Skip to main content

الفصل الثاني: الإله يهوه إله إسرائيل

قلت للرجل: هلاَّ حدثتني عن هذا الإله. لقد شوَّقتني إليه... حدثني، ألتمس منك... نعم حدثني عنه". قال: "سأحدثك بالقليل الذي أستطيعه، ولكني أحاول أن أقودك إلى حيث تعرف الكثير عنه. انك لن تراه بالمعنى الحسي ولكنك ستراه". ثم أخذ بيدي وأشار إلى اللوحة التي أمامه، وأراني الخطوط التي كان يرسمها وحاول أن يفهمني عن المكان. فلما عجز قال: "على كل حال، هناك حيث تتفرع الطرق سِر في الطريق التي أمامك... سر مستقيماً وستصل ببركة الله".

قلت: "كم أرغب أن تحدثني عنه كما وعدت". قال: "لقد ترك لنا القليل عن شخصه العظيم، فهو الخالق، وفي البدء خلق الله السموات والأرض. نعم في ستة أيام صنع الرب السماء والأرض والبحر".

قلت: "ولكني أرغب أن أعرف عن شخصه. من هو؟ كيف يظهر للناس؟" قال: "الله روح، والذين يسجدون له فبالروح والحق ينبغي أن يسجدوا". وأما الرب فهو الروح وحيث روح الرب فهناك حرية – وهو نور، فالرب يكون لك نوراً أبدياً، وكل موهبة تامة هي من فوق، نازلة من عند أبي الأنوار".

- بل أكثر من ذلك فهو "نور وليس فيه ظلمة البتة". هو إله قدير وقد أعلن هو نفسه عن نفسه بذلك – تعلَّم واسمع ما كتبه أحد أصفيائه.

"أين أذهب من روحك، ومن وجهك أين أهرب؟ إن صعدتُ إلى السموات فأنت هناك، وان فرشتُ في الهاوية فها أنت. وان أخذت جناحي الصبح وسكنت في أقاصي البحر فهناك أيضاً تهديني يدك وتمسكني يمينك. فقلت: إنما الظلمة تغشاني. فالليل يضيء حولي. الظلمة أيضاً لا تظلم لديك، والليل مثل النهار يضيء، كالظلمة هكذا النور".

" ما أعظمك يا الهي. عجيبة هي أعمالك، ونفسي تعرف ذلك يقيناً. لم تختف عنك عظامي حينما صُنعت في الخفاء ورُقمت في أعماق الأرض. رأت عيناك أعضائي، وفي سِفرك كلها كُتبت يوم تصوَّرت، إذ لم يكن واحد منها".

ثم صمت هذا الرجل، فخشيت أنه انتهى. فقلت: "بربك لا تسكت"... قال: "لا تقل هذا القسم مرة ثانية. إن اسم إلهنا عظيم، لا تنطق باسمه باطلاً". قلت: "ألتمس غفرانه. لم أكن أعرف. فقط تكلم، تكلم. تكلم عن هذا الإله العظيم... لم أكن أعلم أنه عظيم إلى بهذه الدرجة". قال: "إن الرب عظيم... يفهم جميع القلوب، ويفهم كل تصورات الإنسان، وهو فاحص القلوب والكلى، الله البار. هو يعرف خفيات القلوب!!

هو الإله الحاضر في كل مكان، الإله غير المتغير. أمثُلُ في محضره وأقول بكل خشوع: كل شيء يبلى، أما أنت فهو هو أمساً واليوم والى الأبد. ليس عنده تغيير ولا ظل دوران – الله الحكيم وحده له المجد إلى الأبد. عظيم هو الرب وحميد جداً ليس لعظمته استقصاء. دور إلى دور يسبّح بأعمالك... بجبروتك يخبرّون. بجلال مجد حمدك يحدثون...

ولقد أساء القوم فظنوا أنه إله نظير أصنامهم، فوبخهم توبيخاً صارماً. اجثُ على قدميك واسمع كلماته "فبمن تشبهون الله وأيّ شبه ٍ تعادلون به؟ الصنم يسبكه الصانع، والصائغ يغشيه بذهب، ويصوغ سلاسل فضة. الفقير عن التقدمة ينتخب خشباً لا يسوّس، يطلب له صانعاً ماهراً لينصب صنماً لا يتزعزع! ألا تعلمون؟ ألا تسمعون؟ ألم تُخبروا من البداءة؟ ألم تفهموا من أساسات الأرض؟ الجالس على كرة الأرض وسكانها كالجُندُب. الذي ينشر السموات كسرادق ويبسطها كخيمةٍ للسكن. الذي يجعل العظماء لا شيئاً ويصيِّر قضاة الأرض كالباطل. لم يُغرَسوا بل لم يُزرَعوا، ولم يتأصَّل في الأرض ساقهم. فنفخ عليهم أيضاً فجفُّوا، والعاصف كالعصف يحملهم. فبمن تشبِّهوني فأساويه يقول القدوس؟ ارفعوا إلى العلاء عيونكم وانظروا – من خلق هذه؟ من الذي يُخرِج بعددٍ جُندها؟ يدعو كلَّها بأسماء؟ لكثرة القوة وكونه شديد القدرة لا يُفقَد أحدٌ".

