Skip to main content

الفصل الخامس: حقيقة وحدة الجسد

نشعر أنه من الأهمية بمكان أن ننبر على هذا المبدأ وهو أن الأساس الوحيد الذي نبني عليه تصديقنا لأي تعليم هو إعلان هذا التعليم في الكلمة الإلهية. إننا لا نعرف شيئاً ولا نصدق شيئاً من كل ما هو روحي أو سماوي أو إلهي إلا عندما نجده معلناً في كلمة الله. كيف أعرف أني خاطئ؟ لأن الوحي قد أوضح أن "الكل أخطأوا". لا شك أنني أشعر بأني خاطئ ولكني لا أصدق لأني أشعر بل أصدق لأن الله قد تكلم والإيمان يرتكز على الإعلان الإلهي لا على المشاعر الإنسانية أو الحجج البشرية. إن كلمة "مكتوب" فيها كل الكفاية للإيمان، والإيمان لا يكتفي بأقل من ذلك وفي الوقت نفسه لا يتطلب أكثر منه. الله يتكلم والإيمان يصدق. الإيمان لا يحكم على كلمة الله بواسطة المظاهر الخارجية، ولكنه يحكم على هذه المظاهر بواسطة كلمة الله. وهكذا الحال أيضاً بالنسبة لكل الحقائق الأساسية في الديانة المسيحية مثل التثليث ولاهوت ربنا يسوع المسيح وكفارته وكهنوته وصعوده وتعليم الخطية الأصلية والتبرير والدينونة العتيدة، نصدق هذه الحقائق العظمى والخطيرة ليس على أساس شعورنا أو تدليلنا أو على المظاهر الخارجية بل على مجرد أساس الإعلانات الإلهية.

وربما يسأل سائل: على أي أساس نصدق تعليم وحدة الجسد؟ فجوابنا الوحيد: على نفس الأساس الذي يقوم عليه تصديقنا لتعليم التثليث ولاهوت المسيح والكفارة. إننا نصدق التعاليم الخاصة بوحدة الجسد لأنها معلنة في مواضع متعددة في العهد الجديد فمثلاً في (1كو12) نقرأ "لأنه كما أن الجسد هو واحد وله أعضاء كثيرة وكل أعضاء الجسد الواحد إذا كانت كثيرة هي جسد واحد كذلك المسيح أيضاً لأننا جميعنا بروح واحد أيضاً اعتمدنا إلى جسد واحد يهوداً كنا أم يونانيين عبيداً أم أحراراً وجميعنا سقينا روحاً واحداً" ثم "الله مزج الجسد معطياً الناقص كرامة أفضل لكي لا يكون انشقاق في الجسد... وأما أنتم فجسد المسيح وأعضاؤه أفراداً".

هذه هي الوحدة الكاملة غير القابلة للتجزئة- الوحدة التي لكنيسة الله جسد المسيح، ونقول بحق أننا إن وجدنا شكاً في مسألة اعتقادنا الراسخ في ألوهية ربنا يسوع المسيح نجد شكاً في اعتقادنا بوحدة الجسد. لأن المسألة واحدة وصحيحة بمقدار صحة الأخرى، وكلتاهما حقيقتان إلهيتان لأنهما معلنتان بإعلان إلهي. نحن نؤمن أن المسيح يسوع ربنا كائن فوق الكل إلهاً مباركاً إلى الأبد. لأن الوحي يخبرنا هكذا ولا جدال في ذلك، نصدق ونخشع أمام هذا كذلك لا ينبغي أن نجادل في الحق المتعلق بوحدة الجسد "جسد واحد وروح واحد".

