Skip to main content

الفصل الثالث: مراحل متميزة في حياة يوشيا

إن الأدوار المختلفة في حياة يوشيا تتميز عن بعضها تمييزاً قوياً. "في السنة الثامنة من ملكه ابتدأ أن يطلب إله داود أبيه" "وفي السنة الثانية عشرة ابتدأ يطهر يهوذا وأورشليم" "وفي الثامنة عشرة من ملكه بعد أن طهر الأرض والبيت أرسل شافان بن اصليا ومعسيا رئيس المدينة ويوأخ بن يوأحاز المسجل لأجل ترميم بيت الرب إلهه".

وفي هذه نلحظ النجاح الدائم الذي ينتج عن عزم القلب المخلص في خدمة الرب "سبيل الصديقين كنور مشرق يتزايد وينير إلى النهار الكامل" هكذا كان طريق يوشيا وهكذا يمكن أن يكون طريق القارئ إذا كان فقط تحت تأثير نفس هذا الغرض القلبي. ولا عبرة هنا بالظروف، فقد نحاط بعوامل كثيرة معاكسة كما كان يوشيا في أيامه ولكن القلب المكرس والروح الجادة والعزم الصادق سترفعنا بالنعمة فوق كل الظروف وتقدرنا على أن نتقدم من درجة إلى أخرى في طريق التلمذة الحقيقية.

حالة إسرائيل الأدبية المنحطة:

وإذا طالعنا الاثنى عشر إصحاحاً الأولى من سفر إرميا يمكننا أن نكوّن فكرة عن حالة الأمور في أيام يوشيا إذ تقع أنظارنا على عبارات كالآتية: "أقيم دعواي على كل شرهم لأنهم تركوني وبخروا لآلهة أخرى وسجدوا لأعمال أيديهم أما أنت فنطق حقويك وقم وكلمهم بكل ما آمرك به لا ترتع من وجوههم لئلا أريعك أمامهم" "لذلك أخاصمكم بعد يقول الرب وبني بنيكم أخاصم... هل بدلت أمة آلهة وهي ليست آلهة. أما شعبي فقد بدل مجده بما لا ينفع" وهكذا أيضاً في فاتحة الإصحاح الثالث نجد الصورة المريعة للغاية المستخدمة لإظهار الحالة المنحطة لإسرائيل العاصي ويهوذا الخائن. وأصغ إلى العبارة الواضحة في الإصحاح الرابع "طريقك وأعمالك صنعت هذه لك. هذا شرك. فإنه مر فإنه قد بلغ قلبك. أحشائي أحشائي توجعني جدران قلبي. يئن في قلبي. لا أستطيع السكوت. لأنك سمعت يا نفسي صوت البوق وهتاف الحرب. بكسر على كسر نودى..... لأن شعبي أحمق. إياي لم يعرفوا. هم بنون جاهلون وهم غير فاهمين. هم حكماء في عمل الشر ولعمل الصالح ما يفهمون نظرت إلى الأرض وإذا هي خربة وخالية وإلى السموات فلا نور لها. ونظرت إلى الجبال وإذا هي ترتجف وكل الأكام تقلقلت...."

ماذا يفعل المؤمن في أزمنة التشويش والخراب؟‍

يا لها من لغة واضحة تبين أن المشهد كله كان أمام النبي في حالة تشويش، بل في حالة الظلمة التي كانت قبل الخليقة، وبالجملة لا يمكن أن يكون هناك شيء أشد ظلاماً من المنظر المشاهد هنا. كل هذه الإصحاحات يجب أن تطالع بإمعان إذا كنا نريد أن نكوّن حكماً صائباً عن الأوقات التي كانت نصيب يوشيا أن يقضي حياته في أثنائها. لقد كانت أوقاتاً تتميز بكل صور الفساد المتأصل والمنتشر. فالعظيم والحقير، والغني والفقير، العالم والجاهل، الأنبياء والكهنة والشعب- الكل أظهروا حالة مريعة من البطل والخداع والشر الذي صوره الوحي بغاية الأمانة والدقة.

