قيامة المسيح
الإنجيل حسب يوحنا 20
يجابه الإنسان الموت منذ ولادته. ما أكثر المخاطر التي تعترض سبيل الطفل المولود حديثاً وما أكثر الذين لا يرون عامهم الثاني! وحتى عندما ننجو من أمراض الطفولة نجابه الأخطار الكثيرة من أمراض وأوبئة وحوادث اصطدامات التي تودي بحياة الآلاف من بني البشر. زد على ذلك أخطار الحروب، الكبيرة منها والصغيرة، والتي فتكت ولا تزال تفتك بحياة البشر وكأنهم مخلوقات بدون قيمة أو أهمية!
ونظراً لانتشار الفلسفات الإلحادية في عالمنا صار العديدون من الناس يخالون بأن الموت هو سنة الوجود وأنه من الطبيعي أن تنتهي حياة الإنسان بالموت، إن عاجلاً أو آجلاً.
لكن الموت ليس من صلب طبيعة الإنسان والله لم يخلق الإنسان ليكون مهدداً بالموت في جميع أيام حياته. يعطينا الوحي الإلهي تعليماً هاماً للغاية في توراة موسى عن موضوع خليقة الإنسان. وقال الله: نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا فخلق الله الإنسان على صورته، على صورة الله خلقه، ذكراً وأنثى خلقهم.
ليس الموت أمراً ملازماً لتكوين الإنسان. الموت طارئ وفد على جسم البشرية نظراً لعصيان آدم وحواء على الله في فجر التاريخ. ولم يكتف الوحي الإلهي بالكلام عن الخليقة والسقوط في الخطية ودخول الموت إلى العالم. بشرنا الوحي الإلهي منذ فجر التاريخ بذلك العمل الإلهي الجبار والذي يدعى بالفداء والذي كان سيتممه مرسل الله أي مسيح الله في ملء الزمن. وهكذا يمكننا القول بأن جميع أسفار الوحي في أيام ما قبل الميلاد تمركزت في تلك النبوات التي نادت بقدوم المسيح للقيام بعمل خلاصي وفدائي حاسم لصالح البشرية المعذبة والساقطة في حمأة الشر والخطية. وفي الوقت المعين من الله جاء المسيح مولوداً من العذراء مريم وعلَّم الجموع وشفى المرضى وأقام الموتى. ولم يرحب به زعماء إسرائيل الدينيين ولا برسالته الخلاصية بل طلبوا من المستعمر الأجنبي بأن يعدم المسيح صلباً. ولم يبق السيد المسيح تحت سلطة الموت بل قام في اليوم الثالث، قام منتصراً على الموت والخطية والشيطان.
تشكل هذه الحقيقة التاريخية لب الإنجيل المقدس. فإن لم يكن المسيح قد قام من بين الأموات لما كان هناك نبأ سار أو خبر مفرح ننادي به في عالم الشقاء والعذاب. لندع الرسول يوحنا يخبرنا عن أولئك الذين واللواتي اكتشفوا حقيقة قيامة المسيح يسوع:
وفي اليوم الأول من الأسبوع، جاءت مريم المجدلية إلى القبر باكراً، والظلام ما زال باقياً فنظرت الحجر (أي الحجر الذي كان على باب القبر المنحوت الذي دفن فيه المسيح في يوم الجمعة) فنظرت الحجر مرفوعاً عن القبر! فركضت وجاءت إلى سمعان بطرس وإلى التلميذ الآخر الذي كان يسوع يحبه وقالت لهما: لقد أخذوا الرب من القبر ولا نعلم أين وضعوه.
ظنت مريم المجدلية بأن جسد المسيح كان قد أخذ ليوضع في قبر آخر ولم تتذكر كلمات المسيح التي كان قد تفوه بها عن صلبه وموته قيامته من بين الأموات. وما إن سمع التلميذان بهذا الخبر حتى أخذا بالركض متجهين نحو القبر. فسبق التلميذ الآخر بطرس وجاء إلى القبر أولاً وانحنى فنظر لفائف الكتان موضوعة هناك ولكنه لم يدخل. ثم جاء أيضاً سمعان بطرس يتبعه ودخل القبر ونظر لفائف الكتان موضوعة والمنديل الذي كان على رأسه غير موضوع مع لفائف الكتان بل ملفوفاً في موضع على حدته. فحينئذ دخل أيضاً التلميذ الآخر الذي جاء إلى القبر أولاً ورأى فآمن. فإنهما لم يكونا بعد يعرفان الكتاب أنه ينبغي أن يقوم من بين الأموات. ثم رجع التلميذان إلى بيتهما.
