Skip to main content

هوامش الفصل الأول

(1) يوشيا هو الملك رقم 16 في ترتيب ملوك مملكة يهوذا، والتي ضمت سبطي يهوذا وبنيامين، وكان مركزها أورشليم، وظلت مملكة يهوذا مدة 400 سنة حكمها عشرون ملكاً، وانتهت بقضاء الكلدانيين عليها وتخريب أورشليم، بقيادة نبوخذ نصر سنة 588 ق.م.

واسم يوشيا معناه "الله يشفي"، وقد تحقق فعلاً لملكة يهوذا شفاء لحالتها العامة، ولكنه كان شفاء مؤقتاً، إذ بعد موت يوشيا عادت الملكة إلى الشرور والخطايا السالفة، والتي أسرعت بوقوع القضاء عليها. وقد ملك يوشيا 31 سنة على أورشليم، تبوأ العرش وعمره 8 سنوات أي استمر من سنة 638 ق.م إلى 608 ق.م، واسم أمه يديدة بنت عداية من بصقة ("ويديدة" معناها "محبوبة"، وهي زوجة أمون وأم يوشيا، "وعداية" معناه "من زينة الله" وهو أبو يديدة) أما "بصقة" فمعناها "مرتفع" أو "أرض صخرية" وهي مكان في سهول اليهودية في أقصى الجنوب، بالقرب من مدينة "لخيش" وكانت هذه المدن من نصيب سبط يهوذا عند تقسيم الأرض أيام يشوع (يش15: 39). وكان حلقيا الكاهن العظيم مرشداً له في أمور المملكة بحسب الشريعة.

قام يوشيا- مع حداثة سنه- بنهضة إصلاحية جبارة، قضى بها تماماً على الوثنية، وامتد تأثير الإصلاح حتى إلى المملكة الشمالية أي إسرائيل، وأنهض قلب الشعب لعبادة الرب وحده. ثم قام بترميم الهيكل، وفي أثناء ذلك اكتشف حلقيا الكاهن العظيم سفر الشريعة في بيت الرب. والمخطوطة التي وجدت كانت من سفر التثنية، وكانت محفوظة في الهيكل بعناية إلهية- فإن كان الهيكل قد تدنس إلا أن الرب أبقى كلمته المكتوبة بعيداً عن التلف أو الفقدان، لتحفظها أيدي أمينة وضمائر يقظة وقلوب كاملة أمامه. وتعهد الملك والشعب أن يسيروا حسب شريعة الرب. كما أكدت خلدة النبية صحة ما جاء في السفر بقضاء الرب على يهوذا.

وفي سنة 809 ق.م حشد فرعون جيشاً لاحتلال الفرات، واحتل غزة وعسقلان وبعض المدن الفلسطينية، ومع انه حذر يوشيا، ولكن يوشيا لم يسمع لكلام الرب، فقتله الرماة، وضمه الرب من وجه الشر، وناح عليه كل الشعب، ورثاه أرميا (2أي35: 25). وفي المدة الأخيرة من ملكه تنبأ أرميا وصفينا.

(2) حزقيا: هو الملك 13 من سلسلة ملوك يهوذا ومعنى اسمه "الرب قوة"، وقيل أنه ملك سنة 726 ق.م. وهناك أوجه تشابه قوية بين حزقيا ويوشيا، فهما من أكثر ملوك يهوذا تقوى ومخافة للرب، واتبعاه من كل القلب، وكل منهما كان مصلحاً ثائراً وعظيماً بين شعبه وفي مملكته (2مل 18- 20، 2أي 29- 32). ولا شك أن هناك كثيراً من الفوائد الأدبية والتعليمية في دراسة هاتين الشخصيتين، باعتبارهما أواني أعدها الرب لخدمته، وكذلك في تتبع أعمالهما الإصلاحية والنهوضية في المملكة.

(3) البعل (وجمعه البعليم): ومعناه رب أو سيد، وهو إله كنعاني، ورد ذكره في الكتاب المقدس حوالي 25 مرة. وغالباً ما ارتبط اسمه بالإلهة عشتورث (ومعناها القمر) باعتباره زوجها (ومن معاني البعل أنه الشمس). ومن المرجح أن تكون عشتورث هي السارية (كما جاء في الملاحظة- التي أوردها أحد شراح الكتاب- داربي في خر34: 13، تك38: 21). ونجد هذا الارتباط بين البعل والسارية في (قض6: 25، 1مل18: 19، 2مل21: 3). وفي أيام آخاب ملك إسرائيل كان عدد أنبياء البعل 450، وأنبياء السواري 400، وكانوا جميعهم يأكلون على مائدة إيزابل زوجة آخاب. وذكر عن عشتورث أنها إلهة الصيدونيين (1مل11: 33).