كنت أسمع هذه الكلمات وقلبي يرقص بعنف: ياله من إله! يا له من إله! وأخذ الرجل ينشد بعد ذلك:

لله نفسي انتظري من عنده رجاي

هو خلاصي معقلي وصخرتي ملجاي

لذا خلاصي بالعلي للدهر والأبد

وأغمض الرجل عينيه ثم أنشد:

استمع لي راحماً ياأبا الرحمة واستجب لي منقذاً، رب النعمة

إنني مسكين، بك أستعين فأعنِّي راحماً أيها المعين

الساكن في ستر ربي القدير يبيت بظل الرَّحوم

أقول لربِّيَ أنت النصير عليك اتكالي يدوم

فلا تخشَ من خوف ليلٍ رهيب ولا من سهام النار

ولا من ليالي وباء يُصيب ويوم الفنا والدمار

سكت الرجل وقال: "لن أؤخرك... قم وابدأ سياحتك. خذ هذه الخريطة معك. سر في طريق الشريعة. لا تحد يميناً أو شمالاً. وستصل إلى هدفك. سر على بركة الله".

تركت المكان وسرت في الطريق السلطاني، وظللت أسير... ظللت عدة أيام. لم يكن الطريق سهلاً. كان خشناً وعراً، ولكني وصلت فوجدت عند باب المدينة قوماً تبدو المذلة على وجوههم. كانوا يشبهون العبيد الذين خدموا تحت أيدي سادة قساة، وسألتهم عن الله. فقالوا: "نعم لقد سمعنا عن ذلك الإله وسمعنا أنه ظهر لجدِّنا، وسمعنا أيضاً انه ظهر لأبينا، وأنه هو الذي أرسله إلى هذا المكان. ويا ليتنا ما جئنا. فقد أهلكتنا المذلة. ها نحن العبيد". قلت: "سمعتم، فماذا عملتم؟". قالوا: "حقاً سمعنا. كان جدنا، أو لعلنا نقول أجدادنا، لا يعرفون الله، ولكنهم كانوا يعبدون الأصنام. سمعنا أنهم كانوا يعبدون النار، وقال غيرهم إنهم كانوا يعبدون التماثيل. ولكن الله الحقيقي الكائن الروحي الأسمى ظهر لأحد الأجداد، وظهر لابنه ولحفيده. وقد جاء الحفيد إلى هذه البلاد وكان يؤمن بالله... وتوالت الأجيال وتركنا الله. لا نقول إننا عبدنا الله، لكننا نسيناه. لقد انشغلنا بظروفنا السيئة". فسألتهم: "أما كان الأجدر أن تقودكم ظروفكم هذه إلى العودة إليه والاستغاثة به، لعله ينظر إليكم ويمدُّ يده ليخلِّصكم". قالوا: "ربما كان في ما تقوله شيء من الصواب. على كل حال نحن لم نفكر كما تقول. سر إلى الأمام فربما كان لك ما تبحث عنه".