وليس حق وحدة الجسد مجرد شيء معنوي أو خيالي أو نظرية ضعيفة بل هو حق عملي أولي فعال، ونحن مدعوون أن نسير وأن نحكم على أنفسنا وعلى كل ما حولنا في نوره. هكذا كان الحال مع الأمناء في إسرائيل قديماً. وحدة الشعب كانت في نظرهم أمراً حقيقياً وليست مجرد نظرية يتمسكون بها أو يطرحونها جانباً كيفما أرادوا. إنها كانت حقاً أولياً قوياً وعظيماً. الأمة كانت واحدة في أفكار الله حتى وإن لم يكن الأمر بحسب الظاهر هكذا، فالمؤمنون كان عليهم فقط أن يأخذوا مكان فحص النفس وانكسار الروح وتذلل القلب. لاحظ حالة حزقيا ويوشيا ودانيال ونحميا وعزرا، لم يحدث مرة لهؤلاء الرجال الأمناء أنهم طرحوا جانباً حقيقة وحدة شعب إسرائيل بسبب فشل إسرائيل في الاحتفاظ بهذه الوحدة، لم يقيسوا حق الله بتصرفات الناس بل حكموا على تصرفات الناس وتصرفاتهم هم أيضاً بواسطة حق الله. هذه كانت الطريقة الصحيحة الوحيدة للتصرف، وإذا كانت وحدة إسرائيل المعلنة تلوثت بواسطة خطية الإنسان وغباوته، فإن أفراد الجماعة المستقيمي القلوب عرفوها وحزنوا عليها واعترفوا بها كخطيتهم الخاصة ونظروا إلى الله، وليس ذلك الكل بل شعروا بمسئوليتهم أن يعملوا على أساس حق الله مهما تكن الحالة الخارجية.

ونكرر القول بأن هذا هو المعنى المستفاد من مذبح إيليا المكون من اثنى عشر حجراً والمقام في مواجهة أنبياء إيزابل الثمانماية الكذبة ورغماً عن انقسام الأمة في نظر الإنسان (1مل18). وهذا أيضاً كان المعنى من رسائل حزقيا التي أرسلها "لكل إسرائيل" إذ دعاهم لأن "يأتوا إلى بيت الرب في أورشليم ليحفظوا الفصح أمام الرب إله إسرائيل" ولا شيء له تأثير أقوى من روح ولهجة هذه الخطابات: "يا بني إسرائيل ارجعوا إلى الرب إله إبراهيم واسحق وإسرائيل فيرجع إلى الناجين الباقين لكم من يد ملوك آشور ولا تكونوا كآبائكم وكأخوتكم الذين خانوا الرب إله آبائهم فجعلهم دهشة كما أنتم ترون الآن لا تصلبوا رقابكم كآبائكن بل اخضعوا للرب وادخلوا مقدسه الذي قدسه للأبد فيرتد عنكم حمو غضبه لأنه برجوعكم إلى الرب يجد إخوتكم وبنوكم رحمة أمام الذين يسبونهم فيرجعون إلى هذه الأرض لأن الرب إلهكم حنان ورحيم ولا يحول وجهه عنكم إذا رجعتم إليه" (2أي30: 6-9).

وما كان كل هذا إلا إيماناً بسيطاً عاملاً على أساس الحق العظيم الأبدي غير المتغير- حق وحدة شعب إسرائيل. ونظر حزقيا إلى هذا الموضوع من وجهة المقاصد الإلهية وهذا ما يفعله الإيمان دائماً. "فكان السعاة يعبرون من مدينة إلى مدينة في أرض أفرايم ومنسى حتى زبولون فكانوا يضحكون عليهم ويهزأون بهم". هذا أمر محزن جداً ولكنه أقل ما يجب أن ننتظره لأن تصرفات الإيمان لا بد أن تستدعي الهزء والاحتقار من أولئك الذين لم يبلغوا إلى مستوى أفكار الله. لا شك أن رجال أفرايم ومنسى اعتبروا رسالة حزقيا نوعاً من الادعاء أو التهور الممقوت، وربما كان الحق العامل في نفسه بشدة خرافة في نظرهم أو على الأكثر نظرية بالية، شيئاً قديماً، إحياء لمبادئ لا مجال لتطبيقها في الحاضر لكن الإيمان لا يمكن أن يتأثر بأقوال الناس ولذلك استمر حزقيا في عمله والله أكرمه وباركه. رضي أن يكون أضحوكة وسخرية وفي نفس الوقت رأى عديدين من أشير ومنسى وزبولون يتضعون ويأتون إلى أورشليم. حزقيا وكل الذين اتضعوا تحت يد الله القوية حصدوا ثمار بركات غنية بينما الساخرون والمحتقرون تركوا في القحط والموت نتيجة لعدم إيمانهم.