ولكن لماذا نجمع النصوص الكتابية للتدليل على الحالة الأدبية المنحطة لإسرائيل ويهوذا في أيام يوشيا؟ ذلك لكي نبين أنه مهما تكن الظروف المحيطة بنا نستطيع فردياً أن نخدم الرب متى كان لنا عزم القلب لنقوم بهذه الخدمة. وفي الحقيقة أنه في أشد الأوقات ظلاماً يسطع نور التكريس بأشد لمعاناً إذ الظلام المحيط بهذه الأوقات يزيده وضوحاً. وإن نفس الظروف التي قد يستخدمها الكسل وعدم الأمانة كحجة للاستسلام للتيار إنما تعطي الروح المكرسة حجة لمواجهة ومقاومة تلك الظروف. لو أن يوشيا نظر حوله ماذا كان يرى؟ خيانة، خداعاً، فساداً وظلماً، هكذا كانت حالة الآداب العامة وكانت حالة الدين مملوءة بالأغلاط والشرور بعضها تقادم على مر الزمن. فقد أنشأها وأقامها سليمان وتركها حزقيا قائمة، إذا فقد وضعت أساساتها في أثناء حكم أغنى وأحكم ملك من ملوك إسرائيل. وأعظم الأتقياء والمكرسين من سلفاء يوشيا تركوها كما وجدوها. فمن هو يوشيا حتى يستطيع أن يقلب مثل تلك المنشئات؟ أي حق كان له وهو مجرد فتى غض عديم الاختبار لأن يضع نفسه موضع المقاومة لرجال أوفر منه حكمة وحنكة ونشاطاً؟ لماذا لم يترك الأمور كما وجدها؟ لماذا لم يدع التيار يستمر جارياً بهدوء في تلك القنوات التي حملته منذ عصور وأجيال. الانقلابات خطيرة ومتعبة ويوجد دائماً خطر كبير في زعزعة الأوهام القديمة. هذه وألف من المسائل المماثلة بلا شك تحركت في قلب يوشيا، لكن الجواب كان بسيطاً ومباشراً وواضحاً وحاسماً، لم تكن المسألة مسألة حكم يوشيا ضد حكم سلفائه ولكن كانت حكم الله على الجميع- هذا مبدأ قيم للغاية لكل واحد من أولاد الله ولكل خادم من خدام المسيح. بدونه لا نستطيع أن نقاوم تيار الشر الذي يزداد حولنا. هذا هو المبدأ الذي دعم لوثر في الصراع العنيف الذي كان عليه أن يعانيه ضد المجموعة المسيحية، إذ كان عليه أن يضع الفأس على أصل الأوهام القديمة ويزعزع الآراء والتعاليم التي كان لها سلطان عام تقريباً في الكنيسة منذ ألف سنة أو يزيد. وهل تم ذلك بإعلان حكم مارتن لوثر ضد حكم الباباوات والكرادلة والمجامع والكليات والأساقفة والدكاترة؟ كلا. ما كان لهذا على الإطلاق أن يأتي بالإصلاح. لم تكن المسألة أن لوثر ضد المسيحية الاسمية بل الوحي المقدس ضد الخطأ.

أيها القارئ تأمل في هذا!! تأمل فيه تأملاً عميقاً لأنه درس عميق وكلي الأهمية لوقتنا الحاضر. نشتاق أن نرى جلال التسليم والاعتراف بسيادة الكتاب المقدس- السلطة العليا لكلمة الله- الجلال المطلق للإعلانات الإلهية في طول وعرض كنيسة الله. فالعدو يحاول باجتهاد في كل الجهات وبكل وسيلة أن يقلل من نفوذ الكلمة وأن يضعف سطوتها على الضمير. لذلك نحاول أن نرفع صوتاً مرة ومراراً بكلمة تحذير خطير ولكي نظهر بقدر ما يسعه جهدنا الأهمية القصوى للخضوع في كل شيء لشهادة الوحي المقدس- لصوت الله في الوحي. فليس يكفي أن نظهر مجرد قبول سطحي بل نحتاج أن نكون في كل الأشياء محكومين تماماً بسلطان الوحي.. ليس بتفسير بشري لأقوال الوحي ولكن بأقوال الوحي نفسها، نحتاج أن يكون الضمير في حالة استعداد، في كل الأوقات، لأن يظهر مطابقة صحيحة لتعاليم الكلمة الإلهية.

