Skip to main content

الفصل الأول: أول كل شيء - "إن المسيح مات"

"كما أنه لا يوجد غير إله واحد فقط كذلك لا يمكن أن يوجد غير إنجيل واحد فقط. وإذا كان الله قد أتم- حقيقة- في المسيح شيئاً يتوقف عليه خلاصُ العالم، وإذا كان الله قد أعلن هذا الشيء فيكون والحالة هذه واجباً مسيحياً أن نرفض أي شيء يتجاهل هذا الأمر أو ينكره. والإنسان الذي يفسده لهو شر عدو لله وللناس جميعاً. ليس سوء الطبع أو التعصب ما يحمل بولس الرسول على استعمال لهجة حادة (في غلاطية1: 8) بل هي غيرة الله التي أشعلت في نفس فداها موت المسيح غيرة معادلة لأجل المخلص.

جيمس دني (أستاذ اللاهوت)

في كتابه "موت المسيح"

قال بولس الرسول في رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس إصحاح 15: 3 "فإنني سلَّمتُ إليكم في الأول ما قبلته أنا أيضاً أن المسيح مات من أجل خطايانا حسب الكتب". إن القارئ المدقق ليلاحظ من سياق الحديث- كما يلاحظ الدكتور موفات بكل تأكيد في ترجمته- إن هذا هو لب رسالة بولس ومركز تعاليمه بل وإنجيله الوحيد. وأنا نرى في ترجمة موفات الآنفة الذكر كلمة إنجيل مكررة أربع مرات لتقرير بيان حقيقة هذا الإنجيل أو البشارة الطيبة، فيقول الرسول أنه تسلمها من الرب ومن الكنيسة الأولى. وبالتالي فإن الكنيسة الأولى كانت تعتقد- كما كان يعتقد بولس الرسول نفسه- بأن الحق الأول والأساسي للمسيحية إنما هو موت المسيح من أجل خطايانا. أن بولس قد تسلَّم هذا الحق وعلّم به في ظرف سبع سنين من حادثة موت المسيح أو في أقل من هذه المدة تبعاً لبعض التواريخ الأخرى.

على أن الكلمة اليونانية المترجمة "في الأول" يمكن أيضاً ترجمتها إلى "قبل الكل" أو في مقدمة كل الحق. ونفس هذه العبارة واردة في الترجمة السبعينية حيث وضع يعقوب الجاريتين وأولادهما أولاً (تك33: 2).

إن موت المسيح على الصليب كان لدى بولس الرسول في الدرجة الأولى من الأهمية وأعظم وأقوى ركن في قانون إيمانه. إنه الركن الأساسي بل هو مفتاح العقد وحجر الزاوية لهيكل الحق. وتتضح صحة هذا الأمر من المكان الذي يملأه موت المسيح في الكتب والرسائل الرسولية، بل في خدمتي السِّرين كما تكرسهما جميع الكنائس المسيحية وفي الترانيم المسيحية قديمة كانت أم حديثة. فالبراهين على حقيقته كثيرة وعديدة. فليس الصليب هو الرمز العام الوحيد للمسيحية بل هو رسالتها الحقة العامة؛ إنه صميم قلب الإنجيل والكلمة الحادة القوية والأمضى من السيف ذي الحدين لأن لا شيء يبكت على الخطية مثل الصليب: فيه نستطيع أن نرى "خطايانا الخفية في ضوء وجهه" الذي عيناه كلهيب نار. والآن فانصت إلى الأسقف أندروز وهو يسكب قلبه في عبادته السرية أمام الصليب إذ يقول:

