الفصل الثاني: كلمة الله في عظمتها وقوتها وسلطانها
في مطالعة تاريخ يوشيا وزمانه نتعلم درساً خاصاً وثميناً بدرجة لا تقدر، ألا وهو قيمة وسطوة كلمة الله. وليس في مقدور اللغة البشرية أن توضح كما يجب الأهمية الكبرى لهذا الدرس الذي يصلح لكل زمان ولكل حالة ولكل مؤمن فردياً ولكنيسة الله إجمالاً. لذلك يجب أن يتأصل النفوذ الأعلى لكلمة الله تأصلاً عميقاً في كل قلب لأنه الضمان الوحيد ضد أنواع الشر الكثيرة المحيطة بنا من كل جانب. ولئن كانت للكتابات البشرية قيمتها بلا شك، إذ هي تلذذ العقل إلى حد ما، ولكنها عديمة القيمة من حيث السطوة والسلطان.
كلمة الله في غنى عن السلطة البشرية:
وإننا نحتاج إلى أن نذكر هذا إذ يوجد ميل قوى في العقل البشري للاعتماد على سلطة البشر الأمر الذي كانت نتيجته حرمان الملايين في الكنيسة الاسمية من كلمة الله لأنهم عاشوا وماتوا تحت تأثير الاعتقاد بأنهم ما كانوا يستطيعون أن يعرفوا أنها كلمة الله لولا السلطة البشرية. وهم في هذا يضربون بكلمة الله عرض الحائط. لأنه إذا كانت كلمة الله بلا قيمة بدون سلطة الإنسان فإننا نجزم بأنها ليست كلمة الله على الإطلاق. ومهما كان نوع تلك السلطة ضعيفاً أو قوياً فالنتيجة واحدة وهي أن كلمة الله معتبرة كأنها غير كافية ما لم يؤيدها شيء من جانب البشر يؤكد لنا أن الله هو الذي تكلم.
كلمة الله وسلطانها على النفس:
وما أخطر هذا الخطأ وما أعمق جذوره في القلب. قيل لنا مراراً عندما كنا نتلو فصولاً من الوحي كيف تعرفون أن هذه هي كلمة الله؟ وما هو الغرض من هذا السؤال؟ لا شك أن القلب الذي يخرج هذا السؤال هو القلب الذي لا يريد أن يخضع للوحي المقدس لأن الإرادة عاصية ولأن الكلمة تحكم على كل شيء يريد القلب أن يتمسك ويتلذذ به لذلك يسعى في طرح كلمة الله جانباً.
كلمة الله وبرهانها الذاتي:
لكن كيف نعرف أن ما نسميه الكتاب المقدس هو كلمة الله؟ ذلك لأنه يحمل دلائله معه وحجته واضحة على كل صفحة، في كل فصل وفي كل سطر. وبتعليم الروح القدس وحده- المؤلف الإلهي للكتاب- يمكن أن توزن الحجة وتقدر الأدلة بدون احتياج إلى صوت إنسان يؤيد كتاب الله. أما إذا كنا نحتاج إلى ذلك فنحن بكل تأكيد سائرون في طريق الكفر بالنسبة للوحي الإلهي. وإذا كان الله لا يستطيع أن يكلم القلب مباشرة- إذا كان لا يقدر أن يعطينا التأكيد بأنه هو الذي يتكلم فأين نحن إذاً؟ إلى أي اتجاه نتجه؟ إذا كان الله لا يستطيع أن يجعل نفسه مسموعاً ومفهوماً هل يستطيع الإنسان أن يفعل ذلك بكيفية أفضل؟ هل يستطيع صوت الإنسان أن يعطينا تأكيد أقوى؟ هل تستطيع سلطة الكنيسة وقرارات المجامع العمومية وحكم الآباء ورأي العلماء أن يعطينا تأكيداً أعظم مما يعطيه الله نفسه؟ إذا كان الأمر كذلك فإننا غارقون تماماً، نحن في الظلام كما لو لم يتكلم الله مطلقاً. لا شك أنه لو لم يتكلم الله لكنا في ظلام دامس، أما إذا كان قد تكلم، ومع ذلك لا نستطيع أن نعرف صوته بدون سلطة بشرية تؤيده، فأين الفرق؟ أليس واضحاً لقارئ هذه السطور أنه إذا كان الله في رحمته العظيمة قد أعطانا إعلاناً فلا بد أن يكون كافياً بنفسه ومن الجهة الأخرى فإن أي إعلان ليس كافياً بنفسه لا يمكن أن يكون إلهياً؟ ثم أليس واضحاً كذلك أنه إذا كنا لا نستطيع أن نصدق ما يقوله الله فليس لدينا أساس أضمن نبني عليه حينما يتطاول الإنسان ويحاول وضع ختم تصديقه عليها؟