هذا ما نراه مصوراً بكل وضوح في حياة وأوقات يوشيا وخصوصاً في إصلاحات السنة الثامنة عشر من حكمه. السنة التي كانت من أعظم الذكريات ليس فقط في تاريخ يوشيا ولكن في تاريخ إسرائيل وكانت تتميز بحقيقتين عظيمتين وهما اكتشاف سفر الشريعة وعمل عيد الفصح- حقيقتان عظيمتان! حقيقتان تركتا أثرهما منطبعاً على تلك المدة النافعة للغاية وجعلتاها مفيدة جداً في تهذيب شعب الله في كل العصور.

ومما يستحق الملاحظة أن اكتشاف سفر الشريعة كان أثناء نجاح مشروعات يوشيا الإصلاحية. وهذا يعطينا برهاناً من آلاف البراهين على ذلك المبدأ العملي العظيم "من له يعطي فيزداد" وأيضاً "إن شاء أحد أن يعمل مشيئته يعرف التعليم".

التدريب القلبي على الخضوع لكلمة الله خضوعاً كاملاً:

"وفي السنة الثامنة عشرة من ملكه بعد أن طهر الأرض والبيت أرسل شافان بن أصليا ومعسيا رئيس المدينة ويوآخ بن يوآحاز المسجل لأجل ترميم بيت لرب إلهه فجاءوا إلى حلقيا الكاهن العظيم وأعطوه الفضة المدخلة إلى بيت الله.... وعند إخراجهم الفضة المدخلة إلى بيت الرب وجد حلقيا الكاهن سفر شريعة الرب بيد موسى فأجاب حلقيا وقال لشافان الكاتب قد وجدت سفر الشريعة في بيت الرب وسلم حلقيا السفر إلى شافان فجاء شافان بالسفر إلى الملك... وقرأ فيه شافان أمام الملك فلما سمع الملك كلام الشريعة مزق ثيابه" (2أي34: 8-19) هنا نجد ضميراً حساساً منحنياً تحت تأثير عمل كلمة الله. ويا لها من نقطة جذابة بنوع خاص في أخلاق يوشيا، ولا شك أنه كان في الحقيقة إنساناً ذا روح متضعة متذللة- روح ترتعد أمام كلمة الله. يا ليتنا ندرك الكثير من مظاهر الأخلاق المسيحية، إننا نحتاج يقيناً إلى الشعور العميق جداً بقيمة وسلطة وخطورة أقوال الوحي. يوشيا لم يتساءل في فكره عن صحة وحقيقة الكلمات التي كان يقرأها شافان في مسامعه ونحن لا نقرأ أنه سأل "كيف أعرف أن هذه هي كلمة الله؟" كلا بل أرتعد أمامها وانحني قدامها وأرتمي تحتها، مزق ثيابه، لم يشرع في أن يقيم نفسه حكماً على كلمة الله بل كما هو لائق وحق سمح للكلمة أن تحكم فيه.

كلمة الله تحكم في الإنسان:

هكذا يجب أن يكون على الدوام أما إذا كان للإنسان أن يحكم في الوحي فلا يكون الوحي هو كلمة الله على الإطلاق. لكن إذا كان الوحي هو حقيقة كلمة الله فيجب أن يحكم في الإنسان. الوحي هو كلمة الله وهو يحكم في الإنسان تماماً ويكشف نفس جذور طبيعته ويظهر أساسات كيانه الأدبي ويضع أمامه المرآة الوحيدة الأمينة التي فيها يستطيع أن يرى نفسه منعكساً عليها. وهذا هو السبب الذي لأجله لا يحب الإنسان الوحي ولا يستطيع أن يحتمله، ويحاول أن يضعه جانباً، ويسر أن يجد فيه ثغرات، ويتجاسر أن يضع نفسه موضع الحكم عليه. وليس هكذا الحال بالنسبة للكتب الأخرى. فالناس لا يتعبون أنفسهم هكذا كثيراً ليكتشفوا ويظهروا تطرفات أو متناقضات في كتابات هوميروس أو هيرودوت أو أرستطاليس أو شكسبير. كلا. لكن الوحي يحكم فيهم- بحكم في طرقهم وفي شهواتهم. ومن هذه الناحية جاءت عداوة العقل الطبيعي لذلك الكتاب العجيب والثمين للغاية الذي لاحظنا سابقاً أنه يحمل دلائله فيه إلى كل قلب معداً إعداداً إلهياً. وفي الوحي قوة لا بد أن تجعل الجميع يخضعون أمامها، والكل لا بد أن يخضعوا لها إن آجلاً أو عاجلاً "إن كلمة الله حية وفعالة وأمضى من كل سيف ذي حدين وخارقة إلى مفرق النفس والروح والمفاصل والمخاخ ومميزة أفكار القلب ونياته وليست خليقة غير طاهرة قدامه بل كل شيء عريان ومكشوف لعيني ذلك الذي معه أمرنا (عب4: 12، 13).

