الاصحاح الخامس
يحذّر يعقوب الأغنياء في الأعداد الستّة الأولى الذين يتّكلون على المال ويعبدونه، وهكذا يظلمون الذين يعملون ويتعبون عندهم. مع أن المال ليس شرّاً بل محبة المال والركض وراءه واللهث لأجل حياة الرخاء والرفاهية والتنعّم على حساب الآخرين هو الشرّ، كما يقول حزقيال "هذا كان إثم سدوم، الكبرياء والشبع من الخبز وسلام الاطمئنان كان لها ولم تشدّد يد الفقير والمســكين" (حز 49:16) واشعياء يصرخ قائلاً أنه حين تمتلىء البيوت ذهباً وفضة، تمتلئ أيضاً أوثاناً وشرّاً، فينخفض الانسان وينزل الى الحضيض (اش 7:2). ويؤكد يعقوب أن تعب السنين هو للباطل لأن هيئة العالم تزول وكلّ هذه الأشياء تنحلّ وتفنى وسيُعطي كلّ واحد عن نفسه حساباً، والمال هو ليس الا وديعة، سنعطي حساباً عمّا استعملناه لأجله..وينصح الكاتب بالتوبة والبكاء على الشقاوة القادمة لا محالة، لئلا نستفيق بعد غفوة عمر فلا نجد الا الصدأ شهادةً على حياةٍ قُضيَت في الجهل والغباوة، وليس ذلك فحسب بل سنقف أمام ديّان الأرض العادل.. وهنا يلمح الى أن حياة الترف والتنعّم في اللباس والطعام والمبيت لا بدّ الا أن تسبّب ظُلماً واستغلالاً للفقراء لذلك يقول:
"أن الله اختار المساكين وفقراء العالم للحياة الأبدية"
كما نقرأ في لوقا 25:16 "اذكر انك استوفيت خيراتك في حياتك وكذلك لعازر البلايا والآن هو يتعزّى وأنت تتعذّب". ونقرأ في عاموس 6 "ويل للمستريحين والمطمئنّين والمضطجعين والمتمدّدين "(أي غير المبالين)، هؤلاء يُسبون في أوّل المسبيّين". ثم يقول الرب "اني أكره عظمة أو تعظّم يعقوب"!.
هل نستخدم وقتنا ومجهودنا ومالنا لأجل الحياة الأبدية وإنقاذ النفـوس، أم لأجل ذواتنا وراحتنا حتى ولو كان على حساب الاخرين؟!، وهل نبكي الان ونتوب أم ننتظر البكاء والشقاوة القادمة وصرير الأسنان؟!، أَم نكون مثل لوط الذي خسر كل ما جمعه في لحظة وخلص كما بنار؟!، فلنكتف بما عندنا ونهتمّ بعمل الرب والأمور الأبدية. ثم نقرأ في رسالة يعقوب 4:5 ان صراخ المظلومين قد دخل الى أذني رب الجنود! فلنعلم أن أمور حياتنا وبيوتنا وأهدافنا هي مكشوفة أمام عيني الرب.
ينتقل الكاتب بعدها الى مجيء الرب ويشبّه المنتظرين مجيئه كالفلاح الذي ينتظر بصبرٍ شديد ثمر عمله متأنيّاً، فلنتأنّى ونثبّت قلوبنا لأن مجيء الرب قد اقترب ولنكن راسخين غير متزعزعين مُكثرين في عمل الرب كل حين عالمين أن تعبنا ليس باطلاً في الرب (1كو58:15)، ولا نئنّ بعضنا على بعض ونغار من المستريحين والمتنعمين لأن الديّان واقف على الباب وهو يسمع كل شيء، وفي لحظة سيفتح الباب ويُعلن النهاية وسيبغت الكثيرين.
لنبقَ واثقين بالرب دون أن نطرح ثقتنا لأن مجازاتنا عظيمة وليأخذ المتألمون الأنبياء خاصة أيوب مثالاً لهم في الصبر واحتمال المشقّات وهم مثال أيضاً لعاقبة الرب ومكافئته ومجازاته العادلة، أي أنهم لا يصبروا عبثاً ولن يخزوا بل سيفتقدهم الرب في الوقت المعيّن ويعوّض لهم عن السنين التي أكلها الجراد وعن الليالي التي قُضيت في الألم والبكاء والدموع والانسحاق وتعيير الجاهل.