وكانت طقوس عبادة البعل ممتزجة بتقديم ذبائح بشرية (أر19: 5). ويقال أنهم كانوا يختارون الأماكن المرتفعة مثل الجبال والتلال ذات المناظر الخلابة ويكرسونها لإقامة تمثال البعل فيها.

وكانت الأمم القديمة (خاصة في الشرق) تعبد البعل بأسماء تبدأ باسم البعل وتنتهي بأسماء البلاد أو المدن الموجود فيها التمثال. فمثلاً:

بعل فغور: وهو أله (الشمس) عند المآبيين، وقد سقط بنو إسرائيل في شباك عبادته المرتبطة بالزنا (عد25: 3). وانظر (تث4: 3، يش22: 17، مز106: 28).

بعل بريث: وكان معبود أهل شكيم. (انظر حالة جدعون وأيامه في قض8: 33).

بعل زبوب: وكان معبود الفلسطينيين، أو إله عقرون، ومعنى اسمه إله الذباب، وقد تحول إسرائيل إلى عبادته، انظر حالة أخزيا ملك إسرائيل (2مل1: 2- 16) إذ كان معتبراً أنه إله الطب. وفي العهد الجديد كان اليهود قد غيروا اسمه من بعل زبوب إلى بعلزبول (مت10: 25، 12: 24 و27، مر3: 22، لو11: 15 و18 و19). ومعناه بعل الأقذار لأنهم كانوا يحتقرون آلهة الوثنيين. وقد دعا الفريسيون بعلزبول رئيس الشياطين، ظناً منهم أنه بعل المساكن، وهو رئيس الأرواح النجسة التي تدخل بعض الناس وتسبب الجنون (مت12: 24).

(4) الشمس: كان معبود البابليين والآشوريين، ودعوه "شمس"، وهو المعروف باسم البعل عند الكنعانيين- كما ذكرنا- وعبده المصريون باسم "رع". وقد أدخل هذه العبادة منسى الملك على غرار عبادتها في آشور، فبنى مذابح للبعل وتمثال للسارية في بيت الرب (2مل21: 3 و5- 7)، كما دشن- هو وآمون- خيلاً وعجلات للشمس وأحرقوا لها بخوراً على السطوح (2مل23: 4-6).

(5) القمر: وكان البابليون والآشوريون يسمونه "سن" أي إله القمر، وكان له معبد بشكل هرم في مدينة أور. وقد أدخلوه في أسماء الأشخاص مثل اسم سنحاريب ومعناه "سن كثر الأخوان". ويرى البعض أن جبل سيناء مأخوذ من اسم سن، وأنها كانت مقراً لعبادة القمر (كما تروى بعض القصص). وقدم العبرانيون للقمر البخور (2مل23: 5)، كما عبدوه (أر8: 2). ويسمى أحياناً عشتورث أو السارية- كما ذكرنا آنفاً.

(6) المنازل: ويأتي معناها في الكتاب المشوهد- منازل القمر أو الأبراج الاثنى عشر. (2مل23: 5) ونشأت عبادة النجوم عند الكلدانيين، هناك حيث ازدهرت العلوم الفلكية، وظهر فيها أيضاً التنجيم والزعم برجم الغيب. وعبد إسرائيل- من بين الآلهة الأخرى التي عبدها- النجوم وغيرها من جند السماء، التي سبق الرب وحذر من عبادتها (تث4: 19)- اقرأ (2مل17: 16، 21: 5، 23: 5).

(7) أجناد السماء: وقد أقام منسى وآمون لها مذابح داخل بيت الرب (انظر هامش4). وقد حمل بنو إسرائيل هذه العبادة من مصر، ومع كون النعمة أخرجتهم من أرض مصر إلا أنهم حملوا معهم خيمة مولوك وتمثال رمفان (وهو أحد آلهة أجناد السماء)، وعبدوه في البرية مدة الأربعين سنة. وهذا ما يذكره عاموس في (5: 6) "هل قدمتم لي ذبائح وتقدمات في البرية أربعين سنة يا بيت إسرائيل، بل حملتم خيمة ملكومكم (أي ملكوم أو مولوك ويظن البعض أنها ملككم). وتمثال أصنامكم chiun your images نجم إلهكم الذي صنعتم لأنفسكم". وتقرأ في السبعينية "ونجم إلهكم رمفان" (أع7: 43). ويظن البعض أن هناك تماثيل لهذا الإله كانت تحفظ في صناديق وتنقل من مكان لآخر.