اختبر يوشيا هذا. فقد اخترقت كلمة الله أحشاءه أكثر فأكثر "فلما سمع الملك كلام الشريعة مزق ثيابه وأمر الملك حلقيا وأخيقام ابن شافان وعبدون بن مخيا وشافان الكاتب وعسايا عبد الملك قائلاً اذهبوا اسألوا الرب من أجلي ومن أجل من بقي من إسرائيل ويهوذا عن كلام السفر الذي وجد لأنه عظيم غضب الرب الذي انسكب علينا من اجل أن آباءنا لم يحفظوا كلام الرب ليعملوا حسب كل ما هو مكتوب في هذا السفر" يا له من تباين مدهش بين يوشيا بقلبه المتذلل وضميره المتأثر وثيابه الممزقة خاضعاً تحت التأثير القوي لكلمة الله، وبين كفرة وهراطقة الوقت الحاضر الذين بجرأة هائلة يتجاسرون لأن يضعوا أنفسهم موضع الحكم على نفس تلك الكلمة. آه يا ليت الناس يكونون حكماء الآن وينحنون بقلوبهم وضمائرهم خضوعاً واحتراماً لكلمة الله الحي قبل أن يأتي يوم الرب العظيم والمخوف الذي فيه سيضطرون للخضوع وسط "البكاء وصرير الأسنان".

كلمة الله تثبت إلى الأبد، وعبثاً كل العبث أن يقاومها الإنسان أو يحاول بحججه وتصوراته الوهمية أن يجد فيها أغلاطاً ومتناقضات "إلى الأبد يا رب كلمتك مثبتة في السموات" "السماء والأرض تزولان ولكن كلامي لا يزول" "كلمة الرب تثبت إلى الأبد". فأي منفعة إذاً ممكنة للإنسان في أن يقاوم كلمة الله؟ هو لا يستطيع أن يربح من وراء ذلك شيئاً لكن آه!! ماذا يمكن أن يخسر؟ إذا استطاع الإنسان في أن يثبت خطا الكتاب ماذا عساه أن يربح؟ لكن إذا كان صحيحاً رغم كل شيء ماذا يخسر؟ سؤال خطير!! يا ليته يأخذ قيمته لدى كل قارئ يكون قد تأثر ذهنه بالأفكار العقلية أو الكفرية.

وداعة يوشيا:

"فذهب حلقيا والذين أمرهم الملك إلى خلدة النبية... وهي ساكنة في أورشليم في القسم الثاني وكلموها هكذا". في فاتحة هذه الصفحات أشرنا إلى حقيقة وجود فتى في الثامنة من عمره على عرش داود كدليل على حالة الأمور في شعب الله. وهنا أيضاً توجهنا حقيقة ملء مركز النبوة بواسطة امرأة. ولا شك أنها برهان على الحالة المنحطة ولكن نعمة الله لم تنقطع بل كانت متكاثرة. كان يوشيا متضعاً لدرجة انه كان مستعداً أن يقبل اتصال فكر الله به عن طريق- أي قناة يمكن أن توصله، ويا لها من حالة أدبية محبوبة تظهر في نظر الطبيعة البشرية مذلة كبرى، إن ملك يهوذا يلجأ إلى امرأة لأجل المشورة! لكن كانت تلك المرأة حينئذاك مستودع فكر الله، وهذا كان فيه الكفاية لروح متضعة ومنسحقة مثل روح يوشيا، لذلك أثبت إلى حد بعيد أن رغبته الوحيدة هي أن يعرف ويعمل مشيئة الله، ولهذا لم تهمه الوسيلة التي كان يصل بها صوت الله إلى أذنه بل كان مستعداً أن يسمع ويطيع.

