متى ينال المؤمن عطية الروح القدس؟
لكي نحصل على جواب سديد، لنرجع إلى (أف1: 13) "الذي فيه أيضاً أنتم إذ سمعتم كلمة الحق إنجيل خلاصكم الذي فيه أيضاً إذ آمنتم خُتمتم بروح الموعد القدوس الذي هو عربون ميراثنا لفداء المقتنى لمدح مجده".
إن ما يجب أن يؤمن به الإنسان أمر بالغ الأهمية. ينبغي أن يؤمن بإنجيل الخلاص حتى يوهب له الروح القدس.
ما هو "إنجيل الخلاص"؟ في (1كو15: 3و 4و 8) يقدم الرسول في كلمات قليلة بسيطة جوهر الإنجيل الذي بشرهم به، والذي به كما يقول قد "خلصوا". وهو:
أولاً- "إن المسيح مات من أجل خطايانا حسب الكتب".
ثانياً- "أنه دُفن وأنه قام في اليوم الثالث حسب الكتب".
ذلك هو إنجيل الخلاص شاهداً لهذين الحقين الجليلين: (1) موت المسيح وكان سفك الدم هو البينة لهذا الحق. (2) رضى الله عن ذلك الموت، وكان تمجيد المسيح المقام هو البينة لهذا الرضا.
لقد وُجدت ثلاثة عصور متميزة فيما يتعلق بمشورة الله وإعداده مخلصاً للإنسان. فالعصر الذي أعلن فيه الوعد، وقد امتد من لحظة إعطائه في عدن إلى موت المسيح. وأعقب ذلك فترة انتقال بسيطة يمكن أن نسميها بيوم التأكيد أو التثبيت، وهي الفترة التي وجد فيها الموعود به بين البشر، وممهد طريقه يوحنا المعمدان الذي كان له شرف إظهاره لتلاميذه بهذه الكلمات الجديرة بالذكر "هوذا حمل الله" (يو1: 29- 36).
لذلك كان يوحنا أعظم المرسلين الذين سبقوه، والذين تنبأوا بالموعود به، ومع كل ذلك فقد كان الأصغر في ملكوت السموات أعظم منه (يو11: 11) لأنه لم يُتح له أن يرى إتمام عمل الخلاص، أو أن يسمع شهادة الروح القدس عن قيمة هذا العمل، فما كان في استطاعته أن يُظهره كالفادي المقام، أو أن يقول "إنه بهذا ينادي لكم بغفران الخطايا" (أع13: 38) ولا أن يكتب للذين آمنوا فيقول "الذي فيه لنا الفداء بدمه غفران الخطايا" (أف 1: 7).
ولكن أخيراً قبل يوم تحقيق الموعد. فقد أكمل العمل على الصليب، ووفيت مطالب قداسة الله ضد الخطية والخطايا، وحاجة الإنسان الملحة كخاطئ لم تسد بعدل فحسب، ولكن الله قد تمجد في ذلك.
كان عمل الصليب مرضياً لله، ولكن ماذا عن الإنسان؟ أيترك جاهلاً لما قد صنع وتم في الصليب؟ ما كان الله المبارك ليرضى عن بقاء الإنسان جاهلاً ما صنع لأجله، لذلك أعطى الله روحه القدوس ليسكن في الخاطئ الذي آمن بالمسيح وقبله مخلصاً له، ليتولى إرشاده إلى معرفة ما في قلب الله نحوه. فما من أحد يستطيع عن جدارة أن يعلن سمو هذا العمل وأن يكشف عما له من قيمة في قلب الله الآب، سوى روح الله.
روح الله دون سواه هو الذي يستطيع أن يؤثر في قلوب البشر مؤكداً لهم بأن ما تم على الصليب إنما هو بحسب مشيئة الله ولمجده ولبركة الإنسان. كان لزاماً أو يُقاد قلب الإنسان إلى إدراك محبة الله له وإلى فهم مشوراته الأزلية من نحوه.
إن الروح يعلن للمؤمن بأن حياة المسيح المقام هي حياته، والروح يسكن في المؤمن صائراً قوة تلك الحياة، واهباً له يقين المعرفة بأنه ابن لله، مانحاً له الحرية التي يتطلبها اقترابه إلى محضر الله المقدس.
والروح القدس هو الذي يربط الأعضاء بالرأس الممجد، وبقوته يتيسر للأعضاء أن يستمدوا ما يعوزهم منه، كذلك فإنه يقود المؤمن إلى كل الحق، مانحاً له فطنة لتمييز ما ليس منه أو بحسب قصده.
والروح القدس يُعطى لكل خدام الرب مواهب روحية، وهو الذي يعطيهم القوة لممارسة هذه المواهب واستخدامها.
إنه قوة السجود والخدمة المقبولة من المسيحي، فهو قوته للتسبيح والصلاة والعبادة العقلية، وقوته ليترقب بصبر تحقيق الرجاء المبارك.
لم يعد الأمر الآن انتظاراً للوعد الذي كان قبلاً متوقعاً إتمامه، ولكننا الآن نؤمن بمن أكمل العمل. إصغ إلى رسول الأمم العظيم وهو يذيع هذا الحق ذاته "الموعد الذي صار لآبائنا إن الله قد أكمل هذا لنا نحن أولادهم" (أع 13: 32و 33) "إليكم أُرسلت كلمة هذا الخلاص" (أع13: 26). "له يشهد جميع الأنبياء أن كل من يؤمن به ينال باسمه غفران الخطايا" (أع10: 43).
وبحسب ما جاء في (أع 11: 17) آمنوا وفي الحال أُعطوا موهبة الروح القدس لأنه "بينما بطرس يتكلم بهذه الأمور حل الروح القدس على جميع الذين كانوا يسمعون الكلمة" (أع10: 44). فماذا إذن يكون جوابنا عن السؤال الثاني، هكذا يكون جوابنا: حيثما يوجد قلب يقبل بالإيمان شهادة الله عن شخص الفادي المقام والممجد الآن وعن عمله، فهناك يتخذ الروح القدس مسكنه في الحال. إنك إذ آمنت ختمت بالروح القدس، على أساس قبول الله الكامل لذاك الذي سفك دمه الثمين لأجلك.
- عدد الزيارات: 4976