ونرجو ألا يسيء أحد فهم ما نكتب. فإن الذي نحاول إيضاحه هو هذا: الكفاية التامة للإعلان الإلهي منفصلاً ومتعالياً فوق كل الكتابات البشرية في كل العصور. نحن نقدر الكتابات البشرية ونقدر النقد المعقول كما نقدر الدراسة العميقة والدقيقة ونور العالم والفلسفة الحقيقيين ونقدر شهادة الأتقياء الذين حاولوا أن يلقوا ضوءاً على الوحي المقدس، نحن نقدر كل تلك الكتب التي تفتح أمامنا باب اللذة العميقة للتحف الكتابية وبالجملة فإننا نقدر كل شيء يميل إلى مساعدتنا في مطالعة الوحي المقدس ولكننا بعد ذلك كله نعود بتشديد أعمق إلى كفاية كلمة الله وإلى سيادتها. هذه الكلمة يجب أن تقبل على أساس سلطانها الإلهي الخصوصي بدون أن يعرفنا بها البشر وإلا فهي ليست كلمة الله بالنسبة لنا. إننا نعتقد أن الله يستطيع أن يعطينا التأكيد في نفوسنا بأن الوحي المقدس هو في الواقع كلمته هو، وإذا كان الله لا يعطينا هذا فلا يوجد إنسان يستطيع أن يعطيه لنا، وإذا كان الله يعطيه لنا فلا حاجة إلى أي إنسان. ولهذا يكتب الرسول الملهم إلى ابنه تيموثاوس "فاثبت على ما تعلمت وأيقنت عارفاً ممن تعلمت وأنك منذ الطفولة تعرف الكتب المقدسة القادرة أن تحكمك للخلاص بالإيمان الذي في المسيح يسوع" (2تي3: 14 و15).
وكيف عرف تيموثاوس أن الوحي المقدس هو كلمة الله؟ عرف ذلك بالتعليم الإلهي. هو عرف ممن تعلم وهنا يوجد السر، كانت هناك حلقة اتصال حية بين نفسه وبين الله، وعرف في الوحي ذات صوت الله. وليس يجدي أن نقتنع مجرد اقتناع عقلي بالحجج البشرية بأن الكتاب المقدس هو كلمة الله، بل يجب أن ندرك قوته في القلب وعلى الضمير بالتعليم الإلهي. وعندما تكون هذه حالتنا فلا نحتاج بعد إلى براهين بشرية تثبت أن الكتاب من الله- بأكثر مما نحتاج إلى نور ضئيل في وقت الظهر لنثبت أن الشمس مشرقة. نحن نصدق ما يقوله الله لأنه هو يقوله، وليس لأن الإنسان يصدق عليه ولا لأننا نشعر بذلك "آمن إبراهيم بالله فحسب له براً". هو لم يكون في حاجة لأن يذهب للكلدانيين أو إلى المصريين لكي يتثبت منهم فيما إذا كان ما سمعه هو في الحقيقة كلمة الله. كلا. إنه علم بمن آمن وهذا أعطاه ثباتاً مقدساً.
استطاع أن يقول رغماً عن كل تساؤل: الله أوجد حلقة بينه وبين نفسي بواسطة كلمته التي لا تقدر قوة في الأرض أو في الجحيم أن تمنعها. وهذا هو الأساس الصحيح لكل مؤمن- رجلاً كان أو امرأة في كل العصور وفي كل الظروف. وكان هو نفس الأساس الذي اتخذه إبراهيم ويوشيا- لوقا وثاوفيلس- بولس وتيموثاوس، وهو ما ينبغي أن يكون الأساس لكاتب وقارئ هذه السطور وإلا فلن يمكننا الثبات ضد تيار الكفر المتزايد الذي يجرف نفس الأساسات التي يستريح إليها آلاف العلماء.