يا منْ سمحتَ لرأسك المجيد أن يجرح

اغفر لذلك كل خطأ بواسطة حواس رأسي

ولكلتا يديك أن تثقبا

كل خطأ صنعته يداي بلمس دنس أو عمل محرم

ولجنبك الثمين أن يطعن

كل خطأ وقعت فيه بواسطة الأفكار الشريرة والشهوات الجسدية

ولقدميك المباركتين أن تُسمَّرا

كل ما عملته بواسطة قدميّ السريعتين إلى الشر

ولكل جسمك أن يُصلب

كل خطية جنيتها بواسطة أي عضوٍ من أعضائي

فإني أنا أيضاً أيها الرب مجروح في الروح

فانظر كثرة وطول وعرض وعمق جراحاتي

وبواسطة جراحك اشف جراحاتي

إن صليب المسيح هو نور الله الكشاف لأنه يعلن محبة الله وخطيئة البشر، قوة الله وعجز البشرية، بل قداسة الله ونجاسة الإنسان. وكما أن المذبح والذبيحة كانا "أول الكل" في العهد القديم فكذلك الصليب والكفارة هما "أول الكل" في العهد الجديد. وكما أنه يمكن مد خط مستقيم من أية نقطة من محيط الدائرة إلى مركزها فكذلك تعاليم العهد القديم والعهد الجديد عن الخلاص في كل محيطها الواسع ومع كل ما تشمله من حياة جديدة وخليقة جديدة بل من سماء جديدة وأرض جديدة ترجع جميعها في خط مستقيم إلى مركز الكل وهو حَمَلُ الله المذبوح قبل تأسيس العالم.

تأمل الآن في المكان الذي تملأه قصة الصليب في العهد الجديد؛ فهي مذكورة في كل من أسفاره عدا ثلاث رسائل صغيرة وهي الرسالة إلى فليمون والرسالتان الثانية والثالثة من رسائل يوحنا الحبيب. إن الأناجيل الأربعة تخصص لقصة الصليب أكثر مما تخصص لأي مظهر آخر في حياة المسيح أو تعاليمه. فمتى يذكر- (عدا العبارات العديدة التي ينبئ فيها بموت المسيح)- هذه المأساة في فصلين طويلين يحتويان على مائة وواحد وأربعين عدداً، ومرقس يخصص إصحاحين أيضاً هما أطول الإصحاحات في إنجيله المكون من ستة عشر فصلاً، إذ يحتوي هذان الإصحاحان على مائة وتسعة عشر عدداً، ولوقا يخصص أيضاً فصلين يصف فيهما حادثة تسليم رب المجد وصلبه. أما يوحنا الحبيب فإنه يخصص نصف إنجيله تقريباً لوصف أسبوع الآلام.

أما سفر أعمال الرسل فإن كل التبشير الذي فيه يرتكز على موت ربنا وقيامته.

هذه كانت البشارة المفرحة أنه "أراهم... نفسه حياً... بعدما تألم". ونهاية موعظة بطرس الرسول في يوم الخمسين أنَّ يسوع المسيح قد أخذ "... مسلَّماً بمشورة الله المحتومة وعلمه السابق وبأيدي أثمة"... (2: 22) وصُلب وقُتل. "فليعلم يقيناً جميع بيت إسرائيل أن الله جعل يسوع هذا الذي صلبتموه أنتم رباً ومسيحاً" (2: 36). كذلك في الهيكل كرر الرسول هذه الرسالة نفسها إذ قال "... أنتم طلبتم أن يوهب لكم رجل قاتل ورئيس الحياة قتلتموه..." (3: 14و 15) مثبتاً ما سبق الله وأنبأ به بأفواه جميع أنبيائه أن يتألم المسيح (18) ولكنه أقام "فتاه (يسوع) وأرسله يبارككم بردّ كل واحد منكم عن شروره" (26). وفي اليوم التالي رجع بطرس الرسول إلى نفس الموضوع قائلاً: يسوع الناصري الذي صلبتموه (4: 10). وفي أول صلاة مذكورة في سفر أعمال الرسل نرى أيضاً الإشارة إلى آلام وموت "فتاك القدوس يسوع" (4: 27). كما نرى نتيجة هذه الرسالة معبِّراً عنها بكلمات لا يحتمل الشكّ تأويلها إذ قال رئيس الكهنة للرسل "... قد ملأتم أورشليم بتعليمكم وتريدون أن تجلبوا علينا دم هذا الإنسان" (5: 28). أما الرسل فأجابوا أن يسوع الذي قتلتموه معلِّقين إياه على خشبة. هذا رفعه الله بيمينه رئيساً ومخلِّصاً (30و 31).