(8) عشتورث: انظر هامش 3، 5- وهي إلهة القمر (1مل11: 5). وتسمت باسم ملكة السموات، ويظن أنهم كانوا يقدمون لها كعكات مطبوعاً عليها صورة القمر (أر7: 18، 44: 15- 30).

(9) كموش: إله الموآبيين والعمونيين، وقدسوا به امة كموش (عد21: 29) وشعب كموش (أر48: 46). وأدخل سليمان هذه العبادة إلى أورشليم (1مل11: 7)، ولكن يوشيا أبطلها (2مل23: 13). وكانت طريقة عبادته تشبه عبادة مولك في تقديم الأولاد ذبائح له (2مل3: 27). وبمقارنة (قض11: 24، 1مل11: 5) نرى أن كموش كان يتصل بملكوم بصلة وثيقة. وعرفت تلك العبادة من حجر موآب الذي اكتشف 1868م، ومكتوب عليه تاريخ موآب أيام ميشع ملك موآب وانتصاره على إسرائيل- بعد موت آخاب- ويعزى في هذه الكتابة انتصار موآب إلى كموش ألهها.

(10): هو رجس العمونيين ومعناه ملكهم (صف1: 5)، ويشبه الإله مولوك. أما مولوك فهو إله النار وكانت عبادته ترتبط بالقسوة والفظاظة، فقد كان صنمه من نحاس جالساً على عرش من نحاس وكان له رأس عجل عليه إكليل. وكان العرش والصنم مجوفين وكانوا يشعلون في التجويف ناراً حامية جداً حتى إذا بلغت الحرارة الذراعين إلى الحمرة وضعوا عليهما الذبيحة فاحترقت عاجلاً. وفي أثناء ذلك كانوا يدقون الطبول لمنع سماع صراخها. ومارس بنو إسرائيل عبادتها في وادي بني هنوم (2مل23: 10) وفي أماكن أخرى (حز20: 26). وربما كانت لفظة الملك (1ش30: 33) إذ يقال "لأن تفتة مرتبة منذ الأمس مهيأة هي أيضاً للملك" تشير من بين ما تشير إليه- إلى مولك وعبادته، وبالطبع لا نغفل الجانب النبوي المستقبلي في هذه الآية، إذ يلقى ضد المسيح في بحيرة النار.

(11) "أيها الأولاد احفظوا أنفسكم من الأصنام" (1يو5: 21). "فأميتوا أعضاءكم التي على الأرض الزنا النجاسة.. الطمع الذي هو عبادة الأوثان" (كو3: 5). "إن كل زان أو نجس أو طماع الذي هو عابد للوثن ليس له ميراث في ملكوت المسيح والله" (أف5: 5)، (1كو5: 9- 11).

(12) قيل عن موسى أنه تهذب بكل حكمة المصريين (أع7: 22) ولكن هذه الحكمة لم تؤهله لخدمة سيده. انظر (1كو1: 17- 31).

(13) العبادة الطقسية لا تتفق مع المسيحية التي تحوي إعلان الله الكامل للحق. فالطقوس كانت تتمشى مع العبادة اليهودية قديماً بحسب الناموس- الذي أعطاه الله لإسرائيل على جبل سيناء-، ونجدها مدونة بأكثر تفصيلاً في سفري الخروج واللاويين. وكان لا بد من وجود المكان الذي تقدم فيه العبادة وهو أورشليم، ويلزم وجود كهنة لتقديم ذبائح دموية على المذبح النحاسي، ولتقديم البخور على مذبح البخور في الصباح والمساء. وكان هناك رئيس الكهنة الذي يدخل مرة واحدة في السنة إلى الأقداس في يوم عيد الكفارة. كما كانت هناك الأعياد اليهودية السبعة بطقوسها وفرائضها الخاصة، وهناك أيضاً التصميم الهندسي للهيكل بمحتوياته ومساحته إلخ..

ولكن لا نجد في أسفار العهد الجديد أية إشارة إلى هذه الشروط الطقسية، سواء أكان مكاناً، أو كهنة خصوصيين، أو مذابح، أو بخور، أو هيكل، أو رئيس كهنة أرضي، أو ذبائح دموية أو غير دموية.. لقد صارت العبادة المسيحية بالروح القدس والحق الكامل. أما مكانها فحيثما يجتمع اثنان أو ثلاثة إلى اسم الرب، إذ أصبحت العبادة في الأقداس السماوية، وحلت ذبائح التسبيح والشكر والخدمة والعطاء والطاعة بدلاً من الذبائح الطقسية- التي تحقق معناها في الصليب.