على أننا نستطيع أن نتساءل بحق: هل يمكن أن مجرد عقيدة أو إيمان وراثي أو معتقد تعليمي يدعم النفس في حالة وجود شكوك جريئة تجادل في كل شيء ولا تصدق شيئاً؟ من المستحيل! ينبغي أن نكون قادرين على الوقوف أمام المتشكك والعقلي والكافر ونقول بكل هدوء وهيبة عن الإيمان المعطى من الله "عالم بمن آمنت"، وحينئذ لا يحرك لنا ساكناً أمثال الكتب الكفرية المنتشرة. ولا تكون بالنسبة لنا أكثر من ميكروبات في ضوء الشمس لا تستطيع أن تمنع عن نفوسنا الأشعة السماوية لإعلان أبينا. الله قد تكلم، وصوته يصل إلى القلب رغماً عن كل ضجيج واضطراب، بل رغم كل محاربات ومعاكسات المسيحيين بالاسم. وصوت الله يعطي راحة وسلاماً وقوة وثباتاً لذهن المؤمن وقلبه. قد يمكن أن ترتبك أفكار الناس وتضطرب وقد لا يمكننا أن نشق طريقاً وسط طرق البشر الدينية الملتوية ولكن صوت الله يتكلم في الوحي المقدس- يتكلم إلى القلب- يتكلم إلي وهذا حياة وسلام. وهو كل ما أحتاجه. وبعد ذلك يمكن للكتابات البشرية أن تأخذ قيمتها ما دام لي كل ما أحتاج إليه في ينبوع الوحي الدائم الجريان- كتاب إلهي الثمين الذي لا يقدر.
يوشيا وارتباطه بكلمة الله وسلطانها عليه:
ودعنا الآن نرجع إلى يوشيا لنتأمل في حياته وزمانه: "كان يوشيا ابن ثماني سنين حين ملك" (2أي34: 1) وهذا يوضح لنا حالة وطرق شعب الله. قتل والد يوشيا بواسطة عبيده بعد حكم قصير فاسد لمدة سنتين وهو في الرابعة والعشرين من عمره: ومثل هذه الأشياء ما كان يجب أن تكون، لأنها الثمار المحزنة للشر والغباوة، والبراهين المذلة على ابتعاد يهوذا عن الله، ولكن كان الله فوق كل ذلك. ومع أننا ما كنا ننتظر مطلقاً أن نجد فتى ابن ثماني سنين على عرش داود ومع ذلك فإن هذا الفتى يجد ينبوعه الثابت في إله آبائه ولذلك نرى في هذه الحالة كما في الأحوال الأخرى معنى القول "حيث كثرت الخطية ازدادت النعمة جداً" ونفس وجود يوشيا في وقت الحداثة وعدم الاختبار أعطى فرصة لظهور "النعمة" الإلهية وبيّن قوة وقيمة كلمة الله.
هذا الفتى التقي كان موضوعاً في مركز ذي صعوبة وخطورة خاصة، فكان محاطاً بشرور من أنواع مختلفة منذ زمن طويل، ولكنه "عمل المستقيم في عيني الرب، وسار في طرق داود أبيه ولم يجد يميناً ولا شمالاً. وفي الثامنة من ملكه إذ كان بعد فتى ابتدأ يطلب إله داود أبيه وفي السنة الثانية عشرة ابتدأ يطهر يهوذا وأورشليم من المرتفعات والسواري والتماثيل والمسبوكات".
كانت هذه بداءة صالحة وما أجمل أن يطبع القلب بطابع مخافة الرب التي تحفظ القلب من شرور ومفاسد لا حصر لها "رأس الحكمة مخافة الرب" ومخافة الرب علمت هذا الفتى أن يعرف ما هو "مستقيم". وما أجمل القوة العظيمة المنطوي عليها القول "عمل مستقيم في عيني الرب" ليس المستقيم في عيني نفسه ولا في عيني الناس ولا في عيني الذين سبقوه ولكن المستقيم في عيني الرب. هذا هو الأساس الراسخ لكل عمل مستقيم. لا يمكن أن يوجد شيء مستقيم ولا شيء من الحكمة ولا من القداسة حتى تأخذ مخافة الله موضعها الصحيح في القلب. قد نعمل أشياء كثيرة بسبب الخوف من الإنسان، وأشياء أخرى كثيرة بسبب قوة العادة، وبسبب المؤثرات المحيطة بنا، ولكن لن نستطيع أن نعمل ما هو مستقيم حقاً في عيني الرب حتى تصل قلوبنا إلى فهم مخافة اسمه القدوس. هذا هو المبدأ العظيم الفعال، مخافة الرب حاجز منيع ضد البطل والعبث، وكل من يسير في مخافة الله تراه دائماً حازماً ومخلصاً ومحرراً من المعطلات والمؤثرات بعيداً عن الادعاء والافتخار.