تركت القوم متألماً وسرت، وظللت سائراً إلى أن وصلت إلى تلَّة مرتفعة قليلاً، ووجدت قوماً مثل القوم الذين تركتهم، وسألتهم عن الله، وأخبرتهم بما حدث بيني وبين من تركتهم خلفي. فقالوا: "نعم، لقد سمعنا عن الله، وسمعنا عن علاقته بأجدادنا. بل قد جاءنا واحد منا وأخبرنا أنه تلاقى به في البرية الشرقية، وأخبرنا بهذا اللقاء العجيب. لم نصدقه في أول الأمر". قلت: "ألم تسألوه: أين قابله، وما هي صورته، وبماذا تحدث، وأين يمكن أن نجده؟" قالوا: "لقد أخبرنا الكثير. قال انه كان يرعى أغنام حميه في برية، وان حملاً صغيراً انفلت من بين الغنم وجعل يركض في الاتجاه المغاير لطريق القطيع، فأخذ يركض خلفه. واستمرت الملاحقة مدة إلى أن وقف الحمل عند نبع ماء وجعل يشرب بكثير من النهم. ووقف رجلنا أمام الحمل. كان في أول الأمر مغتاظاً لما حمَّله الحمل من تعب، ولكنه إذ رأى عطشه تحنن عليه، وتركه يشرب حتى ارتوى، ثم حمله بعطف على كتفه وبدأ يتجه نحو القطيع. على أنه قبل أن يسير طويلاً أبصر ناراً غريبة كانت تشتعل في وسط أشجار العُليق، ولكن الأشجار لم تحترق. واندهش للأمر غاية الاندهاش. عهده بالنار في البرية تمتد إلى كل النواحي لا تُبقي ولا تذر، لكن هذه النار الشديدة قائمة في مكانها. قال: "أميل وأرى هذا المنظر الغريب". وما أن خطا عدة خطوات حتى سمع صوتاً رهيباً: قف في مكانك. اخلع حذاءك من رجليك... أنا الله. إله آبائك... أنا رأيتُ مذلة شعبي. أنا ذكرتُ عهدي مع آبائك. أنا نزلت لأنقذكم. أنا الله. وقد أخبره عن اسمه وزوّده بمعجزات من عنده. أخبره أن اسمه "أهيه الذي أهيه". وقال لنا ذلك الواحد انه لم يرى صورة، ولكنه سمع صوتاً... نعم صوتاً من النار.

وجاءنا ذلك الواحد وحدَّثنا بهذا الحديث، واستطاع أن يقنعنا بصدق روايته... ويمكنك أن تشاهد بعض القوات التي زوّده الله بها.

لقد جاز في معارك عظيمة مع المصريين. في الموقعة الأولى ضرب النهر فصار دماً. نعم النهر الذي عبدته مصر. وفي الموقعة الثانية ملأت الضفادع كل مكان، وفي الموقعة الثالثة انتشر البعوض المخيف، وبالأمس تمَّت الموقعة الرابعة، فقد ملأ الذباب كل مكان. وكانت المواقع تهزُّ فرعون فيُظهر الخضوع ثم يتراجع. ومع أن فرعون لم يخضع بعد إلا أننا واثقون أنه سيخضع وهو راغم".

ثم جثا القوم على الأرض وقالوا: "ربنا، إننا نؤمن أنك أنت الله وحدك، إله الآلهة أنت".

لم أستطع أن أنتظر بل أسرعت أسأل: "أين هو؟ أخبروني أين أجده. لقد خرجتُ من أهلي ومن عشيرتي أبحث عنه. وها أنا أقطع القفار أسأل: أين أجده؟". وكان جوابهم: "إننا لم نجده بعد. سر إلى الأمام فلعلك تجده... بل أنك حتماً ستجده".

ركضت. قطعت الأبعاد. مررتُ بأوديةٍ وأنهارٍ وتلال وجبال. عبرتُ البحر الكبير وسرت في برية كبيرة، وقابلت هناك قوماً يرتّلون أناشيد، وسمعتُ اسم الله تعالى سمعتهم يقولون:

أرنِّم للرب فانه قد تعظَّم،

الفرس وراكبه طرحهما في البحر.

الرب قوتي ونشيدي،

وقد صار خلاصي.

هذا الهي فأمجده،

اله أبي فأرفّعه.

الرب رجل الحرب،

الرب اسمه.

مركبات فرعون وجيشه ألقاهما في البحر،

فغرق أفضل جنوده المركبيَّة في بحر سوف،

تغطيهم اللجج.

قد هبطوا في الأعماق كحجر.

يمينك يا رب معتزَّة بالقدرة،

يمينك يا رب تحطم العدو،

وبكثرة عظمتك تهدم مقاوميك.

ترسل سخطك فيأكلهم كالقش،

وبريح أنفِك تراكمت المياه،

انتصبت المياه الجارية مثل التل،

تجمدت اللجج في قلب البحر.

قال العدو: "أتبع. أدرك. أقسم غنيمة.

تمتلئ منهم نفسي:

أجرد سيفي.

تفنيهم يدي "

نفختَ بريحك فغطاهم البحر،

غاصوا كالرصاص في مياه غامرة!

من مثلك بين الآلهة يا رب؟

من مثلك معتزاً في القداسة،

مخوفاً بالتسابيح،

صانعاً عجائب؟

تمتد يمينك فتبتلعهم الأرض.

ترشد برأفتك الشعب الذي افتديته.

تهديه بقوتك إلى مسكن قدسك.