وختم استفانوس الشهيد دفاعه الرائع متكلماً عن موت المسيح (7: 15- 54). وفيلبس فتح فاه ومن اشعياء 53 تكلم عن موت المسيح إلى الخصي الحبشي وبشَّره بيسوع (8: 35). وكرنيليوس تسلم نفس الرسالة عن المسيح "الذي قتلوه معلقين إياه على خشبة" هذا أقامه الله في اليوم الثالث (10: 39و 40). وبولس الرسول يتكلم في أنطاكية عن يسوع "الذي تألم على يد بيلاطس البنطي وصلب ومات وقبر وفي اليوم الثالث قام من بين الأموات" (13: 28). وفي تسالونيكي مكث بولس الرسول يُحاجّ اليهود ثلاثة سبوت من أسفار العهد القديم "أنه كان ينبغي أن المسيح يتألم ويقوم من الأموات" (17: 3)؛ وفي مدينة أثينا بشَّر بموت وقيامة المسيح (31)؛ وفي كورنثوس عزم أَلاَّ يعرف شيئاً إلا يسوع المسيح وإياه مصلوباً (1كو2: 2)؛ ويستعمل كمرادف لكلمة الإنجيل أو البشارة "كلمة الصليب" (1كو1: 18) أو "كلمة المصالحة" (2كو5: 19). وفستوس الوالي يصف رسالة بولس الرسول بأنها عن "... واحد اسمه يسوع قد مات وكان بولس يقول أنه حي" (أع25: 19). وفي دفاعه أمام فستوس يقول بولس الرسول أنه ليس له رسالة يقولها للصغير والكبير إلا ما تكلم الأنبياء وموسى أنه عتيد أن يكون، إن يؤلم المسيح يكن هو أول قيامة الأموات مزمعاً أن ينادي بنور للشعب وللأمم (أع26: 22و 23).

وفي رسائل بولس الرسول نرتبك لكثرة القرائن ووفرة البراهين الدالّة على أن رسالته الوحيدة كانت الصليب والكفارة. ولقد بشَّر هو مدة خمس عشرة سنة قبل ما كتب أي رسالة منها، ومع ذلك لا نستطيع أن نرى تغييراً في التأكيد في هذا الخصوص بين أولى رسائله وأخرها، بل نرى أن الصليب والكفارة كانا قلب رسالته للرومانيين والتسالونيكيين على السواء؛ ويذكر لكنيسة غلاطية في افتتاح رسالته أن يسوع المسيح قد "بذل نفسه لأجل خطايانا" وبعد بضعة أعداد يحتد قائلاً بغضب: ولكن إن بشرناكم نحن أو ملاك من السماء بغير ما بشرناكم به فليكن أناثيما". أنه لظاهر من جميع رسائل بولس الرسول أن مصدر قوة بشارته هو جبل الجلجثة لا بيت لحم. فالتجسد حدث حتى يتم به الفداء، والصليب هو جليل ولازم لله للإنسان والعالم إذ يقول "ونحن بعد خطاة مات المسيح لأجلنا" "لم يشفق على ابنه بل بذله لأجلنا" "من الذي يدين؟ المسيح الذي مات" "نكرز بالمسيح مصلوباً" "... لأن جهالة الله أحكم من الإنسان وضعف الله أقوى من الناس" "كنيسة الله التي اشتراها بدمه"؛ وجميع المسيحيين عندما يشربون الكأس "يذكرون موت الرب إلى أن يجيء" "حاشا لي أن أفتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح الذي به صلب العالم لي وأنا للعالم"؛ ويسوع المسيح هو "المحبوب الذي فيه لنا الفداء بدمه". هذا هو سر الدهور وحكمة الله المتنوعة المعلنة بواسطة الكنيسة للرؤساء والسلاطين. أما أعداء الصليب فيقول عنهم الرسول والدموع ملء عينيه أن مجدهم في خزيهم ونهايتهم الهلاك إذ ينبغي للمسيح أن يكون هو متقدماً في كل شيء (كو1: 18) إذ لنا فيه الفداء وبدم صليبه غفران خطايانا. إن ذلك الصليب هو حقاً مركز الإنسانية وتاريخها، وسوف يشهد بمصالحة الكل بواسطة الدم سواء كان ما على الأرض أم ما في السموات (كو1: 20).

