الفصل الثالث: قوة الآلهة
صمتُّ قليلاً ثم قلت: "أقول لك الحق، إن أخبار الآلهة أفزعتني. آلهة تتزوج وتهجر وتخون، وتلد أولاداً يتنافسون ويتحاربون. ما الفرق بينهم وبين البشر؟".
قال: "إنهم أقوياء يتسلطون على الأرض والبحر والهواء... يستطيعون أن يأتوا بالزلازل والبراكين والسيول، وعندهم مقدرة ذهنية وأسلحة رهيبة. إذا ساعدوا، فانّ من يساعدونه يتغلب على كل أعدائه. نعم إننا في حاجة إليهم ولذلك فنحن نعمل على إرضائهم بكل ما نملك!!".
قلت: "فما مدى سلطانهم؟" أجاب: "إن سلطانهم محدود بما يملكون وحيث يكونون، ولذلك فنحن في طيبة مطمئنون، لا يستطيع أذاهم أن يصل الينا. بل إن إلهنا "أوزيريس" يبسط حمايته علينا".
قلت: "هلم بنا إلى طيبة". وسرنا أياماً وليالي ووصلنا بعد أسابيع عدة إلى طيبة... عاد الكاهن غالى بيته، واستقبلتهُ، والأصح أن أقول استقبلتنا زوجته بترحاب، واسترحنا ثلاثة أيام. وزرنا الهيكل المقدس هيكل "أوزيريس" وقدمنا القرابين.
وفي المساء جلسنا في ساحة البيت، وبدأ الكاهن يتحدث قال:
"لقد زرنا هياكل الآلهة وقدمنا القرابين... ويسرُّني أنك زرت الأهرام الثلاثة وأبو الهول. كما زرنا هرم أوناس والأهرام الصغيرة المجاورة. وقد سألتني عن بُناة الأهرام وأجبتك أنهم آلهة مقدسة، والفراعنة آلهة لأنهم "أبناء رع "و"خوفو" و"خفرع "و "منقرع" وحديث الأهرام يتصل بالحياة الأخرى وسنتكلم عنها".
قلت: "هلا نظمنا حديثنا حتى استطيع أن أستوعبه بالكفاية... أنا أسأل ماذا تعطينا الآلهة. هل نحتاج إليهم أم يمكننا إن نستغني عنهم؟ ثم ما هو موقفها منا بعد انتهاء هذه الحياة؟ هل هناك حياة أخرى؟" وأجاب الكاهن: "إنك تتعدى حدودك. إن الآلهة آلهة. أنها تأخذ وتأخذ وينبغي أن تأخذ. إنها السيدة. نحن عبيدها. وقد تعطي. ولا شك أن عطاءها كرم منها. إنها تستطيع أن تؤذينا، ولكنها لا تفعل ذلك طالما نحن نحتفظ بولائنا لها. وهي تطلب منا أن نسلك سلوكاً مرضياً مع بني جنسنا. علينا أن نجاهد في سبيل ذلك. أما الحياة الأخرى فلا بد منها. ولقد رأيت أنت علامات لك.......
ألم تر في خدمات يوم صرف الروح عندما وقف الكاهن ورشَّ الماء المقدس في اليوم الثالث، وألقى الابن الأكبر الكلمات السبع لتنصرف الروح إلى القبر؟ ألم تر عملية التحنيط لإبقاء الجسد كما هو حتى تعثر الروح عليه فلا تضل عنه بعد الأربعين وبعد السنة؟ ألم تر تلك القبور الشامخة في الأهرامات الكبيرة الكبيرة للفراعنة أبناء رع؟ نعم هناك حياة أخرى يحياها الصالحون... يعيشون كما كانوا يعيشون فقط بمشقة أقل... ولم يخبرنا الكهنة الكبار عن مدى هذه الحياة. لكني أعتقد أنها طويلة، وان كنت لا أدري متى تنتهي "!!
ارتباك
مرة أخرى أحسست أن الحياة بدون آلهة أقل ارتباكاً... أي إله من هذه الآلهة أتَّخذُه الهي؟ وإذا اتخذت هذا الإله، ألا يغضب الإله الآخر؟ ولقد حدثني أحد كهنة زفس عن عولس الذي ضلت به سفينة، وكان في حاجة إلى "بوسيدون" إله البحر، ولكنه كان في خصومه معه، فقابل من المشقات ما قابل مدة عشرين سنة. ولم يستطع أن يعود إلى وطنه إلا بعد أن توسط بعض الآلهة بينه وبين "بوسيدون" إله البحر خصمه. إن أمر هذه الآلهة عجيب- إنهم يحتلون مكان السيادة ولكنهم يسلكون سلوك الصغار. ألا يكون من الأصلح أن أعود إلى وطني وأعيش هناك مع حقولي وأغنامي بعيداً عن الآلهة ومتاعب الآلهة؟
كنت أتحدث بهذه الكلمات عندما دعاني صديقي كاهن أوزيريس لننطلق إلى طيبة حيث هيكل الإله أوزيريس.
الإله أوزيريس
ووصلنا إلى طيبة... وقدمنا القرابين للإله العظيم... وفي المساء جلس الكاهن يحدثني عن "أوزيريس".
"لا يعرف الكاهن متى ابتدأ أوزيريس. انه ليس الإله الأصلي كما سبق أن ذكرت لك. إن الإله الأصلي غير منظور. لذلك عندما أقول لك إن إلهاً بدأ، عرفنا ببدايته، أقصد بداية تجليه أو تجسده. فقد يتجلّى في الحجر أو في الشجر أو في النهر أو في الحيوان أو في الحشرة أو في النجم أو في الكوكب... وبالطبع إذ يحل في هذه شيء من الله، نرى الله فيها فنعبدها. والذين يعرفون الحقيقة منا قليلون. أما الأكثرية فيعبدون نفس الأشياء. فنحن نعبد آلهة كثيرة بحسب الظاهر كما سبق أن قلت لك، ولكننا في الحق نعبد ذلك الإله غير المنظور "!!
- عدد الزيارات: 2804