من الواضح ونحن نتأمل في كلمات الرسول يوحنا المدونة في الإنجيل أنه بالرغم من تعاليم المسيح عن موته وقيامته فإن تلاميذه وأتباعه لم يتوقعوا حدوث ذلك. وعندما مات المسيح على الصليب ظنوا بأن رسالته قد باءت بالفشل الذريع. لكنهم كانوا مخطئين وذلك لأنهم لم يعرفوا الكتاب أي كتاب الله المقدس الذي علَّم بأن المسيح المنتظر كان سيفد العالم ليموت عنا نحن البشر مكفراً عن خطايانا. ولم يبق تحت سلطة الموت بل قام في اليوم الثالث من بين الأموات.
ونظراً لاضطراب كل من بطرس ويوحنا فإنهما أهملا مريم المجدلية التي كانت قد عادت إلى القبر وكانت واقفة تبكي ظانة بأن جسد المسيح كان قد نقل إلى مكان مجهول. وفيما هي تبكي انحنت إلى القبر فرأت ملاكين بثياب بيض جالسين حيث كان جسد يسوع موضوعاً، أحدهما عند الرأس والآخر عند الرجلين. فقالا لها: يا امرأة، لماذا تبكين؟ قالت لهما: لأنهم أخذوا ربي ولا أعلم أين وضعوه! قالت هذا والتفتت إلى الوراء فرأت يسوع واقفاً ولم تعلم أنه يسوع. فقال لها يسوع: يا امرأة، لماذا تبكين؟ من تطلبين؟ فهي إذ ظنت أنه البستاني قالت: يا سيد إن كنت أنت قد حملته فقل لي أين وضعته وأنا آخذه. قال لها يسوع: يا مريم! فالتفتت وقالت له بالعبرانية: رابوني! ومعناه يا معلم! قال لها يسوع: لا تمسكي بي فإني لم أصعد بعد على الآب. لكن اذهبي إلى إخوتي وقولي لهم: أني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم. فجاءت مريم المجدلية وأخبرت التلاميذ قائلة: إني رأيت الرب وأنه قال لها هذا.
أناط المسيح يسوع الظافر بمريم المجدلية موضوع إخبار تلاميذه عن قيامته من بين الأموات. فقامت بواجبها ونشرت هذا الخبر المفرح. ولم يكتف المسيح بظهوره لمريم بل ظهر أيضاً في مساء يوم الأحد لأكثرية تلاميذه. كتب الرسول يوحنا كشاهد عيان قائلاً:
وفي مساء ذلك اليوم وهو اليوم الأول في الأسبوع، جاء يسوع، والأبواب حيث كان التلاميذ مغلقة خوفاً من اليهود، ووقف في الوسط وقال لهم: السلام لكم! ولما قال هذا أراهم يديه وجنبه. ففرح التلاميذ إذ رأوا الرب. فقال لهم يسوع ثانية: السلام لكم! كما أن الآب أرسلني كذلك أرسلكم أنا. ولما قال هذا نفخ فيهم وقال لهم: اقبلوا الروح القدس، فمن غفرتم خطاياهم تغفر لهم ومن أمسكتم خطاياهم أمسكت.
لم يتوقع تلاميذ المسيح قيامته من بين الأموات. وكانوا في خوف عظيم من اليهود وكانت جميع أحلامهم قد تبددت وظهر لهم المستقبل وكأنه بدون أي رجاء. فظهر لهم المسيح وبدد شكوكهم وأمرهم بالذهاب إلى العالم للمناداة بخبر الإنجيل المفرح!