وليلاحظ القارئ قوة كلمات حزقيا هذه "لأنه برجوعكم إلى الله يجد أخوتكم وبنوكم رحمة أمام الذين يسبونهم". ألا يقرب هذا جداً من الحق الثمين لأزمنة العهد الجديد؟ إننا أعضاء الواحد للآخر وإن تصرف العضو الواحد يؤثر على البقية؟ قد يثير عدم الإيمان النزاع عن كيفية تأثير تصرفات الواحد على الآخرين البعيدين ولكن هكذا كان في إسرائيل وهكذا هو الآن في كنيسة الله. لاحظ حالة عاخان في سفر يشوع الإصحاح السابع فهناك إنسان واحد أخطأ وعلى قدر ما تخبرنا القصة أن كل الجماعة كانت تجهل هذه المسألة ومع ذلك نقرأ أن "بني إسرائيل عملوا خيانة في الحرام" ثم "إسرائيل قد أخطأ" كيف يمكن أن يكون هذا؟ ذلك لأن الأمة كانت واحداً والله سكن بينهم. هذا كان أساس المسئولية المزدوجة وهي المسئولية أمام الله والمسئولية أمام كل الجماعة إجمالاً وكل عضو منها فردياً.

كان من المستحيل على كل عضو من الجماعة أن يزحزح هذه المسئولية المقدسة. الشخص الذي يعيش في دان يشعر أنه مدفوع للسؤال عن كيف أن تصرفه يمكن أن يؤثر على إنسان يسكن في بئر سبع.

نحن لا نحاول أن نذكر النصوص العديدة التي تتكلم عن حضور الله في جماعة إسرائيل- سكناه في وسطهم، لكننا نود أن نستلفت نظر القارئ إلى الحقيقة الكلية الأهمية أن تلك النصوص تبدأ من الإصحاح الخامس عشر من سفر الخروج وذلك كان عندما وقف إسرائيل كشعب على جانب كنعان من جهة البحر الأحمر حتى استطاعوا أن يقولوا "الرب قوتي ونشيدي وقد صار خلاصي هذا إلهي فأمجده وأنا سأهيئ له[1]مسكناً". الفداء وضع الأساس لسكنى الله وسط شعبه، وحضوره في وسطهم حفظ وحدتهم التامة، لهذا لم يستطع أحد من الجماعة أن يعتبر نفسه جزءاً منفصلاً ومستقلاً عنها، كل واحد كان مطالباً أن يعتبر نفسه جزءاً من كل، وأن يلاحظ تصرفه بالنسبة لكل أولئك الذين كانوا يكونون، مثله، جزءاً من ذلك الكل.

العقل البشري لا يستطيع مطلقاً أن يمسك بحق كهذا لأنه حق يقع بكليته وراء دائرة أقوى العقول البشرية. ولكن الإيمان وحده هو الذي يستطيع أن يقبله ويعمل بموجبه. إنه لمن أعظم الفوائد أن نرى أن الأمناء في إسرائيل أدركوه على الدوام وتصرفوا بموجبه. لماذا يرسل حزقيا رسائل إلى "كل إسرائيل"؟ ولماذا أمر أن "المحرقة وذبيحة الخطية تكون عن كل إسرائيل"؟ لماذا أجرى يوشيا كل إصلاحاته في كل البلاد التي لبني إسرائيل؟ إن رجال الله أولئك عرفوا الحق الإلهي المتعلق بوحدة إسرائيل ولم يفكروا في طرح هذه الحقيقة العظيمة جانباً من أجل أن قليلين جداً هم الذين أدركوها أو حاولوا أن ينفذوها "شعب يسكن وحده" "وأنا الرب سأسكن في وسط بني إسرائيل" هذه حقائق خالدة تلمع مثل جواهر ثمينة للغاية ذات لمعان إلهي في كل صفحة من صفحات العهد القديم ونحن بلا شك نجد ذلك على قدر ما تكون عيشتنا بالقرب من الله- بالقرب من ينبوع النور والحياة والمحبة- الينبوع الحي والدائم التدفق.