يسمع الشعوب فيرتعدون،

تأخذ الرعدة سكان فلسطين،

حينئذ يندهش أمراء أدوم،

أقوياء موآب تأخذهم الرجفة،

يذوب جميع سكان كنعان،

تقع عليهم الهيبة والرعب

بعظمة ذراعك يصمتون كالحجر

حتى يعبر شعبك يا رب،

حتى يعبر الشعب الذي افتديته.

تجيء بهم وتغرسهم في جبل ميراثك،

المكان الذي صنَعته يا رب لسكنك المقدس،

الذي هيأته يدك يا رب.

الرب يملك إلى الدهر والأبد".

تقدمت إلى قائد المنشدين، بعد أن طرح عوده جانباً وسألته، فأخبرني: "لقد سمعتَ ولا شك". قلتُ: "لقد سمعتُ فعلاً عن قوة إلهكم، وخرجتُ أطلب أن أراه. سمعت أنه ضرب أرض مصر ضربات أربع"... قال: "لقد أكمل الضربات إلى عشر. لقد ضرب حيواناتهم بالطواعين ورجالهم بالدمامل. أرسل عليهم البرد والجراد والظلام. أتلف حقولهم وهدم بيوتهم وقتل ماشيتهم... ثم ضرب شمسهم فأظلمت ديارهم... وأخيراً قتل أبكارهم". قال هذه الكلمات ثم رفع رأسه وقال: "يا رب، من مثلك معتزاً في القداسة، مخوفاً بالتسابيح، صانعاً عجائب". وصمت قليلاً ثم قال: "خرجنا نبغي الوصول إلى المسكن الذي أعدَّه الله لنا... خرجنا فإذا بالبحر أمامنا، والعدو وراءنا. صرخنا... قلنا: هلكنا. ضعنا. ولكن الله شقَّ البحر أمامنا فمررنا سالمين وأطبقه على أعدائنا، فغرقوا وصاروا من الهالكين".

قلت: "شقَّ البحر أمامكم؟".

أجاب: "نعم. صار الماء سوراً من هنا وسوراً من هناك. سِرنا على اليبس".

قلت: "ياله من إله قوي! استطاع أن ينقذكم من خطر داهم". وصمت قليلاً، فقلت: "أما كان يمكن أن يقف الأمر عند هذا الحد؟ أما كان يمكن ترك المصريين وشأنهم". قال: "لا. لا. إن إلهنا إله حق وعدل.... وانتقام. لقد كانوا مفترين... وقد نالوا جزاءهم". صمتُّ... ولكني لم أشعر بارتياح. لقد خشعتُ أمام الله إله الحق والعدل... ولكني كنت أرغب أن يضم إلى هذه الكلمات الرحمة... لكن لعله رأى في حكمته غير ذلك!

اله الشريعة

لا يزال إله إسرائيل يملأ ذهني. انه إله عظيم، إله قوي جبار. يليق أن أنحني أمامه متعبداً. في كل يوم أكتشف له أمجاداً. أخرج للشعب ماء من الصخر، وشهداً من حجر الصوّان. ولما جاعوا أنزل لهم طعام الملائكة: المنَّ من السماء. بل أطعمهم لحماً... ذلك الجيش الكبير اشتهى لحماً فجاءهم باللحم. لم تقف أمامهم عقبة. على أن مكانه سما في عينيّ وهو يتحدث إليهم من فوق الجبل، فيقدم لهم أقدس شريعة عرفها العالم. لم أسمعها أنا، لكنهم ذكروها لي. قالوا إن إلههم نزل فوق جبل سيناء فاهتزَّ الجبل ودخنَّ، ومن وسط النار سمعوا الله يتكلم. لم يروا صورة ولكنهم سمعوا صوتاً يقول:

" أنا الرب إلهك الذي أخرجك من أرض مصر، من بيت العبودية، لا يكن لك آلهة أخرى أمامي.

لا تضع لك تمثالاً منحوتاً ولا صورة ما مما في السماء من فوق، وما في الأرض من تحت، وما في الماء من تحت الأرض. لا تسجد لهنَّ ولا تعبدهنّ، لأني أنا الرب إلهك، إله غيور، أفتقد ذنوب الآباء في الأبناء في الجيل الثالث والرابع من مبغضيَّ. وأصنع إحساناً إلى ألوف من محبيَّ وحافظي وصاياي.

لا تنطق باسم الرب إلهك باطلاً، لأن الرب لا يبرئ من نطق باسمه باطلاً.