أما في الرسالة إلى العبرانيين فموت المسيح- حالة كونه الكاهن والذبيحة والمذبح- ظاهر جداً حتى لا نحتاج إلى الاستشهاد. فالمسيح هو رئيس الكهنة العظيم الذي "قد أظهر مرة عند انقضاء الدهور ليبطل الخطية بذبيحة نفسه". قدم المسيح هو دم العهد، ويسوع هو رئيس إيماننا ومكمله إذ احتمل الصليب، ودَمُ رَشِّه أفضل من ذبيحة هابيل لأنه دم العهد الأبدي الذي سفكه راعي الخراف العظيم عن الخراف.

أما رسالتا بطرس الرسول فإنهما صدى بشارته الأولى هي ملأى بالإشارات إلى آلام المسيح "الذي حمل هو نفسه خطايانا في جسده على الخشبة... الذي بجلدته شفيتم (1بط2: 24). وأخيراً في رسالة يوحنا الحبيب الأولى ورؤياه ما نزال نرى الصليب عالياً إذ نرى فيهما يسوع المسيح "كفارة لخطايانا ليس لخطايانا فقط بل لخطايا كل العالم أيضاً" و "إن ذاك وضع نفسه لأجلنا فنحن ينبغي لنا أن نضع نفوسنا لأجل الأخوة" و "الذي أحبنا وقد غسلنا من خطايانا بدمه... له المجد والسلطان إلى أبد الآبدين. آمين" و "هوذا يأتي مع السحاب وستنظره كل عين والذين طعنوه".

وفي الشّرَّين اللذين قبلتهما كل الكنائس الشرقية والغربية نرى في كليهما إشارة جلية إلى موت المسيح لأجل خطايانا وهذا واضح ليس فقط من الكلمات المذكورة في العهد الجديد الناصة على كيفية تكريسهما بل من الطقوس الكثيرة المستعملة في إقامتهما. وهنا يمكننا أن نقول أن هذين السرين إنما ينصان- في الأول- على موت المسيح الكفاري: فسر العماد هو طقس الدعوة إلى الكنيسة المسيحية ولم يذكر العهد الجديد شيئاً عن مسيحيين غير معمدين. إن أولئك المؤمنين الأولين قد عرفوا معنى قول بولس الرسول عندما قال أن كل من اعتمد ليسوع المسيح اعتمد لموته، إذ كان غفران الخطية وسر المعمودية متحدين في رؤوسهم اتحاد الماء والدم اللذين سالا من جنب المسيح المطعون. وكلا السرين إنما قصد بهما نقل رسالة الإنجيل برموز لا تقبل الشك؛ وما دام هذان السران باقيين في الكنيسة فما يزالان بالرغم عما زيد عليهما من الطقوس وأضيف إليهما من الشروحات شاهدين على معنى موت المسيح المخلص وضرورته وصفته الكفارية. وقد ظلت الكنيسة الأولى مواظبة على "كسر الخبز" إذ أرادت بواسطته إعلان موت المسيح ومغفرة الخطايا بدمه لأنه شركة دم المسيح وجسده (1كو10: 16) روحاً واحداً (1كو12: 13) لمغفرة الخطايا (متى26: 28) إذ محا الصك الذي علينا (كو2: 14) يطهر ضمائرنا (عب9: 14). كل هذا جعل كسر الخبز ثميناً للكنيسة الأولى ولعموم الكنائس هذه العشرين قرناً.

وعندما نترك أنظمة الكنيسة وننظر في ترانيمها وألحانها نرى نفس الشهادة. ففي أولى الترانيم اللاتينية واليونانية بل في ترانيم الكنيسة القبطية والأرمنية كما في كنائس الإصلاح نرى أن الصليب هو "أول كل شيء" آلام رب المجد هي التي تلهم المرنمين، بل إنا لنرى في ترانيم الكنيسة وحدة وتعمقاً في اللاهوت قلَّما نجدهما في قوانين الإيمان نفسها.

"مستحق هو الحمل المذبوح أن يأخذ القدرة والغنى والحكمة والقوة والكرامة والمجد والبركة" و "في وسط العرش حَمَلٌ قائم" كأنه مذبوح" وكل خليقة قائلة البركة والكرامة والمجد والسلطان إلى أبد الآبدين آمين".