والآن نسأل القارئ المسيحي سؤالاً واضحاً هو: ألا ترى في وحدة الأمة اليهودية آنذاك رمزاً إلى وحدة أسمى كائنة الآن في ذلك الجسد الذي رأسه المسيح؟ إننا نثق أنك ترى ذلك. وتتمنى من القلب أن كل كيانك الأدبي ينحني بخضوع واحترام أمام هذه الحقيقة القوية "جسد واحد". لكننا نشعر أنك في ارتباك ليس بقليل ونرى أنك مأخوذ عندما تلقي نظرة حولك في طول وعرض الكنيسة الاسمية لتبحث عن مظهر إيجابي لهذه الوحدة أنك ترى المسيحيين مشتتين ومنقسمين- ترى طوائف وجماعات بلا عدد وربما ما يدهشك أكثر من هذا أنك ترى أولئك الذين يصرحون بأنهم يؤمنون ويعملون بحقيقة وحدة الجسد منقسمين على أنفسهم. نعترف أن كل هذا مربك للشخص الذي ينظر إليه مجرد نظرة بشرية أننا لا نندهش من الأشخاص الذين يصطدمون ويتعثرون بهذه الأشياء. لكن أساس الله الراسخ قد ثبت حقه غير القابل للزوال، وإذا كنا ننظر بإعجاب إلى أولئك الأمناء الذين عاشوا في العصور الغابرة واعتقدوا وصرحوا بوحدة إسرائيل بينما لم يكن هناك أثر واحد من تلك الوحدة ظاهراً للعين البشرية لماذا لا نثق قلبياً ونجاهد باجتهاد بالوحدة الأسمى التي للجسد الواحد؟ "جسد واحد وروح واحد" هنا يقوم أساس مسئوليتنا بالنسبة لبعضنا البعض وبالنسبة لله. هل نترك هذا الحق الكلي الأهمية لأن المسيحيين مشتتون ومنقسمون؟ الله لا يسمح- إننا مقيدون بأن نعمل بحسب حق الله بالرغم من النتائج وبغض النظر كلية عن المظاهر الخارجية. ليس لنا أن نقول كما يقول الكثيرون: الحالة مفشلة، كل شيء قد تناثر ومن المستحيل أن ننفذ حق الله في وسط أكوام الخرائب التي تحيط بنا، وحدة الجسد كانت شيئاً من متعلقات المستقبل، وفكرة الوحدة مجازية تماماً ولا يمكن أن يحتفظ بها في مواجهة الطوائف والجماعات المسيحية التي لا تعد، وما على كل واحد الآن سوى أن ينظر بنفسه إلى الرب ويعمل أحسن ما يستطيع في مجاله الفردي وتبعاً لما يميله عليه ضميره وفكره. لكن علينا أن نتكلم بصراحة ولسنا نتردد في القول بأن هذه اللغة تنم عن إنكار تلك الحقيقة الأساسية العظمى، حقيقة وحدة الجسد وأكثر من هذا فإننا معرضون لرفض التعليم الثمين عن لاهوت المسيح وعن ناسوته الكامل أو عن كفارة المسيح النيابية بقدر ما نحن معرضون لرفض وحدة جسده التامة لأن هذه الحقيقة الأخيرة تقوم على نفس الأساس الذي تقوم عليه الحقائق الأولى ألا وهو حق الله الأبدي- النصوص القاطعة للوحي المقدس.

أي حق لنا في أن نطرح جانباً حقيقة واحدة من حقائق الوحي الإلهي؟ أي سلطة تخولنا أن نستثني أي حقيقة بالذات من كلمة الله ونقول بأن هذه لا تنطبق بعد؟ إننا ملزمون بأن نقبل كل الحق ونخضع نفوسنا لسلطانه. إنه أمر خطر جداً أن نقبل ولو لحظة الفكرة بأي حق إلهي يمكن أن يطرح جانباً بحجة عدم إمكانية تنفيذه. ليس علينا إلا أن نؤمن ونخضع. هل يعلن الوحي أنه يوجد "جسد واحد"؟ حقاً إنه يعلن ذلك. وهذا فيه الكفاية. إننا مسئولون أن نحتفظ بهذا الحق مهما كلفنا ذلك ولا يمكننا أن نقبل شيئاً آخر أو شيئاً أقل أو شيئاً مخالفاً. إننا مرتبطون بعامل الولاء الذي ندين به للمسيح رأسنا أن نشهد عملياً ضد أي شيء يشوه حق وحدة كنيسة الله التي لا تقبل التجزئة ونحاول من قلوبنا مخلصين أن نقدم برهاناً صادقاً على تلك الوحدة.

