Skip to main content

الفصل الثالث

القراءة من الكتاب المقدس

"وكان الشعب واقفين ينظرون. والرؤساء أيضاً معهم يسخرون به قائلين خلّص آخرين فليخلّص نفسه إن كان هو المسيح مختار الله. والجند أيضاً استهزأوا به وهم يأتون ويقدّمون له خلاً قائلين, إن كنت أنت ملك اليهود فخلّص نفسك. وكان عنوان مكتوب فوقه بأحرف يونانية ورومانية وعبرانية, هذا هو ملك اليهود. وكان واحد من المذنبين المعلّقين يجدّف عليه قائلاً, إن كنت أنت المسيح فخلّص نفسك وإيانا. فأجاب الآخر وانتهره قائلاً, أولاً أنت تخاف الله إذ أنت تحت هذا الحكم بعينه. أمّا نحن فبعدل لأننا ننال استحقاق ما فعلنا, وأما هذا فلم يفعل شيئاً ليس في محله. ثم قال ليسوع اذكرني يا رب متى جئت في ملكوتك. فقال له يسوع الحق أقول لك, أنك اليوم تكون معي في الفردوس" (لوقا23: 35-43).

روعة الخلاص وروعة المخلّص شيء واحد. فلا خلاص بلا مخلّص. والمخلّص مشهود له من جهات عدة. الأنبياء شهود له من موسى حتى ملاخي. لهذا استطاع بطرس أن يقول في بيت كرنيليوس: "له يشهد جميع الأنبياء أنّ كلّ من يؤمن به ينال باسمه غفران الخطايا." والكتب المقدسة شهدت له ولخلاصه ممّا جعل بولس يكتب في 1كورنثوس15 قائلاً: "إن المسيح مات من أجل خطايانا حسب الكتب, وأنه دفن وأنه قام في اليوم الثالث حسب الكتب." والملائكة شهدت له بفرح. فعند مولده قال الملاك للرعاة: "ها أنا أبشركم بفرح عظيم, أنه وُلد لكم اليوم مخلّص." وأهل السامرة شهدوا له لمّا قالوا للمرأة السامرية: "نحن نعلم أن هذا هو بالحقيقة مخلّص العالم." ويوحنا المعمدان, الذي هو أعظم من وُلد من امرأة , شهد له قائلاً: "هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم."

فالمخلّص عظيم ورائع, وكذلك خلاصه. وقد سبق وبحثت في هذا الموضوع مرتين: في الفصل الأول قلت إنّ الخلاص رائع وربّاني ومجّاني, وفي الفصل الثاني قلت إنّ الخلاص رائع لأنه عمومي وخصوصي. ويبقى أمامنا أربع نقاط سنعالجها على دفعتين- أي الآن وفي الفصل التالي. وعسى أن يعطينا الله بصيرة لنفهم الحق ونستوعبه ونفهمه.

النقطة الأولى هي أن الخلاص رائع لأنه فوري.

سألني أحدهم: "هل الخلاص يتم في لحظة أم أنه يحتاج إلى جهود؟" وكان جوابي إليه مبنياً على كلمة الله, لأن كلام الرب هو رب الكلام. فماذا يقول الكتاب المقدس بهذا الشأن؟

في النص الكتابي المأخوذ من إنجيل لوقا الإصحاح23 والذي ورد في بداية هذا الفصل نجد صورة واضحة عن السرعة التي يخلّص بها الرب الإنسان. فاللص المصلوب بجانبه لم يكن يعلم أن الرب يخلّص الخاطئ في لحظة ولذلك قال له: "اذكرني يا رب متى جئت في ملكوتك." فكان جواب المسيح: "الحق أقول لك أنك اليوم تكون معي في الفردوس." وقد فعل الرب الشيء عينه في بيت زكّا, رئيس العشّارين, لمّا قال له: "اليوم حصل خلاص لهذا البيت." فمن الواضح أن اللص وزكّا نالا الخلاص فوراً بمعزل عن الجهود البشرية. وللمزيد من الوضوح يمكننا أن نطرح على أنفسنا بعض الأسئلة. مثلاً: هل شفى يسوع المرضى في لحظة؟ نعم , يقول الكتاب. ففي إنجيل متى الإصحاح8 نقرأ أن الأبرص "طهر برصه للوقت" أي فوراً. وفي لوقا الإصحاح4 نقرأ أن المسيح "انتهر الحمّى" من حماة بطرس "وفي الحال قامت."

ثمة سؤال آخر: هل قدر المسيح أن يقيم الموتى في لحظة؟ هل قام ابن أرملة نايين حين قال له يسوع "قُمْ" ؟ هل خرج لعازر حياً من قبره حين ناداه المسيح قائلاً: "هلمَّ خارجاً" ؟ نعم يقول الكتاب. فابن الأرملة جلس فوراً ولعازر خرج فوراً.

