Skip to main content

الفصل السابع: المرأة السامرية

خرجت من السجن وأنا أفكر "أين أجد السيد؟" سألت واحداً واثنين وأكثر.

وكان الناس لا يلتفتون اليّ، لكن أحدهم نظر اليّ نظرة خاصة. حدّق في وجهي وقال: "لا أرى في وجهك ما ينمُّ عن شر. أنت لا تريد بالناصري شراً". قلت: "كلا كلا". قال: "إذن فاعلم أنه موجود على الأغلب في إقليم السامرة، بالقرب من مدينة سوخار"!!

وذهبتا إلى السامرة في طريق لا يحبه اليهود، وإذا ساروا فيه يسيرون كارهين.... ووصلتُ إلى المدينة ووجدت البئر التي يستقي منها السكان. رأيت بعض النساء فسألتُهنَّ عن يسوع الناصري، فأجَبنَ كلهن: "أنت تقصد المسيا. لقد كان عندنا منذ أربعة أيام، وتركنا لا نعلم إلى أين؟". ثم نظرنَ اليّ وقُلن: "انك في غاية التعب، هلم معنا واسترح هذه الليلة وغداً نطلقك". وجاء معهن بعض الرجال، وأخذوني وأضافوني وقصوا عليّ انه التقى بامرأة من عندهم، لما التقيت بها وجدتُها تحمل سمات الوقار. وقالوا: "بما أنك ترغب أن تسمع عن المعلم المبارك فإن هذه المرأة يمكنها أن تخبرك بما يشبعُ قلبك".

جلستُ مع المرأة إلى جانب الغرفة، وجعل الآخرون يتسامرون كل واحد مع آخرين، وكان معظم حديثهم عن النبي الجديد.

نظرتُ إلى المرأة بشيء من الفضول. كانت بالرغم من أنها بلغت الأربعين، ربما فوق الأربعين، كانت تحمل شيئاً غير قليل من الجمال. كانت تلبس ملابس محتشمة. وكان القوم يولونها احتراماً كبيراً.

السيدة الأولى في المكان:

وسألت هل هي الحاكمة أو زوجة الحاكم أو- فقاطعتني قائلة: "أنا؟... دعني أقول لك، أنا أحقر امرأة في هذه المدينة. وسأروي لك قصتي الأولى ورأسي في التراب....

لقد نشأت في بيت متوسط الحال. كنت وحيدة والديَّ، وكنت أحمل شيئاً مما يدعونه الجمال، أقصد جمال الجسد. وكان الشباب يغازلونني وأنا بعد صبية، وكنتُ أُسر لذلك. كان البعض يعطونني ما في جيوبهم من الحلوى، وبعضهم كان يهديني شيئاً من الطيِّب، وبعضهم قدم لي دراهم. كانوا في أول أمرهم يغازلونني بالكلام، وتجاسر بعضهم فغازلني باليد... وبعضهم قبَّلني. واستعذبتُ ذلك، وسقطتُ وأنا بعد دون البلوغ. وتزوجني أحد أقربائي سَتراً للعار. ولكني ظللت أشلك كما كنت مع الشباب، فطلقني. وتزوج مني آخر وآخر. تزوجت خمسة أزواج. ولم يرضَ رجل محترم أن يتزوج مني بعد ذلك، فعشتُ عيشة الفجور مع من لا أستطيع أن أدعوه زوجي.... واحد عاش معي.

ومع أن المدينة ليست سامية الخلق، إلا أنها رأت فيّ صورة لأشنع انحطاط، فازدرتني واحتقرتني واعتبرتني لوثة. مات أبي وأمي حزينيين كل الحزن، ورفضني جميع أهلي وامتنع الجيران والمعارف عن أي اتصال بي... صِرتُ مصابة بداء القروح الخبيثة، كانت النساء يخرجن ليملأن جرارهن جماعات جماعات بعد الفجر بقليل، أو قبل الغروب بقليل، أما أنا فقد نبذت. كنت أحمل جرّتي في الظهر وحدي. كان كل سكان المدينة يتغامزون عليّ!!

