذ يكون اثنان في الحقل. يؤخذ الواحد ويترك الآخر. اثنتان تطحنان على الرحى. تؤخذ الواحدة وتترك الأخرى. اسهروا إذن لأنكم لا تعلمون في أية ساعة يأتي ربكم"[7].

وازدياد المعرفة هو من العلامات التي تشير إلى دنو النهاية. يذكر لنا سفر دانيال (12: 4) "كثيرون يركضون جيئة وذهاباً". فهذا القول يكفينا ويغنينا عن مزيد من الجهد لنقتنع بأنه ينطبق تمام الانطباق على ما نراه حولنا من نمو خارق في المعرفة، وفي التنقلات ووسائل المواصلات. إن التاريخ لم يعرف مثل هذه النجاحات السريعة المتلاحقة.

يؤكد رجال الطب وعلماء النفس أن جسم الإنسان لن يستطيع أن يتحمل مثل هذا القدر من التوتر الناجم عن زيادة السرعة والضغط؛ ومع ذلك نحن منجرفون إلى الأمام دون أن نحسب لأي شيء حساباً.

 منذ سنوات سخر بعض العقليين مما ورد في رسالة بطرس الثانية، لكن نجاح العلماء في التوصل إلى القنبلة الهيدروجينية وما يحتمل التوصل إليه على ضوء الأبحاث الجارية، كل ذلك قد قلب موقف أولئك العقليين من شك وإلحاد إلى إعجاب بدقة تنبؤات الكتاب المقدس:

"ولكن سيأتي كلص في الليل يوم الرب الذي فيه تزول السماوات بضجيج وتنحل العناصر محترقة وتحترق الأرض والمصنوعات التي فيها. فبما أن هذه كلها تنحل أي أناس يجب أن تكونوا أنتم في سيرة مقدسة وتقوى منتظرين وطالبين سرعة مجيء يوم الرب الذي به تنحل السماوات ملتهبة والعناصر محترقة تذوب[8].

 لن أحاول تحديد أوقات تقريبية أو محددة لمجيء المسيح الثاني، ولكنني أقول بكل تأكيد أن هذا الوقت الذي نعيش فيه حافل بالدلائل على قرب ذلك المجيء الآن أكثر من أي وقت مضى.

أليست الحروب التي تندلع ألسنتها في شتى البلاد والجوع والأوبئة المتفشية علامات؟

فماذا ينبغي أن يكون موقف المسيحي من ذلك اليوم الفريد بين الأيام؟ يجب أن يكون موقف المسيحي موقف الترقب والسهر إذ أن يسوع أوصانا "اسهروا إذاً لأنكم لا تعلمون في أية ساعة يأتي ربكم"[9]. وهذا الرجاء المبارك من شأنه أن يحمل جميع المؤمنين على التكريس التام لخدمة الله. قال يسوع: "تاجروا حتى آتي"[10]. وقال أيضاً: " كونوا أنتم إذاً مستعدين لأنكم في ساعة لا تظنون يأتي ابن الإنسان"[11].

إن التاريخ برمته يتجه نحو ذلك اليوم الذي هو أوج التاريخ، يوم يطأ المسيح بقدميه جميع أعدائه، ويتوج بالانتصار والمجد.

في ذلك اليوم تقف الحروب والخصومات، ولا يبقى أثر للخطيئة والعوز، ولا يعود أحد يعرف الحزن أو الألم. ويتحول عبدة الأوثان عن أصنامهم، وكل إنسان يعرف الله. ويلبس كل ما في الطبيعة طابع جنة عدن الفائق الجمال. وتعيش وحوش الأرض معاً في وئام وإخاء.

وتمتلئ الأرض من معرفة الرب ومحبته. وفي ذلك اليوم تستجاب أخيراً صلاتنا التي طالما طلبناها بشوق وإلحاح "ليأت ملكوتك".

هذا هو الرجاء المسيحي.

[1]- مرقس 13: 35

[2]- عبرانيين 9: 28

[3]- 1 يوحنا 3: 2

[4]- أعمال 1: 7

[5]- لوقا 21: 29

[6]- لوقا 21: 25-26

[7]- متى 24: 37-42

[8]- 2 بطرس 3: 10 -12

[9]- متى 24: 42

[10]- لوقا 19: 13

[11]- لوقا 12: 40

  • عدد الزيارات: 2115