نقرأ عن يوشيا انه "سار في طرق داود ولم يجد يميناً ولا شمالاً" ويا لها من شهادة يسجلها الروح القدس عن شاب! كم نشتاق إلى هذا القرار الصحيح! قرار لا يمكن تقديره تماماً في الأيام الحاضرة- أيام الرخاوة والتساهل- أيام الحرية الكاذبة والطيبة الظاهرية- قرار يمنح الفكر سلاماً عظيماً. الإنسان المتردد لن يتمتع بالسلام بل هو دائم التراوح بين الأمام والخلف "رجل ذو رأيين هو متقلقل في جميع طرقه" يجتهد أن يرضي كل شخص وفي النهاية لا يرضي أحداً. أما الرجل المكرس فهو على العكس لأنه يشعر بأن عليه أن يرضي واحد فقط، وهذا يعطي ثباتاً للحياة والأخلاق، يركز العين في الرب وحده، قد يسيء الناس فهم أفكارنا أو يسيئون الظن فينا، ولكن هذا في الحقيقة أمر تافه إذ واجبنا وشغلنا الهام هو أن نسير في الطريق المعينة لنا من الله "لا نحيد يميناً أو شمالاً". إننا مقتنعون تماماً أن التكريس الصحيح هو كل ما يحتاجه خادم المسيح في الوقت الحاضر، لأنه بدون شك عندما يجدنا الشيطان مترددين يعمل كل وسيلة لكي يدفعنا خارجاً عن الطريق الواضح الضيق. يا ليت روح الله يعمل في نفوسنا بأكثر قوة لكي نقول "ثابت قلبي يا الله ثابت قلبي أغني وأرنم".
ونتقدم الآن لكي نتأمل في العمل العظيم الذي أقيم يوشيا لإتمامه. ولكن قبل أن نبدأ تأملنا هذا، نسأل القارئ أن يلاحظ بنوع خاص الكلمات التي سبقت الإشارة إليها وهي "وفي السنة الثامنة من ملكه إذ كان بعد فتى ابتدأ يطلب إله داود أبيه". ونقول بالتأكيد أن هذا هو الأساس الصحيح لخدمة يوشيا. ابتدأ يطلب الله. تأمل أيها القارئ المسيحي تأملاً عميقاً في هذا. فإننا نخشى أن يكون مئات من الأشخاص قد فشلوا إذ اندفعوا للعمل قبل الأوان، انشغلوا وانغمسوا في خدمتهم قبل أن يكون القلب قد تثبت تماماً على مخافة ومحبة الله. وهذه غلطة شنيعة، قد رأينا كثيرين في السنوات القليلة الماضية قد وقعوا فيها. وينبغي أن نذكر على الدوام أن أولئك الذين يستخدمهم جهاراً يدربهم سراً على المشغولية به أكثر من المشغولية بعملهم. إننا لا نحط من قيمة العمل ولكننا نجد أن كل الذين استخدمهم الله والذين قطعوا شوطاً طويلاً وأظهروا ثباتاً في الخدمة والشهادة المسيحية قد ابتدأوا بعمل قلبي عميق وقوي في سرية الحضور الإلهي. ومن الجهة الأخرى عندما يندفع الأشخاص إلى العمل الجهاري قبل الأوان، عندما يبدأون العمل قبل أن يكونوا قد بدأوا في التعلم يفشلون ويتقهقرون سريعاً.
حسن أن نذكر هذا أن نباتات الله تتأصل بعمق وتكون غالباً بطيئة النمو إلى أعلى. يوشيا "ابتدأ يطلب الله" أربع سنوات قبل أن يبتدئ في عمله الجهاري وفي حالة كهذه يوجد أساس ثابت للتقوى الشخصية الصحيحة- أساس يمكن أن يقام عليه بناء الخدمة النشيطة. كان عليه أن يقوم بعمل عظيم "مرتفعات وسواري، تماثيل ومسبوكات" منتشرة في كل الجهات وتتطلب أمانة وتكريساً غير اعتياديين. ومن أين يمكن الحصول عليهما؟ هناك في الكنز الإلهي وهناك فقط. كان يوشيا فتى بينما كان كثيرون من أولئك الذين أدخلوا العبادة الوثنية رجالاً في السنين والاختبار لكنه بدأ يطلب الرب وقد وجد ينبوعه في إله أبيه داود، حمل نفسه إلى مصدر كل حكمة وقد حصل على قوة تهيأ بها للعمل الذي كان أمامه.
