Skip to main content

الفصل الثاني

القراءة من الكتاب المقدس

"وكما رفع موسى الحيّة في البرية هكذا ينبغي أن يُرفع ابن الإنسان, لكي لا يهلك كل من يؤمن به, بل تكون له الحياة الأبدية. لأنه هكذا أحب الله العالم, حتى بذل ابنه الوحيد, لكي لا يهلك كل من يؤمن به, بل تكون له الحياة الأبدية. لأنه لم يرسل الله ابنه إلى العالم ليدين العالم, بل ليخلّص به العالم. الذي يؤمن به لا يُدان والذي لا يؤمن قد دين لأنه لم يؤمن باسم ابن الله الوحيد. وهذه هي الدينونة, إن النور قد جاء إلى العالم وأحب الناس الظلمة أكثر من النور, لأن أعمالهم كانت شريرة. لأن كلّ من يعمل السيئات يبغض النور ولا يأتي إلى النور لئلا توبّخ أعماله. وأمّا من يفعل الحق فيقبل إلى النور لكي تظهر أعماله أنها بالله معمولة" (يوحنا3: 14-21).

قلنا إنّ روعة الخلاص هي من روعة المخلّص. والمخلّص رائع بشهادة الملائكة والأنبياء والرسل وسائر القديسين. وقد تناول البحث في الفصل السابق نقطتين هامّتين وهما: إنّ الخلاص ربّاني وأيضاً مجّاني. والآن نبحث في نقطتين أخريين وردتا في المقطع أعلاه من إنجيل يوحنا.

النقطة الأولى هي أن الخلاص رائع لأنه عمومي.

وبقولي إنّ الخلاص عمومي لا أقصد هو بالجملة أو أنّ كلّ الناس سيختبرونه. ثمة مَنْ ينادي بخلاص الجميع في نهاية المطاف, وذلك من طريق التقمّص والعودة إلى الحياة مراراً وتكراراً, الأمر الذي يجعلهم يمرّون في مراحل من التقنية والتصفية إلى أن يصلوا إلى المستوى المطلوب. ولكن هذا التعليم غريب عن كلمة الله التي تقول في 2تسالونيكي3: "إن الإيمان ليس للجميع", فضلاً عن أنها تقول إن الله وضع للناس "أن يموتوا مرة وبعد ذلك الدينونة." فلو كان الخلاص من نصيب الجميع لما كانت هناك دينونة.

فما المقصود إذاً بأن الخلاص عمومي؟ المقصود هو ثلاثة أمور. أولاً, إنّ الخلاص يشمل الخطاة كلّهم. ثانياً, إنّ الخلاص يشمل الخطايا كلها. وثالثاً, إنّ الخلاص يشمل الخاطئ كلّه. وليس جزءاً منه فقط.

نعود إلى الفكرة الأولى وهي إنّ الخلاص يشمل الخطاة كلّهم. فبما أن البشر كلّهم خُطاة, فمعنى ذلك أنّ الخلاص يشمل العالم كلّه, بمعنى أن المسيح بذل نفسه لأجل الجميع من دون استثناء. هذا ما عناه الرب بقوله: "هكذا أحبّ الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد." وهذا ما عناه بولس حين قال في 1تيموثاوس4: 10: إنّ الله الحيّ "هو مخلّص جميع الناس." وهذا ما عناه يوحنا بقوله في الإصحاح الثاني من رسالته الأولى: إنّ المسيح هو "كفارة لخطايا كل العالم أيضاً." فالرب أحبّ الجميع وبذل جسده ودمه من أجل الجميع بحيث أنّ أحداً لا يقدر أن يقول: إنّ المسيح لم يمت من أجلي أو عوضاً عني. ولكن المؤسف هو أنّ كثيرين لا يستفيدون من فرصة الخلاص الموهوبة لهم في المسيح, بل يغامرون بنفوسهم الخالدة ويقامرون بها. وحجّة بعضهم هي أنهم ليسوا من المختارين. وينسى هؤلاء أنّ الاختيار له جانبان لا جانب واحد. صحيح أنّ الله هو البادي بالاختيار, ولكن كلمة الله تعلّم أنّ من واجب الإنسان أيضاً أن يختار الله بمحض إرادته. فالاختيار متبادل. فهل أنت اخترت الرب واتخذته مخلّصاً لحياتك؟ إن كان جوابك بالإيجاب, فهنيئاً لك. أمّا إن كان نفياً, فلا تضع اللوم على الرب بل على نفسك.

الفكرة الثانية هي أن الخلاص يشمل الخطايا كلّها.

أي خطايا الماضي والحاضر والمستقبل, لأنّ الغفران الذي يهبه الرب إنما هو غفران كامل شامل. فهو إمّا إنه يمنح الإنسان غفراناً كاملاً وإما لا يمنحه شيئاً على الإطلاق.فلما قال المسيح للمفلوج وللمرأة الخاطئة: "مغفورة لكَ خطاياك" و "مغفورة لكِ خطاياكِ" فهو لم يقصد بعض الخطايا بل الخطايا كلّها. وهذا ما يجعل المؤمن التائب متأكد من خلاص نفسه ومطمئناً إلى مصيره الأبدي. وإلاّ فسيبقى مترجحاً بين الشك واليقين. وهذه حالة تعيسة لا يُحسد عليها.