كنت أتأثر في أول الأمر من هذا التصرف. كنت أعود إلى بيتي وأبكي وأبكي. لم أكن أستطيع أن أعود إلى الحياة النظيفة. كان الرجال الأوغاد يحيطون بي... وأنا، وأنا كنت مربوطة بقيود أقسى من الحديد. فكرت أكثر من مرة أن أنتحر، ولكن شيئاً فشيئاً بدأت إحساساتي تتلبد. أخذتُ على الأوحال التي أعيش فيها. يدهشك أن تعلم أني ظللت أمارس الفرائض الدينية على الطقس السامري.

ظللتُ أعيش هذه الحياة إذا اعتبرتَ أني أعيش... إلى ذلك اليوم.

جئتُ في الظهر وحدي، وعندما وصلت قرب البئر أبصرت رجلاً جالساً على الحجر، فقمت حسب عادتي- بحركاتي الماجنة كلما رأيت رجلاً. ولكن الرجل نظر اليّ نظرة نفذت كخنجر في قلبي، فلملمتُ أطراف ثيابي على صدري، وسمعته يقول: "أعطيني لأشرب"... إنني لا أزال أذكر كل كلمة نطق بها الرجل... كان رجلاً غريباً يجمع بين القوة والرقة، العنف واللطف، يجرح ويعصب، يُسيل الدموع ويمسحها. لقد كشفني لنفسي. رأيت عاري ولكني رأيت أيضاً عين المحبة الطاهرة.

رأيت دموعه الشافية. عرفت أن المسيح ابن الله قد أتى إلى العالم وهو يتحدث اليّ ويعلن لي أنه هو المسيح.

فتركت جرَّتي وخرجت راكضة وناديت الناس. من الغريب أنهم سمعوا ندائي وجاءوا. من الغريب أنهم أصغوا لكلامي. قلت لهم: "تعالوا وانظروا إنساناً قال لي كل ما فعلت. ألعل هذا هو المسيح؟".

من الغريب أنهم لم ينظروا عاري ولكنهم نظروا إلى توبتي، رأوا نتيجة تأثير "الإنسان "العجيب عليّ. رأوا في ّ إنسانة أخرى، فأتوا إلى "الإنسان "ودعوه فمكث معنا وتحدث الينا. رأيناه السيد الذي أتى من السماء. رأيناه ابن الله. وقالوا لي: "إننا لسنا بعد بسبب كلامك نؤمن، لأننا نحن قد سمعنا ونعلم أن هذا هو بالحقيقة المسيح مخلَّص العالم". وقد تغيَّرت المدينة تغيراً مدهشاً. لم تصبح سوخار القديمة. أصبحت جنة، مدينة القديسين، وأنا، أنا المرأة النجسة الملوثة، المرأة التي عاشت حياة الخنازير، المرأة التي كان الناس يسدُّون أنوفهم إذا اقتربوا من بيتي أو رأوني من بعيد لأن رائحتي كريهة... أن أشكر ذلك الإنسان العجيب. لا يمكن أن يكون إنساناً عادياً. لا يمكن أن ُيجري المعجزة التي أجراها في سوخار. وبالأكثر المعجزة التي أجراها فيّ.

لقد أحسست وه ينظر اليّ أن عينه ترسل لهيباً من محبة عجيبة قوية، أحرقت كل جراثيم الإثم، وصهرت القلب القاسي وخلقت لي قلباً جديداً. أشكر الله. أنا إنسانة جديدة... جديدة جداً. وهكذا نظر اليّ الناس وأكرموني ورأوا فيّ لا السامرية القديمة الملوثة بل السامرية الجديدة النظيفة النقية. هل أجسر أن أقول: القديسة؟ أنا أؤمن أن يسوع هو المسيح ابن الله الحي، الله الذي جاءني انساناً. شكراً شكراً شكراً"....

وقضيت في سوخار عدة أيام نتحدث في عجائب البار في مدينة سوخار. لقد حدثوني عن معجزات للكثيرين والكثيرات في تلك المدينة، وكانت شهادتهم قوية ومستمرة.

  • عدد الزيارات: 3266