Skip to main content

مقدمة

لما اكتشفت أوربا الطريق البحري إلى الهند سافر بعض التجار البرتغاليين بحراً حتى وصلوا إلى شواطئ الصين. وإذ توطنوا هنالك بنوا على ساحله الجنوبي، على مرتفعة تطل على الميناء، كنيسة عظيمة سقطت منذ ثلاثة قرون على أثر زوبعة شديدة ما عدا واجهتها الضخمة فقد بقيت أثراً خالداً. وترى على قمتها المثلثة صليباً عظيماً من الحديد ماثلاً في الجو كالعقاب وهو يهزأ بهطول الأمطار وقصف الرعود وأعاصير الزوابع مما أثر في السيد جورج باورنج عندما زار ميناء ماكاو في سنة 1825- وهو وقتئذ حاكم في الصين- حتى كتب ترنيمته العذبة التي مطلعها:

في صليب الرب فخري   عالياً فوق الدهور

كل نور الصليب يبدي     مجد وجهـه المنير

زال ذكر بنَّائي هذه الكاتدرائية القديمة، أما ذلك الصليب الذي أقاموه تخليداً لذكرى المصلوب فما يزال باقياً.

كذلك بلاد الصين رأت تغييرات هائلة وعفت نظاماتها القديمة وتلت فيها عروش، أما ذلك الصليب فما يزال باقياً.

أجل إنها حائط عظيمة مهدمة على مرتفعة في ثغراتها المخيفة تعشش الطيور ومن أبوابها ونوافذها المشققة ترى بحر الصين وسماءها وجبالها. ولكنك ترى هنالك الصليب يحوّل هذا الخراب إلى جلالٍ ووقارٍ.

وهكذا كان الصليب في جميع البلدان وفي كل العصور. وهذا سر غيرة خدام الرب.

لأنه إذا كان صليب المسيح شيئاً فهو للعقل كل شيء- أعمق حقيقة وأسمى سر- وهنا يتحقق الإنسان أن فيه يرتكز حرفياً كل غنى الإنجيل ومجده. والصليب هو المحور كما أنه هو المركز الذي يدور عليه فكر العهد الجديد. إنه علامة الفكر المسيحي الوحيدة بل هو رمز المسيحية ونجمتها القطبية.

وكلما ازداد الملحدون في إنكار صفته الكفارية وجد المؤمنون فيه المفتاح لأسرار الألم والخطية. ونحن إنما ندرك ذلك التأكيد الرسولي على الصليب عندما نطالع الإنجيل مع غير المؤمنين ونرى أن قوته الجاذبة لا تقاوم.

والفصول التالية إنما هي نتيجة التأمل مدة سنوات عديدة في آلام رب المجد وموته على الصليب وسط قوم ينكرون حقيقة الصليب وضرورة الكفارة والفداء. فإن رسالة الصليب ما تزال لعقلاء هذا العالم إهانة أو فضيحة أو جهالة ومع ذلك فإن المسيح على الصليب هو الذي سيجذب إليه أخيراً جميع العالمين؛ وتحت ظل الصليب كل راحة وسلام. إن مجد الصليب حقيقي كعاره والتأمل في عاره هو رؤية مجده. إن الصليب هو الذي يفسر الخطية والبر والمحبة، بل هو قوة الله وحكمة الله؛ وظِلُّه أطول ظل في العالم لأنه وقع حتى بزغ فجر القيامة. لقد "أراهم (تلاميذه) يديه وجنبه" فهل أراك ذلك مرة؟ لقد فرح التلاميذ عندما رأوا آثار الجروح في الرب القائم (من الموت) وقال الرسول "وأما من جهتي فحاشا لي أن أفتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح الذي به صلب العالم لي وأنا للعالم".

في "بيـت لحم" فـارس

 

أمـوالـه أحــزان

أجناده بـين الــورى

 

في الأرض هم حمـلان

مبوقــوه للمــلا

 

كانوا هم الطيــور

وقصره من خشــب

 

صليبـه المشــهور

وتاجه قد حاكــه الـ

 

أشرار من أشــواك

لكن رمزه عـــلا

 

بل ناطح السمــاك

صموئيل زويمر

  • عدد الزيارات: 3038