الفكرة الثالثة هي أنّ الخلاص يشمل الخاطئ كلّه من قمة الرأس إلى أخمص القدم, بمعنى أنه يشمل الروح والنفس والجسد.

خلاص الروح أو تجديد القلب تتم مرة واحدة إذ يستطيع المرء أن يقول بعدها: "الأشياء العتيقة قد مضت. هوذا الكل قد صار جديداً." أمّا خلاص النفس الذي له علاقة بتجديد الذهن فهو أمر متكرر. ولهذا ينصح الرسول بولس المؤمنين في رومية12 قائلاً: "تغيّروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم لتختبروا ما هي إرادة الله الصالحة المرضية الكاملة." وفي الإصحاح الرابع من رسالة أفسس يطلب إلى المؤمنين أن "يتجددوا بروح ذهنهم." والغرض من تجديد الذهن المتكرر هو التخلّص من الانطباعات الشريرة التي رسخت في الفكر مع الزمن, والاستعاضة عنها بانطباعات مقدسة جديدة تجعل الفكر طاهراً ونظيفاً. إلاّ أنّ الخلاص أو الفداء لا يقف عند حدود النفس والروح بل يشمل الجسد أيضاً. وهذا واضح من آيات كثيرة تتناول هذا الموضوع. ففي رسالة1 كورنثوس الإصحاح15 تقول كلمة الله: "لا نرقد كلّنا ولكننا كلُّنا نتغيّر في لحظة في طرفة عين عند البوق الأخير." وفي رسالة 2كورنثوس الإصحاح5 يقول الوحي على لسان بولس الرسول: "إن نُقض بيت خيمتنا الأرضي (أي الجسد) فلنا في السماوات بناء من الله, بيت مصنوع بيد أبدي." وفي رسالة فيلبي الإصحاح الثالث يؤكد الرسول نفسه على حقيقة فداء الأجساد وصيرورتها أجساداً جديدة, قائلاً: "إن الرب يسوع المسيح سيغيّر شكل جسد تواضعنا ليكون على صورة جسد مجده." إذاً, الخلاص رائع لأنه عمومي. والخلاص رائع أيضاً لأنه خصوصي. فالمسيح الذي قال: "هكذا أحبّ الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد", قال أيضاً: "لكي لا يهلك كل من يؤمن به." والعبارة: "كل من" معناها "كل فرد". وهذا يشير إلى أنّ الخلاص والفداء والغفران هي جميعها فرديّة شخصيّة اختيارية. فالمسيحية هي ديانة فردية لا ديانة وراثية ببغائية. ولهذا شدد المسيح ورسله على أهمية العمل الفردي- أي العمل على هداية الأفراد. وقد هدى الرب عدداً منهم, ومن بينهم: اللص والسامرية وزكّا العشّار والأعمى الذي شهد قائلاً: "كنت أعمى والآن أبصر." أما الرسل والمبشّرون فقد هدوا أناساً مثل سجّان فيلبي وليدية وكرنيليوس والوزير الحبشي وسواهم, ممن أتى على ذكرهم سفر أعمال الرسل. وقد شهد بولس الرسول عن إيمانه كفرد فقال: "أنا عالم بمن آمنت وموقن أنه قادر أن يحفظ وديعتي إلى ذلك اليوم."

عزيزي القارئ, خلاص النفس البشرية هو أهم شيء في الدنيا. ولو لم يكن الأمر كذلك لمّا قال المسيح: "ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كلّه وخسر نفسه أو ماذا يعطي الإنسان فداءً عن نفسه." فهل اختبرت خلاص الرب المجاني على أساس التوبة والإيمان بعمل المسيح الكامل على الصليب؟ هل تقدر أن تقول إنّ المسيح غسل قلبك بدمه المسفوك وغفر خطاياك؟ هل تقدر أن تقول إنّك صرت ابناً لله بالولادة الثانية بعمل الروح القدس, وإنّ اسمك مكتوب في سفر الحياة؟ إن كان جوابك إيجاباً فإني أهنئك من كل قلبي لأنك أخي في المسيح. أمّا إن كان نفياً, فإني أقول لك بمحبة وصدق, إنّك تخاطر بنفسك حتى ولو كنت متديناً وتمارس الطقوس والشعائر الدينية. وفي الوقت عينه أؤكد لك أنّ باب النعمة والخلاص لم يُغلق بعد, وبوسع الربّ الآن من كل قلبك وتطرح نفسك على رحمته لخلاص نفسك. قل له بقلب صادق ومنكسر وتائب: "اللهم ارحمني أنا الخاطئ", ولا تتكل على أعمالك وجهودك, إذ إن المسيح قد أكمل كلّ شيء على الصليب. هل تفعل ذلك الآن لتنال الخلاص والغفران؟

  • عدد الزيارات: 3185