الفصل التاسع: نهاية الطريق
سألتُ ملاخي عما بقي عليّ من مسافة ينبغي أن أقطها لأنتهي من منطقة الرموز: "لقد خرجتُ أبحث عن الحقيقة، وظننتُ أني وصلت إليها عند جبل سيناء. لم يخبرني القوم أنها منطقة الرموز. لم يخبروني أن الحقيقة الكاملة تتطلب العيون المفتوحة بالروح القدس. كم أنا آسف أن شفتيَّ نطقتا بكلمات غير لائقة. لقد تكلمتُ عن إله اليهود. كان ينبغي أن يعرّفوني أنه لا يوجد إلا إله واحد. وأن إله اليهود هو الله.... دعني أفكر قبل أن تنطق شفتاي كفراً. لقد بدا لي أن الله كما صوّروه لا يمكن أن يكون هو الله الذي أنشده". وقال ملاخي: "أنهم كانوا معذورين إلى حد يا صديقي. لم تكن لهم العين المستنيرة. بل إلى اليوم نحن لا نبصر الله على حقيقته. لاعجب إن ظننا أنه إله محدود، دائرته محدودة، وشعب محدود. كان هذا كل ما يستطيعون أن يبصروه. لم يكن في إمكانهم أن يروا أكثر من ذلك، ولم يكن في استطاعتهم أن يفهموا. والى المنتهى لا يستطيع الناس أن يعرفوا الحقيقة الكاملة، ولكنك ستعرف أكثر.... نعم أكثر جداً.
ها أنا أبصر الظلام وقد اشتدَّ منذراً بقرب بزوغ الشمس. سيأتي... "هو". كيف لا أعلم. نعم سيأتي وستراه. سر في طريقك. اتبع النور. ستجد آخرين يسيرون في طريقك. إن أكثرهم لا يعرف حقيقة "الآتي". عدد منهم لا يعرفونه. وعندما يأتي سيرفضه البعض، لكني أثق أنك ستقبله. لقد قال هو: "الذين يبكرون اليّ يجدونني".
حاولتُ أن أقبّل يد ملاخي فسحبها بلطف، وطوَّق رأسي بيده وقبَّلني، ودعا لي بالتوفيق. سرتُ في طريقي مستبشراً. كان كثيرون يسيرون أمامي، وكثيرون يسيرون إلى جانبي. كانت الغالبية تسير وقد علا الحزن وجوههم. بعضهم كان يبكي وبعضهم يتأوه. سمعت أحدهم يقول: "إلى متى تنساني كل النسيان؟ إلى متى تحجب وجهك عني؟" وسمعت آخر يقول "الهي الهي لماذا تركتني؟" وهوذا آخر ينادي: "التفت إليَّ وارحمني لأني وحدٌ ومسكين أنا"... وسمعت آخر يقول: "لا تتركني يا رب. يا الهي لا تبعد". لم تكن الشمس قد أشرقت بعد. كان نور الشَّفق يرسل شيئاً من الضوء، كنا نبصر، لكن ليس بالوضوح الكامل. كان الطريق ظاهراً إلى حد، وقد رأيت السائرين وإذا هم جمهور. علمتُ أن جميعهم سياح. وعلمت أن جانباً كبيراً منهم ينتمون إلى فريق خاص يُدعى فريق المنتظرين. وسألت، فقيل لي أنهم سمعوا داود واشعياء وارميا وزكريا وغيرهم يقولون إن الله سيرسل ملاك يهوه يحمل رسالة السيد. ومع أنهم لم يعرفوا الكثير عن هذا الذي ينتظرونه والذي كانوا يدعونه "الآتي "فإنهم انتظروه بلهفة المريض وهو ينتظر الطبيب، والمثقل وهو ينتظر حامل الأثقال، والمضطهد الذي ينتظر المنقذ، والفقير الذي ينتظر المُغني... والعدد الأكبر كان ينتظر الملك الذي سيجلس على العرش ويحكم بالحق والعدل... أما أنا فكنتُ أنتظر المرسل من السماء الذي سيحدثني عن الله. لم أكن أطلب شيئاً، ولكني كنت أطلب شخصاً. كنت أطلبه هو. وهكذا سرت وكلي شوق أن أراه هو، أن يضع يده على رأسي وأناديه: "ربي والهي"...
كان الطريق طويلاً. مرَّت أيام ومرت ليال. بعضها مرَّ وبعضها طال. وكنا نرى بعض العلامات التي تنبئ باقتراب الوقت.
كانت آخر كلمات سمعتها كلمات ملاخي. قال الله: "هأنذا أرسل ملاكي فيهيئ الطريق أمامي"
سيأتي إذن سفير السيد. السيد نفسه سيأتي بغتةً. سيأتي إلى هيكله. ها أنا أتطلع منتظراً ذلك السفير. متى يا سيدي تأتي؟ متى؟
- عدد الزيارات: 2664