فإن كان الناموس (الأدبي أو الطقسي) بمثابة الظلال بالنسبة لجسم الحقيقة نفسه (الذي هو المسيح)، أو باعتباره شبه السماويات بالنسبة للسماويات عينها التي دخلها المسيح كرئيس كهنة- بعد أن قدم كفارة عن خطايانا- وجلس هناك في حالة المجد لأجلنا.

إذا فكيف تصبح العبادة المسيحية على النظام الطقسي الذي ينتمي إلى مبدأ الناموس أو اليهودية؟ إن العودة إلى الطقوس هو ارتداد إلى التهود مرة أخرى. وهذا ما حدث مع بعض المسيحيين الغلاطيين أو العبرانيين..

وللأسف فإن الطقوس قد دخلت إلى المسيحية بعد موت الرسل، ونمت وتطورت شيئاً فشيئاً حتى صارت كياناً طقسياً هائلاً ممتداً في جسم المسيحية. ومنذ تاريخ الإصلاح ظهرت اتجاهات مضادة كثيرة للمبادئ والتعاليم الطقسية التي تنتمي للتقاليد، فهي محاولات كثيرة لإعادة المسيحيين إلى الكتاب المقدس. وإن كان يجب ألا ننكر أن الله حفظ لنا تعاليم أساسية جداً في المسيحية بواسطة الكنائس التقليدية، وحفظ لنا الكتاب المقدس في الأديرة والكنائس القديمة.

غير أننا لا نجد أثراً للعبادة الطقسية في التعليم المسيحي المدون في الرسائل. بل على العكس نجد التحذير من العودة إلى الطقوس: "وأما الآن إذ عرفتم الله بل بالحري عرفتم من الله فكيف ترجعون أيضاً إلى الأركان الضعيفة الفقيرة التي تريدون أن تستعبدوا لها من جديد أتحفظون أياماً وشهوراً وسنين. أخاف عليكم أن أكون قد تعبت فيكم عبثاً" (غل4: 9- 11). "فلا يحكم عليكم أحد في أكل أو شرب أو من جهة عيد أو هلال أو سبت التي هي ظل الأمور العتيدة. وأما الجسد فللمسيح" (كو2: 16 و17).

ثم أنه مهما اتخذت الطقوس من مسميات مسيحية، فهي غريبة على الحق المسيحي، ولا تتناسب مطلقاً مع مؤمن مسيحي مختوم بالروح القدس، لأن:

(1)العبادة الطقسية هي عبادة أولاد لله[1] لكنهم أولاد قاصرون في الإدراك. بسبب عدم بلوغهم إلى معرفة الحق المسيحي الكامل "لما كنا قاصرين كنا مستعبدين تحت أركان العالم" (غل4: 3). أما العبادة المسيحية فتتولد عن نشاط الروح القدس في قلب مؤمن أدرك الحقائق المسيحية.

(2) العبادة الطقسية ترتبط بإنسان يحيا في العالم، فقيل عن القدس الذي في الهيكل القديم أنه "القدس العالمي" (عب9: 1)- أما المسيحي الحقيقي فهو في نظر الله قد "مات مع المسيح"، فلم يعد حياً ولكن يحسب نفسه ميتاً مع المسيح ومقامه معه، ويقول الرسول "إذا أن كنتم قد متم مع المسيح عن أركان العالم فلماذا تفرض عليكم فرائض. لا تمس ولا تذق ولا تجس. التي هي جميعها للفناء في الاستعمال حسب وصايا وتعاليم الناس. التي لها حكاية حكمة بعبادة نافلة (أي الأعمال النسكية) ليس بقيمة ما من جهة إشباع البشرية (أي لا قيمة لها في ضبط أهواء الجسد) (كو2: 20- 23).

(3) العبادة الطقسية ترتبط بالمنظور من مباني فخمة وبخور وملابس كهنة وشمامسة وأعياد ورتب كهنوتية وموسيقى تشنف الآذان. أمور تشبع الحس الطبيعي ويرتاح إليها الجسد، أما العبادة الروحية فتستبعد الجسد من مشهد السجود ولا يبقى إلا الحق الكامل المعلن، والروح القدس الذي يكشف الحق ويمنح قوة السجود.

(4) العبادة الطقسية لها قائد منظور أو هيئة قيادة لإقامة العبادة، أما العبادة المسيحية فقائدها غير منظور- المسيح- ولكنه حاضر حضوراً فعلياً، يقود الجماعة في التسبيح والسجود، ويقدم طعاماً لشعبه بحسب أعوازه.


(1) هذا بافتراض أن الذين يمارسون العبادة الطقسية بإخلاص ورغبة صادقة نالوا "الميلاد الثاني" وتمتعوا بالخلاص كعطية النعمة بالإيمان.

  • عدد الزيارات: 4682