نكرر القول بأن هذه هي الحاجة القصوى وهذا ما لا غنى عنه بالكلية. كانت أمام الفتى يوشيا أغلاط العصور والأجيال الماضية المتراكمة. فواحد بعد الآخر من سالفيه كان قد أضاف إلى تلك الكومة ثقلاً. ورغماً عن الإصلاح الذي أجري في أيام حزقيا فقد ظهر أن كل شيء يجب أن يعمل من جديد. وتأمل في قائمة الشرور والأغلاط: "وفي السنة الثانية عشرة ابتدأ يطهر يهوذا وأورشليم من المرتفعات والسواري والتماثيل والمسبوكات وهدموا أمامه مذابح البعليم وتماثيل الشمس التي عليها من فوق قطعها وكسر السواري والتماثيل والمسبوكات ودقها ورشها على قبور الذين ذبحوا لها وأحرق عظام الكهنة على مذابحهم وطهر يهوذا وأورشليم وفي مدن منسى وأفرايم وشمعون حتى ونفتالي مع خرائبها حولها هدم المذابح والسواري ودق التماثيل ناعماً وقطع جميع تماثيل الشمس في كل أرض إسرائيل ثم رجع إلى أورشليم.
انظر أيضاً إلى القصة المذكورة في سفر الملوك الثاني الإصحاح الثالث والعشرين حيث نجد قائمة مدونة بأكثر تفصيل عن الأرجاس التي كان على ذلك الخادم المكرس لله أن يزيلها. لسنا نريد أن نسرد شيئاً أكثر لأن ما ذكر فيه الكفاية ليرينا المسافات الهائلة التي يمكن أن يصل إليها حتى رجال الله عندما يبتعدون ولو بدرجة صغيرة عن سلطة الوحي المقدس. نشعر أن هذا درس خاص يجب أن نتعلمه من هذا التاريخ المؤثر جداً لأحسن ملوك يهوذا ونثق من القلب بإمكانية تعلمه بتأثر. لأنه في الحقيقة درس عظيم الأهمية. وفي اللحظة التي يبتعد فيها الإنسان عن الوحي قيد شعرة فلا حد للتطرف الهائل الذي يمكن أن يندفع إليه. قد نشعر بأننا مدفوعون لأن ندهش كيف أن رجلاً مثل سليمان يمكن أن يقاد إلى أن "يبني مرتفعات لعشتاروث رجس الصيدونيين ولكموش رجس الموآبيين ولملوك رجس بني عمون" ولكننا نستطيع أن نرى بسهولة أنه إذ بدأ بمخالفة كلمة ربه في الذهاب إلى تلك الأمم ليأخذ منها زوجات سقط بكل سهولة إلى أحط غلطة بإدخال آلهتهم. لكن دعنا أيها القارئ المسيحي نتذكر أن كل الضرر وكل الفساد والارتباك وكل العار والهوان وكل الخجل والخزي كانت بداءته نسيان وإهمال كلمة الله. ولا يسعنا أن نتأمل في هذه الحقيقة بتعمق أكثر كما يجب، لأنها حقيقة خطيرة وفعالة وتفرق حد التعبير. ولقد كانت على الدوام خطة الشيطان الخاصة أن يقود شعب الله بعيداً عن الوحي وهو يستعمل كل وسيلة لهذا الغرض فيستعمل التقاليد- وما يسمونه بسلطة الكنيسة- واللباقة- والتدليل العقلي- والرأي العام- والشهوة- والنفوذ- والأخلاق- والمركز- والفائدة- كل هذه يستعملها لكي يبعد القلب والضمير بعيداً جداً عن الكلمة الذهبية والشعار الإلهي الأبدي "مكتوب" وكل تلك الكومة من الأرجاس التي قدر الملك الفتى المكرس أن "يدقها" ويسحقها "ناعماً" كلها كان سببها الإهمال الفظيع لتلك الكلمة الثمينة للغاية وما كان يهم يوشيا أن تلك الأشياء كانت تمتاز بصفة كونها أثرية أو بطابع سلطة آباء الأمة اليهودية، ولا هو تأثر بفكرة أن هذه المذابح والمرتفعات وتلك السواري والتماثيل يمكن أن تعتبر براهين على رحابة القلب واتساع الفكر والحرية التي ترفض كل تضييق وتعصب وعدم احتمال- والتي لا يمكن أن تنحصر داخل الحدود الضيقة للشريعة اليهودية بل يمكن أن تمتد خلال العالم المتسع جداً وتضم الكل في دائرة المحبة والإخاء. لا شيء من هذا أثر عليه كما نعلم لأنها لم تكن مبنية على القول "هكذا يقول الرب" وكان عليه أن يعمل معها شيئاً واحداً وهو أن "يدقها ناعماً".
(شــذرة)
في الكتاب المقدس قوة فعالة وتأثير حي وتناسب كلي بين أجزائه المتفرقة لأن إلهاً واحداً هو مصدره ومسيحاً واحداً هو المركز الذي تدور حوله كل حقائقه وتتجه إليه جميع أشعة مجده وروحاً واحداً هو العامل في كل فرع من فروعه.
- عدد الزيارات: 5738