اذكر يوم السبت لتقدسه. ستة أيام تعمل وتصنع جميع عملك. وأما اليوم السابع ففيه سبت للرب إلهك. لا تصنع عملاً ما، أنت وابنك وابنتك وعبدك وأمَتُك وبهيمتك ونزيلك الذي داخل أبوابك. لأن في ستة أيام صنع الرب السماء والأرض والبحر وكل ما فيها. واستراح في اليوم السابع. لذلك بارك الرب يوم السبت وقدَّسه.

أكرم أباك وأمك لكي تطول أيامك على الأرض التي يعطيك الرب إلهك.

لا تقتل.

لا تزن.

لا تسرق.

لا تشهد على قريبك شهادة زور.

لا تشته امرأة قريبك ولا عبده ولا أمته ولا ثوره ولا حماره، ولا شيئاً مما لقريبك".

سمعت هذه الكلمات السامية بكل خشوع. كلمات رائعة، ولا عجب فهي كلمات إله لا يهتم بنفسه فقط، ولكنه يهتم بالمجتمع الإنساني كله... إله يهتم بالفرد والمجتمع الإنساني والعلاقة بالله.

نعم هذا هو الإله الذي أبحث عنه.

الإله الواحد الطاهر الصالح القوي المحسن... هل أقول له: يا الهي...

جلستُ طويلاً في سفح جبل الشريعة. انه فعلاً إله طاهر قدوس. شتَّان بينه وبين زيوس. شتان بينه وبين تلك الطُّغمة الفاسقة على جبل أولمب. أحس أن العفونة تملأ الجو على جبل أولمب. عفونة لم تستطع الأجيال أن تخفّف قليلاً من قذارتها ودنسها... أوحال! أوحال!

لكني أحسستُ أن قداسة جبل سيناء جافة ناشفة. انه إله لقوم محدودين. انه إله لليهود وحدهم. إن أرض مصر لا تستطيع أن يكون لها أدنى صلة به. إنها أرض العبودية. إن أول ما قام به ذلك الإله أنه أنقذ شعبه من مصر، من أرض العبودية التي صارت رمزاً للاثم...

لقد أُعجبت بذلك الإله في أول الأمر، لكني تقهقرت. انه لا يمكن أن يكون الهي. أخشى أن يقف مني موقف العدو. لا أستطيع أن أجد لي مكاناً بجواره.

بل أن إحساساً آخر غمر روحي. إني أرى الرباط الذي يجمع بين ذلك الإله وشعبه هو رباط السيادة. السيادة المطلقة. أنا الرب إلهك... لا يكن لك آلهة أخرى أمامي.

لا أعلم لماذا أحسستُ أني أرغب أن يربطني بإلهي رباطٌ أقوى من رباط السيادة. هل أتجاسر أن أقول: رباط الحب. رباط لا أجد فيه أوامر ونواهٍ. وقد علمت أن خلف هذه الأوامر والنواهي القليلة توجد المئات والألوف من التفصيلات. افعَل. افعل. افعل. لا تفعل. لا تفعل. لا تفعل. عشرات وعشرات بل مئات. سأظل كل حياتي أحاسب نفسي. كلا، انه إله لا يجذبني. انه إله يخيفني.

وإذا أساء القوم إليه أرسل عليهم ضربات مخيفة. أتلف حياتهم، وأخرب بيوتهم، وهدم مزارعهم، وقتل رجالهم، وضيّع نساءهم، وقتل أطفالهم، أحرق مدنهم. انه إله شديد البطش. إذا غضب بطش!

ونغمة التهديد حتى لأتباعه...: "لأني أنا الرب إله غيور، أفتقد ذنوب الآباء في الأبناء في الجيل الثالث والرابع من مبغضيَّ". إنها نغمة مخيفة. إله لا يرتبط بشعبه بالقلب بل بالشريعة. انه يمسك العصا ليعاقب كل من يعصي، فلا ينجو لا هو ولا أبناؤه إلى الجيل الثالث والرابع.

نعم، هو فعلاً إله

اله قدوس طاهر.

ولكني إنسان ضعيف. لا أستطيع أن أستجيب لمطالب ذلك الإله. أحس أني مرتبط بيديه وبعينه لا بقلبه. كلا، ليس هذا هو الإله الذي أطلبه. إني أطلب إلهاً تكون شريعته داخل قلبي، لا على ألواح حجرية... خارج قلبي. لأبحث إذن عن إله آخر...!!

ملاحظة

أكتب هذه الملحوظة هنا بعد سنين طويلة. أدركت ُ أن الخطأ بالنسبة لموقفي بإزاء الله سببه عجز فهمي وفهم اليهود. إننا لم نستطع أن نراه على حقيقته. لم نكن مستعدين للنظر والفهم والقبول.

  • عدد الزيارات: 3857