أيها القارئ المسيحي دعنا نقدر هذا إذ في هذا السر الحقيقي للإرشاد الإلهي "يدرب الودعاء في الحق ويعلم الودعاء طرقه" يا ليت يوجد بيننا أكثر من هذه الروح المباركة- روح الوداعة فيقل الارتباك وتقل المقاومة وتقل المنازعات غير المجدية حول الكلمات. لو كنا كلنا ودعاء فلا بد أن نكون جميعاً مرتشدين بإرشاد إلهي ومتعلمين تعليماً إلهياً. وهكذا لا بد أن نكون فكراً واحداً ونقول القول الواحد ونمنع كثيراً من الانقسامات المحزنة والمذلة والمذيبة للقلب.

انظر الجواب التام الذي أخذه يوشيا الوديع المتواضع من خلدة النبية- جواباً خاصاً بشعبه وبه شخصياً "فقالت لهم هكذا قال الرب إله إسرائيل قولوا للرجل الذي أرسلكم إلي هكذا قال الرب هاأنذا جالب شراً على هذا الموضع وعلى سكانه جميع اللعنات المكتوبة في السفر الذي قرأوه أمام ملك يهوذا من أجل أنهم تركوني وأوقدوا لآلهة أخرى لكي يغيظوني بكل أعمال أيديهم وينسكب غضبي على هذا الموضع ولا ينطفئ".

كل هذا إنما كان إعادة وتأييداً لكل ما كان قد وقع على أذن ملك يهوذا المفتوحة والمصغية، ولكنه جاء بقوة جديدة وتأكيداً وفائدة كرسالة مباشرة مدعمة ومثبتة بتلك الجملة الافتتاحية "قولوا للرجل الذي أرسلكم إلي" ولكن كان يوجد أكثر من هذا. كانت توجد رسالة النعمة خاصة بيوشيا مباشرة "أما ملك يهوذا الذي أرسلكم لتسألوا من الرب فهكذا تقولون له هكذا قال الرب إله إسرائيل لتسألوا من جهة الكلام الذي سمعت، من أجل أنه رق قلبك وتواضعت أمامي ومزقت ثيابك وبكيت أمامي يقول الرب قد سمعت أنا أيضاً هاأنذا أضمك إلى آباءك فتضم إلى قبرك بسلام وكل الشر الذي أجلبه على هذا الموضع وعلى سكانه لا ترى عيناك فردوا على الملك الجواب" (2أي34: 26-28).

كل هذا مملوء بالتعليم والتشجيع لنا في هذه الأيام المظلمة والشريرة. إنه يعلمنا القيمة الكبرى والتقدير الإلهي لتدريب النفس وتذليل القلب بكيفية شخصية عميقة. كان يمكن ليوشيا أن يعتبر الحالة لا رجاء فيها وأنه لا شيء يمكن أن يغير التيار القوي للغضب والدينونة المزمعين أن يجرفا مدينة أورشليم وأرض إسرائيل، وإن أي حركة من جانبه لا تجدي بالمرة، وأن القصد الإلهي قد تقرر وأن الأمر قد خرج، وأنه بالجملة كان عليه فقط أن يقف جانباً ويدع الأمور تأخذ مجراها ولكن يوشيا لم يفكر هكذا. كلا. بل انحنى أمام الشهادة الإلهية واتضع ومزق ثيابه وبكى. الله علم ذلك. دموع التوبة التي ذرفها يوشيا كانت ثمينة في عيني الله ومع أن الحكم الهائل كان لا بد أن يأخذ مجراه ولكن التائب نجا ولم ينج بنفسه فقط ولكنه صار الآلة المكرمة في يد الرب لنجاة آخرين أيضاً. لم يترك نفسه لتأثير الاعتقاد المهلك بالقضاء والقدر، ولكن بروح منكسرة وقلب جاد طرح نفسه أمام الله معترفاً بخطاياه وخطايا شعبه وعندما أيقن نجاته شخصياً بدأ يحاول إنقاذ أخوته أيضاً، هذا درس أدبي نافع يا ليتنا نتعلمه جيداً!!

  • عدد الزيارات: 9480