Skip to main content

الاصحاح الثالث

تظهر الحكمة في ضبط اللسان وعدم إطلاق العنان لشهوة حبّ التكلّم، عالمين أن التعليم هو مسئولية، ومَن يتكلّم دون عمل وتطبيق ما تكلّم به، يتعرّض للإدانة وحكم الاخرين، فالشرط الأول للرجل الناضج والكامل المؤثّر في كلامه هو ضبط اللسان. لأن اللسان يعبّر عما في القلب "لأن من فضلة القلب يتكلّم اللسان". إمّا أن يكون اللسان متّصلاً بالنبع المالح والمُرّ اي الطبيعة الساقطة، فتُخرج كـلاماً هدّاماً ومُتعِباً ومُفسِداً، وإمّا ان يكون متّصلاً بالنبع الحلو والعذب فينشر الكلام المعزّي والبنّاء والمُشجّع والمُمجّد لله. ويشبَّه ضبط اللسان ب :

1- لجام الخيل : كل خيل بلا لجام، أيّ خرابٍ تسبّب؟!.

2- دفّة السفينة: كل سفينة بلا دفة وبلا مدير حكيم، أيّ هلاكٍ تسبّب؟!.

3- نار ووقود : كل نار لا تُستعمل بحكمة، أيّ ضررٍ تسبّب؟! واللسان كالنار التي تضرم الجسم ومَن حوله وكثيراً ما ينطق اللسان بأفكار جهنمية أثيمة تُفسِد سامعيها وتقضي على اجتماعات بأكملها.

4- طبع الوحوش: ماذا تفعل الوحوش غير المنضبطة؟! كم تكسر وتفتك؟! وكم من الضحايا تحطّمت بسبب كلام وحُكم قيل بجهلٍ.

يصل يعقوب الى الاستنتاج أنه لا يصلح يا أخوتي أن تكون هذه الأمور هكذا، بل لنحدّد لأنفسنا موقفاً، إمّا أن يعبّر لساننا عن الطبيعة الالهية، وإمّا أن يعبّر عن الطبيعة الساقطة. لنفكّر قليلاً كم مِن أضرار لا تُصلَح، يسبّبها اللسان لأن "الموت والحياة في يد اللسان" (أمثال 21:18). لنركض الى الرب طالبين قوّته لكي نضبط لساننا فلا يُخرِج الا بركة وبنيان وتشجيع للآخرين (أفسس 29:4)، ولنعترف منكسرين لأن ما يحرقه اللسان لا يُرَدّ، وكم مِن نفوسٍ عثرت وتركت طريق الايمان بسبب كلمة قلناها، وكم مِن نفوس لم تبت الليالي تبكي بسبب كلمات قاسية سمعتها من فم جاهل واثق بنفسه.

ثم نقرأ أن الحكيم ليس مَن يتكلّم كثيراً بل مَن يتصرّف حسناً ومَن يكون وديعاً، لأنه ما الفائدة من "الحكمة" المصبوغة بالكبرياء، ومعرفة كلمة الله دون وداعة وتواضع؟!، وما فائدة المعلومات الكتابية إن خلت من تصرّف حسن وموقف يمجّد الله!؟. يا للخدعة! يمكن للقلب البشري أن يفتخر بالمعرفة الكتابية والتعليم الألهي وهو يرعى أفكار غيرةٍ وتحزّبٍ، يسمّي الكاتب موقفاً كهذا "كذب على الحق" أي أن الحق بريءٌ من ذلك. أما المعرفة الكتابية الصحيحة التي يدعمها تصرف حكيم، فتمجّد الله وتهب بنـياناً وبـركة لكل مَن يحتكّ بنا. ليت الرب يكرمنا بحــكـمة التصرّف العملي.

وينصحنا يعقوب أن نميّز بين:

1- حكمة أرضيّة أي من الناس، وهي نفسانية أي تعطيك شعوراً حسناً، وشيطانية اي أن مصدرها الشيطان ونتيجتها الهدم والتجريح والتشويش وكل أمر رديء. ليرحمنا الرب ويحرّرنا من هذه "الحكمة" لأنها تبدو حكمة وهي عين الجهالة والحماقة والخداع، ولنصحُ ضد مكايد ابليس أي خبثه. ولا نكون حكماء في أعين أنفسنا.

2- حكمة من فوق أي ألهية، ونحصل على هذه الحكمة عندما نشعر بحاجتنا الماسّة اليها ونطلبها بايمان وعزم (ص5:1). وهذه الحكمة مُسالِمة لا تُخاصم، ومترفّقة أي لطيفة، ومُذعِنة اي مستعدّة للتنازل ولا تتصلّف، وهي مملوءة رحمة اي لا تقسو بل تشفق، ومملوءة أثمار صالحة أي تفيد الاخرين، وهي عديمة الريب والرياء أي خالية من الظنون الرديئة لأن "المحبة لا تظنّ السّوء".

وأخيرا يخبرنا الكاتب أن "ثمر البرّ يُزرَع في السلام"، فلكي تحصل على ثمر البرّ اي أعمال حسنة تمجّد الله، عليك أن تزرع البرّ في الهدوء، فتُلقَى كلمات الحكمة الألهية على مسامع إنسان مستعدّ ليسمع ويصغي مُهدّئاً نفسه.

 

  • عدد الزيارات: 4832