وثمة سؤال آخر: لمّا خلق الله العالم, كم استغرق خَلْق النور؟ هل أياماً وشهوراً وسنين, أم إنه تم في لحظة؟ تقول كلمة الله أنه قال: "ليكن نور" وفي الحال "كان نور". ويعلّق بولس على خلق النور في 2كورنثوس4 مشبّهاً إياه باختبار الخلاص فيقول: "إن الله الذي قال أن يشرق نور من ظلمة هو الذي أشرق في قلوبنا لإنارة معرفة مجد الله في وجه يسوع المسيح." وفوق هذا كلّه, ماذا يقول الوحي عن التغيير الذي سيحلّ بأجساد المؤمنين عند مجيء الرب ثانيةً؟ يقول بولس في 1كورنثوس15: "هوذا سرّ أقوله لكم, لا نرقد كلّنا ولكننا كلّنا نتغيّر في لحظة في طرفة عين". فما دام الله قادراً على تغيير الأجساد في لحظة, فهل يعجز عن تغيير الأرواح في لحظة؟ طبعاً, لا. وإن كان الله لا يقدر أن يغيّر الإنسان ويمنحه الخلاص فوراً, فَمَنْ يقدر؟ لذلك نقول: إن كان الله لا يقدر أن يخلّص الخاطئ في لحظة فلا يكون اللهُ الله.

من المؤسف جداً أن بعضهم يصف اختبار الخلاص في لحظة بأنه بدعة, في حين أنه روعة. وبقولهم هذا يبرهنون عن شيئين على الأقل. أولاً, إنهم لم يختبروا الخلاص. وثانياً, إنهم يجهلون كلمة الله. وقد قال المسيح: "تضلّون إذ لا تعرفون الكتب المقدسة ولا قوة الله." فالخلاص رائع لأنه فوري.

النقطة الثانية, هي أنّ الخلاص رائع لأنه جذري.

أي أنه يعالج مشكلة الإنسان من أساسها ومن أصلها. فهو كمبضع الجراح الذي يستأصل السرطان من جذوره. والخطية هي سرطان. وهذا السرطان لا يشفيه إلاّ قوة الله. والإنجيل هو "قوة الله للخلاص", كما يقول الرسول بولس في رومية1, ولا شفاء من مرض الخطية إلاّ بواسطة الإنجيل المؤسس على موت المسيح ودفنه وقيامته. لذلك, في الإنجيل خلاص لكلّ جيل.

ما أكثر الديانات التي تحاول أن تعالج سرطان الخطية بالمرهم والمهدئات الوقتية كالصلاة والصوم والصدقة والذهاب إلى المعابد وزيارة الأماكن المقدسة. وتكون النتيجة أنّ الخاطئ يبقى على حاله, بل أنه يزداد سوءاً يوماً بعد آخر, وهو يظن أنّ الله راضٍ عنه, في حين أن العكس هو الصحيح.

تقول كلمة الله, إنّ شيئاّ لا يغسل قلب الإنسان ولا يزيل الخطية المستقرة فيه إلاّ دم المسيح. قال داود في المزمور51 مخاطباً الله: "اغسلني كثيراً من إثمي ومن خطيتي طهرّني...اغسلني فأطهرَ وأبيضَ أكثر من الثلج." والاغتسال هنا هو الاغتسال الداخلي بالدماء لا بالماء. وفي الموضوع عينه يقول الرسول بولس للمؤمنين في رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس الإصحاح6: "لا تضلّوا, لا زناة ولا عبدة أوثان ولا فاسقون ولا مأبونون ولا مضاجعو ذكور ولا سارقون ولا طمّاعون ولا سكّيرون ولا شتّامون ولا خاطفون يرثون ملكوت الله." ثم يقول لهم: "وهكذا كان أناس منكم, ولكن اغتسلتم (أي بدم المسيح) بل تقدستم بل تبرّرتم باسم الرب يسوع وبروح إلهنا." هذا هو الاغتسال الداخلي الذي من دونه لن يرى أحد ملكوت السموات, وإلاّ فلماذا قال المسيح في يوحنا3: "إن كان أحد لا يولد من الماء والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله." والماء هنا يرمز إلى الاغتسال الداخلي الذي يزيل الخطية من القلب. وهذا يتفق مع قول بولس في رسالته إلى تيطس الإصحاح3: إن الله "بمقتضى رحمته خلّصنا", وكيف خلّصنا؟ "بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس". ومتى خَلَصَ المرء من الخطية خَلَصَ أيضاً من سلطة إبليس, ومن خوف الموت والدينونة. قال يسوع في يوحنا5: "من يسمع كلامي ويؤمن بالذي أرسلني فله حياة أبدية ولا يأتي إلى دينونة بل قد انتقل من الموت إلى الحياة." هذا هو الخلاص الرائع الذي أنصحك بقبوله الآن, وستجد فعلاً أنه فوري وجذري.

  • عدد الزيارات: 3242