صحيح أننا سنضطر إلى مقاومة الوحدة الكاذبة من الجهة الواحدة والفردية الكاذبة من الجهة الأخرى، لكن علينا فقط أن نتمسك بشدة ونعترف بحق الله ناظرين إليه بفكر متضع وعزم قلبي قوي وهو سيمدنا بمعونة في الطريق مهما تكن الصعوبات. لا شك أنه توجد صعوبات في الطريق- صعوبات شديدة بحيث إننا بقوتنا لا نستطيع مجابهتها ولكننا مأمورون أن "نجتهد أن نحفظ وحدانية الروح برباط السلام" وهذا كاف لأن يثبت أنه توجد صعوبات في الطريق ولكن نعمة ربنا يسوع المسيح كافية جداً لكل ما يستلزمه الاجتهاد للسير بحسب هذا الحق الثمين جداً.

عندما نتأمل في حالة الكنيسة الاسمية الحاضرة نلاحظ صنفين متميزين عن بعضهما. الصنف الأول أولئك الذين يسعون وراء الوحدة على أساسات كاذبة والصنف الثاني أولئك الذين ينشدونها على الأساس الموضوع في العهد الجديد. وهذا الصنف الأخير هو الوحدة الروحية الحية الإلهية واضحة وظاهرة بحالة تختلف اختلافاً بيناً عن كل أشكال الوحدة التي يجاهد الإنسان من أجلها سواء كانت وطنية أو تعليمية أو طقسية أو عقائدية، كنيسة الله ليست أمة وليست نظاماً كهنوتياً أو سياسياً، إنها جسد متحد برأسه الإلهي في السماء بحضور الروح القدس. هذا هو ما كانت عليه وما تزال عليه "جسد واحد وروح واحد" هذا يبقى صحيحاً غير قابل للتغيير. وهو يصدق الآن بقدر ما كان صادقاً تماماً عندما خطه الرسول الملهم في الرسالة إلى أفسس الإصحاح الرابع. ولهذا فكل شيء يتدخل في هذا الحق أو يعمل على تعكيره لا بد أن يكون خطأ، ونحن ملزمون أن ننفصل عنه ونشهد ضده. إن السعي إلى توحيد المسيحيين على أي أساس آخر غير وحدة الجسد فيه تعارض ظاهر مع فكر الله المعلن. قد يظهر هذا السعي جذاباً جداً ومرغوباً فيه جداً ومعقولاً جداً ولائقاً لكنه ضد الله وفي هذا الكفاية لنا. كلمة الله تتكلم فقط عن وحدة الجسد ووحدة الروح، إنها لا تعرف وحدة أخرى ولا ينبغي لنا أن نعرف وحدة أخرى.

كنيسة الله واحدة ولو أنها تحتوي على أعضاء كثيرة. كنيسة الله ليست محلية ولا جغرافية بل هي مؤتلفة متحدة. كل الأعضاء عليهم مسئولية مزدوجة فهم مسئولون للرأس ومسئولون الواحد للآخر ومن المستحيل قطعاً تجاهل المسئولية. الناس قد يحاولون تقليلها وقد ينكرونها، قد يؤكدون حقوقهم الشخصية ويعملون بحسب عقلهم أو حكمهم أو إرادتهم الخاصة، ولكنهم لا يستطيعون أن يتخلصوا من المسئولية المؤسسة على حقيقة الجسد الواحد المترابط. عليهم أن يتعاملوا مع الرأس في السماء ومع الأعضاء على الأرض، وموقفهم في هذه العلاقة المزدوجة- هم قد اندمجوا فيها بالروح القدس وإنكار هذا معناه إنكار نفس كيانهم الروحي المسطر في الوحي المقدس. ولا يوجد ما يسمى استقلالاً لأن المسيحيين لا يمكن أن يعتبروا أنفسهم مجرد أفراد كأجزاء مجزأة "إننا أعضاء الواحد للآخر" هذا صحيح بقدر ما أننا "متبررون بالإيمان". لا شك أنه توجد حالات نحن فيها أفراد: فنحن أفراد في توبتنا، في إيماننا، في تبريرنا في سيرنا مع الله، في خدمتنا للمسيح في مكافأتنا لأجل الخدمة لأن كل واحد سيأخذ حصاة بيضاء واسماً جديداً منقوشاً عليها معروفاً وخاصاً به (الرؤيا2: 17). كل هذا حق ولكنه لا يمس بأي حال من الأحوال الحقيقة الأخرى العظمى، حقيقة وحدتنا مع الرأس في الأعالي ومع كل عضو وجميع الأعضاء على الأرض.