وقد أثبت الرب في قصة ايوب مثلاً انه كثير الرحمة والرأفة وانه يجرح ويعصب وانه لا يُحزِن من قلبه لولا انه لمنفعتنا لكي نكون قريبين أكثر منه ولكي ينقذنا من الجهل، لأن مَن تألّم كفّ عن الخطية، ونتألّم معه لكي نتمجّد معه وأنه يتعامل معنا لكي نشترك في قداسته. وليكن كلام المؤمن نعن نعم ولا لا دون حلف او قسم بل حين يقول نعم يقصد نعم.
القسم الأخير من رسالة يعقوب يتطرّق الى موضوع الصلاة وذلك في الأعداد 13-18. والمشقّات هي علامة على أن المؤمن يحتاج أكثر الى الصلاة وكم من مرّات أهملنا الصلاة، فسمح الله بالمشقّات حتى تثقّلنا جداً فانكسرت قلوبنا وفاضت بالصلاة للرب، وعند استجابة الرب لنا، نفرح ونسبّح الرب... ثم يتحدّث عن حالة خاصة فيها يمرض المؤمن بسبب خطية ما او عصيان ثم يتوب عن خطيته فيعترف بخطئه فيشفيه الرب، ويحتاج الى الايمان والاستقامة والصدق لكي يلجأ الى الرب والرب سيشفيه. وإن أخطأ الى الجماعة فمرض ثم إتضّع، فليدع شيوخ الكنيـسة أي الرعاة أو المرشدين وهم الأخوة الناضجون الروحيون، ويعترف للرب أمامهم بخطيته فيصلّوا لأجله ومعه، والرب يشفيه وليس الزيت، لأنه لا يقول "بالزيت "بل بزيت" اي زيت عادي كوسيلة وخطوة ايمان يستخدمها الرب، ولا يدعونا لنعترف بأخطائنا لغيرنا بل نعترف بالأخطاء لمن أخطأنا اليه لأن الاعتراف لآخرين هو علامة الانكسار. ويدعونا الرب أيضاً لنصلي بعضنا لأجل بعض، ثم يقدّم الكاتب لنا ايليا النبي مثالاً في الصلاة الحقيقية، ويشجّعنا اذ يقول انه كان انساناً تحت الالام مثلنا فلم يكن من جبلة او خليقة أخرى بل مثلنا اجتاز التجارب المتنوعة والمعاملات الألهية وتعلّم أن لا يثق بنفسه بل يلتجيء الى الرب وأن يصلّي لأجل غيره دون أن يهدف الا الى مجد الرب. لذلك صلّى صلاة محدّدة وهادفة، فاستجاب الرب له.. فكل صلاة بايمان تقصد مجد الرب ومنفعة شعب الله لا بدّ أن يستجيب لها الرب. لنذكر ان الرب لم يقل لأيليا أطلب كذا وكذا بل ايليا ميّز ما يمجّد الرب فطلب فأخذ، ولم يصلّ هذه الصلاة الا بعدما اجتاز الدروس المؤلمة فاكتسب الحكمة التي هي من فوق والايمان الذي لا يرتاب والقلب الثابث والمنكسر.
ثم يختم الكاتب رسالته بحالة أخ ضلّ عن الجماعة فردّه آخر، فانه يخلّص ذلك الشخص من موت جسدي وتأديب الهي ويضع حداً لحياة مكوّنة من سلسلة من الخطايا والآثام والشرور، وذلك الضال لا يعرف كيف يرجع.
هل نعرف كيف نردّ ضالاً؟! لنرجع الى غلاطية 6 ونتعلّم ذلك. مكتوب عن الرب يسوع انه عرف كيف يغيث المعيي بكلمة واحدة (أش50: 4) أما بولس فاحتاج الى خمس كلمات! (1 كو14: 19)، لا يحتاج الأمر الى الكلام الطويل بل الى مَن يتكلّم بأقوال الله (1 بط 4: 11) والى مَن قد وقف أمام الرب (إر23: 18/ 22). ليتنا نتعلّم بنعمة الرب أن نختبر الايـمان العامل بالمحبة في حياتِنا لمجد الله.
طوبى لكم اذا عيروكم وطردوكم وقالوا عليكم كل كلمة شريرة من أجلي كاذبين افرحوا وتهللوا لأن اجركم عظيم في السموات فإنهم هكذا طردوا الانبياء قبلكم (متى 11:5 -12).
أحبوا أعداءكم باركوا لاعنيكم أحسنوا الى مبغضيكم وصلوا لأجل الذين يسيئون اليكم ويطردونكم لكي تكونوا ابناء ابيكم الذي في السموات (متى 5: 44)
- عدد الزيارات: 3655