Skip to main content

الفصل الرابع: عودة إلى اليهودية

وصلت إلى أورشليم. لم يكن السفر سهلاً. هجم على القافلة التي كنتُ أحد المرافقين لها لصوص قيّدوا الحراس وسلبوا المسافرين. علمت أن هذه العصابة جزء من عصابة كبيرة زعيمها القاتل المشهور باراباس، وكان كبير هذه الفرقة اللص دوماس يرافقه لص آخر مشهور ولصوص آخرون قد نهبوا كل ما مع المسافرين، وقتلوا جميع الرجال. وأشرع أحدهم سكينته ليطعنني، ورفعتُ عيني أستنجد بذلك الوليد، وإذا بالسكينة تسقط من يد الرجل، فيقف مبهوتاً يقول لي بخشونة: "من أين أنت؟ ولماذا أنت هنا؟". ثم خفض رأسه وقال، وقد لان وجهه: "هلاَّ قلت لي من أنت؟" أجبتُ: "أنا رجل غريب، لي حكاية طويلة، لكني أوجز لك الجزء الأخير منها. لقد جئتُ من اليهودية أبحث عن وليدٍ عظيم جاء والداه معه هاربين إلى مصر.

يؤسفني أني لم أجد العائلة. ولما رفعت أنت السكين لتطعنني رفعتُ رأسي أستنجد بذلك الوليد". فقال اللص: "الآن علمت ُ لماذا سقطت السكين. لقد نظرتُ وإذا بالوليد الطاهر.... دعني أخبرك أني تبعتُ العائلة الهاربة من أزيد من ثلاثين سنة أنا ورجال عصابتي. نحن جزء من العصابة الكبيرة، عصابة باراباس. لقد تبعت العائلة الهاربة لكي أسلب الذهب الذي أخذوه من الملوك. ولكني إذ أبصرتُ وجه الطفل سقطتُ على وجهي. كان الوجه نوراً وناراً... وقد منعت رجالي من الإساءة ليس فقط إلى العائلة بل إلى كل القافلة إكراماً لذلك الصبي. ولما رفعت يدي لأطعنك رأيت الصبي أمامي ينظر اليّ عاتباً"... ثم التفت إلى رفقائه وقال: "حلّوا قيود الحراس وأطلقوا سراح القافلة. لا تسلبوا درهماً واحداً منها. والآن أيها الصديق عُد إلى اليهودية بسلام. سأوصي بعض رجالي أن يرافقوكم لحراستكم. أرجو أن تعثر على هذا الوليد العظيم... أرجو وأرجو، لا أعلم ماذا أقول لك... لقد سمعتُ الكثير عنه... لكن اذهب اذهب". ثم دفعني عنه وقال: "اذهب".

ووصلت إلى حدود اليهودية. وتوجهتُ مباشرة إلى أورشليم، ووقفت حائراً. لقد مات، كما عرفت، الشيخ سمعان والنبية حنة والراعي ميخائيل، وتفرَّق شمل بقية الرعاة. ووجدت في مكان الخان مبنى كبيراً لم يعرف أحد من سكانه عن الخان شيئاً... حاولت أن أذهب إلى البيت الذي تقابل فيه الوليد مع الملوك فوجدت أن التغيير شمل البقعة كلها. رفعت عينيَّ إلى السماء وقلت: "رباه، أرشدني إلى أين أذهب "!!

مع رئيس الكهنة

سرت في شوارع المدينة أسأل عن المسيح الملك، فكان الناس يهزُّون رؤوسهم وقد ظهرت السخرية على وجوه البعض والخوف على وجوه آخرين. ووقف بعضهم يتكلم في همس، وأخذني بعضهم إلى أشخاص علمتُ أن لهم شأناً في الدوائر العليا الدينية والسياسية. وأخذني أحد هؤلاء إلى رجل ظهر أن له المقام الأعلى في الدوائر الدينية، لأني رأيت الناس يقتربون منه وينحنون أمامه إلى الأرض. وتكلم معي هذا الرجل بكل تعالٍ وبشيء من الغطرسة والشك. كان يظن أني جاسوس أو متآمر. لكن لما سمع حكايتي وعرف بساطتي ونيتي الطيبة، نظر إليَّ بشيء من العطف مشوب بشيء من الاحتقار وقال: "علمت. سأقول لك إننا ننتظر المسيح الملك. لقد تنبأ عنه الأنبياء. نعم نحن ننتظره. ولكنه لم يأت بعد. وقد ظهر مسحاء كذبة كثيرون. من هؤلاء ثوادس الذي ادَّعى أنه المسيح الملك، وقد تبعه جمهور غفير، أربعمائة أو أكثر، وقد قُتل، وجميع الذين انقادوا إليه تشتتوا. وبعده قام يهوذا الجليلي في أيام الاكتتاب، وأزاغ وراءه شعباً غفيراً. هذا أيضا ً هلك، وجميع الذين انقادوا إليه تبددوا – وفي هذه الأيام قام نجار ناصري مختلّ جمع وراءه عدداً من الغوغاء والعاطلين، وأقام نفسه عليهم قائداً وزعيماً. هذا ادّعى أنه معلم... وقد سمعنا انه يهمس لأتباعه أنه ابن الله. وقد أشاعوا أنه يجري آيات وعجائب. وقد اتضح أنها كانت كلها إشاعات لا أساس لها من الصحة. أما المعجزات التي قالوا إنها حدثت فإنها ولا شك من تحالفه مع الشيطان، هذا إن كانت قد حدثت فعلاً، إذ لا يمكن أن يكون هذا المعلم من الله لأنه يعلّم ضداً للناموس. ومثل هذا يستحق القتل، وسيكون هذا مصيره إذا استمر في غيّه".

قلت: "إن كلام سيدي الكاهن الرئيس كلُّه حكمة. لكني أستأذن سيدي فأسأل عمَّا قاله لي الشيخ سمعان والنبية حنة والراعي ميخائيل".

فتبسَّم الشيخ الكبير وقال: "قد سمعتُ شيئاً مثل هذا". ثم تأوَّه وقال: "مسكين سمعان... ومسكينة حنة. سمعان حفيد هليل الصغير، امتدت به الأيام حتى صار نظير طفل في تفكيره. وقد حدث اختلال عضوي في رأسه فأصبح يتخيل الكثير مما لا وجود له... فقد صدرت منه أقوال وأفعال جعلت الكثيرين من أصدقاء العائلة الكبيرة يتأثرون، بل بعضهم بكى. كيف ينحدر ذلك الرجل العظيم إلى درجة كبيرة من الاختلال؟ وكذلك الأمر مع الأرملة العجوز حنة. شكراً ليهوه أن الاثنين ماتا قبل أن يصل الاختلال إلى ارتكاب المآسي". قلت: "فماذا يرى سيدي في رواية الراعي ميخائيل؟". فضحك وقال: "يكفي أن تسمع فتدرك كذبها وبطلانها... والآن أنا أنصحك يا ولدي أن تكفَّ عن السؤال هنا أو هناك. لقد أدركتُ بساطتك بل سذاجتك وأنا أعطف عليك. أُشكر الله أنهم أتوا بك اليّ ولم يذهبوا بك إلى معسكر الوالي، أو إلى قصر الملك حيث لا يعرف أحد منهم شيئاً عما تسأل عنه. أنصحك أن تعود إلى بلدك وتقيم بين أهلك، ولا تتعبِ نفسك في البحث عن إله لا يخصّك، فانه لم يأتِ بعد، وإذا جاء فسيكون إلهاً لشعب إسرائيل، وليس لك أو أمثالك من الأمم!!".

  • عدد الزيارات: 2606