بل إن الأحداث في أقطار عديدة وبلغات متعددة يذكرون لب الإنجيل عندما يرنمون قائلين:

"حبه حب عجيب

 

مات عني بالصليب

سفك الدم الكريم

 

معطياً دار النعيم"

وهي نفس الرسالة التي أوحت إلى القديس الكبير برنردوس أن يقول في ترنيمته المشهورة التي مطلعها:

"لو لم يحبني المسيح

 

ما كان أشقاني

خلصني ذاك الذبيح

 

بدمه القاني

وما أكثر الترانيم التي تصف آلام المسيح أو تفسر ذبيحة الفداء التي تمت على خشبة الصليب- بالنسبة لترانيم الكنيسة كمجموعة- بل ما أكثر المؤمنين الذين وقفوا بجانب الصليب إلى اليوم ورنموا قائلين:

"خلني قرب الصليب

 

حيث سال المجرى

من دم الفادي الحبيب

 

داء نفسي يبرا

وإنها لتخطر في أذهاننا بالتتابع هذه الترانيم التي يرنمها ملايين المسيحيين في جميع أقطار العالم مثل:

كما أنا آتي إلى

 

فادي الورى مستعجلاً

إذ قلت نحوي اقبلا

 

يا حمل الله الوديع

"حين أرى صليب من

 

قضى فحاز الانتصار

ربحي أرى خسارةً

 

وكل مجد الكون عار

"ينبوع جود من دم ذاك جرى

 

أنقى حميم من غطس

من جسم فادينا الذي أحيا الورى

 

فيه جلا عنه الدنس"

"أيها الفادي الغفور ملجأي صخر الدهور

امحُ اثمي يا رحيم أنت عون للأثيم

طهرني بدماك يا مجيباً من دعاك"

وترانيم كثيرة غيرها- معروفة كلها- تجعل موت المسيح هو الموضوع العظيم مثل:

"كنت مديون العلي خالق الكـل

فقضى ديني الذي مات من أجلي

"لا يمكن المياه أن تغسل الوضر

لكن دماء ابن الإله تطهّر البشرْ"

لا عجب فمن منا لا يقول:

ليس شيء في يديْغير قربي للصليبْ

به ألقى نعمــةً ورجائي في الحبيبْ

عارياً هبني الكساءْ يائساً هبني النصيبْ

دنساً هبني النقاء طهرّني أو أخيبْ

لو كان يسوع الناصري مجرد إنسان ولم يكن ما هو في الحقيقة أي كلمة الله ومخلصنا فمع ذلك فإن مأساة موته تبقى أعظم حادثة في تاريخ البشرية؛ فإن تعدّد وصف هذه المأساة في كتابات معاصريه وذكر آلامه وصلبه، بل إن الحوادث المريعة التي رافقت موته في عالم الطبيعة وكلماته السبع التي فاه بها على الصليب وتأثير كل ذلك في من رأوه وسمعوا صوته وفي جميع العصور وجميع الشعوب تثبت بجلاء أهميتها العامة ومركزها العالمي. ونحن لا ينبغي لنا أن نقلل من أهميتها. فإن أهم حادثة في حياة المسيح بل أهم حادثة في نظر المسيح نفسه هي موته على الصليب من أجل الخطية. ولا مبالغة في قول الأستاذ جيمس دني عندما يقول:

"إذا كان الفداء- مجرداً عن تعاريفه الدقيقة- شيئاً فهو كل شيء. إنه أعمق الحق وأكثر ما فيه ابتكاراً. إنه يحدد- أكثر من كل شيء آخر- إدراكنا ماهية الله وحقيقة البشرية بل معنى التاريخ وحقيقة الطبيعة. إنه يحددها جميعاً إذ ينبغي لنا أن نوفق بينها وبينه- إنه مصدر الإلهام للفكر بل هو المفتاح في آخر لحظة لجميع الآلام. إن الفداء لحقيقة لا تقبل التجزئة؛ ولذلك فعلى هذه النقطة- في عصر التمدن كما كان في العصور الخوالي- ترتكز جاذبية المسيحية أو رفضها. والصليب ما زال مجد الإنسان الوحيد أو حجر عثرته الأخير".

  • عدد الزيارات: 4087