نود هنا أن نستلفت نظر القارئ إلى خطتين من الحق متميزتين عن بعضهما جداً وخارجيتين من اسمين متميزين لربنا المبارك وهما: كونه رأساً، وكونه سيداً ورباً. فهو رأس جسده أي الكنيسة وهو أيضاً رب الكل، رب كل فرد، وعندما نتفكر في المسيح كرب نتذكر مسئوليتنا الفردية في الدائرة المتسعة للخدمة التي دعانا إليها بسلطانه ونعمته، علاقتنا لا بد أن تكون معه في كل الأمور وكل تصرفاتنا وكل حركاتنا وكل ترتيباتنا يجب أن توضع تحت التأثير الفعال لتلك الجملة القيمة (التي للأسف كثيراُ ما تقال وتكتب بلا تقدير) "إن شاء الرب" ثم ليس لأي شخص أي حق في أن يتوسط بين ضمير الخادم وأمر ربه. كل هذا صحيح مقدس وفي غاية الأهمية- سيادة المسيح حقيقة لا يمكن أن تقدر قيمتها.

لكن علينا أن نذكر أن المسيح رأس كما هو رب، هو رأس جسد كما أنه رب أفراد ولا ينبغي الخلط بين هذين الأمرين. ليس لنا أن نتمسك بحقيقة سيادة المسيح بكيفية تتداخل مع حقيقة رئاسته للجسد. إذا كنا نفتكر فقط في المسيح كرب وفي أنفسنا كأفراد مسئولين أمامه حينئذ سنجهل رئاسته ونغض الطرف عن مسئوليتنا لكل عضو في ذلك الجسد الذي هو رأسه، ينبغي أن نحترس ضد هذا الأمر، لا يمكننا أن ننظر إلى أنفسنا كما إلى أجزاء منفصلة ومستقلة، إذا كنا نفتكر في المسيح كالرأس فحينئذ ينبغي أن نفكر في كل أعضائه، وهذا يفتح أمامنا دائرة متسعة لحق عملي، علينا واجبات مقدسة نؤديها للأعضاء رفقائنا كما علينا لسيدنا وربنا، ويمكننا أن نظل متأكدين أنه لا يوجد شخص يعيش في شركة مع المسيح يمكن أبداً أن يغض النظر عن الحقيقة العظمى- حقيقة الارتباط بكل عضو من أعضاء جسد الرب، مثل هذا الشخص يذكر على الدوام أن عيشته وطرقه تنشئ تأثيراً على المسيحيين العائشين في الجانب الآخر من الكرة الأرضية. هذا سر عجيب ولكنه صحيح وإلهي "إن تألم عضو تتألم جميع الأعضاء معه" (1كو12: 26) إنك لا تستطيع أن تجعل جسد المسيح قاصراً على شيء محلي، الجسد واحد ونحن مطالبون أن نحتفظ بهذا عملياً وبكل طريقة ممكنة وأن نؤدي شهادة صريحة ضد كل شيء يميل إلى منع ظهور وحدة الجسد الكاملة سواء كان ذلك الشيء هو وحدة كاذبة أو فردية كاذبة. العدو يحاول أن يجمع المسيحيين على أساس كاذب ويجمعهم حول مركز كاذب أو إذا لم يستطع أن يفعل هذا يجرفهم في محيط واسع ومتلاطم من الفردية المفككة. إننا أمام الله مقتنعون تمام الاقتناع أن الضمان الوحيد ضد هاتين الفكرتين الكاذبتين الخطيرتين المتطرفتين هو الإيمان المعطى من الله بتلك الحقيقة الأساسية العظمى، حقيقة وحدة الجسد.


(1) هكذا وردت في الأصل في أصح النسخ.

  • عدد الزيارات: 3891