لكن تلميذاً واحداً لم يكن حاضراً في مساء أحد القيامة وكان اسمه توما. فلم يكن معهم حين جاء يسوع. فقال له التلاميذ الآخرون: لقد رأينا الرب. أما هو فقال لهم: إن لم أر أثر المسامير في يديه وأضع إصبعي في موضع المسامير وأضع يدي في جنبه فلن أؤمن. وبعد ثمانية أيام كان تلاميذه أيضاً في الداخل ومعهم توما فجاء يسوع والأبواب مغلقة ووقف في الوسط وقال: السلام لكم! ثم قال لتوما: هات إصبعك إلى هنا وأبصر يديَّ وهات يدك وضعها في جنبي ولا تكن غير مؤمن بل مؤمناً. أجاب توما وقال له: ربي وإلهي! قال له يسوع: لأنك رأيتني يا توما آمنت؟ طوبى للذين يؤمنون ولم يروا.
قيامة المسيح من بين الأموات هي حجر الزاوية في نظام الإيمان الكتابي. فجميع ما قام به المسيح يسوع أثناء حياته على الأرض من تعاليم ومعجزات صادق عليها الله الآب عندما أقام المسيح يسوع من بين الأموات. وهكذا نواجه الحياة بدون خوف أو وجل. يتبعنا الموت عدونا اللدود في جميع أيام حياتنا، ولن يظفر بنا هذا الخصم لا لأننا سنقوم بمحاولات هرقلية للتغلب علي بل لأننا وضعنا ثقتنا في يسوع المسيح المنتصر على الموت على الموت والجالس عن يمين عرش العظمة. يشفع بنا فادينا ليلاً ونهاراً. ومن آمن بالمسيح الذي قام من بين الأموات ينظر إلى المستقبل بمنظور واقعي وانتصاري. ومهما كثرت متاعب الحياة ومهما اضطرب جوها يبقى النصر حليف المؤمن لأن المسيح وعد بألا يسمح له بأن يكون من الخاسرين.
سرد لنا يوحنا الحوادث التاريخية المختصة بمحاكمة المسيح وصلبه وقيامته لا لمجرد إنماء معرفتنا بالتاريخ القديم بل ليساعدنا على اتخاذ أهم قرار في حياتنا أي الإيمان بيسوع المسيح كما كشف عن ذاته في الكتاب. فقد وردت في نهاية الفصل العشرين من الإنجيل هذه الكلمات:
وقد صنع يسوع آيات أخرى كثيرة أمام التلاميذ لم تدون في هذا الكتاب. وأما هذه فقد دونت لتؤمنوا أن يسوع هو المسيح ابن الله ولكي يكون لكم –إذا آمنتم- الحياة باسمه.
لقد أثرت الفلسفات الإلحادية المعاصرة على الكثيرين من البشر وخاصة في موقفهم من موضوع الحياة والموت. والذين رفضوا مسبقاً عقيدة الله الخالق جعلوا من الموت عاملاً تكوينياً في طبيعة الإنسان. وبكلمة أخرى لسان حالهم أن الإنسان وجد ليموت. لكننا إذا تحررنا من عبودية الإلحاد المعاصر وأصغينا إلى الوحي الإلهي تأكدنا من هذه الحقيقة الناصعة بأن الموت لم يكن جزءاً من تكويننا البشري بل ولج إلى جسم البشرية بسبب عصيان آدم على الله في فجر التاريخ. ولم يسمح الله لتاج الخليقة بأن يصبح فريسة لليأس والقنوط وللموت الأكيد بل عمل لنا خلاصاً عظيماً في حياة وموت وقيامة المسيح. ومع كثرة المخاطر التي تهدد حياتنا في السنين الأخيرة من القرن العشرين وبالرغم من تفنن الإنسان المعاصر في مقدرته على الفتك بأقرانه البشر إلا أن المؤمن ينضم إلى الرسول بولس ويشهد قائلاً:
فإني لموقن أنه لا موت ولا حياة ولا ملائكة ولا رئاسات ولا أمور حاضرة ولا مستقبلة ولا قوات ولا علو ولا عمق ولا خليقة أخرى تقدر أن تفصلنا عن محبة الله التي في المسيح يسوع ربنا. آمين.
- عدد الزيارات: 7330